عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 20 جمادى الأولى 1442هـ/3-01-2021م, 07:45 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

11: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (ت: 1376هـ)
أصله من تميم، ولد في عنيزة سنة 1307هـ، ونشأ يتيم الأبوين، ماتت أمّه وله أربع سنين، ثم مات أبوه وله سبع سنين.
وكان ذكيّاً فطناً حافظاً، أتمّ حفظ القرآن وله إحدى عشرة سنة، ثمّ اشتغل بالتعلّم على علماء بلده حتى نبغ مبكراً، وجلس للتدريس وهو ابن ثلاث وعشرين سنة.
وأقبل على كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيّم فقرأها قراءة حسنة، وتفهّم مقاصدها، وحذق طريقتهما في بحث ودراسة مسائل العلم؛ مع إلمامه بكتب الفقه الحنبلي وبعض العلوم اللغوية، وكان يستعين على الحفظ بالنظم، حتى نظم منظومات عدة في علوم متفرقة.
ثمّ اختطّ لنفسه نمطاً خاصّاً في التدريس والتأليف، اعتمد فيه على التأصيل والإفهام وتقريب مسائل العلم للعامة ولطلاب العلم بعبارات جامعة محررة تنبئ عن معرفة بأقوال السلف فيها وإعمال لقواعد الجمع والترجيح من حيث لا يشعر المتلقي غير الخبير بما وراء عباراته من بحث وتحرير، وقد أوتي مع ذلك براعة في الاستنباط، وفقهاً للمقاصد، وحسن أسلوب في الكتابة والتحرير.
له كتب في التفسير وعلوم القرآن منها:
(أ) تيسير الكريم الرحمن بتفسير كلام المنان، وهو تفسيره المشهور، وهو من أجود التفاسير وأحسنها تحريراً مع اختصاره.
(ب) تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، وفكرته بديعة في بابها، فنظر في الموضوعات التي تتكرر في القرآن فجمعها وصنفها على الأبواب ثمّ فسّرها في مجلد لطيف، ليكون أصلاً يبدأ طالب علم التفسير بدراسته ليكتسب معرفة عامة حسنة بمقاصد القرآن.
(ج) القواعد الحسان لتفسير القرآن، وهو كتاب لطيف جمع فيه جملة من القواعد الأصولية واللغوية المعينة على تفسير القرآن.

12: فيصل بن عبد العزيز بن فيصل آل مبارك النجدي(ت:1376هـ)
فقيه حنبلي، ولد في حريملاء بنجد سنة 1313هـ، ونشأ بها نشأة صالحة؛ ودرس على الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، وحمد بن فارس، وسعد بن حمد بن عتيق، وعبد الله العنقري وغيرهم.
ثم اشتغل بالقضاء والإفتاء والتدريس والتأليف أكثر حياته، وتنقّل في القضاء في بلدان عدة إلى أن استقرّ به المقام بالجوف، وترك مؤلفات نافعة في علوم الشريعة، منها رسائل مختصرة، ومنها كتب متوسّطة، واختصر بعض المطولات كنيل الأوطار وفتح الباري.
وكان وقته عامراً بالإفادة والتعليم من صلاة الفجر إلى بعد العشاء بمدة، يرتّب الدروس بين طلابه وكانوا بالمئات، وبين التأليف والقضاء ومعاملات الناس، وكان كريماً جواداً وجيهاً فانتفع الناس بعلمه وجاهه وتدبيره.
مرض آخر سنوات عمره، وكان يوم فاته مشهوداً، إذ احتشد الناس في سكاكا للصلاة عليه، حتى لم تُقم صلاة الجمعة في بقية المساجد لانصراف أهل البلد كلهم للصلاة عليه بما فيهم الأمير، وازدحم الناس في المقبرة، وكانت وفاته في شهر ذي القعدة من عام 1376هـ.
له تفسير سماه "توفيق الرحمن في دروس القرآن" اختصره من تفاسير ابن جرير وابن كثير والبغوي، وأضاف إليها إضافات يسيرة، وهو مطبوع.

13: محمد أمين الخولي(ت:1385هـ)
أديب مصري ولد سنة 1313هـ، ونشأ بمحافظة المنوفية؛ فحفظ القرآن وهو في العاشرة من عمره، ثم واصل تعليمه حتى تخرج في مدرسة القضاء الشرعي، ثمّ عيّن مدرّساً فيها، ثم تنقّل في أعمال علمية دينية في مصر وإيطاليا وألمانيا ثم رئيساً لقسم اللغة العربية في جامعة فؤاد الأول ثم وكيلاً لكلية الآداب، ثمّ مديراً عامّاً للثقافة حتى تقاعد سنة 1955م – 1374هـ.
وأسس في عام 1363ه جماعة سمّاها "جماعة الأمناء" عامّتهم ممن يُسمّون بالأدباء، وجمعهم في مجلس أدبي فكري بثّ فيه أفكاره إليهم، ثم أسس مجلة الأدب، وكان يكتب في عدد من الصحف والمجلات، وله تلاميذ وجماعة تأثروا بطريقته واستحسنوا منهجه.
وهو ممن تأثر بمنهج محمد عبده وطريقته، بل غلا فيها غلوا منكراً فيما يتعلق بتفسير القرآن؛ فلئن كان محمد عبده يدعو إلى فهم هدايات القرآن من النصّ القرآني دون اعتماد على أقوال السلف بل يرى كثيراً منها مضللاً عن فهم القرآن، فإنّ الخولي يدعو إلى البدء بدراسة القرآن على أنه نصّ أدبيّ بغضّ النظر عن هداياته، وعن أقوال السلف في التفسير.

وله كتاب سماه "مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب" شكك فيه في أسانيد التفسير حتى توصّل إلى أنّه ليس بأيدينا من الأحاديث والآثار أصل متين يُمكن أن يُعتمد عليه في التفسير، مع انتقاء غريب عند الحديث عن المفسرين، يميل فيه إلى تبجيل مفسري المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة مع إغفالٍ كبيرٍ لكثير من مفسّري أهل السنة، وقد أبان في كثير من كتاباته عن ضعف شديد في معرفة مصادر التفسير بالمأثور، وأحكام المرويات، فلا يميز بين صحيح الآثار وضعيفها، ولا بين الناقلين والقائلين، بل يكاد يكون بكتب المستشرقين أعرف منه بكتب السلف، فقد تشّرب طريقتهم، وتشبّع من كتبهم، حتى أسهمت في إفساد تصوّره لمسائل العلم.
ولذلك اتجه إلى التفسير البياني لما لديه من معرفة منقوصة في اللغة والبلاغة والأدب، مع اعتماده على عقله وذوقه في فهم النصّ القرآني، وانحراف مقصده في التفسير عن الاهتداء بالقرآن، كما صرّح بذلك ودعا إليه.
وخلص الخولي من محاولته لتنظير التجديد في التفسير إلى أنّ صواب الرأي – عنده – أن لا يفسّر القرآن سورة سورة، ولا قطعة قطعة، بل يُفسّر موضوعاً موضوعاً.
وزعم أن دراسة ما كتبه المستشرقون عن القرآن ضرورية لمعرفة التفسير، حتى قال: (ما ينبغي مطلقاً أن يتقدم لدرس التفسير من لم ينل حظه من تلك الدراسة الغربية الخاصة لما حول القرآن، ليستطيع فهمه فهماً أدبياً صحيحاً مسترشداً بتلك الملابسات المهمة في الفهم).

ثمّ وضع مع ما تقدّم من الشروط شروطاً تعجيزية أخرى تنقضي أعمار طلاب العلم قبل أن يفوا بواحد منها.

فدعا إلى ترتيب النظر في آيات القرآن على ترتيب نزولها ليصحّ فهم تدرّج نزول الآيات، ثمّ إلى تفسير القرآن موضوعاً موضوعاً لا سورة سورة، ولا قطعة قطعة، مع شروط أخرى يزعم أنّه يتوصّل بعد تحقيقها إلى الفهم الصحيح للنص القرآني باعتباره نصّاً عربياً، وفنّاً أدبياً، وأما الاهتداء بآياته فشأن آخر ليس من شؤون الأديب.

وهذا خلل منهجيّ كبير في دراسة التفسير، بل هو من نتاج تأثير الغزو الفكري،وإن تعجب فاعجب لمن يصف هذا الرجل بأنه رائد التفسير البياني في العصر الحديث.

