عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 14 جمادى الأولى 1434هـ/25-03-2013م, 08:55 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وله من في السّموات والأرض كلٌّ له قانتون (26) وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السّماوات والأرض وهو العزيز الحكيم}.
يقول تعالى ذكره: وقوله: {من في السّموات والأرض} من ملكٍ وجنٍّ وإنسٍ عبيدٍ وملوكٍ {كلٌّ له قانتون} يقول: كلّهم له مطيعون، فيقول قائلٌ: وكيف قيل {كلٌّ له قانتون} وقد علم أنّ أكثر الإنس والجنّ له عاصون؟ فنقول: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فنذكر اختلافهم، ثمّ نبيّن الصّواب عندنا في ذلك من القول، فقال بعضهم: ذلك كلامٌ مخرجه مخرج العموم، والمراد به الخصوص، ومعناه: كلٌّ له قانتون في الحياة والبقاء والموت، والفناء والبعث والنّشور، لا يمتنع عليه شيءٌ من ذلك، وإن عصاه بعضهم من غير ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {ومن آياته أن تقوم السّماء والأرض بأمره} إلى {كلٌّ له قانتون} يقول: مطيعون، يعني الحياة والنّشور والموت، وهم عاصون له فيما سوى ذلك من العبادة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: كلٌّ له قانتون بإقرارهم بأنّه ربّهم وخالقهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {كلٌّ له قانتون} أي مطيعٌ مقرٌّ بأنّ اللّه ربّه وخالقه.
وقال آخرون: هو على الخصوص، والمعنى: وله من في السّماوات والأرض من ملكٍ وعبدٍ مؤمنٍ للّه مطيعٍ دون غيرهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {كلٌّ له قانتون} قال: كلٌّ له مطيعون. المطيع: القانت، قال: وليس شيءٌ إلاّ وهو مطيعٌ، إلاّ ابن آدم، وكان أحقّهم أن يكون أطوعهم للّه. وفي قوله {وقوموا للّه قانتين} قال: هذا في الصّلاة، لا تتكلّموا في الصّلاة كما يتكلّم أهل الكتاب في الصّلاة، قال: وأهل الكتاب يمشي بعضهم إلى بعضٍ في الصّلاة، قال: ويتقاتلون في الصّلاة، فإذا قيل لهم في ذلك، قالوا: لكي تذهب الشّحناء من قلوبنا وتسلم قلوب بعضنا لبعضٍ، فقال اللّه: {وقوموا للّه قانتين} لا تزولوا كم يزولون. {قانتين}: لا تتكلّموا كما يتكلّمون. قال: فأمّا ما سوى هذا كلّه في القرآن من القنوت فهو الطّاعة، إلاّ هذه الواحدة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب القول الّذي ذكرناه عن ابن عبّاسٍ: وهو أنّ كلّ من في السّماوات والأرض من خلقٍ للّه مطيعٍ في تصرّفه فيما أراد تعالى ذكره من حياةٍ وموتٍ، وما أشبه ذلك، وإن عصاه فيما يكتسبه بقواه، وفيما له السّبيل إلى اختياره، وإيثاره على خلافه.
وإنّما قلت: ذلك أولى بالصّواب في تأويل ذلك، لأنّ العصاة من خلقه فيما لهم السّبيل إلى اكتسابه كثيرٌ عددهم، وقد أخبر تعالى ذكره عن جميعهم أنّهم له قانتون، فغير جائزٍ أن يخبر عمّن هو عاصٍ أنّه له قانتٌ فيما هو له عاصٍ. وإذا كان ذلك كذلك، فالّذي فيه عاصٍ هو ما وصفت، والّذي هو له قانتٌ ما بيّنت). [جامع البيان: 18/483-485]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (كل له قانتون) يقول: مطيعون يعني الحياة والنشور والموت، وهم عاصون له فيما سوى ذلك من العبادة، والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 11/595]

تفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده} يقول تعالى ذكره: والّذي له هذه الصّفات تبارك وتعالى، هو الّذي يبدأ الخلق من غير أصلٍ فينشئه ويوجده، بعد أن لم يكن شيئًا، ثمّ يفنيه بعد ذلك، ثمّ يعيده، كما بدأه بعد فنائه، وهو أهون عليه.
اختلف أهل التّأويل، في معنى قوله: {وهو أهون عليه} فقال بعضهم: معناه: وهو هيّنٌ عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ العطّار، عن سفيان، عمّن ذكره، عن منذرٍ الثّوريّ، عن الرّبيع بن خثيمٍ، {وهو أهون عليه} قال: ما شيءٌ عليه بعزيزٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو أهون عليه} يقول: كلّ شيءٍ عليه هيّنٌ.
