عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 11:23 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {
وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى}، هذه المخاطبة لكل من تصور أن ينكح في نازلة ما، فهم المأمورون بتزويج من لا زوج له ومن لا زوجة له، وظاهر الآية أن المرأة لا تتزوج إلا بولي، و"الأيم" يقال للرجل وللمرأة، ومنه قول الشاعر:
لله در بني علـ ـي أيم منهم وناكح
[المحرر الوجيز: 6/379]
ولعموم هذا اللفظ قالت فرقة: إن هذه الآية ناسخة لحكم قوله تعالى: {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين}، وقوله: {والصالحين من عبادكم} يريد: للنكاح. وقرأ الحسن بن أبي الحسن: (من عبيدكم)، والجمهور على "من عبادكم"، والمعنى واحد، إلا أن قرينة الترفيع بالنكاح تؤيد قراءة الجمهور.
وهذا الأمر بالنكاح يختلف بحسب شخص شخص، ففي نازلة يتصور وجوبه، وفي نازلة الندب، وغير ذلك، وهذا بحسب ما قيل في النكاح.
ثم وعد الله تبارك وتعالى بإغناء الفقراء المتزوجين طلبا لرضى الله عنهم واعتصاما من معاصيه، وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: التمسوا الغنى في النكاح، وقال عمر رضي الله عنه: عجبي ممن لا يطلب الغنى بالنكاح، وقد قال الله تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}. قال النقاش: هذه الآية حجة على من قال إن القاضي يفرق بين الزوجين إذا كان الزوج فقيرا لا يقدر على النفقة؛ لأن الله قال: يغنهم الله ولم يقل: "يفرق بينهما".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا انتزاع ضعيف، وليست هذه الآية حكما فيمن عجز عن النفقة، وإنما هي وعد بالإغناء، كما وعد به تعالى مع التفرق في قوله: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته}، ونفحات رحمة الله تعالى مأمولة في كل حال، موعود بها.
[المحرر الوجيز: 6/380]
وقوله تعالى: {واسع عليم} صفتان نحو المعنى الذي فيه القول، أي واسع الفضل، عليم بمستحق التوسعة والإغناء). [المحرر الوجيز: 6/381]

تفسير قوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}
"استعف" وزنه استفعل، ومعناه: طلب أن يكون عفيفا، فأمر الله تعالى في هذه الآية كل من يتعذر عليه النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعف، ثم لما كان أغلب الموانع على النكاح عدم المال وعد بالإغناء من فضله، فعلى هذا التأويل يعم الأمر بالاستعفاف كل من تعذر عليه النكاح بأي وجه تعذر.
وقالت جماعة من المفسرين: النكاح في هذه الآية اسم ما يمهر وينفق في الزواج كاللحاف واللباس لما يلتحف به ولما يلبس، وحملهم على هذا قوله تعالى: {حتى يغنيهم الله من فضله}، فظنوا أن المأمور بالاستعفاف إنما هو من عدم المال الذي يتزوج به، وفي هذا القول تخصيص المأمورين بالاستعفاف، وذلك ضعيف.
ثم أمر الله تعالى المؤمنين كافة أن يكاتب منهم كل من له مملوك وطلب المملوك الكتابة وعلم سيده منه خيرا، قال النقاش: سببها أن غلاما لحويطب بن عبد العزى سأل مولاه الكتابة فأبى عليه، وقال مكي: هو صبيح القبطي غلام حاطب بن أبي بلتعة، ولفظ "الكتاب" في الآية مصدر كالقتال والجلاد ونحوه من مصادر فاعل، و"الكتابة" فعالة من حيث هذا يكتب على نفسه، وهذا على نفسه.
واختلف الناس، هل هذا الأمر بالكتابة على الوجوب أو على الندب، على قولين: فمذهب مالك رحمه الله أن ذلك على الندب، وقال عطاء: ذلك واجب، وهو ظاهر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه رضي الله عنه لأنس بن مالك رضي الله عنه في سيرين، حين سأل سيرين الكتابة فتلكأ أنس، فقال له عمر: كاتبه أو لأضربنك بالدرة، وهو قول عمرو بن دينار والضحاك.