وانظر إلى ما قاله الخولي في كتابه "التفسير معالم حياته" ينظّر لطريقته هذه في التفسير: (فالعربي القحّ أو من ربطته بالعربية تلك الروابط يقرأ هذا الكتاب الجليل ويدرسه درسا أدبيًّا كما تدرس الأمم المختلفة عيون آداب اللغات المختلفة، وتلك الدراسة الأدبية لأثر عظيم كهذا القرآن هي ما يجب أن يقوم به الدارسون أولا وفاءً بحق هذا الكتاب ولو لم يقصدوا الاهتداء به أو الانتفاع بما حوى وشمل، بل هي ما يجب أن يقوم به الدارسون أولا، ولو لم تنطوِ صدورهم على عقيدة ما فيه، أو انطوت على نقيض ما يردده المسلمون الذين يعدونه كتابهم المقدس، فالقرآن كتاب الفن العربي الأقدس سواء أنظر إليه الناظر على أنه كذلك في الدين أم لا.
وهذا الدرس الأدبي للقرآن في ذلك المستوى الفني، دون نظر إلى أي اعتبار ديني هو ما نَعْتَدّه وتَعْتَدُّه معنا الأمم العربية أصلا والعربية اختلاطا، مقصدا أول وغرضا أبعد يجب أن يسبق كل غرض ويتقدم كل مقصد)ا.هـ.
ومن تعاطى التفسير على ضعف في معرفة أقوال السلف بل ربما إعراض عنها، واعتداد كبير بعقله وذوقه الأدبي، وإعجاب وانبهار بما كتبه الغربيون، وانحراف قصده عن الاهتداء بالقرآن لا بدّ أن يخرج بنتاج مليء بالمخالفات الشرعية في الاعتقاد والسلوك والأحكام ومقاصد الشريعة.
وقد تزوّج أمين الخولي الكاتبة عائشة بنت الشاطئ صاحبة كتاب التفسير البياني للقرآن، وأنجب منها ثلاثة أبناء، وهي الزوجة الثالثة له.
ولم يترك تفسيراً تاماً لكنه كان ذا أثرٍ على تلاميذه وبعض الكتّاب في زمانه وبعده لما كان له من الترأس الثقافي في بلده فاعتنوا بالتفسير الأدبي البياني عناية لم تخل من ملحوظات ومخالفات بسبب قصور مصادر البحث والاستدلال، وانحراف في مقاصد التفسير.
وقد ورث عنه تلاميذه الجرأة على العلماء المتقدمين فكثيراً ما يزعمون أن المفسرين لم يفقهوا سرّ الآيات التي يفسّرونها، ولم يتنبهوا لما فيها من البيان، وإنما ذلك بسبب قلّة اطلاعهم، وضعف آلتهم في توجيه أقوال السلف في التفسير، وإغفال لإعمال أصول التفسير وقواعده.
ومن كتبه التي تركها وليته سلم منها وسلم منها تلاميذه:
(أ) التفسير نشأته تدرجه تطوره.
(ب) مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب.
(ج) التفسير معالم حياته منهجه اليوم.
- قالت عائشة بنت عبد الرحمن تلميذة الخولي وامرأته وهي ممن يكثر منها تجهيل المفسرين المتقدمين: (كان المنهج المتَّبع في درس التفسير - إلى نحو ربع قرن من الزمان - تقليديًّا أثريًّا، لا يتجاوز فهم النص القرآني على نحو ما كان يفعل المفسرون من قديم، حتى جاء الإمام الأستاذ أمين الخولي، فخرج به عن ذلك النمط التقليدي وتناوله نصًّا أدبيًّا على منهج أصله، وتلقاه عنه تلامذته وأنا منهم)ا.هـ.

14: عبد الرحمن بن يحيى بن علي المعلّمي اليماني(ت:1386هـ)
يُنسب إلى بني المعلّم، وهم من أهل عُتْمة، مدينة جنوب غرب صنعاء بين ذمار وزبيد.
ولد عبد الرحمن المعلمي سنة 1313هـ، وقرأ القرآن على والده وعلى رجل من عشيرته، ثم درس في مدرسة حكومية، ثم اشتغل بدراسة النحو حتى حذقه، وكان أخوه الأكبر محمد كاتباً في المحكمة الشرعية في "الحجرية" فاستفاد منه معرفة أعمال القضاء، ثم لازم الشيخ أحمد بن محمد بن سليمان المعلمي، وقرأ عليه في الفقه والفرائض والنحو، وواصل دراسته على العلماء وقراءته للكتب حتى حصّل علماً كثيراً ، ثم عمل كاتباً في محكمة الحجرية.
وفي سنة 1336هـ ارتحل إلى جيزان وكانت تحت حكم الأدارسة؛ فولّاه أمير عسير محمد الإدريسي رئاسة القضاء ولقّبه شيخ الإسلام، فاشتغل بالتدريس والوعظ والإفتاء مع عمله في القضاء، وبقي فيها إلى أن توفي الإدريسي سنة 1341هـ.
ثمّ ارتحل إلى الهند وعمل في تصحيح الكتب في دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد، وبقي فيها ثلاثين سنة؛ رضي فيها بأجرة زهيدة لأن العمل فيها كان يوافق هواه وهمّته في البحث العلمي وتصحيح الكتب؛ فحقق كتباً كثيرة، وأتمّ كثيراً من مؤلفاته ونشرها.
وفي سنة 1371هـ عاد إلى مكّة؛ فعيّن أميناً لمكتبة الحرم المكي؛ فبقي فيها مشتغلاً بمطالعة الكتب وبالتحقيق والتأليف حتى توفي في السادس من شهر صفر عام 1386هـ رحمه الله.
وقد حقق كتباً كثيرة منها: كتاب التاريخ الكبير للبخاري، وكتاب الكنى للبخاري، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وتذكرة الحفاظ للذهبي، والموضح لأوهام الجمع والتفريق للخطيب البغدادي، والمعاني الكبير لابن قتيبة، وتاريخ جرجان للسهمي، والأنساب للسمعاني، والرد على الأخنائي لابن تيمية، والمنار المنيف لابن القيم، والإكمال لابن ماكولا، وكشف المخدَّرات للبعلي، والفوائد المجموعة للشوكاني، وغيرها.
وشارك في تحقيق السنن الكبرى للبيهقي، ومسند أبي عوانة، وعمل اليوم والليلة لابن السني، والكفاية في علوم الرواية للخطيب البغدادي، وأمالي ابن الشجري، وأمالي اليزيدي، وغيرها كثير.
وترك مؤلفات كثيرة في فنون عدّة من أشهرها كتاب التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، فقد أبان فيه عن براعة مبهرة في النقد العلمي، والبحث والتقصي، وكشف العلل، وتحرير ما يشكل، والنكاية العلمية مع إنصاف الخصم.
وأكثر مؤلفاته كانت رسائل مطوّلة أو متوسّطة في مسائل يبحثها لحاجة عارضة كتحرير ما يشكل، أو ردّ على مخالف، أو جواب على سؤال، وقد أربت تلك الرسائل على مائة رسالة، جمعت وطبعت في مجموع آثار الشيخ بتحقيق جماعة من الباحثين ونشرتها دار عالم الفوائد.
ومنها بضع عشرة رسالة في التفسير، جمعت في مجلد واحد، وتعقيبه على الفراهي أفرد في مجلد، ورسائله في التفسير نافعة جداً لطالب العلم.

15: سيد قطب إبراهيم الشاذلي (ت:1386هـ)
أديب مصري، ولد في أسيوط سنة 1324هـ، وحفظ القرآن في صغره، ثمّ واصل دراسته حتى حصل على الشهادة الجامعية في الآداب من كلية دار العلوم سنة 1352هـ، ثمّ عمل في وظائف تربوية وإدارية في وزارة المعارف بمصر، وانضمّ إلى حزب الوفد المصري مدّة ثم تركه، وعاش في تقلّبات فكرية، ثمّ ابتعثته وزارة المعارف إلى أمريكا سنة 1368هـ، وعاد بعد عامين، ثم انضمّ لحزب الإخوان المسلمين، وترقّى فيه حتى صار عضواً في مكتب الإرشاد للجماعة، وتولى رئاسة تحرير مجلة الإخوان المسلمين، واشتغل بالسياسة وأدبياتها والحركات التنظيمية حتى كان ذلك سبباً في سجنه ثمّ قتله سنة 1386هـ.
وقد كان سيّد قطب في شبابه على طريقة كثير من الأدباء في بلده، قد دخل عليهم من أنواع الانحراف الفكري بسبب الاستعمار وعملائه ما دخل، ثمّ بعد تديّنه وانضمامه لجماعة الإخوان المسلمين أخذته الحماسة الشديدة للعمل للإسلام وخدمة التفسير بما مهر به من الأدب والبيان، وبما تحصّل له من الثقافة والاطلاع الطويل، وبما يراه مخرجاً للأمّة لاستعادة حريتها ومجدها، وهو لم يكن معدوداً من علماء الشريعة، ولذلك وقع في كثير من كتاباته مخالفات أخذت عليه، ولا سيّما ما كتبه في مؤلفاته الأولى ومقالاته القديمة، وقد رجع عن كثير منها.
وفي المدة التي قضاها في السجن تغيّرت كتاباته كثيراً، وتحسّن أسلوبه تحسّناً ظاهراً، وتخلّص من كثير من رواسب الأفكار القديمة، واجتهد في مراجعة تفسيره وإكماله، وكان قبل ذلك قد نشر كثيراً منه في مقالات صحفية، وسمّاه "في ظلال القرآن"، وقد طبع طبعات كثيرة جداً.
وقد بناه على ما سمّاه قوّة التعبير في القرآن، وهو لون من ألوان التفسير البياني، لكنّه عبّر عنه بأسلوب أدبي، كان يجيد فيه في بعض المواضع حتى يبلغ غاية تبهر القراء، وتأخذ بمجامعهم، وتقع منه أحياناً عبارات منكرة مستبشعة، له منها قصد لا تساعده عليه عبارته، ومردّها لضعف تأصيله العلمي، وفرط الحماسة والاندفاع، وتوسّعه في التعبير.
ولذلك تعقّبه جماعة من العلماء منهم الشيخ المحدث عبد الله الدويش في كتابه "المورد العذب الزلال في التنبيه على أخطاء الظلال".

