عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 10:59 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف


تفسير قوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {شهد اللّه أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: شهد اللّه أنّه لا إله إلاّ هو، وشهدت الملائكة، وأولو العلم فالملائكة معطوفٌ بهم على اسم اللّه، وأنّه مفتوحةٌ بـ شهد.
وكان بعض البصريّين يتأوّل قوله شهد اللّه: قضى اللّه، ويرفع الملائكة، بمعنى: والملائكة شهودٌ وأولو العلم.
وهكذا قرأت قرّاء أهل الإسلام بفتح الألف من أنّه على ما ذكرت من إعمال شهد في أنّه الأولى وكسر الألف من إنّ الثّانية وابتدائها، سوى أنّ بعض المتأخّرين من أهل العربيّة كان يقرأ ذلك جميعًا بفتح ألفيهما، بمعنى: شهد اللّه أنّه لا إله إلاّ هو، وأنّ الدّين عند اللّه الإسلام، فعطف بأنّ الدّين على أنّه الأولى، ثمّ حذف واو العطف وهي مراده في الكلام، واحتجّ في ذلك بأنّ ابن عبّاسٍ قرأ ذلك: (شهد اللّه إنّه لا إله إلاّ هو) الآية، ثمّ قال: (أنّ الدّين) بكسر إنّ الأولى وفتح أنّ الثّانية بإعمال شهد فيها وجعل إنّ الأولى اعتراضًا في الكلام غير عاملٍ فيها شهد؛ وأنّ ابن مسعودٍ قرأ: {شهد اللّه أنّه لا إله إلا هو} بفتح أنّ، وكسر إنّ من: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} على معنى إعمال الشّهادة في أنّ الأولى، وإنّ الثّانية مبتدأةٌ، فزعم أنّه أراد بقراءته إيّاهما بالفتح جمع قراءة ابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ، فخالف بقراءته ما قرأ من ذلك على ما وصفت جميع قرّاء أهل الإسلام المتقدّمين منهم والمتأخّرين، بدعوى تأويلٍ على ابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ زعم أنّهما قالاه وقرآ به، وغير معلومٍ ما ادّعى عليهما بروايةٍ صحيحةٍ، ولا سقيمةٍ، وكفى شاهدًا على خطأ قراءة خروجها من قراءة أهل الإسلام. فالصّواب إذ كان الأمر على ما وصفنا من قراءة ذلك فتح الألف من أنّه الأولى، وكسر الألف من إنّ الثّانية، أعنّي من قوله: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} ابتداءً.
وقد روي عن السّدّيّ في تأويل ذلك قولٌ كالدّالّ على تصحيح ما قرأ به في ذلك من ذكرنا قوله من أهل العربيّة في فتح أنّ من قوله: (أنّ الدّين).وهو ما:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {شهد اللّه أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة} إلى: {لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم} فإنّ اللّه يشهد هو والملائكة والعلماء من النّاس أنّ الدّين عند اللّه الإسلام
فهذا التّأويل يدلّ على أنّ الشّهادة إنّما هي عامّةٌ في أنّ الثّانية الّتي في قوله: (أنّ الدّين عند اللّه الإسلام) فعلى هذا التّأويل جائزٌ في أنّ الأولى وجهان من التّأويل: أحدهما أن تكون الأولى منصوبةً على وجه الشّرط، بمعنى: شهد اللّه بأنّه واحدٌ، فتكون مفتوحةً بمعنى الخفض في مذهب بعض أهل العربيّة، وبمعنى النّصب في مذهب بعضهم، والشّهادة عاملةٌ في أنّ الثّانية، كأنّك قلت: شهد اللّه أنّ الدّين عند اللّه الإسلام؛ لأنّه واحدٌ، ثمّ تقدّم؛ لأنّه واحدٌ ففتحها على ذلك التّأويل.
والوجه الثّاني: أن تكون إنّ الأولى مكسورةً بمعنى الابتداء؛ لأنّها معترضٌ بها، والشّهادة واقعةٌ على أنّ الثّانية، فيكون معنى الكلام: شهد اللّه فإنّه لا إله إلاّ هو والملائكة، أنّ الدّين عند اللّه الإسلام، كقول القائل: أشهد - فإنّي محقٌّ - أنّك ممّا تعاب به بريءٌ ف إنّ الأولى مكسورةٌ؛ لأنّها معترضةٌ، والشّهادة واقعةٌ على أنّ الثّانية.
