عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 24 ربيع الأول 1432هـ/27-02-2011م, 03:59 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي رأي أبي حيان في آيات الاستثناء المفرغ بعد الإيجاب

رأي أبي حيان في آيات الاستثناء المفرغ بعد الإيجاب

أبو حيان ممن منع أن يجئ الاستثناء المفرع بعد الإيجاب قال في [البحر:4/475] «وحكم الواجب لا تدخل (لا) فيه، لا في المفعول، ولا في غيره من الفضلات، لأنه يكون استثناء مفرغا، والاستثناء المفرغ لا يكون في الواجب، لو قلت: ضربت إلا زيدا، وقمت إلا ضاحكا لم يصح، والاستثناء المفرغ لا يكون إلا مع النفي أو النهي أو المؤول بهما». وانظر [البحر1/425، 5/33].
وإذا كان هذا رأي أبي حيان فكيف وجه الآيات السابقة؟
ذكر أبو حيان أن الفراء يجيز أن يعامل الاستثناء المفرغ معاملة الاستثناء التام الذي ذكر فيه المستثنى منه، فيجيز في نحو: ما قام إلا زيد نصب (زيد) على مراعاة المستثنى منه فيعامل معاملة: ما قام أحد إلا زيد. [البحر:1/323، 350].
وكذلك عبر الرضي عن رأي الفراء [«شرح الكافية»:1/217] ونسبه السيوطي إلى الكسائي في [الهمع:1/223].
قال في [البحر:4/475]: «والاستثناء المفرغ لا يكون إلا مع النفي، أو النهي، أو المؤول بهما، فإن جاء ما ظاهره خلاف ذلك قدر عموم قبل (إلا) حتى يصح الاستثناء من ذلك العموم؛ فلا يكون استثناء مفرغا».
وقال في [البحر:1/425] عن قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [2: 143]. «{إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} هذا استثناء من المستثنى منه المحذوف؛ إذ التقدير: وإن كانت لكبيرة على الناس إلا على الذين هدى الله، ولا يقال في هذا إنه استثناء مفرغ؛ لأنه لم يسبقه نفي أو شبهه، إنما سبقه إيجاب».
وقال في قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [8: 16].
«وفي الحقيقة هو استثناء من حال محذوفة والتقدير ومن يولهم ملتبسا بآية حالة إلا في حال كذا، وإن لم يقدر حال غاية محذوفة لم يصح دخول (إلا)؛ لأن الشرط عندهم واجب، وحكم الواجب لا تدخل فيه (إلا)، لا في المفعول ولا في غيره من الفضلات، لأنه يكون استثناء مفرغا، والاستثناء المفرغ لا يكون في الواجب» [البحر:4/475].
وسلك أبو حيان هذا التأويل في الاستثناء المفرغ بعد (أبي، ويأبى) وإن كان جمهور النحويين أجاز الاستثناء المفرغ بعد هذا المفعول لظهور تأويله بالنفي {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [9: 32].
في [البحر:5/33] «مجئ (إلا) بعد (يأبى) يدل على مستثنى منه محذوف لأنه فعل موجب، والموجب لا تدخل عليه (إلا) لا تقول: كرهت إلا زيدا وتقدير المستثنى منه: ويأبى الله كل شيء إلا أن يتم نوره، قاله الزجاج».
أبو حيان لا يسمى هذا استثناء مفرغا، ولكنه سماه استثناء مفرغا في قوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [2: 45]. قال في [البحر:1/185] «استثناء مفرغ، لأن المعنى: وإنها لكبيرة على كل أحد إلا على الخاشعين». وقال في قوله تعالى: {وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} [2: 99].