ولم يزل كبار أهل العلم عندنا إذا سئلوا عن تفسيره يُثنون على ما فيه مما أحسن فيه، ويحذرون مما وقع فيه من أخطاء، ولا يوصون به المبتدئ الذي ليس لديه من العلم ما يميّز به الخطأ من الصواب، وهذا أقرب المسالك إلى الإنصاف الذي يسلم به صاحبه من التجنّي والمغالاة.

ولعلّ أحسن خدمة يُخدم بها هذا التفسير أن يقوم على تهذيبه عالمٌ متمكّن في علم العقيدة وأصول التفسير البياني؛ فيهذب عباراته التي فيها خطأ أو إيهام لمعنى لا يصحّ، ويستبدلها بعبارات سديدة مستقيمة.

16: أَحْمَدو بن الشيخ محمدو بن أحمذيّ الحسني(ت:1387هـ)
فقيه مالكي، ومفسّر لغويّ، ومتصوّف أشعريّ، من أهل بوتلميت وهي منطقة في وسط موريتانيا، كان مولده بها سنة 1290هـ، حفظ القرآن وهو صغير ودرس في محاضر العلماء في موريتانيا فنون العلم، حتى بلغ الثامنة عشرة من عمره؛ فطرقهم الاحتلال الفرنسي؛ فانقطع عامين للجهاد ومدافعة الاحتلال.
ثم عاد إلى بلاده، ولازم أباه يساعده في التدريس في محضرته، حتى توفي أبوه، فصارت المحضرة إليه.
فكان يشتغل بالتدريس مع مواصلته الدراسة وطلب العلم، وربما رحل مرات إلى محاضر أخرى ليدرس متناً لم يكن يتقنه، أو علماً يجد في نفسه حاجة لتعلّمه، ويُجمع ما يشكل عليه من المسائل فيعرضها على العلماء الذين يرحل إليهم.
وكان في أوّل أمره على الطريقة القادرية الصوفية تبعاً لأبيه الذي كان شيخاً فيها، ثمّ لمّا حصّل من العلم ما حصّل وأراد أن يصحب جماعة من مشايخ الصوفية ويتتلمذ عليهم في التصوف امتنعوا من تلبية طلبه واعتذروا إليه.
فقال في ذلك:
فقلَّ من له النفوس تُسْلَمُ ... اليوم في البلاد أو منعدمُ
فشيخك الَّذْ فيه لا ترتاب ... حديث خير الخلق والكتابُ
يلقنان كلَّ خيرٍ فاقبلِ ... تلقين خير مرسِلٍ ومرسَلِ
ثمّ جلس للتدريس والتربية سنة 1332هـ، فذاع صيته في تلك البلاد وشاع، وتوافد عليه الطلاب من شتّى الأصقاع.
وكان على قدر كبير من العبادة والزهد والورع، فتخلّص من كثير من آثار ما كان عليه من أغلاط الصوفية، ودعا إلى الإصلاح، والالتزام بالسنة، ونبذ البدع.
وله منظومات كثيرة في فنون وأغراض شتّى، وله مؤلفات في التفسير والحديث والسيرة والفقه على مذهب الإمام مالك.
وله شرح شواهد تفسير الطبري، وشَرَح معلقة لبيد، وطائية المتنخل، وجيمية العجاج، وميمية حميد ابن ثور، وغيرها.
وله مؤلفات طبع منها كتاب "مراقي الأواه إلى تدبر كتاب الله" وهو تفسير منظوم على بحر الرجز اشتمل على نحو ثمانية آلاف بيت، وقد اعتمد فيه على تفسير ابن جرير والنسفي ونظام الدين النيسابوري واللباب للخازن، والفتوحات الإلهية لسليمان الجمل، والذهب الإبريز لليدالي.
وقد ذكر مصادره في منظومته إذ قال:
فقلت باسم ربي المعين ... معتمداً على نظام الدين
وابن جرير الطبري وهو أجل ... مفسرْ والنسفي والجَمل
والذهب الإبريز واللباب ... مخافة الزيغ عن الصواب
وكلّ ما لم أعزه حينئذ .. لأحدٍ فهو في أحد ذي
وقلّ أن يخرج عنها شيءٌ ... والمستعان الله والوليُّ
وقد شرح في منظومته الغريب وحكى الأقوال ورجح في بعضها، ولم يستوعب الحديث عن جميع الآيات، وإنما كان يقصد إلى مسائل ينتخبها، يرى حاجة الطلاب إلى بيان معانيها، وأوّل وفوّض في آيات الصفات على طريقة الأشاعرة، ولم يخل نظمه من تأثر صاحبه بالطريقة الصوفية الشائعة في بلده، وإن كان أقرب إلى السنة وتعظيمها والدعوة إليها.

17: محمد الطاهر بن الشيخ محمد بن محمد الطاهر ابن عاشور (ت: 1393هـ)
هو محمد الطاهر بن الشيخ محمد بن محمد الطاهر بن محمد الشاذلي بن عبد القادر بن محمد بن عاشور الحسني الهاشمي.
قدم جدّه الأكبر محمد بن عاشور الذي ينتسب إليه آل عاشور إلى تونس سنة 1060هـ، قادماً من الأندلس فارّاً بدينه من الظلم والتنصير الإجباري الذي كان يُفرض على المسلمين في الأندلس؛ فأقام بتونس ورزقه الله ذرية طيّبة فيهم علماء ومصلحون، ومنهم الشيخ الفقيه المفسر محمد الطاهر الذي ولد بالمرسى سنة 1296هـ، والمرسى بلدة ساحلية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، شرقيّ مدينة تونس.
نشأ الشيخ محمد في بيت شرف وعلم؛ فكان جدّه لأبيه محمد الطاهر بن محمد الشاذلي قاضياً ومؤلّفاً، وجدّه لأمّه العلامة الوجيه محمد العزيز بن محمد الحبيب بو عتّور الأموي العثماني من ذرية عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان مع فضله وعلمه وزيراً كبير الشأن؛ تولّى وزارة الإنشاء، ثم وزارة المال، ثمّ وزارة القلم، ثمّ جُمع له بين وزارة القلم ووزارة المال.
فنشأ الشيخ محمد الطاهر في كنف جدّه لأمّه؛ الذي أحبّه حبّاً شديداً، واجتهد في تعليمه وتأديبه، واختار له أمهر المدرّسين والمؤدّبين، فتعلّم القراءة وحفظ القرآن، ثمّ درس في الكُتّاب، وامتاز بالجد والاجتهاد في طلب العلم، وحدة الذكاء، وجودة القريحة، فلمّا رأى جدُّه لأمّه نبوغه وعلوّ همّته وهبه مكتبتَه العامرة.
وفي سنة 1310هـ التحق ابن عاشور بحلقات الدراسة في جامع الزيتونة حتى حصل على شهادة التطويع سنة 1317هـ، وهي شهادة يُجاز بها بتدريس ما يشاء من الكتب.
ودرس في تلك السنوات كتباً كثيرة في التفسير والفقه وأصوله والحديث والسيرة، ودرس فيها المنطق وعلم الكلام والعقائد الأشعرية.
ثمّ شرع في الإقراء في جامع الزيتونة في تلك السنة، ولم يزل يشتغل بالتدريس والأعمال العلمية في جامع الزيتونة والمدرسة الصادقية حتى عيّن سنة 1328هـ عضواً في لجنة إصلاح التعليم الأولى، وكان في كلّ عام يُسند إليه عمل جديد؛ حتى عيّن قاضياً مالكياً في سنة 1331هـ.
وفي سنة 1341هـ عيّن مفتياً مالكياً، وعاد للتدريس بجامع الزيتونة والمدرسة الصادقية، ثمّ عيّن كبير أهل الشورى المالكية.
وفي سنة 1351هـ لقّب شيخ الإسلام المالكي، وهو أوّل من تولّى هذا المنصب من المالكية، ثم سُلّمت إليه إدارة جامع الزيتونة؛ فبقي فيها سنة ثم استقال من مشيخة جامع الزيتونة بسبب فتوى التجنيس، ثم عاد إليها سنة 1364هـ وبقي فيها إلى سنة 1370ه.
وفي سنة 1374هـ اختير عضواً بالمراسلة في مجمعي اللغة العربية في القاهرة ودمشق.
وفي سنة 1375هـ بعد إعلان استقلال تونس، عيّن عميداً للجامعة الزيتونية.
وفي سنة 1382هـ ألغي اسم جامعة الزيتونة، وجُعلت كليّةً تابعة للجامعة التونسية تختص بتدريس الشريعة وأصول الدين؛ وأما جامعة الزيتونة الحالية فإنما أنشئت بهذا الاسم عام 1407هـ وهي غير الأولى.
بعد إلغاء اسم جامعة الزيتونة استقال الشيخ من العمل، وتفرّغ للكتابة والتأليف، حتى توفي رحمه الله في 26 رجب 1393هــ على المشهور من أقوال من ترجموا له، وذكر تلميذه محمد الحبيب بن الخوجة أنه توفي يوم الأحد 13 رجب 1394هـ.
وكان مع سعة علمه، وجودة تحريره، وحسن أسلوبه، غزير الإنتاج العلمي؛ فقد كتباً كثيرة ومقالات عديدة نشرت في المجلات العلمية كمجلات المجامع اللغوية والمنار والرسالة وغيرها.
وكان مذكوراً بحسن الخلق، وطيب المعشر، وكرم الخِيم، وعفة النفس، والترفع عن صغائر الأمور، وعن المشاحنات والمخاصمات.
وله أثر كبير في إصلاح التعليم في جامع الزيتونة، ورسم المناهج، وترتيب المقررات، وله كتاب سمّاه "أليس الصبح بقريب" ألّفه وهو في ريعان شبابه، يدلّ على نبوغه المبكر، وهمّته العالية في إصلاح التعليم.