وأمّا قوله: {قائمًا بالقسط} فإنّه بمعنى أنّه الّذي يلي العدل بين خلقه.
والقسط هو العدل، من قولهم: هو مقسطٌ، وقد أقسط، إذا عدل.
ونصب قائمًا على القطع.
وكان بعض نحويّي أهل البصرة يزعم أنّه حالٌ من هو الّتي في لا إله إلاّ هو.
وكان بعض نحويّي الكوفة يزعم أنّه حالٌ من اسم اللّه الّذي مع قوله: {شهد اللّه} فكان معناه: شهد اللّه القائم بالقسط أنّه لا إله إلاّ هو. وقد ذكر أنّها في قراءة ابن مسعودٍ كذلك: وأولو العلم القائم بالقسط، ثمّ حذفت الألف واللام من القائم فصار نكرةً وهو نعتٌ لمعرفةٍ، فنصب.
وأولى القولين بالصّواب في ذلك عندي قول من جعله قطعًا على أنّه من نعت اللّه جلّ ثناؤه، لأنّ الملائكة وأولي العلم معطوفون عليه، فكذلك الصّحيح أن يكون قوله قائمًا حالاً منه.
وأمّا تأويل قوله: {لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم} فإنّه نفى أن يكون شيءٌ يستحقّ العبودة غير الواحد الّذي لا شريك له في ملكه.
ويعني بالعزيز: الّذي لا يمتنع عليه شيءٌ أراده، ولا ينتصر منه أحدٌ عاقبه أو انتقم منه، الحكيم في تدبيره، فلا يدخله خللٌ
وإنّما عنى جلّ ثناؤه بهذه الآية نفي ما أضافت النّصارى الّذين حاجّوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في عيسى من البنوّة، وما نسب إليه سائر أهل الشّرك من أنّ له شريكًا، واتّخاذهم دونه أربابًا، فأخبرهم اللّه عن نفسه أنّه الخالق كلّ ما سواه، وأنّه ربّ كلّ ما اتّخذه كلّ كافرٍ وكلّ مشركٍ ربًا دونه، وأنّ ذلك ممّا يشهد به هو وملائكته وأهل العلم به من خلقه. فبدأ جلّ ثناؤه بنفسه تعظيمًا لنفسه، وتنزيهًا لها عمّا نسب الّذين ذكرنا أمرهم من أهل الشّرك به ما نسبوا إليها، كما سنّ لعباده أن يبدءوا في أمورهم بذكره قبل ذكر غيره، مؤدّبًا خلقه بذلك.
والمراد من الكلام الخبر عن شهادة من ارتضاهم من خلقه فقدّموه من ملائكته وعلماء عباده، فأعلمهم أنّ ملائكته - الّتي يعظّمها العابدون غيره من أهل الشّرك ويعبدها الكثير منهم - وأهل العلم منهم منكرون ما هم عليه مقيمون من كفرهم وقولهم في عيسى وقول من اتّخذ ربًّا غيره من سائر الخلق، فقال: شهدت الملائكة وأولو العلم أنّه لا إله إلاّ هو، وأنّ كلّ من اتّخذ ربًّا دون اللّه فهو كاذبٌ؛ احتجاجًا منه لنبيّه عليه الصّلاة والسّلام على الّذين حاجّوه من وفد نجران في عيسى.
واعترض بذكر اللّه وصفته على ما بينت، كما قال جلّ ثناؤه: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه}، افتتاحًا باسمه الكلام، فكذلك افتتح باسمه والثنا ء على نفسه الشّهادة بما وصفنا من نفي الألوهة من غيره وتكذيب أهل الشّرك به.
فأمّا ما قال الّذي وصفنا قوله من أنّه عنى بقوله شهد: قضى، فممّا لا يعرف في لغة العرب ولا العجم؛ لأنّ الشّهادة معنًى، والقضاء غيرها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك روي عن بعض المتقدّمين القول في ذلك.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {شهد اللّه أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولو العلم} بخلاف ما قالوا، يعني: بخلاف ما قال وفد نجران من النّصارى {قائمًا بالقسط} أي بالعدل.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {بالقسط} بالعدل). [جامع البيان: 5/275-280]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم (18)
قوله تعالى: شهد اللّه أنّه لا إله إلا هو
[الوجه الأول]
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن المتوكّل العسقلانيّ، ثنا عمر بن حفص بن ثابتٍ أبو سعيدٍ الأنصاريّ، حدّثني عبد الملك بن يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه عن جدّه قرأ هذه الآية: شهد اللّه أنّه لا إله إلا هو قال: وأنا أشهد أي ربّ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولوا العلم فإنّ اللّه شهد هو والملائكة
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق: شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولوا العلم بخلاف ما قالوا.