وقال آخرون: معناه: وإعادة الخلق بعد فنائهم أهون عليه من ابتداء خلقهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {وهو أهون عليه} قال: يقول: أيسر عليه.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وهو أهون عليه} قال: الإعادة أهون عليه من البداءة، والبداءة عليه هيّنٌ.
- حدّثني ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن سماكٍ، عن عكرمة، قرأ هذا الحرف {وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو أهون عليه} قال: تعجّب الكفّار من إحياء اللّه الموتى، قال: فنزلت هذه الآية {وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده، وهو أهون عليه} إعادة الخلق أهون عليه من إبداء الخلق.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن سماكٍ، عن عكرمة بنحوه، إلاّ أنّه قال: إعادة الخلق أهون عليه من ابتدائه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {وهو أهون عليه} يقول: إعادته أهون عليه من بدئه، وكلٌّ على اللّه هيّنٌ.
وفي بعض القراءة: (وكلٌّ على اللّه هيّنٌ).
وقد يحتمل هذا الكلام وجهين، غير القولين اللّذين ذكرت، وهو أن يكون معناه: وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده، وهو أهون على الخلق: أي إعادة الشّيء أهون على الخلق من ابتدائه. والّذي ذكرنا عن ابن عبّاسٍ الخبر الّذي حدّثني به ابن سعدٍ، قولٌ أيضًا له وجهٌ.
وقد وجّه غير واحدٍ من أهل العربيّة قول ذي الرّمّة:
أخي قفراتٍ دببت في عظامه = شفافات أعجاز الكرى فهو أخضع
إلى أنّه بمعنى خاضعٌ. وقول الآخر:
لعمرك إنّ الزّبرقان لباذلٌ = لمعروفه عند السّنين وأفضل
كريمٌ له عن كلّ ذمٍّ تأخّرٌ = وفي كلّ أسباب المكارم أوّل
إلى أنّه بمعنى: وفاضلٌ؛ وقول معنٍ:
لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل = على أيّنا تعدو المنيّة أوّل
إلى أنّه بمعنى: وإنّي لوجلٌ؛ وقول الآخر:
تمنّى امرؤ القيس موتي وإن أمت = فتلك سبيلٌ لست فيها بأوحد
إلى أنّه بمعنى: لست فيها بواحدٍ؛ وقول الفرزدق:
إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا = بيتًا دعائمه أعزّ وأطول
إلى أنّه بمعنى: عزيزةٌ طويلةٌ. قالوا: ومنه قولهم في الأذان: اللّه أكبر، بمعنى: اللّه كبيرٌ؛ وقالوا: إن قال قائلٌ: إنّ اللّه لا يوصف بهذا، وإنّما يوصف به الخلق، فزعم أنّه وهو أهون على الخلق، فإنّ الحجّة عليه قول اللّه: {وكان ذلك على اللّه يسيرًا}، وقوله: {ولا يئوده حفظهما}، أي لا يثقله حفظهما.
وقوله: {وله المثل الأعلى} يقول: وللّه المثل الأعلى في السّماوات والأرض، وهو أنّه لا إله إلاّ هو وحده لا شريك له، ليس كمثله شيءٌ، فذلك المثل الأعلى، تعالى ربّنا وتقدّس.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {وله المثل الأعلى في السّموات} يقول: ليس كمثله شيءٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {وله المثل الأعلى في السّموات والأرض} مثله أنّه لا إله إلاّ هو، ولا ربّ غيره.
وقوله: {وهو العزيز الحكيم} يقول تعالى ذكره: وهو العزيز في انتقامه من أعدائه، الحكيم في تدبيره خلقه، وتصريفهم فيما أراد من إحياءٍ وإماتةٍ، وبعثٍ ونشرٍ، وما شاء). [جامع البيان: 18/485-489]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وهو أهون عليه قال الإعادة والبداءة عليه هين). [تفسير مجاهد: 500]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم.