وقد ترك كتباً كثيرة أشهرها أوجلّها تفسيره الذي سمّاه "تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد"، ثم اختصر اسمه إلى: "التحرير والتنوير من التفسير"، وهو من أحسن التفاسير عنايةً ببلاغة القرآن وموازنةً بين أقوال المفسرين، واستيفاءً للمسائل التفسيرية وحسن تحريرٍ لها، وفيه تأويل لبعض آيات الصفات على طريقة الأشاعرة فليتفطّن لذلك.
شرع في تأليفه عام 1341هـ وفرغ منه يوم الجمعة 12 رجب 1380هـ
وله كتب أخرى منها: مقاصد الشريعة الإسلامية، وكشف المغطَّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّأ، والنظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح، وحاشية على التنقيح للقرافي "التوضيح والتصحيح" طبع سنة 1341هـ، وموجز البلاغة، وأصول الإنشاء والخطابة، وأصول النظام الاجتماعي في الإسلام، وغيرها.
وله بحوث كثيرة ومقالات عديدة نشرت في مجلات المجامع اللغوية ومجلة المنار والرسالة والهداية الإسلامية وغيرها.

18: محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ)
هو محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر بن محمد بن أحمد نوح من آل جاكن الأبرّ الذي ينتسب إليه الجَكْنيّون، وهم بطن من حمير انتقلوا من اليمن إلى بلاد المغرب الأقصى، وقد قيل إن انتقالهم كان في الجاهلية قبل الإسلام، وكثروا في تلك البلاد ومنهم من انتقل إلى بلاد شنقيط، وهي التي تسمّى اليوم موريتانيا، حتى ذُكر أنَّ ربعَ جيش المرابطين كانوا منهم، وقد اشتهروا بالفروسية والرماية والشعر والأدب، وعاشوا حياة البادية، مع عنايتهم بالعلم، كما قال المختار ابن بونه:

قد اتّخذنا ظهور العيس مدرسةً ... فيها نبيّن دين اللهِ تبيانا
وُلِدَ الشيخ محمد الأمين رحمه الله عام 1325هـ في ماءٍ يقال له "تَنْبَهْ" في ناحية "كيفة" جنوب موريتانيا.
ومات أبوه وهو غلام صغير؛ فنشأ يتيماً في بيت أخواله الذين هم أبناء عمّ أبيه، وكان وحيد أبيه، وقد ترك له ثروة من مال وأنعام، أعانته على طلب العلم.
فقرأ القرآن على خاله عبد الله بن محمد المختار ابن أحمد نوح حتى حفظه وهو ابن عشر سنين، ثم تعلّم رسم المصحف والتجويد على ابن خاله محمد بن أحمد بن محمد المختار، ودرس مع ذلك متن ابن عاشر.
فلمّا رأت أمّه حسن أخذه للعلم، وحرصه عليه، وحفظه للقرآن، وتفوّقه على الأقران عنيت به هي وإخوانها عناية شديدة.
فدرس الأدب والنحو والسيرة وأنساب العرب وأيّامهم على زوجة خاله الشيخة عائشة بنت محمد الأمين، وكانت عالمة أديبة نسّابة، فأحسنت تعليمه، ودرّسته دراسة موسّعة مفصّلة حتى رسخت هذه المعارف في نفسه.
فكان بيت أخواله وأبناء عمّ أبيه هو مدرسته الأولى.
ثمّ جهّزته أمّه بجملين أحدهما عليه مركبه وكتبه، والآخر عليه زاده ونفقته، وأصحبت معه خادماً وبقرات عدة، واجتهدت في إحسان تجهيزه حتى يُكفى المؤونة، ويتوافر على الدراسة.
فدرس على علماء بلاده في الفقه والأصول والنحو والصرف والبلاغة وشيئاً من الحديث والتفسير.
وقد اجتمع له مع قوّة الحفظ حدة الذكاء وحسن الفهم والاجتهاد في التحقق من صحة نظره في مسائل العلم، فكان إذا درس باباً من أبواب العلم لم يقرّ له قرار حتى يحكم ضبط مسائله، ويعرف قواعده وأدلّته.
- قال مرّة عن نفسه: (جئت للشيخ في قراءتي عليه، فشرح لي كما كان يشرح، ولكنه لم يشفِ ما في نفسي على ما تعوَّدتُ، ولم يرو لي ظمئي، وقمت من عنده وأنا أجدني في حاجة إلى إزالة بعض اللبس، وإيضاح بعض المُشْكل، وكان الوقت ظهرًا، فأخذت الكتب والمراجع، فطالعتُ حتى العصر، فلم أفرغ من حاجتي، فعاودت حتى المغرب، فلم أنتهِ أيضًا، فأوقد لي خادمي أعوادًا من الحطب أقرأ على ضوئها، كعادة الطلاب، وواصلت المطالعة، وأتناول الشاهي الأخضر كلما مللتُ أو كسلتُ، والخادم بجواري يوقد الضوء، حتى انبثق الفجر وأنا في مجلسي لم أقم إلا لصلاة فرض أو تناول طعام، وإلى أن ارتفع النهار، وقد فرغت من درسي وزال عني لبسي، ووجدت هذا المحلّ من الدرس كغيره في الوضوح والفهم)ا.ه.
وهذا النهم في طلب العلم والحرص على ضبط الدروس من أعظم أسباب تمكّنه العلمي بعد توفيق الله عزّ وجلّ.
واصل الشيخ دراسته على علماء بلاده حتى حصّل علماً غزيراً، وتصدّر للتدريس، وبرع في القضاء حتى اختير أحد عُضْوَي لجنة الدماء التي تُعرض عليها أحكام القصاص في القتلى.
وعني بالتفسير عناية خاصّة فدرس كلّ آية على حدة، دراسة متأنية، حرص فيها على استيعاب أقوال المتقدمين فيها، حتى أثر عنه أنه قال: (أخذت المصحف من أوّله إلى آخر، ولم تبق آية إلا تتبّعت أقوال العلماء فيها وعرفت ما قالوا).
وحفل بكلّ ما يعين المفسّر على دراسة مسائل التفسير وتحريرها؛ فحفظ آلاف الشواهد الشعرية، وحفظ ألفية ابن مالك في النحو، وألفية العراقي في علوم الحديث، ومراقي السعود في أصول الفقه، ومنظومات كثيرة في السيرة والنبوية والغزوات والأنساب، والمتشابه من القرآن، حفظاً مقروناً بالفهم والدراسة المفصّلة، وكان كثير الاستشهاد بها في دروسه في التفسير.

ودرس المنطق ومذاهب المتكلّمين التي كانت شائعة في بلده دراسة فاحصة، وعرف أدلتهم العقلية التي يوردونها وكيف دخل عليهم الغلط في استدلالهم وفي ترتيب أدلّتهم؛ فتبيّن له بطلان ما هم عليه وأنّ الحقّ والنجاة في التمسّك بالكتاب والسنة.
- قال رحمه الله: (فبعد النظر العام الطويل في علم الكلام وما يستدل به طوائف المتكلمين، وما تردّ به كل طائفة على الأخرى، والأقيسة المنطقية التي رتبوها ونفوا بها بعض الصفات، ومعرفتنا من الوحي ومن نفس الكلام والبحوث والمناظرات كيف يُبطل ذلك الدليل، ومن أين جاء الخطأ، وتحققنا من هذا كله، بعد ذلك كله تحققنا كل التحقق أن السلامة كل السلامة والخير كل الخير في اتباع نور هذا القرآن العظيم، والاهتداء بهدي هذا النبي الكريم)ا.هـ
فكان رحمه الله يكثر من تقرير عقيدة السلف الصالح والردّ على أهل الأهواء في دروسه في التفسير وغيره.
وفي عام 1367هـ رحل الشيخ من بلاد شنقيط إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، ثم زيارة المسجد النبوي، وكان في عزمه الرجوع إلى بلده بعد ذلك، لكن شاء الله له أن يختار المقام في المدينة النبوية، وصار له مجلس تدريس في المسجد النبوي فقدّم دروساً علمية قيّمة عظم النفع بها وطار خبرها في البدان.
وكان رحمه الله يقول: (ليس من عملٍ أعظم من تفسير كتاب الله في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وفي عام 1369ه درّس التفسير في دار العلوم بالمدينة النبوية سنتين.
وفي عام 1371 افتتح المعهد العلمي بالرياض وكليّة الشريعة وكلية اللغة العربية واختير الشيخ للتدريس في المعهد والكليّتين فتولّى تدريس التفسير والأصول فيها إلى سنة 1381هـ، وألّف لهم مذكّرة في أصول الفقه، طبعت فيما بعد، وكانت له دروس بين العشاءين بدخنة في الرياض في شرح بعض كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكان يذهب في الإجازة الصيفية إلى المدينة فيلقي دروس التفسير في المسجد النبوي كلّ يوم.
وفي عام 1381هـ افتتحت الجامعة الإسلامية بالمدينة؛ فانتقل الشيخ للتدريس فيها والإقامة الدائمة في المدينة؛ فكان يدرّس في الجامعة والمسجد النبوي التفسير وأصول الفقه.
وفي عام 1385هـ اختير الشيخ مع وفد من الجامعة الإسلامية بالمدينة ورابطة العالم الإسلامي للدعوة في أفريقيا فزاروا تسع دول؛ وكان غرضهم من الزيارة تعرّف أحوال المسلمين، وتقوية أواصر الأخوة الإيمانية بين المسلمين في تلك البلدان، ونشر الدعوة، وبث الوعي.
وقد سجّلت أخبار هذه الرحلة في عشرة أشرطة صوتية فرّغت وطبعت في كتاب ضمن مجموع آثار الشيخ رحمه الله.
وفي عام 1386هـ افتتح المعهد العالي للقضاء في الرياض فاختير الشيخ مدرّساً زائراً يذهب لإلقاء المحاضرات المطلوبة.
وفي عام 1391هـ أسّست هيئة كبار العلماء من سبعة عشر عضواً؛ واختير الشيخ عضواً فيها.
وقد عاودته أمراض في آخر حياته، وذهب إلى لندن للعلاج، ثم عاد وندم على ذهابه إلى لندن وعدّ ذلك ذنباً يحتاج إلى التكفير عنه بحَجَّة؛ فعزم على الحجّ عام 1393هـ؛ فحاول أحد تلاميذه ثنيه عن عزمه لضعف صحته، فقال له: (دع عنك المحاولة، سفري إلى لندن أريد الشفاء بها لا بد أن أكفر عنه بحج).
فأمضى ما عزم عليه؛ فلما قضى نسكه اشتدّ به المرض؛ فأدخل مستشفى أجياد، وكانت لديه حساسية من أحد الأدوية وقد أخبر بذلك عند دخوله المستشفى لكن ربما لم يُفهم عنه؛ فأعطي هذا الدواء، وكان سبب موته رحمه الله؛ وصلّي عليه في المسجد الحرام، ودفن في مقبرة المعلاة بمكة.