قوله: لا إله إلا هو
قد تقدم تفسيره. أثر رقم 17- 18
قوله تعالى: الملائكة وأولوا العلم
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عمّارٍ، ثنا الحكيم يعني ابن هشامٍ، حدّثني أبو طالبٍ قال: من عرف اللّه وشهد بما شهد به اللّه فهو العالم ثمّ تلا: شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولوا العلم قائما.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، ثنا أبو أحمد يعني الزّبيريّ، ثنا مسعرٌ، قال: سمعت القاسم بن عبد الرّحمن يقول: كان أبو الدّرداء من الّذين أوتوا العلم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولوا العلم فإنّ اللّه شهد والملائكة والعلماء من النّاس.
- أخبرنا أبو محمّد بن الشّافعيّ فيما كتب إليّ، عن أبيه أو عمّه عن سفيان بن عينية قوله: شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولوا العلم: فكلّ من علمها فهو من أولي العلم.
قوله تعالى: قائمًا بالقسط لا إله إلا هو
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: قائمًا بالقسط قال: دينًا قائمًا بالعدل.
قوله تعالى: لا إله إلا هو العزيز الحكيم
تقدم تفسيره. رقم 17- 18). [تفسير القرآن العظيم: 2/616-617]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو} [آل عمران: 18].
- عن الزّبير بن العوّام قال: سمعت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - «يقرأ هذه الآية: {شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم} [آل عمران: 18] " وأنا على ذلك من الشّاهدين يا ربّ».
رواه أحمد، والطّبرانيّ إلّا أنّه قال: وسمعت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يقول حين تلا هذه الآية: «{شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو} [آل عمران: 18] إلى قوله: العزيز الحكيم. قال: " وأنا أشهد أن لا إله إلّا هو العزيز الحكيم». وفي أسانيدهما مجاهيل.
- وعن غالبٍ القطّان قال: «أتيت الكوفة في تجارةٍ فنزلت قريبًا من الأعمش، فلمّا كان ليلة أردت أن أنحدر قام فتهجّد من اللّيل فمرّ بهذه الآية: {شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم - إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} [آل عمران: 18 - 19]، قال الأعمش: وأنا أشهد بما شهد اللّه، وأستودع اللّه هذه الشّهادة، وهي عند اللّه وديعةٌ، {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} [آل عمران: 19] قالها مرارًا، قلت: لقد سمع فيها شيئًا، فغدوت إليه فودّعته، ثمّ قلت: يا أبا محمّدٍ، إنّي سمعتك تردّد هذه الآية، قال: أوما بلغك ما فيها؟ قلت: أنا عندك منذ شهرٍ لم تحدّثني، قال: واللّه لا حدّثتك بها سنةً، قال: فأقمت سنةً، فكتبت على بابه، فلمّا مضت السّنة قلت: يا أبا محمّدٍ، قد مضت السّنة، قال: حدّثني أبو وائلٍ، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " يجاء بصاحبها يوم القيامة، فيقول اللّه تعالى: عبدي عهد إليّ وأنا أحقّ من وفّى العهد، أدخلوا عبدي الجنّة».
رواه الطّبرانيّ، وفيه عمر بن المختار وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 6/325-326]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 18 - 19 – 20
أخرج ابن السني في عمل يوم وليلة وأبو منصور الشجامي في الأربعين، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فاتحة الكتاب وآية الكرسي والآيتين من آل عمران {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام}، و(قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء) (آل عمران الآية 26) إلى قوله (بغير حساب) هن معلقات بالعرش ما بينهن وبين الله حجاب يقلن: يا رب تهبطنا إلى أرضك وإلى من يعصيك، قال الله: إني حلفت لا يقرأكن أحد من عبادي دبر كل صلاة - يعني المكتوبة - إلا جعلت الجنة مأواه على ما كان فيه وإلا أسكنته حظيرة الفردوس وإلا نظرت إليه كل يوم سبعين نظرة وإلا قضيت له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة وإلا أعذته من كل عدو ونصرته منه.