أخرج ابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الانباري في المصاحف عن عكرمة قال: تعجب الكفار من احياء الله الموتى فنزلت {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} قال: اعادة الخلق أهون عليه من ابتدائه). [الدر المنثور: 11/595]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج آدم بن أبي اياس والفريابي، وابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الانباري والبيهقي في الاسماء والصفات عن مجاهد في قوله {وهو أهون عليه} قال: الاعادة أهون عليه من البداءة والبداءة عليه هين). [الدر المنثور: 11/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وهو أهون عليه} قال: أيسر). [الدر المنثور: 11/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في الآية قال: في عقولكم إعادة شيء إلى شيء كان أهون من ابتدائه إلى شيء لم يكن). [الدر المنثور: 11/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الانباري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله وهو أهون عليه قال: الاعادة أهون على المخلوق لأنه يقول له يوم القيامة {كن فيكون} وابتداء الخلق من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه قال: كل عليه هين). [الدر المنثور: 11/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وله المثل الأعلى} يقول {ليس كمثله شيء} الشورى الآية 11). [الدر المنثور: 11/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {وله المثل الأعلى} قال: شهادة ان لا اله إلا الله). [الدر المنثور: 11/596-597]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {وله المثل الأعلى} قال: مثله انه لا اله إلا هو ولا معبود غيره). [الدر المنثور: 11/597]

تفسير قوله تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني طلحة بن عمرو أنه سمع عطاء بن أبي رباح يقول: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم}، قال: هل أنت، يا ابن آدم، مشرك شيئا مما خولتك في شيء مما رزقتك لا تنفق منه شيئا إلا بعلمه تخاف أن تنفق شيئا منه إلا بعلمه، فقلت: لا أشرك عبدي في شيءٍ مما رزقتني، قال: فرب العالمين تبارك وتعالى يأبى ذلك على ما خولك وتريده أنت، يا ابن آدم، منه). [الجامع في علوم القرآن: 1/89-90]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ضرب لكم مثلا من أنفسكم قال هذا مثل ضرب للمشركين يقول ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقنكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم يقول ليس من أحد يرضى لنفسه أن يشاركه عبده في ماله ونفسه وزوجه حتى يكون بمثله ويقول فقد رضي بذلك ناس لله فجعله معه إلها شريكا). [تفسير عبد الرزاق: 2/102]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: {هل لكم ممّا ملكت أيمانكم} : " في الآلهة، وفيه {تخافونهم} [الروم: 28] : أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا "). [صحيح البخاري: 6/114]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله قال ابن عبّاسٍ هل لكم ممّا ملكت أيمانكم في الآلهة وفيه تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا وصله الطّبريّ من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عبّاسٍ في هذه الآية قال هي في الآلهة وفيه يقول تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا والضّمير في قوله فيه لله تعالى أي أنّ المثل للّه وللأصنام فاللّه المالك والأصنام مملوكةٌ والمملوك لا يساوي المالك ومن طريق أبي مجلزٍ قال إنّ مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك وليس له ذلك كذلك اللّه لا شريك له ولابن أبي حاتمٍ من طريق سعيدٍ عن قتادة قال هذا مثلٌ ضربه اللّه لمن عدل به شيئًا من خلقه يقول أكان أحدٌ منكم مشاركًا مملوكه في فراشه وزوجته وكذلك لا يرضى اللّه أن يعدل به أحدٌ من خلقه). [فتح الباري: 8/511-512]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: {هل لكم ممّا ملكت أيمانكم} (الرّوم: 28) في الآلهة وفيه تخاوفونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضاً
أي: قال ابن عبّاس في قوله تعالى: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم ممّا ملكت أيمانكم من شركاء فبما رزقنا كم فأنتم فيه سواء تخافونهم}. قوله: (في الآلهة) ، أي: نزل هذا في حق الآلهة. قوله: (وفيه) ، أي: وفي حق الله، وهذا على سبيل المثل، أي: هل ترضون لأنفسكم أن يشارككم بعض عبيدكم فيما رزقناكم تكونون أنتم وهم فيه سواء من غير تفرقة بينكم وبين عبيدكم تخافونهم أن يرث بعضهم بعضكم أو أن يستبدوا بتصرّف دونكم كما يخاف بعض الأحرار بعضًا. فإذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم فكيف ترضون لرب الأرباب أن تجعلوا بعض عباده شريكا له؟). [عمدة القاري: 19/109-110]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قال ابن عباس) في قوله تعالى: {هل لكم مما ملكت أيمانكم} [الروم: 28] المسبوق بقوله جل وعلا {ضرب لكم مثلًا من أنفسكم} نزل (في الآلهة) التي كانوا يعبدونها من دون الله (وفيه) تعالى والمعنى أخذ مثلًا وانتزعه من أقرب شيء إليكم وهو أنفسكم ثم بين المثل فقال: {هل لكم مما ملكت أيمانكم} أي من مماليككم من شركاء فيما رزقناكم من المال وغيره وجواب الاستفهام الذي بمعنى النفي قوله: فأنتم فيه سواء ({تخافونهم}) أي تخافون أيها السادة مماليككم (أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا) والمراد نفي الثلاثة الشركة والاستواء وخوفهم إياهم فإذا لم يجز أن يكون مماليككم شركاء مع جواز صيرورتهم مثلكم من جميع الوجوه فكيف أن أشركوا مع الله غيره). [إرشاد الساري: 7/286]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعقلون}.
