عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 صفر 1440هـ/4-11-2018م, 03:16 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما * وينصرك الله نصرا عزيزا * هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما}
قال قوم - فيما حكى الزهراوي -: فتحنا لك يريد به فتح مكة، وحكاه الثعلبي أيضا، ونسبه النقاش إلى الكلبي، وأخبره تعالى به على معنى: قضينا به، و"الفتاح": القاضي بلغة اليمن، وقيل: المراد إنا فتحنا لك بأن هديناك إلى الإسلام ليغفر، وقال جمهور الناس - والصحيح الذي تعضده قصة الحديبية -: إن قوله تعالى: {إنا فتحنا لك} إنما معناه: إن ما يسر الله لك في تلك الخرجة فتح مبين تستقبله، ونزلت السورة مؤنسة للمؤمنين لأنهم كانوا استوحشوا من رد قريش لهم، ومن تلك المهادنة التي هادنهم النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت السورة مؤنسة لهم في صدهم عن البيت، ومذهبة ما كان في قلوبهم، ومنه حديث عمر رضي الله عنه الشهير، وما قاله للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر رضي الله عنه، واستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السفرة أنه هادن عدوه ريثما يتقوى هو، وظهرت على يديه آية الماء في بئر الحديبية، حيث وضع فيه سهمه وثاب الماء حتى كفى الجيش، واتفقت بيعة الرضوان، وهي الفتح الأعظم، قاله جابر بن عبد الله، والبراء بن عازب، وبلغ هديه محله، قاله الشعبي، واستقبل فتح خيبر، وامتلأت أيدي المؤمنين خيرا، ولم يفتحها إلا أهل الحديبية، ولم يشركهم فيها أحد، وفيه نظر; لأن أصحاب السفينة مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه شاركوهم في القسم، فينبغي أن يقال: لم يشركهم أحد من المتخلفين عن الحديبية، واتفقت في ذلك الوقت ملحمة عظيمة بين الروم وفارس ظهرت فيها الروم، فكانت من جملة الفتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسر بها هو والمؤمنون لظهور أهل الكتاب على المجوس وانخضاد الشوكة العظمى من الكفر.
ثم عظم الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم وشرفه بأن نبأه أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقوله تعالى: "ليغفر" هي لام "كي"، لكنها تخالفها في المعنى، والمراد هنا أن الله فتح لك لكي يجعل ذلك أمارة وعلامة لغفرانه لك، فكأنها لام صيرورة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "لقد أنزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي من الدنيا"، وقال الطبري وابن كيسان: المعنى: إنا فتحنا لك فسبح بحمد ربك واستغفره ليغفر لك، وبنيا هذه الآية مع قوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح} السورة، وهذا ضعيف من وجهين: أحدهما أن سورة إذا جاء نصر الله إنما نزلت من آخر مدة النبي صلى الله عليه وسلم ناعية له نفسه حسبما قال ابن عباس رضي الله عنهما، عندما سأل عمر رضي الله عنه عن ذلك، والآخر أن تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بالتشريف كان يذهب، لأن كل أحد من المؤمنين مخاطب بهذا الذي قال الطبري، أي: سبح واستغفر لكي يغفر الله لك، ولا يقتضي هذا أن الغفران قد وقع، وما قدمناه أولا يقتضي وقوع الغفران للنبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على ذلك قول الصحابة رضي الله عنهم له صلى الله عليه وسلم حين قام حتى تورمت قدماه: أتفعل هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدا شكورا"؟ فهذا نص في أن الغفران قد وقع، وقال منذر بن سعيد: المعنى: مجاهدتك بالله تعالى المقترنة بالفتح هي ليغفر، وحكى الثعلبي عن الحسين بن الفضل أن المعنى: إنا فتحنا لك فاستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ليغفر لك الله .... الآية، وهذا نحو قول الطبري.
وقوله تعالى: {ما تقدم من ذنبك وما تأخر} قال سفيان الثوري: ما تقدم يريد به قبل النبوة و"ما تأخر" كل شيء لم يعلمه، وهذا ضعيف، وإنما المعنى التشريف بهذا الحكم ولو لم تكن له ذنوب البتة، وأجمع العلماء على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الكبائر ومن الصغائر التي هي رذائل، [وجوز بعضهم الصغائر التي ليست برذائل]، واختلفوا هل وقع ذلك من محمد صلى الله عليه وسلم أو لم يقع؟ وحكى الثعلبي عن عطاء الخراساني أنه قال: ما تقدم هو ذنب آدم وحواء عليهما السلام، أي ببركتك، و"ما تأخر" هي ذنوب أمتك، بدعائك، قال الثعلبي: الإمامية لا تجوز الصغائر على النبي صلى الله عليه وسلم ولا على الإمام، والآية ترد عليهم، وقال بعضهم: "وما تقدم" هو قوله عليه الصلاة والسلام يوم بدر: "اللهم، إن تهلك هذه العصابة لن تعبد"، و"ما تأخر" هو قوله عليه الصلاة والسلام يوم حنين: "لن نغلب اليوم من قلة". هذا كله معترض.
و"إتمام النعمة عليه" هو إظهاره وتغلبه على عدوه والرضوان في الآخرة، وقوله تعالى: {ويهديك صراطا مستقيما} معناه: إلى صراط مستقيم، فحذف الجار فتعدى الفعل، وقد يتعدى هذا بغير حرف جر.