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعا لما نزلت (الحمد لله رب العالمين) (الفاتحة الآية 1) وآية الكرسي و{شهد الله} و(قل اللهم مالك الملك) (آل عمران الآية 26) إلى (بغير حساب) تعلقن بالعرش وقلن: أنزلتنا على قوم يعملون بمعاصيك فقال: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا يتلوكن عبد عند دبر كل صلاة مكتوبة إلا غفرت له ما كان فيه و أسكنته جنة الفردوس ونظرت له كل يوم سبعين مرة وقضيت له سبعين حاجة أدناها المغفرة.
وأخرج أحمد والطبراني، وابن السني في عمل يوم وليلة، وابن أبي حاتم عن الزبير ابن العوام قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية {شهد الله أنه لا إله إلا هو} إلى قوله {العزيز الحكيم} فقال: وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب.
ولفظ الطبراني فقال: وأنا أشهد أنك لا إله إلا أنت العزيز الحكيم.
وأخرج ابن عدي والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه والخطيب في تاريخه، وابن النجار عن غالب القطان قال: أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريبا من الأعمش فلما كان ليلة أردت أن أنحدر قام فتهجد من الليل فمر بهذه الآية {شهد الله أنه لا إله إلا هو} إلى قوله {إن الدين عند الله الإسلام} فقال: وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي وديعة عند الله، قالها مرارا فقلت: لقد سمع فيها شيئا فسألته فقال: حدثني أبو وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله: عبدي عهد إلي وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة.
أخرج أبو الشيخ في العظمة عن حمزة الزيات قال: خرجت ذات ليلة أريد الكوفة فآواني الليل إلى خربة فدخلتها فبينا أنا فيها دخل علي عفريتان من الجن فقال أحدهما لصاحبه: هذا حمزة بن حبيب الزيات الذي يقرى ء الناس بالكوفة قال: نعم والله لأقتلنه قال: دعه المسكين يعيش قال: لأقتلنه، فلما أزمع على قتلي قلت: بسم الله الرحمن الرحيم {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} وأنا على ذلك من الشاهدين فقال له صاحبه: دونك الآن فاحفظه راغما إلى الصباح.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد الله شهد الله أن لا إله إلا هو وفي قراءته {إن الدين عند الله الإسلام}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {قائما بالقسط} قال: ربنا قائما بالعدل.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس {بالقسط} قال: بالعدل.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: فإن الله شهد هو والملائكة والعلماء من الناس {إن الدين عند الله الإسلام}.
وأخرج عن محمد بن جعفر بن الزبير {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم} بخلاف ما قال نصارى نجران). [الدر المنثور: 3/484-492]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب}
ومعنى الدّين في هذا الموضع الطّاعة والذّلّة من قول الشّاعر:
ويوم الحزن إذ حشدت معدٌّ = وكان النّاس إلاّ نحن دينا
يعني بذلك: مطيعين على وجه الذّلّ؛ ومنه قول القطاميّ:
كانت نوار تدينك الأديانا
يعني تذلّك.
وقول الأعشى ميمون بن قيسٍ:
هو دان الرّباب إذ كرهوا الدّ = ين دراكًا بغزوةٍ وصيال
يعني بقوله دان: ذلّل، وبقوله كرهوا الدّين: الطّاعة.
وكذلك الإسلام، وهو الانقياد بالتّذلّل والخشوع، والفعل منه أسلم، بمعنى: دخل في السّلم، كما يقال: أقحط القوم: إذا دخلوا في القحط، وأربعوا: إذا دخلوا في الرّبيع، فكذلك أسلموا: إذا دخلوا في السّلم، وهو الانقياد بالخضوع وترك الممانعة.
فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل قوله: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} إنّ الطّاعة لله الّتي هي الطّاعة له عنده الطّاعة له، وإقرار الألسن والقلوب له بالعبوديّة والذّلّة، وانقيادها له بالطّاعة فيما أمر ونهى، وتذلّلها له بذلك من غير استكبارٍ عليه ولا انحرافٍ عنه دون إشراك غيره من خلقه معه في العبوديّة والألوهيّة.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} والإسلام: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، والإقرار بما جاء به من عند اللّه، وهو دين اللّه الّذي شرّع لنفسه، وبعث به رسله، ودلّ عليه أولياءه، لا يقبل غيره ولا يجزي إلا به.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: حدّثنا أبو العالية، في قوله: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} قال: الإسلام: الإخلاص للّه وحده وعبادته لا شريك له، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وسائر الفرائض لهذا تبعٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {أسلمنا} قال: دخلنا في السّلم وتركنا الحرب.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} أي ما أنت عليه يا محمّد من التّوحيد للرّبّ والتّصديق للرّسل). [جامع البيان: 5/280-282]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وما اختلف الّذين أوتوا الإنجيل وهو الكتاب الّذي ذكره اللّه في هذه الآية في أمر عيسى، وافترائهم على اللّه فيما قالوه فيه من الأقوال الّتي كثر بها اختلافهم بينهم وتشتّت بها كلمتهم، وباين بها بعضهم بعضًا، حتّى استحلّ بها بعضهم دماء بعضٍ {إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم} يعني: إلاّ من بعد ما علموا الحقّ فيما اختلفوا فيه من أمره وأيقنوا أنّهم فيما يقولون فيه من عظيم الفرية مبطلون، فأخبر اللّه عباده أنّهم أتوا ما أتوا من الباطل وقالوا ما قالوا من القول الّذي هو كفرٌ باللّه على علمٍ منهم بخطأ ما قالوه، وأنّهم لم يقولوا ذلك جهلاً منهم بخطئه، ولكنّهم قالوه واختلفوا فيه الاختلاف الّذي هم عليه، تعدّيًا من بعضهم على بعضٍ وطلب الرّياسات والملك والسّلطان.
- كما: حدّثني المثنّى، قال حدّثنا إسحاق، قال حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم} قال: قال أبو العالية: إلاّ من بعد ما جاءهم الكتاب والعلم بغيًا بينهم، يقول: بغيًا على الدّنيا وطلب ملكها وسلطانها، فقتل بعضهم بعضًا على الدّنيا، من بعد ما كانوا علماء النّاس.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن ابن عمر: أنّه كان يكثر تلاوة هذه الآية: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم} يقول: بغيًا على الدّنيا، وطلب ملكها وسلطانها، من قبلها واللّه أوتينا، ما كان علينا من يكون، بعد أن يأخذ فينا كتاب اللّه وسنّة نبيّه، ولكنّا أوتينا من قبلها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: إنّ موسى لمّا حضره الموت دعا سبعين حبرًا من أحبار بني إسرائيل، فاستودعهم التّوراة، وجعلهم أمناء عليه كلّ حبرٍ جزءًا منه، واستخلف موسى يوشع بن نونٍ، فلمّا مضى القرن الأوّل، ومضى الثّاني، ومضى الثّالث، وقعت الفرقة بينهم، وهم الّذين أوتوا العلم من أبناء أولئك السّبعين، حتّى أهرقوا بينهم الدّماء، ووقع الشّرّ والاختلاف، وكان ذلك كلّه من قبل الّذين أوتوا العلم بغيًا بينهم على الدّنيا، طلبًا لسلطانها وملكها وخزائنها وزخرفها، فسلّط اللّه عليهم جبابرتهم، فقال اللّه {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} إلى قوله: {واللّه بصيرٌ بالعباد}
فقول الرّبيع بن أنسٍ هذا يدلّ على أنّه كان عنده أنّه معنيّ بقوله: {وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب} اليهود من بني إسرائيل دون النّصارى منهم ومن غيرهم.
وكان غيره يوجّه ذلك إلى أنّ المعنيّ به النّصارى الّذين أوتوا الإنجيل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم} الّذي جاءك، أي أنّ اللّه الواحد الّذي ليس له شريكٌ {بغيًا بينهم} يعني بذلك: النّصارى). [جامع البيان: 5/282-284]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب}
يعني بذلك: ومن يجحد حجج اللّه وأعلامه الّتي نصبها ذكرى لمن عقل وأدلّةً لمن اعتبر وتذكّر فإنّ اللّه محصٍ عليه أعماله الّتي كان يعملها في الدّنيا، فمجازيه بها في الآخرة، فإنّه جلّ ثناؤه سريع الحساب، يعني سريع الإحصاء، وإنّما معنى ذلك: أنّه حافظٌ على كلّ عاملٍ عمله، لا حاجة به إلى عقدٍ، كما يعقده خلقه بأكفّهم، أو يعونه بقلوبهم، ولكنّه يحفظ ذلك عليهم بغير كلفةٍ ولا مؤونةٍ، ولا معاناةٍ لما يعانيه غيره من الحساب.
