عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:17 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (70) إلى الآية (71) ]

{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71)}

قوله تعالى: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70)}

قوله تعالى: {وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وحسبوا ألّا تكون فتنةٌ... (71)
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب (ألّا تكون فتنةٌ) رفعًا، وقرأ الباقون (ألّا تكون) نصبًا.
قال أبو منصور: من رفع فله وجهان:
أحدهما: أن يجعل (لا) بمعنى (ليس)، المعنى: أن ليس تكون فتنة، وكذلك قوله (ألّا يرجع إليهم قولًا) بمعنى: أن ليس يرجع.
والوجه الثاني بإضمار الهاء، المعني: أنه لا تكون فتنة، وأما من نصب فهو وجه الكلام؛ لأن (أن) و(أن لا) تنصبان المستقبل). [معاني القراءات وعللها: 1/337]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {وحسبوا أن لا تكون فتنة} [71].
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بالرفع على معنى أن ليس تكون فتنة عند الكوفيين. وعند البصريين أن «أن» الخفيفة هاهُنا مخففة من مشددة، والأصل: أنه لا تكون فتنة كما قال في موضع آخر: {ألا يقدرون} أي: أنهم لا يقدرون على شيء {وألا يرجع إليهم قولا} أي: أنه لا يرجع إليهم قولاً، ومن نصبه نصبه بـ «أن» و«لا» لا يفصل بين العامل والمعمول فيه كقولك: أحب أن تذهب وأحب أن لا تذهب، وكذلك قرأ الباقون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/148]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في رفع النون ونصبها من قوله [جلّ وعز]: وحسبوا ألا تكون فتنة [المائدة/ 71].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر أن لا تكون فتنة نصبا.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: أن لا تكون فتنة رفعا.
ولم يختلفوا في رفع فتنة. قيل: إنّ المراد بقوله: وحسبوا ألا تكون فتنة: حسبوا أن لا تكون فتنة بقولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه [المائدة/ 18].
قال أبو علي: الأفعال على ثلاثة أضرب: فعل يدلّ على ثبات الشيء واستقراره، وذلك نحو العلم والتيقّن والتبيّن،
[الحجة للقراء السبعة: 3/246]
والتثبّت، وفعل يدلّ على خلاف الاستقرار والثبات. وفعل يجذب مرّة إلى هذا القبيل، وأخرى إلى هذا القبيل، فما كان معناه العلم وقعت بعده أنّ الثقيلة، ولم تقع بعده الخفيفة الناصبة للفعل، وذلك أنّ أنّ الثقيلة معناها ثبات الشيء واستقراره، والعلم وبابه كذلك أيضا، فإذا أوقع عليه واستعمل معه كان وفقه وملائما له. ولو استعملت الناصبة للفعل بعد ما معناه العلم واستقرار الشيء لم تكن وفقه فتباينا وتدافعا، ألا ترى أنّ «أن» الناصبة لا تقع على ما كان ثابتا مستقرا. فمن استعمال الثقيلة بعد العلم ووقوعه عليها قوله: ويعلمون أن الله هو الحق المبين [النور/ 25] وأ لم يعلم بأن الله يرى [العلق/ 14] لأنّ الباء زائدة وكذلك التّبيّن والتيقّن، وما كان معناه العلم كقوله تعالى: ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات [يوسف/ 35] فبدا* ضرب من العلم، ألا ترى أنّه تبيّن لأمر لم يكن قد تبيّن، فلذلك كان قسما، كما كان علمت قسما في نحو قوله:
ولقد علمت لتأتينّ منيّتي
[الحجة للقراء السبعة: 3/247]
قال: ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه [يوسف/ 35] فهذا بمنزلة: علموا ليسجننّه، وعلى هذا قول الشاعر:
بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى...
فأوقع بعدها الشديدة كما يوقعها بعد علمت.
وأمّا ما كان معناه ما لم يثبت ولم يستقر، فنحو: أطمع وأخاف وأخشى وأشفق وأرجو، فهذه ونحوها تستعمل بعد الخفيفة الناصبة للفعل، قال: والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي [الشعراء/ 82] وتخافون أن يتخطفكم الناس [الأنفال/ 26] وإلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما [البقرة/ 229] فخشينا أن يرهقهما [الكهف/ 80] أأشفقتم أن تقدموا [المجادلة/ 13] وكذلك أرجو وعسى ولعلّ.
