عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 03:39 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وله من في السماوات والأرض كل له قانتون * وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم * ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون}
اللام في له الأولى لام الملك، وفي الثانية لام تعدية لـ"قنت" وقنت بمعنى خضع في طاعته وانقياده. وهذه الآية ظاهر لفظها العموم في القنت، والعموم في كل من يعقل، وتعميم ذلك في المعنى لا يصح; لأنه خبر ونحن نجد كثيرا من الجن والإنس لا يقنت في كثير من المعتقد والأعمال، فلا بد أن عموم ظاهر هذه الآية معناه الخصوص، واختلف المتأولون في هذا الخصوص أين هو؟
فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو في القنت والطاعة، وذلك أن جميع من يعقل هو قانت لله في معظم الأمور من الحياة والموت والرزق والقدرة ونحو ذلك، وبعضهم يبخل بالعبادة وبالمعتقدات فلا يقنت فيها، فكأنه قال: كل له قانتون في معظم الأمور وفي غالب الشأن.
وقال ابن زيد ما معناه: إن الخصوص هو في الأعيان المذكورين، كأنه قال: وله من في السماوات والأرض من ملك ومؤمن). [المحرر الوجيز: 7/ 19-20]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {يبدأ الخلق} معناه: ينشئه ويخرجه من العدم، وجاء الفعل بصيغة الحال لما كان في هذا المعنى ما قد مضى كآدم وسائر القرون، وفيه ما يأتي في المستقبل، فكأن صيغة الحال تعطي هذا كله. و"يعيده" معناه يبعثه من القبور وينشئه تارة أخرى.
واختلف المتأولون في قوله تعالى: {وهو أهون عليه}، فقال ابن عباس، والربيع بن خيثم: المعنى: وهو هين، ونظيره قول الشاعر:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل
بمعنى لوجل. وقول الآخر:
بيتا دعائمه أعز وأطول
وقولهم في الأذان: "الله أكبر"، وقول الشافعي رحمة الله عليه:
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
يريد: بواحد، واستشهد بهذا البيت أبو عبيدة، وهذا شاهد كثير، وفي بعض المصاحف "وكل هين عليه".
وقال ابن عباس أيضا، ومجاهد، وعكرمة: المعنى: وهو أيسر عليه، وإن كان الكل من اليسر عليه في حيز واحد وحال متماثلة، قال: ولكن هذا التفضيل بحسب معتقد البشر، وما يعطيهم النظر في الشاهد من أن الإعادة في كثير من الأشياء أهون علينا من البداءة; للتمرن والاستغناء عن الروية التي كانت في البداءة. وهذان القولان الضميران فيهما عائدان على الله تبارك وتعالى.
وقالت فرقة أخرى: الضمير في "عليه" عائد على "الخلق".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فهو بمعنى "المخلوق" فقط، وعلى التأويلين الأولين يصح أن يكون "المخلوق"، أو يكون مصدرا من "خلق". فقال الحسن: إن الإعادة أهون على المخلوق من إنشائه; لأنه في إنشائه يصير من حالة إلى حالة، من نطفة إلى علقة إلى مضغة ونحو هذا، وفي الإعادة إنما يقوم في حين واحدة، فكأنه قال: وهو أيسر عليه، أي: أقصر مدة وأقل انتقالا.
وقال بعضهم: وهو أهون على المخلوق أن يعيد شيئا بعد إنشائه، فهذا عرف المخلوقين، فكيف تنكرون أنتم الإعادة في جانب الخالق.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والأظهر عندي عود الضمير على الله تعالى، ويؤيده قوله: {وله المثل الأعلى}، لما جاء بلفظ فيه استعارة واستشهاد بالمخلوق على الخالق، وتشبيه بما يعهده الناس من أنفسهم، خلص جانب العظمة بأن جعل له المثل الأعلى الذي لا يصل إليه تكييف ولا تماثل مع شيء. والعزة والحكمة صفتان موافقتان لمعنى الآية، فبهما يعيد وينفذ أمره في عباده كيف شاء). [المحرر الوجيز: 7/ 20-22]

تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم بين تعالى أمر الأصنام وفساد معتقد من يشركها بالله بضرب هذا المثل، ومعناه: إنكم أيها الناس إذا كان لكم عبيد تملكونهم فإنكم لا تشركونهم في أموالكم ولا في أموركم ولا في شيء على جهة استواء المنزلة، وليس من شأنكم أن تخافوهم في أن يرثوا أموالكم أو يقاسموكم إياها في حياتكم، كما يفعل بعضكم ببعض، فإذا كان هذا فيكم فكيف تقولون: إن من عبيده وملكه شركاء في سلطانه وألوهيته، وتثبتون في جانبه ما لا يليق بكم عندكم بجوانبكم؟ هذا تفسير ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة، وجاء هذا المعنى في معرض السؤال والتقرير.
وقرأ الناس: كخيفتكم أنفسكم بنصب السين، وقرأ ابن أبي عبلة بضمها. وقرأ الجمهور: "نفصل" بالنون حملا على "رزقناكم"، وقرأ عباس عن أبي عمرو: "يفصل" بالياء حملا على "ضرب لكم مثلا"). [المحرر الوجيز: 7/ 22-23]