وبنحو الّذي قلنا في معنى {سريع الحساب}
كان مجاهدٌ يقول.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب} قال: إحصاؤه عليهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب} إحصاؤه). [جامع البيان: 5/285]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ الدّين عند اللّه الإسلام وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلّا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب (19)
قوله تعالى إنّ الدّين عند اللّه الإسلام
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا عبد الكبير، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: إنّ الدّين عند اللّه الإسلام قال: هو خيرٌ.
قوله: الإسلام
- حدّثني أبي، ثنا صالح بن حاتم بن وردان، حدّثني أبي عونٍ، عن ابن سيرين، عن أبي الرّباب القشيريّ إنّ الدّين عند اللّه الإسلام قال: يأمرهم بالإسلام وينهاهم عمّا سواه.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ قوله: إنّ الدّين عند اللّه الإسلام قال الرّبيع، ثنا أبو العالية قال: الإسلام الإخلاص للّه وحده، وعبادته لا شريك له، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وسائر الفرائض لها تبعٌ.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث، ثنا أبو معاذٍ، ثنا أبو مصلحٍ، عن الضّحّاك في قوله: إنّ الدّين عند اللّه الإسلام قال: لم أبعث رسولا إلا بالإسلام.
قوله تعالى: وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّدٌ، ثنا مهران، عن يعقوب عن جعفرٍ، عن سعيدٍ في قوله: وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب قال: بنو إسرائيل.
قوله تعالى: إلا من بعد ما جاءهم العلم
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن السّعديّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع قوله: وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلّا من بعد ما جاءهم العلم قال: قال أبو العالية: إلا من بعد ما جاءهم الكتاب.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم الّذي جاءك أنّ اللّه الواحد الّذي ليس له شريكٌ.
قوله تعالى: بغيًا بينهم
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ في قوله: بغيًا بينهم يقول: بغيًا على الدّنيا، وطلب ملكها وزخرفها وزينتها، أيّهم يكون له الملك والمهابة في النّاس، فبغى بعضهم على بعضٍ، وضرب بعضهم رقاب بعضهم.
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع، عن أبي العالية بغيًا بينهم يقول: بغيًا على الدّنيا، وطلب ملكها وسلطانها، فقتل بعضهم بعضًا على الدّنيا بعد ما كانوا علماء النّاس.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن سعيد بن جبيرٍ بغيًا بينهم قال: كثرت أموالهم، فتنازعوا فيها.
قوله تعالى: ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب قال: إحصاؤه عليهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/617-619]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله {إن الدين عند الله الإسلام} قال: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء به من عند
الله، وهو دين الله الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ودل عليه أولياءه، لا يقبل غيره ولا يجزي إلا به.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {إن الدين عند الله الإسلام} قال: لم أبعث رسولا إلا بالإسلام.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: كان حول البيت ستون وثلاثمائة صنم لكل قبيلة من قبائل العرب صنم أو صنمان، فأنزل الله {شهد الله أنه لا إله إلا هو} الآية، قال: فأصبحت الأصنام كلها قد خرت سجدا للكعبة، قوله تعالى: {وما اختلف} الآية.
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {وما اختلف الذين أوتوا الكتاب} قال: بنو إسرائيل.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} ويقول: بغيا على الدنيا وطلب ملكها وسلطانها فقتل بعضهم بعضا على الدنيا من بعد ما كانوا علماء الناس.
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال: إن موسى عليه السلام لما حضره الموت دعا سبعين حبرا من أحبار بني إسرائيل فاستودعهم التوراة وجعلهم أمناء عليه، كل حبر جزء منه واستخلف موسى عليه السلام يوشع بن نون فلما مضى القرن الأول ومضى الثاني ومضى الثالث وقعت الفرقة بينهم، وهم الذين أوتوا العلم من أبناء أولئك السبعين حتى أهرقوا بينهم الدماء ووقع الشر والاختلاف، وكان ذلك كله من قبل الذين أوتوا العلم بغيا بينهم على الدنيا طلبا لسلطانها وملكها وخزائنها وزخرفها فسلط الله عليهم جبابرتهم
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير {وما اختلف الذين أوتوا الكتاب} يعني النصارى {إلا من بعد ما جاءهم العلم} الذي جاءك أي أن الله الواحد الذي ليس له شريك.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {فإن الله سريع الحساب} قال إحصاؤه عليهم). [الدر المنثور: 3/484-492]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتّبعن وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّن أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ واللّه بصيرٌ بالعباد}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: فإن حاجّك يا محمّد النّفر من نصارى أهل نجران في أمر عيسى صلوات اللّه عليه، فخاصموك فيه بالباطل، فقل: انقدت للّه وحده بلساني وقلبي وجميع جوارحي.
