عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:11 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه ومن اتّبعك من المؤمنين قال النقاش: نزلت هذه الآية بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال، وحكي عن ابن عباس أنها نزلت في الأوس والخزرج خاصة، قال ويقال إنها نزلت حين أسلم عمر وكمل المسلمون أربعين، قاله ابن عمر وأنس، فهي على هذا مكية، وحسبك في كلام العرب وشرعك بمعنى كافيك ويكفيك، والمحسب الكافي، وقالت فرقة: معنى هذه الآية يكفيك الله ويكفيك من اتبعك من المؤمنين، ف من في هذا التأويل رفع عطفا على اسم الله عز وجل، وقال عامر الشعبي وابن زيد: معنى الآية حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين، ف من في هذا التأويل في موضع نصب عطفا على موضع الكاف، لأن موضعها نصب على المعنى ليكفيك التي سدّت حسبك مسدّها، ويصح أن تكون من في موضع خفض بتقدير محذوف كأنه قال وحسب وهذا كقول الشاعر: [المتقارب]
أكلّ امرئ تحسبين امرأ = ونار توقّد بالليل نارا
التقدير وكل نار، وهذا الوجه من حذف المضاف مكروه بابه ضرورة الشعر، ويروى البيت ونارا، ومن نحو هذا قول الشاعر: [الطويل]
إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا = فحسبك والضحّاك سيف مهند
يروى «الضحاك» مرفوعا والضحاك منصوبا والضحاك مخفوضا فالرفع عطف على قوله سيف بنية التأخير كما قال الشاعر:
... ... ... ... = عليك ورحمة الله السلام
ويكون «الضحاك» على هذا محسبا للمخاطب، والنصب عطفا على موضع الكاف من قوله «حسبك» والمهند على هذا محسب للمخاطب، والضحاك على تقدير محذوف كأنه قال فحسبك الضحاك). [المحرر الوجيز: 4/ 233-234]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفاً من الّذين كفروا بأنّهم قومٌ لا يفقهون (65) الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين (66)
قوله حرّض معناه حثهم وحضهم، قال النقاش وقرئت «حرص» بالصاد غير منقوطة والمعنى متقارب والحارض الذي هو القريب من الهلاك لفظة مباينة لهذه ليست منها في شيء، وقالت فرقة من المفسرين: المعنى حرض على القتال حتى يبين لك فيمن تركه أنه حرض.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول غير ملتئم ولا لازم من اللفظ، ونحا إليه الزجّاج، والقتال مفترض على المؤمنين بغير هذه الآية، وإنما تضمنت هذه الآية أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بتحريضهم على أمر قد وجب عليهم من غير هذا الموضع، وقوله إن يكن إلى آخر الآية في لفظ خبر ضمنه وعد بشرط لأن قوله إن يكن منكم عشرون صابرون بمنزلة أن يقال إن يصبر منكم عشرون يغلبوا، وفي ضمنه الأمر بالصبر وكسرت العين من «عشرون» لأن نسبة عشرين من عشرة نسبة اثنين من واحد فكما جاء أول اثنين مكسورا كسرت العين من عشرين ثم اطرد في جموع أجزاء العشرة، فالمفتوح كأربعة وخمسة وسبعة فتح أول جمعه، والمكسور كستة وتسعة كسر أول جمعه، هذا قول سيبويه، وذهب غيره إلى أن عشرين جمع عشر الإبل وهو وردها للتسع، فلما كان في عشرة وعشرة عشر وعشر ويومان من الثالث جمع ذلك على عشرين، كما قال امرؤ القيس:
... ... ... ... = ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