وكان رحمه الله من أعاجيب الزمان في ذكائه وفهمه وضبطه للمسائل، وسرعة بديهته، وحضور حجته، وقوة فراسته.
وكان مع ذلك ديّناً زاهداً ورعاً عفيف اللسان واليد، حسن الخلق، كريم المعشر، وافر المروءة، وله في ذلك أخبار عجيبة تذكّر بما كان عليه أئمة السلف الصالح.
كان يُعرف عنه أنه لا يدّخر شيئاً من المال، فما زاد عن حاجته في الشهر كان ينفقه على فقراء الطلبة والعجزة والأرامل والمساكين.
وقد ترك علماً غزيراً نافعاً فمنه ما طبع في حياته، ومنه ما فرّغ من دروسه الصوتية ثم طبع بعد وفاته، وقد جمعت آثاره العلمية بعناية جماعة من المحققين ونشرتها دار عالم الفوائد.
ومن كتبه:
1: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، وهو أشهر كتبه، وأغزرها فائدة علمية، وصل فيه إلى نهاية تفسير سورة المجادلة، ثم أتمه تلميذه الشيخ عطية سالم.
2: العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير، وهو كتاب مفرّغ من دروسه الصوتية في المسجد النبوي، وكان قد أتم تفسير القرآن من أوّل ما أقام في المدينة في دروس لم تسجّل، ثمّ شرع في تفسيره ثانية وسجّلت تلك الدروس، لكنّه مات وهو في تفسير سورة التوبة، وقد جمع ما وجد من تسجيلات تلك الدروس، وفرّغ كلامه في خمس مجلدات طبعت بعنوان "العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير" بتحقيق الشيخ خالد السبت.
وهو غير تفسيره المكتوب "أضواء البيان".
3: دفع إيهاب الاضطراب عن آي الكتاب.
4: منع جواز المجاز في المنزّل للتعبّد والإعجاز،
5: رسالة في بيان الناسخ والمنسوخ من آي الذكر الحكيم.
وله كتب أخرى منها: مذكّرة في أصول الفقه، وآداب البحث والمناظرة وهو كتاب دراسي ألّفه لطلاب كلية الدعوة بالجامعة الإسلامية ، وشرح مراقي السعود، وغيرها.


19: أبو الأعلى بن أحمد حسن المودودي(ت:1399هـ)
اسمه أبو الأعلى بن أحمد حسن بن مودود، وأصله من جنوب الهند، ونسبته إلى جدّه مودود(ت:1133هـ) وهو الملقب بقطب الدين جِشتي، نسبة إلى طريقة صوفية أسسها أبو إسحاق الجشتي في أوائل القرن الرابع الهجري في مدينة "جشت" من أعمال هراة شمال غرب أفغانستان حالياً، وهي طريقة صوفية لها انتشار كبير في الهند وباكستان.
وكان جدّه مودود شيخ مشايخ الطريقة الجشتية في شبه القارة الهندية، وهو ينتسب إلى الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب.
ولد أبو الأعلى في شهر رجب من عام 1321هـ في مدينة أورانج آباد في ولاية حيدر آباد الدكن جنوب الهند، في أسرة متديّنة، وتلقّى تعليمه الأوّلي في البيت، فدرس على أبيه القرآن الكريم ومبادئ علوم الشريعة واللغة العربية، وبدت عليه أمارات النجابة، والحرص على الشعائر الدينية؛ والنهمة القيادية؛ فكان وهو صغير يجمع أولاد جيرانه ويصلّي بهم.
واجتهد والده في العناية بتربيته وتعليمه عناية بالغة حتى كان يمنعه من استعمال الألفاظ الدارجة، ويمرّنه على الأساليب العالية في الكلام والكتابة، ويقصّ عليه أخبار الأنبياء وتاريخ الإسلام وتاريخ الهند حتى تكوّنت لدى أبي الأعلى ثقافة عالية في السير والتاريخ.
وتعلّم اللغة العربية في أشهر ومهر في الكتابة والإنشاء في سنّ مبكرة حتى ترجم كتاب "المرأة الجديدة" لقاسم أمين إلى اللغة الأردية وهو في المرحلة الثانوية، وليته لم يترجمه، وعلى كلّ حال فعمله وجهاده بعد ذلك يبين منه بعده عن دعوى قاسم أمين لسفور المرأة؛ فقد كان أبو الأعلى شديد الإنكار في مسألة اختلاط النساء بالرجال، كما كان شديد الإنكار على مخالفات الطرق الصوفية، ويصفها بالبطالة والكسل، والجمود على ما ألفوه، والفرار عن معترك الحياة، والانسحاب عن ميدان الكفاح والنضال، بل كان يصف بعض الطرق الصوفية بالاستسلام والخنوع، والتمالئ مع العدوّ.