وإنّما خصّ جلّ ذكره بأمره بأن يقول: أسلمت وجهي للّه، لأنّ الوجه أكرم جوارح ابن آدم عليه، وفيه بهاؤه وتعظيمه فإذا خضع وجهه لشيءٍ، فقد خضع له الّذي هو دونه في الكرامة عليه من جوارح بدنه.
وأمّا قوله: {ومن اتّبعن} فإنّه يعني: وأسلم من اتّبعني أيضًا وجهه للّه معي، ومن معطوفٌ بها على التّاء في أسلمت.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {فإن حاجّوك} أي بما يأتونك به من الباطل من قولهم: خلقنا، وفعلنا، وجعلنا، وأمرنا، فإنّما هي شبهةٌ باطلةٌ قد عرفوا ما فيها من الحقّ، فقل: أسلمت وجهي للّه ومن اتّبعني). [جامع البيان: 5/285-286]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وقل يا محمّد للّذين أوتوا الكتاب من اليهود والنّصارى، والأمّيّين الّذين لا كتاب لهم من مشركي العرب: أأسلمتم؟ يقول: قل لهم: هل أفردتم التّوحيد، وأخلصتم العبادة والألوهة لربّ العالمين دون سائر الأنداد والأشراك الّتي تشركونها معه في عبادتكم إيّاهم، وإقراركم بربوبيّتهم، وأنتم تعلمون أنّه لا ربّ غيره، ولا إله سواه، {فإن أسلموا} يقول: فإن انقادوا لإفراد الوحدانيّة للّه، وإخلاص العبادة والألوهة له، فقد اهتدوا، يعني: فقد أصابوا سبيل الحقّ، وسلكوا محجّة الرّشد.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {فإن أسلموا فقد اهتدوا} عقيب الاستفهام؟ وهل يجوز على هذا في الكلام أن يقال لرجلٍ: هل تقوم؟ فإن تقم أكرمك؟.
قيل: ذلك جائزٌ إذا كان الكلام مرادًا به الأمر، وإن خرج مخرج الاستفهام، كما قال جلّ ثناؤه: {ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون} يعني انتهوا، وكما قال جلّ ثناؤه مخبرًا عن الحواريّين أنّهم قالوا لعيسى: {يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء} وإنّما هو مسألةٌ، كما يقول الرّجل: هل أنت كافٌّ عنّا؟ بمعنى: اكفف عنّا، وكما يقول الرّجل للرّجل: أين أين؟ بمعنى؟ أقم فلا تبرح، ولذلك جوزي في الاستفهام كما جوزي في الأمر في قراءة عبد اللّه: هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليمٍ آمنوا ففسّرها بالأمر، وهي في قراءتنا على الخبر؛ فالمجازاة في قراءتنا على قوله: {هل أدلّكم} وفي قراءة عبد اللّه على قوله: آمنوا على الأمر؛ لأنّه هو التّفسير،
وبنحو معنى ما قلنا في ذلك قال بعض أهل التّأويل.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين} الّذين لا كتاب لهم: {أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا} الآية.
- حدّثنا القاسم، قال حدّثنا الحسين، قال حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين} قال: الأمّيّون: الّذين لا يكتبون). [جامع البيان: 5/286-288]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ واللّه بصيرٌ بالعباد}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وإن تولّوا} وإن أدبروا معرضين عمّا تدعوهم إليه من الإسلام، وإخلاص التّوحيد للّه ربّ العالمين، فإنّما أنت رسولٌ مبلّغٌ، وليس عليك غير إبلاغ الرّسالة إلى من أرسلتك إليه من خلقي، وأداء ما كلّفتك من طاعتي. {واللّه بصيرٌ بالعباد} يعني بذلك، واللّه ذو علمٍ بمن يقبل من عباده ما أرسلتك به إليه، فيطيعك بالإسلام، وبمن يتولّى منهم عنه معرضًا، فيردّ عليك ما أرسلتك به إليه فيعصيك بإبائه الإسلام). [جامع البيان: 5/288]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتّبعن وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ واللّه بصيرٌ بالعباد (20)
قوله تعالى: فإن حاجّوك
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا عبد الكبير أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتّبعن فقال: إن حاجّك اليهود والنّصارى فقل: أسلمت وجهي للّه.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق قوله: فإن حاجّوك أي ما يأتون به من الباطل من قولهم: خلقنا وفعلنا وجعلنا وأمرنا فإنّها شبهة باطلٍ قد عرفوا ما فيها من الحقّ.