لما كان في الثلاثين حول وحول وبعض الثالث وتظاهرت الروايات عن ابن عباس وغيره من الصحابة بأن ثبوت الواحد للعشرة كان فرضا من الله عز وجل على المؤمنين ثم لما شق ذلك عليهم حط الفرض إلى ثبوت الواحد للاثنين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا هو النسخ لأنه رفع حكم مستقر بحكم آخر شرعي، وفي ضمنه التخفيف، إذ هذا من نسخ الأثقل بالأخف، وذهب بعض الناس إلى أن ثبوت الواحد للعشرة إنما كان على جهة ندب المؤمنين إليه، ثم حط ذلك حين ثقل عليهم إلى ثبوت الواحد للاثنين، وروي أيضا هذا عن ابن عباس، قال كثير من المفسرين: وهذا تخفيف لا نسخ إذ لم يستقر لفرض العشرة حكم شرعي، قال مكي: وإنما هو كتخفيف الفطر في السفر وهو لو صام لم يأثم وأجزأه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا نظر، ولا يمتنع كون المنسوخ مباحا من أن يقال نسخ، واعتبر ذلك في صدقة النجوي، وهذه الآية التخفيف فيها نسخ للثبوت للعشرة، وسواء كان الثبوت للعشرة فرضا أو ندبا هو حكم شرعي على كل حال، وقد ذكر القاضي ابن الطيب أن الحكم إذا نسخ بعضه أو بعض أوصافه أو غير عدده فجائز أن يقال له نسخ لأنه حينئذ ليس بالأول وهو غيره، وذكر في ذلك خلافا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والذي يظهر في ذلك أن النسخ إنما يقال حينئذ على الحكم الأول مقيدا لا بإطلاق واعتبر ذلك في نسخ الصلاة إلى بيت المقدس،
وقرأ حمزة والكسائي وعاصم «إن يكن منكم مائة» في الموضعين بياء على تذكير العلامة، ورواها خارجة عن نافع.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا بحسب المعنى لأن الكائن في تلك المائة إنما هم رجال فذلك في الحمل على المعنى كقوله تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام: 160] إذ أمثالها حسنات، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر «إن تكن منكم مائة» في الموضعين على تأنيث العلامة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا بحسب اللفظ والمقصد كأنه أراد إن تكن فرقة عددها مائة وقرأ أبو عمرو بالياء في صدر الآية وبالتاء في آخرها، ذهب في الأولى إلى مراعاة يغلبوا وفي الثانية إلى مراعاة صابرةٌ قال أبو حاتم: وقرأ «إن تكن» بالتاء من فوق منكم «عشرون صابرون» الأعرج وجعلها كلها على «ت».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: إلا قوله وإن يكن منكم ألفٌ فإنه لا خلاف في الياء من تحت، قوله لا يفقهون معناه لا يفهمون مراشدهم ولا مقصد قتالهم لا يريدون به إلا الغلبة الدنياوية، فهم يخافون إذا صبر لهم، ومن يقاتل ليغلب أو يستشهد فيصير إلى الجنة أثبت قدما لا محالة). [المحرر الوجيز: 4/ 234-237]

تفسير قوله تعالى: {الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وروى المفضل عن عاصم «وعلم» بضم العين وكسر اللام على البناء للمفعول، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي وابن عمرو والحسن والأعرج وابن القعقاع وقتادة وابن أبي إسحاق «ضعفا» بضم الضاد وسكون العين، وقرأ عاصم وحمزة وشيبة وطلحة «ضعفا» بفتح الضاد وسكون العين، وكذلك اختلافهم في سورة الروم، وقرأ عيسى بن عمر «ضعفا» بضم الضاد والعين وذكره النقاش، وهي مصادر بمعنى واحد، قال أبو حاتم: من ضم الضاد جاز له ضم العين وهي لغة، وحكى سيبويه الضّعف والضّعف لغتان بمنزلة الفقر والفقر، حكى الزهراوي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: ضم الضاد لغة أهل الحجاز وفتحها لغة تميم ولا فرق بينهما في المعنى، وقال الثعالبي في كتاب فقه اللغة له: الضّعف بفتح الضاد في العقل والرأي، والضّعف بضمها في الجسم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول ترده القراءة وذكره أبو غالب بن التياني غير منسوب، وقرأ أبو جعفر ابن القعقاع أيضا «ضعفاء» بالجمع كظريف وظرفاء، وحكاها النقاش عن ابن عباس، وقوله واللّه مع الصّابرين لفظ خبر في ضمنه وعد وحض على الصبر، ويلحظ منه وعيد لمن لم يصبر بأنه يغلب). [المحرر الوجيز: 4/ 237-238]


رد مع اقتباس