وفي سنة 1335هـ توفّي والده رحمه الله؛ فكان عليه تدبير شؤون أسرته والنفقة عليهم؛ وكانت أسرته ضيّقة الحال، فرأى العملَ في الصحافةِ أقربَ الوسائل للجمع بين سدّ حاجة أسرته ومواصلة مسيرته في العلم والدعوة ؛ لما له من مهارة في الكتابة والإنشاء؛ فاجتهد في هذا الميدان حتى وجد فرصة عمل عام 1336ه في جريدة محليّة في مدينة بنجوز الهندية، وهو في الخامسة عشرة من عمره، فكان يكتب فيها ويحرر.
ثم انتقل إلى العمل الصحفي في مجلة "تاج" الأسبوعية، وترقّى فيها حتى صار يكتب افتتاحياتها، وكان الحديث عن طرد المحتلّ البريطاني والمحافظة على الخلافة الإسلامية، والتحذير من أثر سقوطها على بلدان العالم الإسلامي في ذلك الوقت هو الشغل الشاغل في العمل الصحفي لدى الجماعات الإسلامية في الهند.
فكانت له كتابات كثيرة في محاولات استنهاض الهمم للمحافظة على الخلافة الإسلامية والحيلولة دون تفكك بلدان العالم الإسلامي بعد ما يسمّى بالاستعمار؛ وكانت كتاباته تلقى رواجاً كبيراً، وإقبالاً ظاهراً من العلماء وطلاب العلم والعامة.
وأصدر في هذه المرحلة من حياته كتابه الذي حذّر فيه من النشاطات التبشيرية في تركيا، ثم أتبعه بكتاب عن مجازر اليونانيين، وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره.
وفي عام 1338هـ انتقل إلى دلهي واتصل ببعض أعضاء جمعيّة علماء الهند المتعاونين مع غاندي في النضال لطرد المحتلين البريطانيين، وتوثّقت صلته بهم حتى أسند إليه تحرير صحيفة "المسلم"، وبرع في تحريرها ثمّ أسندوا إليه تحرير صحيفة أخرى باسم "الجمعية" استمرّ رئيساً لتحريرها أكثر من عشرين سنة.
واكتسب بسبب معرفته الصحفية واطلاعه على الأحداث المتتابعة، واتصاله بالعلماء والكُتّاب وأهل الرأي والمعرفة خبرة كبيرة في القضايا المحليّة في الهند وقضايا العالم الإسلامي، ورُزِقَ الحظوة لدى القراء؛ حتى كانت مقالاته مما يُترقّب بشوق ويُتلقّى بعناية.
لكنّه كان في أوّل أمره تغلب عليه الحميّة القومية حتى ألّف كتابيه "مصدر قوّة المسلم" "والجهاد" سنة 1346هـ ثمّ آل به الأمر إلى الحميّة الإسلامية، وكان يقول: (إن كتاب الجهاد نفعني أكثر من أي قارئ له، فقد بدأتُ تأليفَه وأنا على حميّة القومية، وفرغت منه وأنا على حمية الإسلام).
وآلى على نفسه أن لا يعود إلى ممارسة الصحافة إلا على جعلها وسيلة لخدمة الإسلام.
لكنّه وقع في أخطاء منهجية في كتابه هذا، وعبارته السابقة تدلّ على ما كان عليه من حماسة واندفاع للكتابة قبل التمكّن العلمي، بل شُغِلَ بالسياسة والصحافة والقضايا الفكرية عن التفقه في أحكام الدين كما ينبغي.
ولم يزل يزداد حظوةً لدى القراء عاماً بعد عام حتى رأى الفرصة مواتية لإصدار مجلّة خاصة به سمّاها "ترجمان القرآن" فأصدرها عام 1351هـ، ولا تزال قائمة إلى اليوم.
وكانت بريطانيا في زمن الاحتلال قد أفسدت فساداً كبيراً وقتلت خلقاً كثيراً من الهنود المسلمين وغيرهم، وحاولت فرض نفسها بالقوة؛ فلم يستتب لها الأمر وكانت الثورات تقلقها من وقت لآخر، وهجمات بعض الثائرين على البريطانيين تفتك بالجنود شيئاً فشيئاً؛ فكانت بريطانيا تردّ على تلك الثورات بعنف شديد وتعلّق المشانق، وتفجّر رؤوس الثائرين بأفواه المدافع، فلم يزدد الهنود إلا بغضاً لهم ورفضاً لحكمهم.
وكان للهندوس حزب سمّوه "حزب المؤتمر الوطني" وله ممثلين في المجالس المحلية التي تدير شؤون البلاد تحت حكم بريطانيا؛ فلجأت بريطانيا لحيلة ماكرة فأوعزت لبعض القاديانية والإسماعيلية تأسيس رابطة باسم مسلمي الهند ليكونوا هم من يتكلم بلسان المسلمين في الهند، ولتنشأ الخلافات بين الحزبين وتضعف كلمة الهنود ويستتب الأمر لبريطانيا بسبب احتياج كلّ حزب إلى الحاكم البريطاني لتلبية ما يكيد به خصمه؛ فأسس حزب "الرابطة الإسلامية" سنة 1324هـ - 1906م وبقي عشر سنوات إلى أن ضجر الناس من وطأة الاحتلال، ونهب الثروات، والتجنيد الإجباري للهنود، والزجّ بهم في الحروب، وتعالت الأصوات المنادية بضرورة الاتحاد لطرد المحتلّ الأجنبي عن تلك البلاد.
وكانت زعامة حزب الرابطة الإسلامية قد أُسندت إلى رجل يقال له "محمد علي جناح" سنة 1331هـ - 1913م، وهو محامٍ علماني، أصله من البهرة الإسماعلية، ونشأ في بريطانيا، ثم عاد إلى الهند، وجرى له ما جرى من أحداث يطول تفصيلها إلى أن ولّي بترتيب ما قيادة الرابطة الإسلامية، والحديث باسم مسلمي الهند كافة.
وفي الحرب العالمية الثانية جنّدت بريطانيا نحو مليوني هندي وزجّت بهم في المعارك على وعدٍ بمنح الاستقلال للهند بعد انتهاء الحرب العالمية، وكانت بريطانيا تجعل محمد علي جناح نظيراً لغاندي في المفاوضات في شؤون الهند بسبب كثرة عدد المسلمين، لأنّ الهند في ذلك الوقت كانت تشمل الهند وباكستان وبنجلاديش، ثم انتهت المفاوضات بعد انتهاء الحرب إلى فصل باكستان الغربية وهي باكستان الحالية وباكستان الشرقية وهي بنجلاديش في دولة واحدة مستقلّة عن الهند عام 1366هـ وعيّن زعيم الرابطة الإسلامية محمّد علي جناح رئيساً على دولة باكستان بقسميها الغربي والشرقي بسبب الأغلبية المسلمة في سكانها، ومُنح الاستقلال الاسمي للهند وباكستان.
وكان أبو الأعلى المودودي قد أسس سنة 1360هـ وهو في الهند جماعة سمّاها "الجماعة الإسلامية"، وتولّى إمارتها، لتكون هي الناطق الشرعي باسم المسلمين في الهند؛ ليقطع الطريق على الرابطة التي انتحلت الحديث بلسان المسلمين والنيابة عنهم في إدارة شؤونهم السياسية، وعامّة قيادتهم ممن ليس على عقيدة الإسلام أصلاً.
وكانوا متوافقين مع بقية طوائف الهند على ضرورة طرد المحتلّ البريطاني واستقلال البلاد، لكن كانت الأمور تُدار في أروقة السياسة على غير ما تخطط له الشعوب.
وفي سنة 1362هـ أشار محمد إقبال على المودودي بالانتقال إلى باكستان ليتقوّى بالأغلبيّة المسلمة فيها؛ فاستجاب لذلك وأنشأ مقرّ الجماعة الإسلامية في "لاهور"، وهي مدينة على طرف باكستان حالياً مما يلي الهند.
وفي سنة 1366 انفصلت باكستان عن الهند كما تقدّم، لكن عمّت الفوضى بلاد الهند، وتوالت هجمات الهندوس على المسلمين في مدن الهند وقراها؛ فهاجر نحو عشرة ملايين مسلم أو يزيدون من الهند إلى باكستان التي حكمتها الرابطة الإسلامية بزعامة محمد علي جناح كما تقدّم.
وكان أبو الأعلى يجاهر بنقد قيادة الرابطة الإسلامية من قبل الاستقلال، ويبيّن للمسلمين في الهند أنّها مدخولة؛ فقائدها إسماعيلي الأصل، غربيّ النشأة، علماني المنهج، وكثير من قادتها ليس لهم همّة لنصرة قضايا المسلمين الذين يُقتلون وتُنتهك حقوقهم في طول البلاد وعرضها، ورأى أنهم إنما يريدون أن يتغلبوا على المناطق التي فيها أغلبية مسلمة من السكان، ليضعوا أنفسهم موضع المتحدّث بلسان المسلمين؛ والنائب عنهم فيما يتعلّق بإدارة شؤونهم السياسية بترتيب مع المحتلّ الغربي.
ولما انفصلت باكستان عن الهند نشط أبو الأعلى مع جماعته في مطالبة الرابطة الإسلامية بتحكيم الشريعة الإسلامية في باكستان؛ فقوبلت دعوته بالرفض وأدخل السجن سنة 1367هـ ولبث فيه إلى سنة 1369هـ ثمّ أطلق سراحه بضغط شعبي.
فكانت قضيّة تحكيم الشريعة هي شغله الشاغل؛ وعمود ما يجاهد عليه، فكان يحشد الجماعات ويخطب فيهم الخطب، ويكتب الكتابات الصحفية، ويؤلّف الكتب، ويعقد اللقاءات والمؤتمرات، ويحاضر في المساجد والجامعات، لأجل أن يحظى المسلمون بتحكيم الشريعة في بلادهم التي ليس فيها لغيرهم من الملل الأخرى كلمة مؤثرة ولا أثر يذكر، ورَفَض دعوى إقامة دولة قومية للمسلمين بحكم ديمقراطي مع العمل على تحويله إلى حكم إسلامي بالتربية والتعليم، وهي خطّة اقترحها بعض المفكّرين في تلك البلاد؛ فكان يردّ على ذلك بأنّه لا يجوز قبول الدخول في الشرك على أمل أن يُنتقل منه إلى الإسلام.
وإذ فُصلت باكستان لأجل أغلبية السكان المسلمين فيها وأكره أكثر من عشرة ملايين مسلم على الانتقال من الهند إلى باكستان في العام الأول من الانفصال؛ فيجب أن يراعى في هذا الانفصال ما يحقق مصلحة هذه الأغلبية المسلمة التي لا ترضى بغير تحكيم الشريعة، وبيّن المودودي أنّ التشريع حقّ لله تعالى لا يجوز لأحد أن ينازعه فيه، وكشف للناس عوار ما يسمّى بالديمقراطية وأنّ حقيقتها تؤول إلى منح طائفة من الناس حقّ التشريع ليشرّعوا لهم ما يحقق مصالح طائفة مخصوصة تحت دعوى تحقيق المصلحة العامة، وهي دعوى كاذبة، إذ لا بدّ أن تضرّ المصلحة الخاصة بالمصلحة العامة، وكان قد درس – من قبل - الآثار السيئة لتطبيق النظام الديمقراطي على الشعوب الغربية، وبيّنها للمسلمين في كتاباته وخطبه ولقاءاته، وحذّر كذلك من خطر الدعاوى القومية.
وكان يجاهد جهاداً كبيراً – على ما لديه من أخطاء منهجية - من أجل استقلال كلمة المسلمين وألا يُستلب رأي الأغلبية المسلمة؛ فينطق بلسانهم من ليس على عقيدتهم، ويختار لهم الأحكام الوضعية، ثم يتفرّغ لإضعاف قوّة المسلمين شيئاً فشيئاً في عقيدتهم وتربيتهم وسلوكهم ومصالحهم المعيشية.
فلما ظهر لكلامه أثرٌ كبير على الجماهير المسلمة أقدمت الحكومة الباكستانية على سجنه مرة ثانية سنة 1372هـ، وحكمت عليه بالإعدام، ثم أُبلغ بإمكان النظر في طلب الاسترحام إن قدّمه قبل مضيّ أسبوع من صدور الحكم؛ فأبى وقال: (لن أسترحم أحداً لأن أحكام الموت والحياة لا تصدر من الأرض، بل من السماء، فإذا قدّر الله لي موتي فلن يستطيع أحد إنقاذي، وإذا قدر الله الحياة فليس بمقدور أحد أن يضرني قيد شعرة).
