عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 18 ذو القعدة 1439هـ/30-07-2018م, 05:08 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وذكر المسيء بالوعيد في قوله: {وحرام على قرية أهلكناها} الآية، فتأمل الوعيد فيها على كل قول تذكرة فإنه بين، و"الكفران" مصدر كالكفر، ومنه قول الشاعر:
رأيت أناسا لا تنام خدودهم = وخدي ولا كفران لله نائم
واختلف القراء في قوله تعالى: "وحرام" فقرأ عكرمة وغيره: "وحرم" بفتح الحاء وكسر الراء، وقرأ جمهور السبعة: "وحرام"، وقرأ حمزة والكسائي، وحفص عن عاصم: "وحرم" بكسر الحاء وسكون الراء، وقرأ ابن العباس رضي الله عنهما - بخلاف عنه -: "وحرم" بفتح الحاء وسكون الراء، وقرأت فرقة: "وحرم" بفتح الحاء والراء وشد الراء، وقرأت فرقة: "وحرم" بضم الحاء وكسر الراء وشدها، وقرأ قتادة، ومطر الوراق: "وحرم" بفتح الحاء وضم الراء. والمستفيض من هذه القراءات قراءة
[المحرر الوجيز: 6/199]
من قرأ: "وحرم"، وقراءة من قرأ: "وحرام"، وهما مصدران مثل "الحل والحلال".
فأما معنى الآية فقالت فرقة: حرام وحرم معناه: جزم وحتم على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون إلى الدنيا فيتوبون ويستعتبون، بل هم صائرون إلى العذاب، وقال بعض هذه الفرقة: "الإهلاك" هو بالطبع على القلوب ونحوه، و"الرجوع" هو إلى التوبة والإيمان، وقالت طائفة: المعنى: وحرام، أي: ممتنع - وحرم كذلك - على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون، وقالوا: لا زيادة في الكلام. واختلفوا في "الإهلاك والرجوع" بحسب القولين المذكورين، قال أبو علي: يحتمل أن يرتفع "حرام" بالابتداء، والخبر رجوعهم، و"لا" زائدة، ويحتمل أن يرتفع "حرام" على خبر الابتداء، كأنه قال: والإقالة والتوبة حرام، ثم يكون التقدير بأنهم لا يرجعون، فتكون "لا" على بابها، كأنه قال: هذا عليهم ممتنع بسبب كذا، فقال تحريم في الآية بالجملة ليس كتحريم الشرع الذي إن شاء المنهي عنه ركبه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويتجه في الآية معنى ضمنه وعيد بين، وذلك أنه ذكر من عمل صالحا وهو مؤمن، ثم عاد إلى ذكر الكفرة الذين من كفرهم ومعتقدهم أنهم لا يحشرون إلى رب، ولا يرجعون إلى معاد، فهم يظنون بذلك أنه لا عقاب ينالهم، فجاءت الآية مكذبة لظن هؤلاء، أي: "ممتنع على الكفرة المهلكين أن لا يرجعون، بل هم راجعون إلى عقاب الله وأليم عذابه"، فتكون "لا" على بابها، والحرام على بابه، وكذلك الحرم فتأمله). [المحرر الوجيز: 6/200]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين}
تحتمل "حتى" - في هذه الآية - أن تكون متعلقة بقوله: "وتقطعوا"، وتحتمل - على بعض التأويلات المتقدمة - أن تتعلق بـ "يرجعون"، وتحتمل أن تكون حرف ابتداء: وهو الأظهر بسبب "إذا"؛ لأنها تقتضي جوابا وهو المقصود ذكره.
واختلف هنا في الجواب، فقالت فرقة: الجواب قوله: " اقترب الوعد " والواو زائدة، وقالت فرقة - منها الزجاج وغيره: الجواب في قوله تعالى: "يا ويلنا"، التقدير: قالوا يا ويلنا، وليست الواو بزائدة، والذي أقول: إن الجواب في قوله تعالى: {فإذا هي شاخصة}، وهذا هو المعنى الذي قصد ذكره لأنه رجوعهم الذي كانوا يكذبون به وحرم عليهم امتناعه.