[المحرر الوجيز: 6/381]
واختلف الناس في المراد بالخير، فقالت فرقة: هو المال، ولم تر على سيد عبد أن يكاتب إلا إذا علم أن له مالا يؤدي منه أو من التجر فيه، وروي عن ابن عمر وسلمان أنهما أبيا من كتابة عبدين رغبا في الكتابة ووعدا باسترفاق الناس، فقال كل واحد منهما لعبده: أتريد أن تطعمني أوساخ الناس؟ وقال مالك: إنه ليقال: يراد بالخير القوة والأداء، وقال الحسن بن أبي الحسن: الخير هو صدق الموعد، وقلة الكذب، والوفاء، وإن لم يكن للعبد مال، وقال عبيدة السلماني: الخير هو الصلاح في الدين، وهذا في زمنه القول الذي قبله.
والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم، وحرمة العتق إنما يتلبس بها بعد الأداء، هذا قول جمهور الأمة، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا أدى ثلث الكتابة فهو عتيق غريم، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: العتاقة تجري فيه بأول نجم يؤديه.
وقوله تعالى: {وآتوهم من مال الله}، قال المفسرون: هو أمر لكل مكاتب أن يضع للعبد من مال كتابته، واستحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يكون ذلك ربع الكتابة، قال الزهراوي: وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، واستحسن الحسن بن أبي الحسن، وابن مسعود ثلثها، وقال قتادة: عشرها، ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يكون ذلك من أول نجومه مبادرة إلى الخير وخوفا ألا يدرك آخرها، ورأى مالك رحمه الله، وغيره أن يكون الوضع في آخر نجم، وعلة ذلك أنه إذا وضع من أول نجم ربما عجز العبد فرجع هو وماله إلى السيد، فعادت إليه وضيعته، وهي شبه الصدقة، وهذا قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورأى مالك رحمه الله هذا الأمر على الندب، ولم ير لقدر الوضعية حدا، ورأى الشافعي رحمه الله وغيره الوضيعة
[المحرر الوجيز: 6/382]
واجبة يحكم بها الحاكم على المكاتب وعلى ورثته، وقال الحسن، والنخعي، وبريدة: إنما الخطاب بقوله تعالى: {وآتوهم من مال الله} للناس أجمعين في أن يتصدقوا على المكاتبين، وأن يعينوهم في فكاك رقابهم، وقال زيد بن أسلم: إنما الخطاب لولاة الأمور بأن يعطوا المكاتبين من مال الصدقة حظهم، وهو الذي تضمنه قوله تعالى: " وفي الرقاب ".
قوله عز وجل: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم * ولقد أنـزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين}
روي أن سبب هذه الآية هو أن عبد الله بن أبي ابن سلول كانت له أمة تسمى مسيكة، وقيل: معاذة، فكان يأمرها بالزنا والكسب به، فشكت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية فيه وفيمن فعل فعله من المنافقين.
وقوله تعالى: {إن أردن تحصنا} راجع إلى "الفتيات"، وذلك أن الفتاة إذا أرادت التحصن فحينئذ يمكن ويتصور أن يكون السيد مكرها، ويمكن أن ينهى عن الإكراه، وإذا كانت الفتاة لا تريد التحصن فلا يتصور أن يقال للسيد: لا تكرهها؛ لأن الإكراه لا يتصور فيها وهي مريدة للزنى، فهذا أمر في [سادة وفتيات] حالهم هذه، وذهب هذا النظر عن كثير من المفسرين، فقال بعضهم: قوله تعالى: {إن أردن تحصنا} راجع إلى [الأيامى] في قوله سبحانه: {وأنكحوا الأيامى منكم}، وقال بعضهم: هذا الشرط في قوله تعالى: "إن أردن" ملغى، ونحو هذا مما ضعف، والله الموفق للصواب برحمته.
و "عرض الحياة الدنيا" في هذه الآية: الشيء الذي تكتسبه الأمة بفرجها، ومعنى
[المحرر الوجيز: 6/383]
باقي الآية: فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم بهن، وقد يتصور الغفران والرحمة بالمكرهين بعد أن تقع التوبة من ذلك، فالمعنى: غفور لمن تاب، وقرأ ابن مسعود، وجابر بن عبد الله، وابن جبير: "لهن غفور رحيم" بزيادة "لهن"). [المحرر الوجيز: 6/384]


رد مع اقتباس