تفسير قوله تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين * فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون * منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون}
الإضراب بـ"بل" هو عما تضمنه معنى الآية الأولى، كأنه يقول: ليس لهم حجة ولا معذرة فيما فعلوا من تشريكهم مع الله تعالى، بل اتبعوا أهواءهم جهالة وشهوة وقصدا لأمر دنياهم. ثم قرر - على جهة التوبيخ لهم - على من يهدي إذا أضل الله؟ أي: لا هادي لأهل هذه الحال، ثم أخبر أنه لا ناصر لهم). [المحرر الوجيز: 7/ 23]

تفسير قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بإقامة وجهه للدين المستقيم، وهو دين الإسلام، وإقامة الوجه هي تقويم المقصد والقوة على الجد في أعمال الدين، وذكر الوجه لأنه جامع حواس الإنسان وأشرفه، و"حنيفا" معناه: معتدلا مائلا عن جميع الأديان المحرفة المنسوخة، وقوله: {فطرت الله التي فطر الناس عليها} نصب على المصدر، كقوله: {صبغة الله}، وقيل: هو نصب بفعل مضمر تقديره: اتبع والزم فطرة الله تعالى، واختلف الناس في الفطرة هاهنا، فذكر مكي وغيره في ذلك جميع ما يمكن أن تصرف هذه اللفظة عليه، وفي بعض ذلك قلق، والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها الخلقة والهيئة في نفس الطفل التي هي معدة مهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى، ويستدل بها على ربه جل وعلا ويعرف شرائعه، ويؤمن به، فكأنه تعالى قال: فأقم وجهك للدين الذي هو الحنيف وهو فطرة الله الذي على الإعداد له فطر البشر، لكن تعرضهم العوارض، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه ..." الحديث، فذكر الأبوين إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة.
وقوله تعالى: {لا تبديل لخلق الله} يحتمل تأويلين: أحدهما أن يريد بها هذه الفطرة المذكورة، أي: اعلم أن هذه الفطرة لا تبديل لها من جهة الخالق، ولا يجيء الأمر على خلافها بوجه، والآخران أن يكون قوله: {لا تبديل لخلق الله} إنحاء على الكفرة، اعترض به أثناء الكلام، كأنه يقول: أقم وجهك للدين الذي من صفته كذا وكذا، فإن هؤلاء الكفار قد خلق الله لهم الكفر، ولا تبديل لخلق الله، أي إنهم لا يفلحون. وقال مجاهد: المعنى: لا تبديل لدين الله، وهو قول ابن جبير، والضحاك، وابن زيد، والنخعي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا معناه: لا تبديل للمعتقدات التي هي في الدين الحنيف، فإن كل شريعة هي عقائدها.
وذهب بعض المفسرين في هذه الآية إلى تأويلات: منها قول عكرمة - وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما -: لا تبديل لخلق الله معناه: النهي عن خصاء الفحول من الحيوان. ومنها قول بعضهم في الفطرة: إنها الملة. على أنه قد قيل في الفطرة: الدين. وتأول قوله تبارك وتعالى: "فطر الناس" على الخصوص، أي: المؤمنين. وقيل: الفطرة هو العهد الذي أخذه الله تعالى على ذرية آدم حين أخرجهم نسما من ظهره، ونحوه حديث معاذ رضي الله عنه حين مر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا معاذ، ما قوام هذه الأمة؟ قال: الإخلاص، وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والصلاة وهي الدين، والطاعة وهي العصمة، فقال عمر رضي الله عنه: صدقت.
و"القيم" بناء مبالغة من القيام الذي هو بمعنى الاستقامة). [المحرر الوجيز: 7/ 23-25]

تفسير قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "منيبين" يحتمل أن يكون حالا من قوله: {فطر الناس}، لا سيما على رأي من رأى أن ذلك خصوص في المؤمنين، ويحتمل أن يكون حالا من قوله: {فأقم وجهك}، وجمعه لأن الخطاب بإقامة الوجه للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته، نظيرها قوله تبارك وتعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} و"المنيب": الراجع المخلص المائل إلى جهة ما توده نفسه، و"المشركون" المشار إليهم في هذه الآية هم اليهود والنصارى، قاله قتادة، وقال ابن زيد: هم اليهود، وقالت عائشة وأبو هريرة رضي الله عنهما: هي في أهل القبلة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فلفظة الإشراك - على هذا - فيها تجوز، فإنهم صاروا في دينهم فرقا، و"الشيع": الفرق، واحدها: شيعة، وقوله: {كل حزب بما لديهم فرحون} معناه أنهم مفتونون بآرائهم، معجبون بضلالهم، وذلك أصيل فيهم. وقرأت فرقة: "فارقوا دينهم" بالألف). [المحرر الوجيز: 7/ 25]

رد مع اقتباس