عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 14 محرم 1440هـ/24-09-2018م, 05:04 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّبعوا خطوات الشّيطان} يعني: طرائقه ومسالكه وما يأمر به، {ومن يتّبع خطوات الشّيطان فإنّه يأمر بالفحشاء والمنكر}: هذا تنفيرٌ وتحذيرٌ من ذلك، بأفصح العبارة وأوجزها وأبلغها وأحسنها.
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {خطوات الشّيطان}: عمله. وقال عكرمة: نزغاته. وقال قتادة: كلّ معصيةٍ فهي من خطوات الشّيطان. وقال أبو مجلز: النّذور في المعاصي من خطوات الشّيطان.
وقال مسروقٌ: سأل رجلٌ ابن مسعودٍ فقال: إنّي حرّمت أن آكل طعامًا؟ فقال: هذا من نزعات الشّيطان، كفّر عن يمينك، وكل.
وقال الشّعبيّ في رجلٍ نذر ذبح ولده: هذا من نزغات الشّيطان، وأفتاه أن يذبح كبشًا.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا حسّان بن عبد اللّه المصريّ، حدّثنا السّريّ بن يحيى، عن سليمان التّيميّ، عن أبي رافعٍ قال: غضبت عليّ امرأتي فقالت: هي يومًا يهوديّةٌ، ويومًا نصرانيّةٌ، وكلّ مملوكٍ لها حرٌّ، إن لم تطلّق امرأتك. فأتيت عبد اللّه بن عمر فقال: إنّما هذه من نزغات الشّيطان. وكذلك قالت زينب بنت أمّ سلمة، وهي يومئذٍ أفقه امرأةٍ بالمدينة، وأتيت عاصم بن عمر، فقال مثل ذلك.
ثمّ قال تعالى: {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحدٍ أبدًا} أي: لولا هو يرزق من يشاء التّوبة والرّجوع إليه، ويزكّي النّفوس من شركها وفجورها ودسّها وما فيها من أخلاقٍ رديئةٍ، كلٌّ بحسبه، لما حصّل أحدٌ لنفسه زكاةً ولا خيرًا {ولكنّ اللّه يزكّي من يشاء} أي: من خلقه، ويضلّ من يشاء ويرديه في مهالك الضّلال والغيّ.
وقوله: {واللّه سميعٌ} أي: سميعٌ لأقوال عباده {عليمٌ} بهم، من يستحقّ منهم الهدى والضّلال). [تفسير ابن كثير: 6/ 30]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل اللّه وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ (22) }
يقول تعالى: {ولا يأتل} من الأليّة، [وهي: الحلف] أي: لا يحلف {أولو الفضل منكم} أي: الطّول والصّدقة والإحسان {والسّعة} أي: الجدة {أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل اللّه} أي: لا تحلفوا ألّا تصلوا قراباتكم المساكين والمهاجرين. وهذه في غاية التّرفّق والعطف على صلة الأرحام؛ ولهذا قال: {وليعفوا وليصفحوا} أي: عمّا تقدّم منهم من الإساءة والأذى، وهذا من حلمه تعالى وكرمه ولطفه بخلقه مع ظلمهم لأنفسهم.
وهذه الآية نزلت في الصدّيق، حين حلف ألّا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعةٍ بعدما قال في عائشة ما قال، كما تقدّم في الحديث. فلمّا أنزل اللّه براءة أمّ المؤمنين عائشة، وطابت النّفوس المؤمنة واستقرّت، وتاب اللّه على من كان تكلّم من المؤمنين في ذلك، وأقيم الحدّ على من أقيم عليه -شرع تبارك وتعالى، وله الفضل والمنّة، يعطف الصدّيق على قريبه ونسيبه، وهو مسطح بن أثاثة، فإنّه كان ابن خالة الصّديق، وكان مسكينًا لا مال له إلّا ما ينفق عليه أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه، وكان من المهاجرين في سبيل اللّه، وقد ولق ولقة تاب اللّه عليه منها، وضرب الحدّ عليها. وكان الصّدّيق، رضي اللّه عنه، معروفًا بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب. فلمّا نزلت هذه الآية إلى قوله: {ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ} أي: فإنّ الجزاء من جنس العمل، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك، وكما تصفح نصفح عنك. فعند ذلك قال الصّدّيق: بلى، واللّه إنّا نحبّ -يا ربّنا -أن تغفر لنا. ثمّ رجع إلى مسطحٍ ما كان يصله من النّفقة، وقال: واللّه لا أنزعها منه أبدًا، في مقابلة ما كان قال: واللّه لا أنفعه بنافعةٍ أبدًا، فلهذا كان الصّدّيق هو الصّدّيق [رضي اللّه عنه وعن بنته]). [تفسير ابن كثير: 6/ 31]

رد مع اقتباس