وطار خبر الحكم بإعدامه في بلدان العالم الإسلامي؛ فتوالت الضغوط على الحكومة الباكستانية من العلماء والمفكرين والمسؤولين وتدخّل الملك سعود بن عبد العزيز للشفاعة فيه؛ فخفف الحكم من الإعدام إلى السجن ثم أُطلق سراحه سنة 1374هـ بعد إنشاء وزارة جديدة، وتقدّم أنصار الشيخ للطعن في الحكم بسجنه؛ فقُبل الطعن وأفرج عن الشيخ.
ثمّ دخلت الجماعة الإسلامية في مواجهة حادّة مع القاديانية التي كان أحد زعمائها من أعضاء قيادة الرابطة وهو أوّل وزير خارجية لباكستان واسمه محمد ظفر خان، ويُعرف في باكستان باسم تشودري سير، وهو المحامي الذي أُسند إليه إعداد نظام الحركة الإسلامية في الهند قبل الاستقلال، وله صلات قوية مع بريطانيا، حتى أصبح فيما بعد قاضياً في محكمة العدل الدولية، ورئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة وهو جهاز الأمم المتحدة التمثيلي الرئيس للتداول وصنع السياسة العامة.
وكان يراد للطائفة القاديانية أن تتمكن في باكستان لتكون وجها للمسلمين، وذلك لولائها الكبير لبريطانيا؛ فاجتهد أبو الأعلى ومعه جماعة من العلماء في بيان خطر القاديانية، وتآمرها مع المحتلّ الغربي على المسلمين، ونظّموا المظاهرات الحاشدة للضغط لعدم تمكين القاديانية، وقوبلت تلك المظاهرات بالعنف، وقُتل من قتل من المسلمين، لكنهم صمدوا وازدادت الحشود حتى تمّ لهم ما أرادوا من صدّ المحاولة الشرسة لفرض الفكر القادياني على باكستان سنة 1375هـ.
وأثمرت الجهود المتوالية لأبي الأعلى المودودي وجماعته عن رضوخ الحكومة الباكستانية سنة 1375هـ لإقرار موادّ إسلامية في الدستور إرضاء للجماهير المسلمة الغاضبة، ونصّت في الدستور على أن تكون الأحكام مستمدة من الشريعة الإسلامية، وهو نصّ عامّ غير مفصّل، لكنّ الجماهير المسلمة فرحت به وعدّته نصراً كبيراً، فلمّا هدأت الغَضبة لم تلق الحكومة بالاً لتلك المواد، وواصلت السير في طريقها العلماني.
ثم ساءت الأحوال الاقتصادية في البلاد حتى حصلت مجاعة عامة في باكستان.
وفي سنة 1377هـ دبّر محمد أيوب خان انقلاباً عسكرياً، واستولى على الحكم، وفرض الأحكام العسكرية، ثمّ أصدر سنة 1381هـ دستوراً خالياً من الموادّ الإسلامية التي ضغطت الجماعة سنوات عدة لإثباتها في الدستور؛ فانتفضت الجماعة وطالبت بإعادة الدستور الإسلامي، وتوالت ضغوطها حتى أقدمت الحكومة سنة 1382هـ على حظر نشاط الجماعة الإسلامية، واعتقال المودودي ونحو ستين رجلاً من قيادة الجماعة، ولبثوا في السجن إلى سنة 1384هـ حيث أصدر القضاء حكماً ببطلان الحظر والاعتقال بعد مرافعات عدة قام بها فريق من محامي الجماعة؛ فأفرج عن الشيخ ورفاقه.
ثمّ واصل المودودي نشاطه الدعوي والفكري في رئاسة الجماعة الإسلامية، وكثّف صلاته بدول العالم الإسلامي، وزار كثيراً من البلدان، وكان على صلة حسنة بالشيخ عبد العزيز ابن باز، وهو الذي اقترح إنشاء الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية سنة 1381هـ؛ فنُفّذ اقتراحه، وعُيّن عضواً في المجلس التأسيسي للجامعة، وعضواً للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.
وبقي أميراً للجماعة الإسلامية حتى سنة 1392ه إذ اعتزل الإمارة لأسباب صحية، وسلّم القيادة للأستاذ محمد طفيل، وتفرّغ هو للتأليف والكتابة؛ فأكمل تفسيره الذي سمّاه "تفهيم القرآن".
وفي عام 1399هـ منح المودودي جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، وقد عللوا أسباب منح الجائزة بثلاثة أمور:
1: عمله منذ شبابه المبكر في العمل الصحافي الإسلامي الجاد، وغزارة إنتاجه العلمي.
2: إسهامه الفعال في تجديد الفكر الإسلامي.
3: كفاحه البطولي وجهاده المستميت من أجل إحياء الروح الإسلامية وبعث القيم الإسلامية والمطالبة بجعل تعاليم الشريعة الإسلامية وأحكامها مطبقة بين المسلمين في حياتهم العملية.
توفّي أبو الأعلى في أوّل شهر ذي القعدة سنة 1399هـ، في فناء منزله في لاهور، وقد احتشد الناس لتشييعه حتى امتلأت الطرقات، وفي مقدمتهم الرئيس الباكستاني ضياء الحق، وصُلّي عليه صلاة الغائب في المسجد الحرام.
ترك أبو الأعلى المودودي كتباً كثيرة بلغت نحو مئة وأربعين كتاباً، ومنها كتاب في التفسير سمّاه "تفهيم القرآن"، وقد مكث في تأليفه نحواً من ثلاثين عاماً، لكنّه كان باللغة الأردية، ثم ترجم إلى الإنجليزية والمليبارية، وقد تُرجم منه إلى العربية تفسير سور البقرة وآل عمران والنور والأحزاب، ونشرته إدارة ترجمان القرآن بدلهي.
وله كتاب "المبادئ الأساسية لفهم القرآن" فيه أخطاء منهجية في تصوّر مسائل التفسير، وجراءة على نقد الصحابة والتابعين، وعدّ اختلافهم في التفسير من التفرّق الذي نهى الله عنه، وزعم أنه لا توجد آية في القرآن فيها إجماع.
وظنّي أنه أُتي من جهة كثرة اشتغاله بالعمل الصحفي، وتصدّره للكتابة في سنّ مبكرة جداً، كان الأولى أن يشتغل فيها بالتفقه في الدين، ودراسة الأحكام الشرعية، لكنه لما اشتغل بالعمل الصحفي لم يكن طلبه للعلم إلا اطلاعاً يسيراً بنفَس المنتقد الذي وجد نفسه في محلّ التصدّر لا بنفَس المسترشد؛ فأورثه ذلك جهلاً ببعض الأصول وجرأة على النقد تجاوز بها تجاوزاً كبيراً؛ وكانت تأخذه الحماسة فيفهم من معاني بعض الآيات ما هو بعيد عن دلالتها الصحيحة، ويجزم بذلك جزماً يشعر به المتلقّي أنه على يقين تام لا تردد فيه بصحة قوله.
فإذا قرأ العاميّ وطالب العلم المبتدئُ كلامَه من غير معرفة بسيرته والأحداث التي كان يكتب فيها ربما سلّم له وانحرف منهجه في تصوّر المسائل العلمية.
ولذلك دخل على سيّد قطب بعض الغلو في مسألة الحاكمية والحكم على المجتمعات الإسلامية التي يُحكم فيها بغير الشريعة، وسبب ذلك أنّ سيد قطب لما تحوّل إلى التديّن شرع في الكتابة والتصدر وتشرّب أفكار أبي الأعلى المودودي قبل أن يأخذ نفسه بالتفقه في الدين على طريقة أهل العلم.
وأمّا أهل العلم فإنهم يميّزون غلط أبي الأعلى من صوابه، وقد يجدون في كتبه بعض ما يفيدهم بسبب طول خبرته في الصراع الفكري مع طوائف مختلفة عامّتهم مما لا يُشكّ في ضلالهم؛ فينتقون من كتبه، ولا يسلّمون له بكلّ ما فيها.
ولذلك كان الشيخ ابن باز إذا سئل عن كتب أبي الأعلى وسيد قطب يثني عليها ثناء مجملاً وينبّه على أنّ فيها أغلاطاً لا تخفى على طلاب العلم.
وقد وقع أبو الأعلى في جملة من الأخطاء المنهجية في المسائل الكبار المتعلّقة بالتكفير وأحكام المكلّفين ومراتب الدعوة، وغلبت عليه الحماسة حتى حمّل النصوص ما لا تحتمل، فإذا قرأ له من لم يتمكّن في العلم الشرعي ربما تأثّر به وانحرف مساره وغالى في التكفير، واضطرب لديه فهم مراتب الدعوة.
- قال في كتاب الجهاد: (الإسلام فكرة انقلابية ومنهاج انقلابي يريد أن يهدم نظام العالم الاجتماعي بأسره ويأتي بنيانه من القواعد، ويؤسس بنيانه من جديد حسب فكرته ومنهاجه العلمي).
وغالى في ذلك حتى زعم أنّ الرسل كلهم انقلابيون، وأنّ كلّ مسلم يجب أن يكون انقلابيا في منهجه وغايته، واستدلّ لذلك بقول الله تعالى: {لا يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم } الآيتين.
- وقال: (نصّ القرآن الكريم على أنّ الذي لا يلبّي نداء الجهاد، ولا يجاهد بماله ونفسه في سبيل إعلاء كلمة الله، وإقامة الدين الذي ارتضاه لنفسه وتوطيد نظام الحكم المبني على قواعده فهو في عداد الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون، وهذا هو المقياس الذي يقاس به صدق المرء في عقيدته وإخلاصه له).
وزعم في مواضع من كتبه أن الواجب الأصلي هو إقامة نظام الحكم الإسلامي.
وهذه القضية إذا نزّلت على حال جماعة المسلمين في الهند والمراحل التي مرّوا بها قبل الاستقلال وبعده؛ كان الأمر مما يسوغ النظر فيه لأنها كانت مسألة نازلة والطوائف المنتسبة للإسلام تتنازع في مطالباتها للحكومة، مع ردّ بعض الألفاظ التي لا تليق بمقام الرسل وما في عباراته من لغة صحفية فيها مبالغات وتعميم.
وإذا قرأ عباراته بعض المسلمين في بلدان قد استتب الحكم فيها وجدوا أنفسهم مطالبين بالعمل الانقلابي كما يدعو إليه، وهذا غلط منهجيّ بيّن.
ولأجل هذه الأخطاء وموقفه من الشيعة وما أشيع عنه من تهنئة الخميني بثورته شنّع عليه بعض الباحثين المتأخرين، بل اتّهموه بأنه يريد قلب نظام الحكم في البلدان الإسلامية، وأنه إنما يسعى لذلك لمصلحة شخصية له ولجماعته، وهذا تحامل لا ينبغي.
والإنصاف أن يُنزّل كلامُه على ما عايشه من الأحداث، فقد رأى كيف يَنتحل الكلام باسم المسلمين من ليس على عقيدتهم، وشهد تأسيس الدولة التي كان إنشاؤها لأجل أغلبية المسلمين فيها، ورأى كيف حُرموا حقّهم المشروع في تحكيم الشريعة في البلد الذي حُكم باسمهم، وحَكَمَه حِزبٌ يزعم أنه الناطق باسم المسلمين.
فإذا نزّلت كلامه في مؤلفاته على أحوال أهل بلده كان الأمر مقارباً على ما فيه من أخطاء وتجاوزات في العبارات قد يكون مردّ بعضها إلى خطأ الترجمة؛ فإن كثيراً من تلك الكتب كانت باللغة الأردية ثمّ تُرجمت إلى العربية.
والمودودي غير معدودٍ من العلماء المفتين في أحكام الشريعة حتى يُفهم كلامه كما يُفهم كلام علماء الشريعة، بل كان مما انتُقد به وأُخذ عليه تزهيده في دراسة الفروع الفقهية وزعمه أنها تشغل المسلمين عن دعوة القرآن وعن القضايا الكبرى كالخلافة وتحكيم الشريعة، ولو أنه أُسند إليه تحكيم الشريعة لاحتاج إلى الفقهاء في تفصيل الحكم بالشريعة.

