عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 24 ربيع الأول 1432هـ/27-02-2011م, 03:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي الاستثناء التام المنفي

الاستثناء التام المنفي

يختار في الاستثناء التام المنفي المتصل إتباع المستثنى للمستثنى منه في الإعراب قال سيبويه [1/360]: «جعلت المستثنى بدلا من الأول، فكأنك قلت: ما مرت إلا بزيد، وما أتاني إلا زيد، وما لقيت إلا زيد.. فهذا وجه الكلام أن تجعل المستثنى بدلا من الذي قبله». وفي [المقتضب:4/394] «هذا باب المستثنى من المنفي، تقول: ما جاءني أحد إلا زيد، وإلا زيدا»، أما النصب فعلى ما فسرت لك. وأما الرفع فهو الوجه لما أذكره لك إن شاء الله.
تقول: ما جاءني أحد إلا زيد، لأن البدل يحل محل المبدل منه، ألا ترى أن قولك: مررت بأخيك زيد إنما هو بمنزلة قولك: مررت بزيد، لأنك لما رفعت الأخ قام زيد مقامه فعلى هذا قلت: ما جاءني أحد إلا زيد».
وفي [معاني القرآن للفراء:1/166]: «فإذا كان ما قبل (إلا) فيه جحد جعلت ما بعدها تابعا لما قبلها، معرفة كان أو نكرة، فأما المعرفة فقولك: ما ذهب الناس إلا زيد، وأما النكرة فقولك: ما فيها أحد إلا غلامك، لم يأت هذا عن العرب إلا بإتباع ما بعد (إلا) ما قبلها».
وفي [ابن يعيش:2/82]: «وإنما كان البدل هو الوجه، لأن البدل والنصب في الاستثناء من حيث هو إخراج واحد في المعنى، وفي البدل فضل مشاكلة ما بعد (إلا) لما قبلها؛ فكان أولى».
ونقل سيبويه أن النصب على الاستثناء لغة لبعض العرب الموثوق بعربيته قال: [1/36]: «هذا باب النصب فيما يكون مستثنى مبدلا، حدثنا بذلك يونس وعيسى جميعا أن بعض العرب الموثوق بعربيته يقول: ما مررت بأحد إلا زيدًا، وما أتاني أحد إلا زيدا».
اشتراط الفراء لجواز النصب على الاستثناء أن يكون ما قبل (إلا) معرفة، قال في [معاني القرآن:1/167]: «وإذا كان الذي قبل (إلا) نكرة مع جحد فإنك تتبع ما بعد (إلا) ما قبلها؛ كقولك: ما عندي أحد إلا أخوك».
وفي [التسهيل:ص102]: «ولا يشترط في جواز نصبه تعريف المستثنى منه، خلافا للفراء».
وفي [شرح الكافية للرضي:1/214]: «الفراء يمنع النصب على الاستثناء إذا كان المستثنى منه منكرا، فيوجب البدل في نحو: ما جاءني أحد إلا زيد، ويجيز النصب والإبدال في: ما جاءني القوم إلا زيد وإلا زيدا، ولعله قاسه على الموجب». وانظر [إعراب القرآن للزجاج:862].
جاء نصب المستثنى التام النفي المتصل في قراءة سبعية في قوله تعالى: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [4: 66].
قرأ ابن عامر {إِلَّا قَلِيلاً} بالنصب، [شرح الشاطبية:ص184] [غيث النفع:ص76] [النشر:2/250]، [الإتحاف:ص194]، [البحر:3/285].
قال الفراء في [معاني القرآن:1/166]: وهي في قراءة أبي {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ}. كأنه نفي الفعل وجعل ما بعد (إلا) كالمنقطع عن أول الكلام؛ كقولك: ما قام القوم اللهم إلا رجلا أو رجلين.
فإذا نويت الانقطاع نصبت، وإذا نويت الاتصال رفعت.
وفي [الكشاف:1/278]: «وقرئ {إِلَّا قَلِيلاً} بالنصب على أصل الاستثناء، أو على: إلا فعلا قليلا».
وفي [البحر:3/285]: «وقول الزمخشري: أو على إلا فعلا قليلا ضعيف؛ لمخالفة مفهوم التأويل قراءة الرفع، ولقوله {مِنْهُمْ}».
وأما قوله تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [11: 81]..
فقد قرئ برفع التاء في {امْرَأ َتُكَ} ونصبها في السبع: قرأ ابن كثير وأبو عمرو برفع التاء، والباقون بنصبها، [شرح الشاطبية:ص224]، [غيث النفع:ص130]، [النشر:2/290]، [الإتحاف:ص259]، [البحر:5/248].
وجه الفراء قراءة النصب على أنها منصوبة على الاستثناء، المستثنى منه قوله {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} قال في [معاني القرآن:2/24]: {إِلَّا امْرَأَتَكَ} منصوبة بالاستثناء: فأسر بأهلك إلا امرأتك.
وكذلك فعل المبرد في [المقتضب:4/395- 396] قال:
«ويجوز النصب على غير هذا الوجه [استثناء من ولا يلتفت منكم أحد] وليس بالجيد على ما أعطيتك من أول الباب جودة النصب على قوله: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ} فلا يجوز إلا النصب على هذا القول لفساد البدل لو قيل: أسر إلا بامرأتك لم يجز».
مثل هذا في [المفصل للزمخشري:1/197]، وقال في [الكشاف:2/227- 228]: «ويجوز أن ينتصب عن {لَا يَلْتَفِتْ} على أصل الاستثناء، وإن كان الفصيح هو البدل... وفي إخراجها مع أهله روايتان: روى أنه أخرجها معهم، وأمر ألا يلتفت منهم أحد إلا هي، فلما سمعتهدّة العذاب التفتت وقالت: يا قوماه، فأدركها حجر فقتلها، وروى أنه أمر أن يخلفها مع قومها، فإن هواها إليهم، فلم تسر، واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين».
وعرض ابن الحاجب في [شرح كافيته:ص45] لنقد كلام الزمخشري في جعله قراءة النصب مستثناة من {بِأَهْلِكَ} وقراءة الرفع بدل من (أحد) بأن ذلك يؤدي إلى تناقض معنى القراءتين، وذلك أن الاستثناء من {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} يقتضي كونها غير مسرى بها، والإبدال من (أحد) يقتضي كونها مسريا بها؛ لأن الالتفات بعد الإسراء، فتكون مسريا بها، وغير مسرى بها ثم قال: وهو باطل. وإنما يقع في مثل ذلك من يعتقد أن القراءات السبع آحاد ويجوز أن يكون بعضها خطأ فلا يبالي في حمل القراءتين على ما يتناقضان به، فأما من يعتقد الصحة في جميعها فبعيد عن مثل ذلك». وانظر [الرضي:1/214]، [البحر:5/248]، و[العكبري:2/23].
وابن مالك في كتابه [«شواهد التوضيح والتصحيح»:ص42] خرج قراءة الرفع على أنها مبتدأ خبره الجملة بعده؛ دفعا للتناقض بين القراءتين وتبعه على هذا ابن هشام في [المغني:2/153]، وابن القيم في [البدائع:3/65- 66] وانظر [القرطبي:4/3309].
وفي بعض المواقف نجد بعض المعربين يسوى بين الإبدال وبين النصب على الاستثناء فلا يرجح أحدهما على الآخر، وذلك في الأسماء المبنية التي لا تظهر عليها حركة الإعراب:
1- {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [2: 130]. في [العكبري:1/36]: «(من) في موضع نصب على الاستثناء، ويجوز أن يكون رفعا بدلا من الضمير في {يَرْغَبُ} رجح أبو حيان الإبدال، [البحر:1/394]».
2- {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} [37: 8- 10]. في [البحر:7/353] « {إِلَّا مَنْ خَطِفَ}: (من) بدل من الضمير في {لَا يَسَّمَّعُونَ}، ويجوز أن يكون منصوبا على الاستثناء».