وأمّا ما يجذب مرة إلى هذا الباب ومرّة إلى الباب الأول فنحو: حسبت، وظننت وزعمت، فهذا النحو يجعل مرّة بمنزلة أرجو وأطمع من حيث كان أمرا غير مستقر، ومرة يجعل بمنزلة
[الحجة للقراء السبعة: 3/248]
العلم من حيث استعمل استعماله ومن حيث كان خلافه، والشيء قد يجري خلافه في كلامهم نحو: عطشان وريّان. فأما استعمالهم إياه استعمال العلم فهو أنهم قد أجابوه بجواب القسم، حكى سيبويه: ظننت ليسبقنّني. وقيل في قوله: وظنوا ما لهم من محيص [فصلت/ 48] أنّ النفي جواب للظن، كما كان جوابا لعلمت في قوله: لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات [الإسراء/ 102]. فكلتا القراءتين في قوله: وحسبوا ألا تكون فتنة، وكلا الأمرين قد جاء به التنزيل، فمثل قول من نصب فقال: ألا تكون قوله: أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا [العنكبوت/ 4] أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم [الجاثية/ 21] أحسب الناس أن يتركوا [العنكبوت/ 2]. ومثل قراءة من رفع: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم [الزخرف/ 37] أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين [المؤمنون/ 55] أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه [القيامة/ 3] فهذه مخففة من الشديدة. ومثل ذلك في الظن قوله:
تظن أن يفعل بها فاقرة [القيامة/ 25]. وقوله: إن ظنا أن يقيما حدود الله [البقرة/ 230]. وفي الرفع قوله: وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا [الجن/ 5] وقوله: وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا [الجن/ 7] ف «أن» هاهنا المخففة من الشديدة، لأنّ الناصبة للفعل لا يقع بعدها «لن» لاجتماع
[الحجة للقراء السبعة: 3/249]
الحرفين في الدلالة على الاستقبال، كما لم تجتمع الناصبة مع السين، ولم يجتمعا كما لا يجتمع الحرفان لمعنى واحد، فمن ثمّ كانت أن في قوله تعالى: علم أن سيكون منكم مرضى [المزمل/ 20] المخففة من الشديدة، ومن ذلك قوله: وظنوا أنهم أحيط بهم [يونس/ 22].
فأما قوله: الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم [البقرة/ 46] فالظن هاهنا علم، وكذلك قوله: إني ظننت أني ملاق حسابيه [الحاقة/ 20] وقال سيبويه: لو قلت على جهة المشورة: «ما أعلم إلّا أن تدعه» لنصبت، وهذا لأنّ المشورة أمر غير مستقرّ. ولا متيقّن من المشير، فصار بمنزلة الأفعال الدالّة على خلاف الثبات والاستقرار. وحسن وقوع المخفّفة من الشديدة في قول من رفع، وإن كان بعدها فعل لدخول لا، وكونها عوضا من حذف الضمير معه، وإيلائه ما لم يكن يليه. ولو قلت: علمت أن تقول لم يحسن حتى تأتي بما يكون عوضا نحو: قد، ولا، والسين، وسوف، كما قال: علم أن سيكون منكم مرضى [المزمل/ 20] فإن قلت: فقد جاء: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [النجم/ 39]
فلم يدخل بين أن وليس شيء. فإنّما جاء هذا لأنّ ليس ليس بفعل على الحقيقة.
قال أحمد: وكلهم قرأ: ألا تكون فتنة بالرفع [في فتنة] فهذا لأنّهم جعلوا كان بمنزلة وقع، ولو نصب فقيل: أن لا
[الحجة للقراء السبعة: 3/250]
يكون فتنة أي: أن لا يكون قولهم فتنة: لكان جائزا في العربية، وإنّما رفعوه فيما نرى لاتباع الأثر، لا لأنّه لا يجوز في العربية غيره). [الحجة للقراء السبعة: 3/251]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى والنخعي: [ثُمَّ عُمُوا وَصُمُّوا] بضم العين والصاد.
