عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 14 محرم 1440هـ/24-09-2018م, 05:17 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدّنيا والآخرة ولهم عذابٌ عظيمٌ (23) يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون (24) يومئذٍ يوفّيهم اللّه دينهم الحقّ ويعلمون أنّ اللّه هو الحقّ المبين (25)}
هذا وعيدٌ من اللّه تعالى للّذين يرمون المحصنات الغافلات -خرّج مخرج الغالب- المؤمنات.
فأمّهات المؤمنين أولى بالدّخول في هذا من كلّ محصّنةٍ، ولا سيّما الّتي كانت سبب النّزول، وهي عائشة بنت الصّدّيق، رضي اللّه عنهما.
وقد أجمع العلماء، رحمهم اللّه، قاطبةً على أنّ من سبّها بعد هذا ورماها بما رماها به [بعد هذا الّذي ذكر] في هذه الآية، فإنّه كافرٌ؛ لأنّه معاندٌ للقرآن. وفي بقيّة أمّهات المؤمنين قولان: أصحّهما أنّهنّ كهي، واللّه أعلم.
وقوله تعالى: {لعنوا في الدّنيا والآخرة ولهم عذابٌ عظيمٌ} كقوله: {إنّ الّذين يؤذون اللّه ورسوله لعنهم اللّه في الدّنيا والآخرة وأعدّ لهم عذابًا مهينًا} [الأحزاب: 57].
وقد ذهب بعضهم إلى أنّها خاصّةٌ بعائشة، فقال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا عبد اللّه بن خراش، عن العوّام، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {إنّ الّذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات} [قال]: نزلت في عائشة خاصّةً.
وكذا قال [سعيد بن جبيرٍ و] مقاتل بن حيّان، وقد ذكره ابن جريرٍ عن عائشة فقال:
حدّثنا أحمد بن عبدة الضّبّي، حدّثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه قال: قالت عائشة: رميت بما رميت به وأنا غافلةٌ، فبلغني بعد ذلك. قالت: فبينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ عندي إذ أوحي، إليه. قالت: وكان إذا أوحي إليه أخذه كهيئة السّبات، وإنّه أوحي إليه وهو جالسٌ عندي، ثمّ استوى جالسًا يمسح على وجهه، وقال: "يا عائشة أبشري". قالت: قلت: بحمد اللّه لا بحمدك. فقرأ: {إنّ الّذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات}، حتّى قرأ: {أولئك مبرّءون ممّا يقولون} [النّور: 26].
هكذا أورده، وليس فيه أنّ الحكم خاصٌّ بها، وإنّما فيه أنّها سبب النّزول دون غيرها، وإن كان الحكم يعمّها كغيرها، ولعلّه مراد ابن عبّاسٍ ومن قال كقوله، واللّه أعلم.
وقال الضّحّاك، وأبو الجوزاء، وسلمة بن نبيط: المراد بها أزواج النّبيّ خاصّةً، دون غيرهنّ من النّساء.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {إنّ الّذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات} الآية: يعني أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، رماهنّ أهل النّفاق، فأوجب اللّه لهم اللّعنة والغضب، وباؤوا بسخطٍ من اللّه، فكان ذلك في أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ نزل بعد ذلك: {والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء} إلى قوله: {فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}، فأنزل اللّه الجلد والتّوبة، فالتّوبة تقبل، والشّهادة تردّ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، حدّثنا هشيم، أخبرنا العوّام بن حوشبٍ، عن شيخٍ من بني أسدٍ، عن ابن عبّاسٍ -قال: فسّر سورة النّور، فلمّا أتى على هذه الآية: {إنّ الّذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا} الآية -قال: في شأن عائشة، وأزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهي مبهمةٌ، وليست لهم توبةٌ، ثمّ قرأ: {والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء} إلى قوله: {إلا الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا} الآية [النور: 4، 5]، قال: فجعل لهؤلاء توبةً ولم يجعل لمن قذف أولئك توبةً، قال: فهمّ بعض القوم أن يقوم إليه فيقبّل رأسه، من حسن ما فسّر به سورة النّور.
فقوله: "وهي مبهمةٌ"، أي: عامّةٌ في تحريم قذف كلّ محصنةٍ، ولعنته في الدّنيا والآخرة.