قوله: فقل أسلمت وجهي للّه
- وبه قال ابن إسحاق قوله: فقل أسلمت وجهي للّه أي وحده.
قوله تعالى: ومن اتّبعن
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا عبد الكبير، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت عن قوله: ومن اتّبعن قال: ليقل من اتّبعك مثل ذلك، وبها تخاصم اليهود والنّصارى.
قوله تعالى: وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم
- ذكر أحمد بن محمّد بن أسلم، ثنا إسحاق بن راهويه، قال: قرأت على أبي قرّة في تفسيره، عن ابن جريجٍ وقل للّذين أوتوا الكتاب قال: اليهود والنصارى.
قوله تعالى: والأميين
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: قوله: وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين الّذين لا كتاب لهم أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ والله بصير بالعباد.
الوجه الثاني:
- ذكره أحمد بن محمّد بن أبي أسلم، ثنا إسحاق بن راهويه قال: قرأت على أبي قرّة في تفسيره عن ابن جريجٍ، عن ابن عبّاسٍ والأمّيّين الّذين لا يكتبون.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع قوله: فقد اهتدوا فقال: من تكلّم بهذا صدقًا من قلبه يعني:
الإيمان، فقد اهتدى.
قوله تعالى: وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق: وإن تولّوا على كفرهم.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ قوله: وإن تولّوا عنه يعني: عن الإيمان.
- حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، ثنا أحمد بن زكريّا بن الحارث المكّيّ، ثنا أبو حاتمٍ محمّد بن عبد الملك، ثنا هشام بن العمار، عن نافعٍ عن ابن عمر قال: وقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حجّة الوداع. قال: أيّ يومٍ هذا؟ قالوا: يوم النّحر قال: فأيّ بلدٍ هذا؟ قالوا: بلدٌ حرامٌ. قال: فدماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحرمة هذا البلد من هذا اليوم، ثمّ قال: هل بلّغت؟ قالوا: نعم، فطفق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول اللّهمّ اشهد). [تفسير القرآن العظيم: 2/619-620]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {فإن حاجوك} قال: إن حاجك اليهود والنصارى.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {فإن حاجوك} قال: اليهود والنصارى فقالوا: إن الدين اليهودية والنصرانية فقل يا محمد {أسلمت وجهي لله}.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير {فإن حاجوك} أي بما يأتون به من الباطل من قولهم: خلقنا وفعلنا وجعلنا وأمرنا فإنما هي شبهة باطل قد عرفوا ما فيها من الحق {فقل أسلمت وجهي لله}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {ومن اتبعن} قال: ليقل من اتبعك مثل ذلك
وأخرج الحاكم وصححه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله إني أسألك بوجه الله بم بعثك ربنا قال: بالإسلام،، قلت: وما آيته قال: أن تقول {أسلمت وجهي لله} وتخليت وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، كل المسلم على المسلم محرم أخوان نصيران لا يقبل الله من مسلم أشرك بعد ما أسلم عملا حتى يفارق المشركين إلى المسلمين ما لي آخذ بحجزكم عن النار ألا إن ربي داعي ألا وإنه سائلي هل بلغت عبادي وإني قائل: رب قد أبلغتهم فليبلغ شاهدكم غائبكم ثم أنه تدعون مفدمة أفواهكم بالفدام (الفدام والفدام (يجب التشكيل) هو ما يوضع في فم الإبريق ليعفى بابه) ثم أول ما يبين عن أحدكم لفخذه وكفه، قلت: يا رسول الله هذا ديننا قال: هذا دينكم وأينما تحسن يكفك.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وقل للذين أوتوا الكتاب} قال: اليهود والنصارى {والأميين} قال: هم الذين لا يكتبون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع {فإن أسلموا فقد اهتدوا} قال: من تكلم بهذا صدقا من قلبه يعني الإيمان فقد اهتدى {وإن تولوا} يعني عن الإيمان). [الدر المنثور: 3/484-492]


رد مع اقتباس