وقرأ الجمهور: "فتحت" بتخفيف التاء، وقرأ ابن عامر وحده: "فتحت" بتثقيلها. وروي أن يأجوج ومأجوج يشرفون في كل يوم على الفتح فيقولون: غدا يفتح، ولا يردون المشيئة إلى الله تعالى، فإذا كان الغد وجدوا الردم كأوله، حتى إذا أذن الله في فتحه قال قائلهم: غدا نفتحه إن شاء الله، فيجدونه كما تركوه قريب الانفتاح فيفتحونه حينئذ. وقرأ عاصم وحده: " يأجوج ومأجوج " بالهمزة، وقرأ الجمهور بالتسهيل، وقد تقدم في سورة الكهف توجيه ذلك وكثير من حال يأجوج ومأجوج فغنيناها هنا عن إعادة ذلك.
و "الحدب" كل مسنم من الأرض كالجبل والظرب والكدية والقبر ونحوه، وقالت فرقة: المراد بقوله: "وهم" يأجوج ومأجوج، يعني أنهم يطلعون من كل ثنية ومرتفع ويعمون الأرض، وذلك أنهم من الكثرة بحيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى يوم القيامة: يا آدم أخرج بعث النار من ذريتك، فيخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال: ففزع الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن منكم رجلا ومن يأجوج
[المحرر الوجيز: 6/201]
ومأجوج ألف رجل، ويروى أن الرجل منهم لا يموت حتى يولد له ألف ولد بين رجل وامرأة. وقالت فرقة: المراد بقوله: "وهم" جميع العالم، وإنما هو تعريف بالبعث من القبور. وقرأ ابن مسعود: "من كل جدث"، وهذه القراءة تؤيد هذا التأويل.
و "ينسلون" معناه: يسرعون في تطامن، ومنه قول الشاعر:
عسلان الذئب أمسى قاربا برد الليل عليه فنسل
وقرأت فرقة بكسر السين، وقرأت فرقة بضمها.
وأسند الطبري عن أبي سعيد قال: يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون أحدا إلا قتلوه إلا أهل الحصون، فيمرون على بحيرة طبرية، فيمر آخرهم فيقول: كان ها هنا ماء، فيبعث الله عليهم النغف حتى يكسر أعناقهم، فيقول أهل الحصون: لقد هلك أعداء الله، فيدلون رجلا ينظر فيجدهم قد هلكوا، قال: فينزل الله ماء من السماء فيقذف بهم في البحر فيطهر الأرض منهم، وفي حديث حذيفة نحو هذا، وفي آخره قال: وعند ذلك طلوع الشمس من مغربها وروي أن ابن عباس رضي الله عنهما
[المحرر الوجيز: 6/202]
رأى صبيانا يلعبون وينزو بعضهم على بعض فقال: هكذا خروج يأجوج ومأجوج). [المحرر الوجيز: 6/203]

تفسير قوله تعالى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {واقترب الوعد الحق} يريد يوم القيامة، وروي في الحديث إن الرجل ليتخذ الفلو من بعد يأجوج ومأجوج فلا يبلغ منفعته حتى تقوم الساعة، وقوله: "هي" مذهب سيبويه أنها ضمير القصة، كأنه قال: فإذا القصة أو الحادثة شاخصة أبصار، وجوز الفراء أن تكون ضمير "الأبصار" تقدمت لدلالة الكلام، ويجيء ما يفسرها، وأنشد على ذلك:
فلا وأبيها لا تقول خليلتي ... ألا فر عني مالك بن أبي كعب
والشخوص بالعين: إحداد النظر دون أن يطرف، وذلك يعتري من الخوف المفرط أو علة أو نحوه.
وقوله: "يا ويلنا" تقديره: يا ويلنا لقد كانت بنا غفلة عما وجدنا الآن وتبينا من الحقائق، ثم تركوا الكلام الأول ورجعوا إلى نقد ما كان يداخلهم من تعمد الكفر وقصد الإعراض فقالوا:، بل كنا ظالمين). [المحرر الوجيز: 6/203]

رد مع اقتباس