وهكذا قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: هذا في عائشة، ومن صنع مثل هذا أيضًا اليوم في المسلمات، فله ما قال اللّه، عزّ وجلّ، ولكن عائشة كانت إمام ذلك.
وقد اختار ابن جريرٍ عمومها، وهو الصّحيح، ويعضّد العموم ما رواه ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن -ابن أخي ابن وهبٍ -حدّثنا عمّي، حدّثنا سليمان بن بلالٍ، عن ثور بن زيدٍ، عن أبي الغيث عن أبي هريرة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "اجتنبوا السّبع الموبقات". قيل: يا رسول اللّه، وما هنّ؟ قال: "الشّرك باللّه، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات".
أخرجاه في الصّحيحين، من حديث سليمان بن بلالٍ، به.
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن عمرو بن خالدٍ الحذّاء الحرّانيّ، حدّثني أبي، (ح) وحدّثنا أبو شعيب الحرّانيّ، حدّثنا جدّي أحمد بن أبي شعيب، حدّثنا موسى بن أعين، عن ليثٍ، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:"قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنةٍ"). [تفسير ابن كثير: 6/ 31-33]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} قال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو يحيى الرّازيّ، عن عمرو بن أبي قيسٍ، عن مطرّف، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: إنّهم -يعني: المشركين -إذا رأوا أنّه لا يدخل الجنة إلّا أهل الصّلاة، قالوا: تعالوا حتّى نجحد. فيجحدون فيختم [اللّه] على أفواههم، وتشهد أيديهم وأرجلهم، ولا يكتمون اللّه حديثًا.
وقال ابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ أيضًا: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، حدّثنا ابن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث، عن درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ، عن رسول الله صلى عليه وسلّم قال:"إذا كان يوم القيامة، عرف الكافر بعمله، فيجحد ويخاصم، فيقال له: هؤلاء جيرانك يشهدون عليك. فيقول: كذبوا. فيقول: أهلك وعشيرتك. فيقول: كذبوا، فيقول: احلفوا. فيحلفون، ثمّ يصمتهم اللّه، فتشهد عليهم أيديهم وألسنتهم، ثمّ يدخلهم النّار".
وقال ابن أبي حاتمٍ أيضًا: حدّثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد اللّه بن أبي شيبة الكوفي، حدثنا منجاب بن الحارث التّميميّ حدّثنا أبو عامرٍ الأسدي، حدّثنا سفيان، عن عبيدٍ المكتب، عن فضيل بن عمرٍو الفقيمي، عن الشّعبيّ، عن أنس بن مالكٍ قال: كنّا عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فضحك حتّى بدت نواجذه، ثمّ قال: "أتدرون ممّ أضحك؟ " قلنا: اللّه ورسوله أعلم. قال: "من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول: يا ربّ، ألم تجرني من الظّلم؟ فيقول: بلى. فيقول: لا أجيز عليّ شاهدًا إلّا من نفسي. فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا، وبالكرام عليك شهودًا فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي فتنطق بعمله، ثمّ يخلّي بينه وبين الكلام، فيقول: بعدًا لكنّ وسحقًا، فعنكنّ كنت أناضل".
وقد رواه مسلمٌ والنّسائيّ جميعًا، عن أبي بكر بن أبي النّضر، عن أبيه، عن عبيد اللّه الأشجعيّ، عن سفيان الثّوريّ، به ثمّ قال النّسائيّ: لا أعلم أحدًا روى هذا الحديث عن سفيان الثّوريّ غير الأشجعيّ، وهو حديثٌ غريبٌ، واللّه أعلم. هكذا قال.
وقال قتادة: ابن آدم، واللّه إنّ عليك لشهودًا غير متّهمةٍ من بدنك، فراقبهم واتّق اللّه في سرّك وعلانيتك، فإنّه لا يخفى عليه خافيةٌ، والظّلمة عنده ضوءٌ والسّرّ عنده علانيةٌ، فمن استطاع أن يموت وهو باللّه حسن الظّنّ، فليفعل ولا قوّة إلّا باللّه). [تفسير ابن كثير: 6/ 33-34]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يومئذٍ يوفّيهم اللّه دينهم الحقّ} قال ابن عبّاسٍ: {دينهم} أي: حسابهم، وكلّ ما في القرآن {دينهم} أي: حسابهم. وكذا قال غير واحدٍ.