20: عبد الرحمن بن محمد بن خلف آل نادر الدوسري (ت: 1399هـ).
فقيه حنبلي، وإمام مفسّر، كان أبوه مقيماً في الكويت للعمل والتجارة، سافرت أمّه للبحرين سنة 1332هـ لزيارة والدها الذي كان مقيماً فيها للتجارة أيضاً فوضعت ابنها عبد الرحمن في تلك السنة، ثمّ عادت به مع زوجها إلى الكويت، فنشأ عبد الرحمن في محلّة المرقاب في الكويت، وهي محلّة فيها جماعة من العبّاد عمّار المساجد، ودرس في المدرسة المباركية، وهي مدرسة أهلية سلفية تدرّس فيها المتون العلمية، ويُلزم الطالب بحفظها.
فشرع في حفظ القرآن ودراسة علوم الشريعة، ثم أصيب في بصره بشيء خاف منه العمى على نفسه؛ فعكف على حفظ القرآن حتى أتمّ حفظه في شهرين، مخافة أن يعمى قبل أن يتمّ حفظه، ولكنّ الله عافاه ومتّعه ببصره حياته كلّها.
واجتهد في مواصلة طلب العلم، وانهمك في القراءة والبحث، والدراسة على العلماء في الكويت والبحرين، وكان نهماً في طلب العلم، قويّ الحفظ جداً، وله في استظهار ما قرأ من الكتب عجائب وغرائب.
واشتغل مع أبيه في تجارة المشالح، حتى استقلّ بنفسه، وصار ينفق على نفسه وأهله من كسب يده، ولا يسعى للوظائف، بل كان له نظر في التحذير منها.
وكان مع ذلك واسع الاطلاع والمعرفة، يتابع ما يُكتب في الصحافة في ذلك الوقت عما تشهده بلدان العالم الإسلامي من الاحتلال الصليبي والاجتياح الشيوعي، وما خلفاه من عملاء، وما يدبرون من مكائد.
ونشأ عزيز النفس قويّ البأس، يأكل من كسب يده، وما تدرّه عليه تجارته، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويشتغل بالدعوة والنصح والإرشاد وإعانة طلاب العلم، وكان شديداً غليظا على صنفين من العلماء:
- صنف من علماء السوء الذين يضلون الناس ويدلسون عليهم خدمة لأعداء الأمة وتأكلاً بعلمهم ومكانتهم.
- وصنف يسكتون عن الحقّ مع معرفتهم به وبخطر مخططات الأعداء وحاجة الأمة إلى نصحهم وبيانهم.
وهو من أوائل من تنبّهوا لخطر العلمانية والماسونية، وكان كثير التحذير منهما ومن الشيوعية والوجودية وعملاء هذه التنظيمات في بلدان العالمي الإسلامي.
وفي عام 1382هـ انتقل من الكويت إلى الرياض؛ فكان محلّ ترحيب وتقدير من كبار أهل العلم في السعودية، فواصل طريقته في الاشتغال بالدعوة والإرشاد والخطابة، وكان يخطب في مساجد متفرقة، ويتنقل في البلدان للدعوة، ويستأذن من إمام المسجد ليخطب فيه، ويلقي الكلمات في المساجد بعد الصلوات، ويزور الجامعات والمعاهد والمدارس والمراكز الدعوية فيحاضر فيها، ويكثر من التحذير من العلمانية والماسونية، كأنه منذر حرب، وقد أفردها بمحاضرات كثيرة، وله كتاب "اليهودية والماسونية".
وله مشاركات في الإفتاء في الحجّ وغيره، وحلقات إذاعية، وله نحو ثلاثين مؤلفاً منها نظم مسائل الفقه على مذهب أحمد في منظومة طويلة بلغت نحو اثني عشر ألف بيت، سمّاها "الجواهر البهية في نظم المسائل الفقيهة على مذهب الحنابلة الأحمدية".
وله ألفيّة في الفرائض.
وله كتاب "للحق والحقيقة من كلام خير الخليقة" وهو كتاب لطيف انتقى فيه أحاديث جامعة تبيّن للمسلم المنهج الصحيح في الحياة، وشرحها شرحاً لطيفاً بديعاً فيه تعليم لطريقة معرفة مقاصد الأحاديث.
وله كتاب "اليهودية والماسونية" وهو من أشهر كتبه؛ ذكر فيه تاريخ الماسونية وارتباطها باليهود، وبيّن خطرها، وأدواتها، ثم بيّن السبيل الصحيح لتحصين الأمة من أخطارها وردّ عاديتها.
وله تفسير قيّم توسّع فيه ولم يتمّه وسمّاه "صفوة الآثار والمفاهيم من تفسير القرآن العظيم"
وجعل من التفسير واستنباطه لهدايات القرآن أصلاً ينطلق منه للإصلاح الاجتماعي والتحذير من كيد أعداء الدين في داخل بلاد المسلمين وخارجها، واجتهد في التحذير من العلمانية والماسونية وأصحاب التيارات الفكرية الهدامة، وبيان سعيهم الحثيث لصدّ المسلمين عن سبيل عزّهم ومجدهم، وتضليلهم عن هدايات القرآن الكريم.
وتوسّع جداً في هذه الطريقة حتى استخرج من قوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} مائة وتسعين فائدة، وشرحها جميعاً، وعامّتها مما يتّصل بغرضه الأساس من تأليف هذا الكتاب.
لكنّه لم يكمل تفسيره هذا، وصل فيه إلى نهاية سورة المائدة، وطبع بعد موته، وقد ذكر فيه أنه اختصره من تفسير له أطول منه.

سافر في آخر حياته إلى لندن للعلاج، وألقى محاضرة في المركز الإسلامي في لندن، ثمّ عاد إلى المستشفى، وفي صبيحة يوم الأحد 16 ذو القعدة 1399هـ، توفّاه الله، وأعيد بطائرة إلى الرياض، واحتشد الناس للصلاة عليه، وشيّعوه مشياً على الأقدام حتى بلغوا به مقبرة العود في جمع كبير، وكانت العادة أن تُحمل الجنازة في سيّارة لبعد المسجد عن المقبرة.


التوقيع :

رد مع اقتباس