يقول تعالى ذكره: مثّل لكم أيّها القوم ربّكم مثلاً من أنفسكم، {هل لكم من ما ملكت أيمانكم} يقول: من مماليككم من شركاء، {في ما رزقناكم} من مالٍ، {فأنتم فيه سواءٌ} وهم. يقول: فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم الّتي تعبدونها لي شركاء في عبادتكم إيّاي، وأنتم وهم عبيدي ومماليكي، وأنا مالكٌ جميعكم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ} قال: مثلٌ ضربه اللّه لمن عدل به شيئًا من خلقه، يقول: أكان أحدكم مشاركًا مملوكه في فراشه وزوجته؟! فكذلكم اللّه لا يرضى أن يعدل به أحدٌ من خلقه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ} قال: تجد أحدًا يجعل عبده هكذا في ماله، فكيف تعمد أنت وأنت تشهد أنّهم عبيدي وخلقي، وتحمل لهم نصيبًا في عبادتي، كيف يكون هذا؟ قال: وهذا مثلٌ ضربه اللّه لهم، وقرأ: {كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعقلون}.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {تخافونهم كخيفتكم أنفسكم} فقال بعضهم: معنى ذلك: تخافون هؤلاء الشّركاء ممّا ملكت أيمانكم أن يرثوكم أموالكم من بعد وفاتكم، كما يرث بعضكم بعضًا.
ذكر من قال ذلك:
- حديثٌ عن حجّاجٍ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: في الآلهة، وفيه يقول: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: تخافون هؤلاء الشّركاء ممّا ملكت أيمانكم أن يقاسموكم أموالكم، كما تقاسم بعضًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، قال: سمعت عمران، قال: قال أبو مجلزٍ: إنّ مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك، وليس له ذلك، كذلك اللّه لا شريك له.
وأولى القولين بالصّواب في تأويل هذا القول الثّاني، لأنّه أشبههما بما دلّ عليه ظاهر الكلام، وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه وبّخ هؤلاء المشركين في الّذين جعلوا له من خلقه آلهةً يعبدونها، وأشركوهم في عبادتهم إيّاه، وهم مع ذلك يقرّون بأنّها خلقه وهم عبيده، وعيّرهم بفعلهم ذلك، فقال لهم: هل لكم من عبيدكم شركاء فيما خوّلناكم من نعمنا، فهم سواءٌ، أنتم في ذلك تخافون أن يقاسموكم ذلك المال الّذي هو بينكم وبينهم، كخيفة بعضكم بعضًا أن يقاسمه ما بينه وبينه من المال شركةً، فالخيفة الّتي ذكرها تعالى ذكره بأن تكون خيفةً ممّا يخاف الشّريك من مقاسمة شريكه المال الّذي بينهما إيّاه أشبه من أن تكون خيفةً منه بأن يرثه، لأنّ ذكر الشّركة لا يدلّ على خيفة الوراثة، وقد يدلّ على خيفة الفراق والمقاسمة.
وقوله: {كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعقلون} يقول تعالى ذكره: كما بيّنّا لكم أيّها القوم حججنا في هذه الآيات من هذه السّورة على قدرتنا على ما نشاء من إنشاء ما نشاء، وإفناء ما نحبّ، وإعادة ما نريد إعادته بعد فنائه، ودللنا على أنّه لا تصلح العبادة إلاّ للواحد القهّار، الّذي بيده ملكوت كلّ شيءٍ، كذلك نبيّن حججنا في كلّ حقٍّ لقومٍ يعقلون، فيتدبّرونها إذا سمعوها، ويعتبرون فيتّعظون بها). [جامع البيان: 18/489-492]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت إيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون * بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين.
أخرج الطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان يلبي أهل الشرك لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه ملك فأنزل الله {هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء} ). [الدر المنثور: 11/597]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {هل لكم من ما ملكت أيمانكم} الآية، قال: هي في الآلهة وفيه يقول: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا). [الدر المنثور: 11/597]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {ضرب لكم} الآية، قال هذا مثل ضربه الله لمن عدل به شيئا من خلقه يقول: أكان أحد منكم مشاركا مملوكه في ماله ونفسه وزوجته فكذلك لا يرضى الله تعالى أن يعدل به أحد من خلقه). [الدر المنثور: 11/597-598]

تفسير قوله تعالى: (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بل اتّبع الّذين ظلموا أهواءهم بغير علمٍ فمن يهدي من أضلّ اللّه وما لهم من ناصرين}.