ثمّ إنّ قراءة الجمهور بنصب {الحقّ} على أنّه صفةٌ لدينهم، وقرأ مجاهدٌ بالرّفع، على أنّه نعت الجلالة. وقرأها بعض السّلف في مصحف أبيّ بن كعبٍ: "يومئذٍ يوفّيهم اللّه الحقّ دينهم".
وقوله: {ويعلمون أنّ اللّه هو الحقّ المبين} أي: وعده ووعيده وحسابه هو العدل، الّذي لا جور فيه). [تفسير ابن كثير: 6/ 34]

تفسير قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيّبات للطّيّبين والطّيّبون للطّيّبات أولئك مبرّءون ممّا يقولون لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ (26) }
قال ابن عبّاسٍ: الخبيثات من القول للخبيثين من الرّجال، والخبيثون من الرّجال للخبيثات من القول. والطّيّبات من القول، للطّيّبين من الرّجال، والطّيّبون من الرّجال للطّيّبات من القول. قال: ونزلت في عائشة وأهل الإفك.
وهكذا روي عن مجاهدٍ، وعطاءٍ، وسعيد بن جبير، والشّعبيّ، والحسن بن أبي الحسن البصريّ، وحبيب بن أبي ثابتٍ، والضّحّاك. واختاره ابن جريرٍ، ووجّهه بأنّ الكلام القبيح أولى بأهل القبح من النّاس، والكلام الطّيّب أولى بالطّيّبين من النّاس، فما نسبه أهل النّفاق إلى عائشة هم أولى به، وهي أولى بالبراءة والنّزاهة منهم؛ ولهذا قال: {أولئك مبرّءون ممّا يقولون}.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: الخبيثات من النّساء للخبيثين من الرّجال، والخبيثون من الرّجال للخبيثات من النّساء، والطّيّبات من النّساء للطّيّبين من الرّجال، والطّيّبون من الرّجال للطّيّبات من النّساء.
وهذا -أيضًا -يرجع إلى ما قاله أولئك باللّازم، أي: ما كان اللّه ليجعل عائشة زوجةً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا وهي طيّبةٌ؛ لأنّه أطيب من كلّ طيّبٍ من البشر، ولو كانت خبيثةً لما صلحت له، لا شرعًا ولا قدرًا؛ ولهذا قال: {أولئك مبرّءون ممّا يقولون} أي: هم بعداء عمّا يقوله أهل الإفك والعدوان، {لهم مغفرةٌ} أي: بسبب ما قيل فيهم من الكذب، {ورزقٌ كريمٌ} أي: عند اللّه في جنّات النّعيم. وفيه وعدٌ بأن تكون زوجة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الجنّة.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن مسلمٍ، حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا عبد السّلام بن حربٍ، عن يزيد بن عبد الرّحمن، عن الحكم، عن يحيى بن الجزّار قال: جاء أسير بن جابرٍ إلى عبد اللّه فقال: لقد سمعت الوليد بن عقبة تكلّم بكلامٍ أعجبني. فقال عبد اللّه: إنّ الرّجل المؤمن يكون في قلبه الكلمة غير طيّبةٍ تتجلجل في صدره ما تستقرّ حتّى يلفظها، فيسمعها رجلٌ عنده يتلّها فيضمّها إليه. وإنّ الرّجل الفاجر يكون في قلبه الكلمة الطّيّبة تتجلجل في صدره ما تستقرّ حتّى يلفظها، فيسمعها الرّجل الّذي عنده يتلّها فيضمّها إليه، ثمّ قرأ عبد اللّه: {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيّبات للطّيّبين والطّيّبون للطّيّبات}.
ويشبه هذا ما رواه الإمام أحمد في المسند مرفوعًا: "مثل الّذي يسمع الحكمة ثمّ لا يحدّث إلّا بشرّ ما سمع، كمثل رجلٍ جاء إلى صاحب غنمٍ، فقال: أجزرني شاةً. فقال: اذهب فخذ بأذن أيّها شئت. فذهب فأخذ بأذن كلب الغنم" وفي الحديث الآخر: "الحكمة ضالّة المؤمن حيث وجدها أخذها"). [تفسير ابن كثير: 6/ 34-35]

رد مع اقتباس