«استثناء مفرغ، إذ تقديره: وما يكفر بها أحد..، ويجوز في مذهب الفراء أن ينصب في نحو من هذا الاستثناء، فأجاز: ما قام إلا زيدا على مراعاة ذلك المحذوف، إذ لو كان لم يحذف لجاز النصب، ولا يجيز ذلك البصريون». [البحر:1/323].
وقال في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ} [2: 111]. «وهو من الاستثناء المفرغ، والمعنى: لن يدخل الجنة أحد إلا من، ويجوز أن تكون على مذهب الفراء بدلا، أو يكون منصوبا على الاستثناء، إذ يجيز أن يراعى لذلك المحذوف، ويجعله هو الفاعل ويحذفه، وهو لو كان ملفوظا به لجاز البدل والنصب على الاستثناء، فكذلك إذا كان محذوفا» [البحر:1/350].
وقد ناقض أبو حيان نفسه في قوله تعالى: {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [12: 66]. فقد أول الفعل المثبت بفعل منفي في هذه الآية على حين أنه منع من ذلك في قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ} [2: 83].
قال في [البحر:5/324-325]: عن الآية الأولى: «وهذا الاستثناء من المفعول من أجله مراعى في قوله {لَتَأْتُنَّنِي} وإن كان مثبتا معنى النفي، لأن المعنى: لا تمتنعون من الإتيان به لشيء من الأشياء إلا لأن يحاط بكم».
وقد ذكرنا اعتراضه على تأويل الفعل المثبت بفعل منفي فيما سبق وانظر [البحر:1/287].
ولما كان تأويل الفعل {لَتَأْتُنَّنِي} بفعل منفي هو رأي الزمخشري في الكشاف في هذه الآية ذكر أبو حيان: تخريجا آخر لهذه الآية مع بقاء الاستثناء مفرغا، ومن غير تقدير للمستثنى منه: جعل المصدر المؤول من أن والفعل منصوبا على الظرفية الزمانية، كما يقع كذلك المصدر الصريح، وذكر أن هذا رأي ابن جني، قال في [البحر:5/325]: «فعلى ما أجازه ابن جني يجوز أن تخرج الآية، ويبقى {لَتَأْتُنَّنِي بِه} على ظاهره من الإثبات، ولا يقدر فيه معنى النفي».
وعجيب أمر أبي حيان: أجاز هنا إعراب المصدر المؤول ظرف زمان لأن الزمخشري لم يذكر هذا الوجه على حين أنه منع هذا الإعراب في آية أخرى لأن الزمخشري قال به، قال في [البحر:3/323-324]: وكلا تخريجي (الزمخشري) خطأ، أما جعل (أن) وما بعدها ظرفا فلا يجوز نص النحويون على ذلك، وأنه مما انفردت به (ما) المصدرية، ومنعوا أن نقول: أجيئك أن يصيح الديك، تريد وقت صياح الديك» انظر [الكشاف:1/290].
وتسائل أبا حيان: إن الاستثناء مفرغ على التخريجين، مفرغ من أعم العلل أو مفرغ من أعم الأزمنة، فلماذا يبقى الفعل {لَتَأْتُنَّنِي} على إثباته إن جعل المصدر المؤول ظرف زمان، ويؤول بالنفي إن جعل المصدر مفعولا لأجله؟
ونجد أبا حيان في آيات من الاستثناء المفرغ بعد الإثبات لا يتحدث عن الاستثناء لا يعرض لتأويل الفعل المثبت بفعل منفي ولا يقدر المستثنى منه كما في هذه الآيات:
1- {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [8: 72]. انظر [البحر:4/521-522]، و[النهر:ص522].
2- {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [9: 110]. لم يتحدث عن الاستثناء، [البحر:5/101].
3- {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ} [23: 5-6].
عرض لتوجيهات الزمخشري ومن بينها تأويل الفعل المثبت بفعل منفي ثم قال: وهذه التي ذكرها وجوه متكلفة ظاهر فيها العجمة»، [البحر:6/396] ولم يبين لنا الوجه الصحيح.


[دراسات عضيمة: ق1، ج1،ص269]


رد مع اقتباس