يقول تعالى ذكره: ما ذلك كذلك، ولا أشرك هؤلاء المشركون في عبادة اللّه الآلهة والأوثان، لأنّ لهم شركاء فيما رزقهم اللّه من ملك أيمانهم، فهم وعبيدهم فيه سواءٌ، يخافونهم أن يقاسموهم ما هم وشركاؤهم فيه، فرضوا للّه من أجل ذلك بما رضوا به لأنفسهم، فأشركوهم في عبادته، ولكنّ الّذين ظلموا أنفسهم فكفروا باللّه، اتّبعوا أهواءهم، جهلاً منهم لحقّ اللّه عليهم، فأشركوا الآلهة والأوثان في عبادته {فمن يهدي من أضلّ اللّه} يقول: فمن يسدّد للصّواب من الطّرق، يعني بذلك من يوفّق للإسلام من أضلّ اللّه عن الاستقامة والرّشاد؟ {وما لهم من ناصرين} يقول: وما لمن أضلّ اللّه من ناصرين ينصرونه، فينقذونه من الضّلاّل الّذي يبتليه به تعالى ذكره). [جامع البيان: 18/492]

تفسير قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن أبا هريرة قال: قال النبي كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله قال معمر وقال قتادة لا تبديل لدين الله). [تفسير عبد الرزاق: 2/102-103]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (وقال معمر وكان الحسن يقول فطرة الله الإسلام). [تفسير عبد الرزاق: 2/103]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {لا تبديل لخلق اللّه} [الروم: 30] : لدين اللّه " خلق الأوّلين: دين الأوّلين، والفطرة الإسلام "
- حدّثنا عبدان، أخبرنا عبد اللّه، أخبرنا يونس، عن الزّهريّ، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن، أنّ أبا هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مولودٍ إلّا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسّون فيها من جدعاء»، ثمّ يقول: {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم} [الروم: 30]). [صحيح البخاري: 6/114]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب لا تبديل لخلق الله)
لدين اللّه خلق الأوّلين دين الأوّلين أخرج الطّبريّ من طريق إبراهيم النّخعيّ في قوله لا تبديل لخلق الله قال لدين اللّه ومن طرقٍ عن مجاهدٍ وعكرمة وقتادة وسعيد بن جبيرٍ والضّحّاك مثله وفيه قولٌ آخر أخرجه الطّبريّ من طرقٍ عن بن عبّاس وعكرمة ومجاهد قال الإحصاء وروى بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله إن هذا إلّا خلق الأوّلين يقول دين الأوّلين وهذا يؤيّد الأوّل وفيه قول آخر أخرجه بن أبي حاتمٍ من طريق الشّعبيّ عن علقمة في قوله خلق الأوّلين قال اختلاق الأوّلين ومن طريق بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قال كذبهم ومن طريق قتادة قال سيرتهم
قوله والفطرة الإسلام هو قول عكرمة وصله الطّبريّ من طريقه وقد تقدّم نقل الخلاف في ذلك في أواخر كتاب الجنائز ثمّ ذكر حديث أبي هريرة ما من مولودٍ إلّا يولد على الفطرة وقد تقدّم بسنده ومتنه في كتاب الجنائز مع شرحه في باب ما قيل في أولاد المشركين). [فتح الباري: 8/512-513]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب: {لا تبديل لخلق الله} (الرّوم: 30) لدين الله. {خلق الأولين} (الشّعراء: 137) دين الأوّلين والفطرة الإسلام)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {لا تبديل لخلق الله} وليس في كثير من النّسخ لفظ: باب. قوله: (لدين الله) ، تفسير: الخلق الله، وكذا روى الطّبريّ عن إبراهيم النّخعيّ في قوله: {لا تبديل لخلق الله} قال: لدين الله، وفي التّفسير أي: لدين الله، أي: لا يصح ذلك ولا ينبغي أن يفعل، ظاهره نفي ومعناها نهي، هذا قول أكثر العلماء، وعن عكرمة ومجاهد: لا تغيير لخلق الله تعالى من البهائم بالخصا ونحوها. قوله: {خلق الأوّلين دين الأوّلين} ، أشار به إلى أن معنى قوله تعالى: {إن هذا إلاّ خلق الأوّلين} يعني: دين الأوّلين، وهكذا روي عن ابن عبّاس، أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه. قوله: (والفطرة الإسلام) ، أشار به إلى قوله تعالى: {فطرة الله الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدّين القيم ولكن أكثر النّاس لا يعلمون} (الرّوم: 30) . وفسّر الفطرة بالإسلام، وهو قول عكرمة، وقيل: الفطرة هنا هي الفقر والفاقة، وفطرة الله نصب على المصدر، أي: فطر فطرة، وقيل: نصب على الإغراء، والدّين القيم أي المستقيم.
- حدّثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزّهريّ قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمان أنّ أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسّون فيها من جدعاء ثمّ يقول: {فطرة الله الّتي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذالك الدّين القيّم}.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة، وعبدان هو عبد الله بن عثمان المروزي وعبدان لقبه، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد، والزهريّ هو محمّد بن مسلم بن شهاب، وأبو سلمة هو ابن عبد الرّحمن بن عوف والمشهور أن هذه الكنية هي اسمه، والحديث مضى في كتاب الجنائز في: باب إذا أسلم الصّبي فمات، بعين هذا الإسناد والمتن، ومضى الكلام فيه مستوفى.
قوله: (كما تنتج البهيمة) ، على صيغة المجهول، (وبهيمة) مفعول ثان له، (وجمعاء) تامّة الأعضاء غير ناقصة الأطراف، والجدعاء الّتي قطعت أذنها أو أنفها. قوله: (فأبواه) ، أي: أبو المولود. قوله: (ثمّ يقول) أي: أبو هريرة). [عمدة القاري: 19/111]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {لا تبديل لخلق اللّه}: لدين اللّه {خلق الأوّلين}: دين الأوّلين. والفطرة: الإسلام
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({لا تبديل لخلق الله}) [الروم: 30] أي (لدين الله) قاله إبراهيم النخعي فيما أخرجه عنه الطبري فهو خبر بمعنى النهي أي لا تبدلوا دين الله.
({خلق الأوّلين}) أي (دين الأوّلين) ساقه شاهد التفسير الأوّل (والفطرة) في قوله: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} [الروم: 30] هي (الإسلام) قاله عكرمة فيما وصله الطبري وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
- حدّثنا عبدان أخبرنا عبد اللّه، أخبرنا يونس عن الزّهريّ، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن، أنّ أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «ما من مولودٍ إلاّ يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسّون فيها من جدعاء؟ ثمّ يقول: {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم}».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-): (ما من مولود إلا يولد على الفطرة) قيل يعني العهد الذي أخذه عليهم بقوله: {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] وكل مولود في العالم على ذلك الإقرار وهي الحنيفية التي وقعت الخلقة عليها وإن عبد غيره ولكن لا عبرة بالإيمان الفطري إنما المعتبر الإيمان الشرعي المأمور به. وقال ابن المبارك معنى الحديث أن كل مولود يولد على فطرته أي خلقته التي جبل عليها في علم الله من السعادة والشقاوة فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليها وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها، فمن أمارات الشقاء أن يولد بين يهوديين أو نصرانيين أو مجوسيين فيحملانه لشقائه على اعتقاد دينهما، وقيل المعنى أن كل مولود يولد في مبدأ الخلقة على الجبلة السليمة والطبع المتهيئ لقبول الدين فلو ترك عليها لاستمرّ على لزومها لكن تطرأ على بعضهم الأديان الفاسدة كما قال: (فأبواه
يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج) بضم أوّله وفتح ثالثه على صيغة المبني للمفعول أي تلد (البهيمة بهيمة جمعاء) بفتح الجيم وسكون الميم ممدودًا تامة الأعضاء (هل تحسون فيها من جدعاء) بفتح الجيم وسكون المهملة ممدودًا مقطوعة الأذن أو الأنف أي لا جدع فيها من أصل الخلقة إنما يجدعها أهلها بعد ذلك فكذلك المولود يولد على الفطرة ثم يتغير بعد.
ونقل في المصابيح عن القاضي أبي بكر بن العربي أن معنى قوله: فأبواه الخ أنه ملحق بهما في الأحكام من تحريم الصلاة عليه ومن ضرب الجزية عليه إلى غير ذلك ولولا أنه ولد على فراشهما لمنع من ذلك كله قال ولم يرد أنهما يجعلانه يهوديًا أو نصرانيًّا إذ لا قدرة لهما على أن يفعلا فيه الاعتقاد أصلًا. اهـ.
فليتأمل.
(ثم يقول) أي أبو هريرة مستشهدًا لما ذكر ({فطرة الله}) أي خلقته نصب على الإغراء ({التي فطر الناس عليها}) أي خلقهم عليها وهي قبولهم للحق ({لا تبديل لخلق الله}) أي ما ينبغي أن يبدل أو خبر بمعنى النهي ({ذلك الدين القيم}) الذي لا عوج فيه.
وهذا الحديث سبق في باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه من كتاب الجنائز). [إرشاد الساري: 7/287-288]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأقم وجهك للدّين حنيفًا فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: فسدّد وجهك نحو الوجه الّذي وجّهك إليه ربّك يا محمّد لطاعته، وهي الدّين، {حنيفًا} يقول: مستقيمًا لدينه وطاعته، {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها} يقول: صنعة اللّه الّتي خلق النّاس عليها، ونصبت فطرة على المصدر من معنى قوله {فأقم وجهك للدّين حنيفًا} وذلك أنّ معنى ذلك: فطر اللّه النّاس على ذلك فطرةً.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها} قال: الإسلام مذ خلقهم اللّه من آدم جميعًا، يقرّون بذلك، وقرأ: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا} قال: {كان النّاس أمّةً واحدةً فبعث اللّه النّبيّين} بعد.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {فطرة اللّه} قال: الإسلام.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضعٍ، قالا: حدّثنا يونس بن أبي صالحٍ، عن يزيد بن أبي مريم، قال: مرّ عمر بمعاذ بن جبلٍ، فقال: ما قوام هذه الأمّة؟ قال معاذٌ: ثلاثٌ، وهنّ المنجيات: الإخلاص، وهو الفطرة {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها} والصّلاة؛ وهي الملّة والطّاعة؛ وهي العصمة، فقال عمر: صدقت.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثني ابن عليّة، قال: حدّثنا أيّوب، عن أبي قلابة، أنّ عمر قال لمعاذٍ: ما قوام هذه الأمّة؟ ثمّ ذكر نحوه.
وقوله {لا تبديل لخلق اللّه} يقول: لا تغيير لدين اللّه: أي لا يصلح ذلك، ولا ينبغي أن يفعل.
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الّذي قلنا في ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {لا تبديل لخلق اللّه} قال: لدينه.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن ليثٍ، قال: أرسل مجاهدٌ رجلاً يقال له قاسمٌ إلى عكرمة يسأله عن قول اللّه: {لا تبديل لخلق اللّه} قال: إنّما هو الدّين، وقرأ {لا تبديل لخلق اللّه، ذلك الدّين القيّم}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا زيد بن حبابٍ، عن حسين بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة: {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها} قال: الإسلام.
- قال: حدّثنا أبي، عن نضر بن عربيٍّ، عن عكرمة: {لا تبديل لخلق اللّه} قال: لدين اللّه.
- قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: لدين اللّه.
- قال: حدّثنا أبي، عن عبد الجبّار بن الورد، عن القاسم بن أبي بزّة، قال: قال مجاهدٌ، فسل عنها عكرمة، فسألته، فقال عكرمة: دين اللّه تعالى، ما له أخزاه اللّه؟ ألم يسمع إلى قوله: {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها، لا تبديل لخلق اللّه}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {لا تبديل لخلق اللّه} أي لدين اللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن ليثٍ، عن عكرمة، قال: لدين اللّه.
- قال: حدّثنا ابن عيينة، عن حميدٍ الأعرج، قال: قال سعيد بن جبيرٍ {لا تبديل لخلق اللّه} قال: لدين اللّه.
- قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، {لا تبديل لخلق اللّه} قال: لدين اللّه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {لا تبديل لخلق اللّه} قال: دين اللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن مسعرٍ، وسفيان، عن قيس بن مسلمٍ، عن إبراهيم، قال {لا تبديل لخلق اللّه} قال: لدين اللّه.
- قال: حدّثنا أبي، عن جعفرٍ الرّازيّ، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: لدين اللّه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تغيير لخلق اللّه من البهائم بأن يخصى الفحول منها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن مطرّفٍ، عن رجلٍ، سأل ابن عبّاسٍ عن خصاء البهائم، فكرهه، وقال: {لا تبديل لخلق اللّه}.
- قال: حدّثنا ابن عيينة، عن حميدٍ الأعرج، قال: قال عكرمة: الإخصاء.
- قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: الإخصاء.
وقوله: {ذلك الدّين القيّم} يقول تعالى ذكره: إنّ إقامتك وجهك للدّين حنيفًا غير مغيّرٍ ولا مبدّل هو الدّين القيّم، يعني المستقيم الّذي لا عوج فيه عن الاستقامة من الحنيفيّة إلى اليهوديّة والنّصرانيّة، وغير ذلك من الضّلالات والبدع المحدثة.