* * *
ذكرنا أن جمهور النحويين يرى أن الإبدال في المستثنى التام المنفي المتصل هو الراجح، وأن قراءة سبعية جاءت على غير الراجح وهي قراءة ابن عامر: {ما فعلوه إلا قليلا منهم} أما القراءة السبعية الأخرى في وقوله تعالى: {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} فقد خرجها العلماء على أن المستثنى منه هو قوله: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} فالاستثناء تام مثبت.
هذا في الاتصال أما في الانقطاع فالمختار هو النصب على الاستثناء، وعلى ذلك جاء القرآن الكريم، لم يقرأ في السبع بالإتباع، وإنما جاء ذلك في الشواذ:
1- {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} [10: 98]. في [البحر:5/192]: ( قَوْمَ) منصوب على الاستثناء المنقطع، وهو قول سيبويه والكسائي والفراء والأخفش، إذ ليسوا مندرجين تحت لفظ (قَرْيَةٌ)، وقرئ بالرفع على البدل عن الجرمي والكسائي، [الكشاف:2/203- 204] قال: «ويجوز أن يكون متصلا والجملة في معنى النفي، كأنه قيل: ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس، وانتصابه على أصل الاستثناء».
والاستثناء عند الفراء منقطع، [معاني القرآن:1/479-480، 167]، انظر [سيبويه:1/366].
2- {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا} [11: 116]. في [البحر:5/271-272]: «استثناء منقطع، أي لكن قليلا ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد في الأرض، وهم قليل بالإضافة إلى جماعاتهم.. وقرأ زيد بن علي {إِلَّا قَلِيلٌ} بالرفع، لحظ أن التحضيض تضمن النفي، فأبدل، كما يبدل في صريح النفي». والاستثناء عند الفراء منقطع، [معاني القرآن:2/30]: قال «ولو كان رفعا كان صوابا». وهو منقطع عند سيبويه أيضًا [1/366].
3- {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ} [92: 19- 20]. في [البحر:8/484]: «وقرأ الجمهور {إِلَّا ابْتِغَاءَ} بنصب الهمزة، وهو استثناء منقطع، لأنه ليس داخلا في {مِنْ نِعْمَة} وقرأ ابن وثاب بالرفع على البدل من موضع «نعمة» لأنه رفع، وهي لغة تميم» وانظر [إعراب ثلاثين سورة:ص115] و[القرطبي:8/7179]، و[العكبري:2/155]، و[المقتضب:4/412- 413].



[دراسات عضيمة: ق1، ج1،ص251]


رد مع اقتباس