و"النصر العزيز" هو الذي معه غلبة العدو والظهور عليه، والنصر غير العزيز هو الذي مضمنه الحماية ودفع العدو فقط). [المحرر الوجيز: 7/ 665-667]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"إنزال السكينة في قلوب المؤمنين" - وهي فعيلة من السكون - هو تسكينها لتلك الهدنة مع قريش حتى اطمأنت، وعلموا أن وعد الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حق، فازدادوا بذلك إيمانا إلى إيمانهم الأول وكثر تصديقهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما آمنوا بالتوحيد زادهم العبادات شيئا شيئا، فكانوا يزيدون إيمانا حتى قال لهم: اليوم أكملت لكم دينكم فمنحهم أكمل إيمان أهل السماوات والأرض، لا إله إلا الله، وفسر ابن عباس رضي الله عنهما السكينة بالرحمة. وقوله تعالى: {ولله جنود السماوات والأرض} إشارة إلى تسكين النفوس أيضا، وأن تكون مسلمة، لأنه ينصر متى شاء وعلى أي صورة شاء، مما لا يدبره البشر، ومن جنده: السكينة التي أنزلها في قلوب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فثبت بصائرهم، وقوله تعالى: {وكان الله} أي: ويكون: فهي دالة على الوجود بهذه الصفة لا معينة وقتا ماضيا، و"العلم" و"الإحكام" صفتان مقتضيتان عزة النصر لمن أراد الموصوف بهما نصره). [المحرر الوجيز: 7/ 667]

تفسير قوله تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما * ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا * ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما}
قوله تعالى: {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} معناه: فازدادوا وتلقوا ذلك، فتمكن - بعد ذلك- قوله تعالى: {ليدخل المؤمنين} أي بتكسبهم القبول لما أنزل الله تعالى عليهم، ويروى في معنى هذه الآية أنه لما نزلت: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} تكلم فيها أهل الكتاب، وقالوا: كيف نتبع من لا يدري ما يفعل به وبالناس معه، فبين الله في هذه السورة ما يفعل به بقوله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}، فلما سمعها المؤمنون قالوا: هنيئا مريئا، هذا لك يا رسول الله، فما لنا؟ فنزلت هذه الآية: {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات} إلى قوله: {وساءت مصيرا}، فعرفه الله تعالى ما يفعل به وبالمؤمنين والكافرين، وذكر النقاش أن رجلا من عك قال: هذه لك يا رسول الله، فما لنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هي لي ولأمتي كهاتين"، وجمع بين أصبعيه.
وقوله تعالى: {ويكفر عنهم سيئاتهم} فيه ترتيب الجمل في السرد لا ترتيب وقوع معانيها; لأن تكفير السيئات قبل إدخالهم الجنة.
وقوله تعالى: {الظانين بالله ظن السوء} قيل معناه: من قولهم: {لن ينقلب الرسول} الآية، فكأنهم ظنوا بالله ظن السوء في جهة الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وقيل: ظنوا بالله تعالى ظن سوء، إذ هم يعتقدونه بغير صفاته، فهي ظنون سوء من حيث هي كاذبة مؤدية إلى عذابهم في نار جهنم.
وقوله تعالى: {عليهم دائرة السوء} كأنه يقوي التأويل الآخر، أي: أصابهم ما أرادوه بكم. وقرأ جمهور القراء: "عليهم دائرة السوء" كالأول، ورجحها الفراء وقال: قل ما تضم العرب السين، قال أبو علي: هما متقاربان، والفتح أشد مطابقة في اللفظ، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: "ظن السوء" بفتح السين، و"عليهم دائرة السوء" بضم السين، وهو اسم، أي: دائرة السوء الذي أرادوه بكم في ظنهم السوء، وقرأ الحسن بضم السين في الموضعين، وروي ذلك عن أبي عمرو ومجاهد، وسمى تعالى المصيبة التي دعا بها عليهم دائرة من حيث يقال في الزمان: إنه يستدير، ألا ترى أن السنة والشهر كأنها مستديرات، تذهب على ترتيب وتجيء من حيث هي تقديرات للحركة العظمى، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض"، فيقال الأقدار والحوادث التي هي في طي الزمان: دائرة، لأنها تدور بدوران الزمان، كأنك تقول: إن أمرا كذا يكون في يوم كذا من سنة كذا، فمن حيث يدور ذلك اليوم حتى يبرز إلى الوجود تدور هي أيضا فيه، ومن هذا قول الشاعر:
ودائرات الدهر قد تدورا
ومنه قول الآخر:
ويعلم أن النائبات تدور
وهذا كثير، ويحسن أن تسمى المصيبة دائرة من حيث كمالها أن تحيط بصاحبها كما يحيط شكل الدائرة على السواء من النقطة، وقد أشار النقاش إلى هذا المعنى.
و"غضب الله تعالى" متى قصد به الإرادة فهو صفة ذات، ومتى قصد به ما يظهر من الأفعال على المغضوب عليه فهي صفة فعل. و"لعنهم": أبعدهم،
وقال تعالى في هذه: عزيزا حكيما فذكر صفة العزة من حيث تقدم الانتقام من الكفار، وفي التي قبل قرن بالحكمة والعلم من حيث وعده بمغيبات،
وقرن باللفظتين ذكر جنود الله تعالى التي منها السكينة ومنها نقمة من المنافقين والمشركين، فلكل لفظ وجه من المعنى، وقال ابن المبارك في كتاب النقاش: جنود الله في السماء الملائكة، وفي الأرض الغزاة في سبيل الله تعالى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا بعض من كل). [المحرر الوجيز: 7/ 668-670]

رد مع اقتباس