وقد وجّه بعضهم معنى الدّين في هذا الموضع إلى الحساب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال أخبرنا أبو ليلى، عن بريدة، {ذلك الدّين القيّم} قال: الحساب القيّم. {ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} يقول تعالى ذكره: ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون أنّ الدّين الّذي أمرتك يا محمّد به بقولي {فأقم وجهك للدّين حنيفًا} هو الدّين الحقّ دون سائر الأديان غيره). [جامع البيان: 18/492-497]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فطرة الله التي فطر الناس عليها قال الفطرة الدين الإسلام). [تفسير مجاهد: 500]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس في قوله لا تبديل لخلق الله قال هو الإخصاء). [تفسير مجاهد: 500]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني لدين الله). [تفسير مجاهد: 501]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن المغيرة عن إبراهيم مثله قال لا تبديل لدين الله). [تفسير مجاهد: 501]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أخرج الفريابي، وابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {فطرة الله التي فطر الناس عليها} قال: الدين الإسلام {لا تبديل لخلق الله} قال: لدين الله). [الدر المنثور: 11/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {فطرة الله التي فطر الناس عليها} قال: الإسلام). [الدر المنثور: 11/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {فطرة الله التي فطر الناس عليها} قال: دين الله الذي فطر خلقه عليه). [الدر المنثور: 11/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الاصول عن مكحول رضي الله عنه، ان الفطرة معرفة الله). [الدر المنثور: 11/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {لا تبديل لخلق الله} قال: دين الله {ذلك الدين القيم} قال: القضاء القيم). [الدر المنثور: 11/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن حماد بن عمر الصفار قال: سألت قتادة رضي الله عنه عن قوله {فطرة الله التي فطر الناس عليها} فقال: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {فطرة الله التي فطر الناس عليها} قال: دين الله). [الدر المنثور: 11/598-599]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن عمر رضي الله عنه قال له: ما قوام هذه الأمة قال: ثلاث وهي المنجيات، الإخلاص: وهي الفطرة التي فطر الناس عليها، والصلاة: وهي الملة، والطاعة: وهي العصمة، فقال عمر رضي الله عنه: صدقت). [الدر المنثور: 11/599]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير رضي الله عنه {لا تبديل لخلق الله} قال: لدين الله.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة وقتادة والضحاك وإبراهيم، وابن زيد، مثله). [الدر المنثور: 11/599]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرأوا إن شئتم {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} ). [الدر المنثور: 11/599-600]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج مالك وأبو داود، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تنتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء) قالوا: يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير قال: الله أعلم بما كانوا عاملين). [الدر المنثور: 11/600]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبه وأحمد والنسائي والحاكم وصححه، وابن مردويه عن الأسود بن سريع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى خيبر فقاتلوا المشركين فانتهى بهم القتل إلى الذرية فلما جاؤا قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ما حملكم على قتل الذرية قالوا: يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين قال: وهل خياركم إلا أولاد المشركين والذي نفسي بيده ما من نسمة تولد إلا على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها). [الدر المنثور: 11/600]

تفسير قوله تعالى: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {منيبين إليه واتّقوه وأقيموا الصّلاة ولا تكونوا من المشركين (31) من الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {منيبين إليه} تائبين راجعين إلى اللّه مقبلين.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {منيبين إليه} قال: المنيب إلى اللّه: المطيع للّه، الّذي أناب إلى طاعة اللّه وأمره، ورجع عن الأمور الّتي كان عليها قبل ذلك. كان القوم كفّارًا، فنزعوا ورجعوا إلى الإسلام.
وتأويل الكلام: فأقم وجهك يا محمّد للدّين حنيفًا {منيبين إليه} إلى اللّه؛ فالمنيبون حالٌ من الكاف الّتي في {وجهك}.
فإن قال قائلٌ: وكيف يكون حالاً منها، والكاف كنايةٌ عن واحدٍ، والمنيبون صفةٌ لجماعةٍ؟
قيل: لأنّ الأمر لمن الكاف كناية اسمه من اللّه في هذا الموضع أمرٌ منه له ولأمّته، فكأنّه قيل له: فأقم وجهك أنت وأمّتك للدّين حنيفًا للّه، منيبين إليه.
وقوله: {واتّقوه} يقول جلّ ثناؤه: وخافوا اللّه وراقبوه أن تفرّطوا في طاعته، وتركبوا معصيته، {ولا تكونوا من المشركين} يقول: ولا تكونوا من أهل الشّرك باللّه بتضييعكم فرائضه وركوبكم معاصيه، وخلافكم الدّين الّذي دعاكم إليه). [جامع البيان: 18/497-498]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {منيبين إليه} قال: تائبين اليه). [الدر المنثور: 11/600]

تفسير قوله تعالى: (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {من الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا} يقول: ولا تكونوا من المشركين الّذين بدّلوا دينهم وخالفوه ففارقوه {وكانوا شيعًا} يقول: وكانوا أحزابًا فرقًا كاليهود والنّصارى.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا} وهم اليهود والنّصارى.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا} إلى آخر الآية قال: هؤلاء يهود.
فلو وجّه قوله {من الّذين فرّقوا دينهم} إلى أنّه خبرٌ مستأنفٌ منقطعٌ عن قوله: {ولا تكونوا من المشركين} وأنّ معناه: من الّذين فرّقوا دينهم {وكانوا شيعًا} أحزابًا {كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون} كان وجهًا يحتمله الكلام.
وقوله: {كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون} يقول: كلّ طائفةٍ وفرقةٍ من هؤلاء الّذين فارقوا دينهم الحقّ، فأحدثوا البدع الّتي أحدثوا بما لديهم فرحون. يقول: بما هم به متمسّكون من المذهب، فرحون: مسرورون، يحسبون أنّ الصّواب معهم دون غيرهم). [جامع البيان: 18/498]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة {من الذين فرقوا دينهم} قال: هم اليهود والنصارى، وفي قوله {أم أنزلنا عليهم سلطانا} قال: يأمرهم بذلك). [الدر المنثور: 11/601]


رد مع اقتباس