قال أبو الفتح: يجب أن يكون هذا على تقدير فُعِلَ، كقولهم: زُكِمَ وأزكمه الله، وحُمَّ وأَحَمَّه الله، فكذلك هذا أيضًا، جاء على عُمِي وصُمَّ، وأعماه الله وأصمه الله، ولا يقال: عَمَيتُه ولا صَممْته، كما لا يقال: زكَمه الله ولا حَمَّه، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/217]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وحسبوا ألا تكون فتنة}
[حجة القراءات: 232]
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ {وحسبوا ألا تكون} بالرّفع أي أنه لا تكون فتنة كما قال في موضع آخر {ألا يقدرون} أي أنهم لا يقدرون على شيء فهي مخفّفة من أن
وقرأ الباقون {ألا تكون} نصبا ونصبه ب أن ولا تفصل بين العامل والمعمول فيه كقولك أحب أن تذهب وأحب ألا تذهب وحجتهم قوله {وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله} {وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله} كل هذا نصب ب أن لا ولما أجمعوا على إحداهما واختلفوا في الأخرى رد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
واعلم أن أن تدخل في الكلام على أربعة أضرب
1 - أن الناصبة للفعل وهي الّتي ذكرناها تقول أريد أن تخرج
2 - والثّاني أن الخفيفة عن أن الثّقيلة كقول الأعشى
في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل
أراد أنه هالك
3 - والموضع الثّالث أن تكون بمعنى أي كقوله {أن امشوا}
[حجة القراءات: 233]
معناه أي امشوا
4 - والرّابع أن يكون للتوكيد كقوله {ولما أن جاءت} ). [حجة القراءات: 234]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (29- قوله: {ألا تكون فتنة} قرأه أبو عمرو وحمزة والكسائي برفع «تكون» ونصب الباقون.
وحجة من رفع أنه جعل «حسب» بمعنى العلم واليقين، فلزمه أن يجعل «أن» مخففة من الثقلة؛ لأنها لتأكيد ما بعدها، وما قبلها من اليقين، فهي أشبه باليقين من الناصبة للفعل، فيتسق الكلام على اليقين في أوله وآخره، فلما جعل أن مخففة من الثقيلة للمعنى الذي ذكرنا، من حملها على معنى اليقين الذي قبلها، أضمر الهاء، لتكون اسم «أن» فارتفع الفعل؛ إذ لا ناص له، وصارت «لا» عوضًا من المحذوف مع «أن»، والتقدير: وحسبوا أنه لا تكون فتنة، أي: لا تقع ال تحدث، فلا تحتاج «كان» إلى خبر؛ لأنها التامة بمعنى «حدث ووقع».
30- وحجة من نصب أنه أجرى «حسب» على بابه للشك، فأتت معه «أن» الناصبة للفعل؛ لأنها لأمر غير ثابت مثل ما قبلها، فهي ملائمة لما قبلها، كما كانت «أن» المخففة من الثقيلة في القراءة الأولى ملائمة، لما قبلها؛ إذ هما جميعًا لليقين، فنصبت «أن» الفعل؛ لأنه بابها، وحكى بعض النحويين أنه قال: من رفع هذا الفعل كتب «أن لا» منفصلة؛ لأن الهاء المضمرة المقدرة تحول في المعنى بين «أن» و«لا» ومن نصب الفعل كتبه غير منفصل، إذ لا شيء يقدر يحول بين «أن» و«لا»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/416]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ} [آية/ 71]:-
بالرفع، قرأها أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب.
واعلم أن الأفعال على ثلاثة أضرب:-
أحدها: ما يدل على الثبات والاستقرار.
والثاني: ما يدل على خلاف الاستقرار.
والثالث: ما يتجاذه القبيلان.
فالأول كالعلم وما في معناه، والثاني كالطمع وما في معناه، والثالث كالظن وما في معناه، وهو ينجذب مرة إلى قبيل الاستقرار لما فيه من الترجح، وينجذب مرة إلى قبيل التردي لما فيه من عدم الاستقرار، وأن بالتشديد تدخل على ما كان مستقرًا، وأن بالتخفيف تدخل على ما كان غير
[الموضح: 448]
مستقر، والظن وبابه تدخل عليه أن وأن جميعا لما ذكرناه من انجذابه إلى كلا القبيلين.
فالقراءة بالرفع في {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ} على جعل أن مخففة من الثقيلة، وجعل الظن من قبيل الاستقرار كالعلم، والتقدير على هذا، وحسبوا أنه لا تكون فتنة، فخففت أن، وأضمر اسمها، وحسن وقوع المخففة من الثقيلة ههنا، وإن كان بعدها فعل، والفعل لا يليه أن؛ لأن لا قد صار عوضا عن الضمير المحذوف، كأنه قال: وحسبوا أنه لا تكون فتنة.
وقرأ الباقون {أَلَّا تَكُونَ} بالنصب، لأن الظن أمر غير مستقر، فهو بمنزلة الرجاء والطمع، فأوقع بعده أن الخفيفة الناصبة للفعل، كما تقع بعد أرجو أو أطمع وأخاف ونحو ذلك؛ لأن أن الخفيفة معناها الاستقبال، وهو وقت لم يستقر). [الموضح: 449]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس