عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:10 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أمر تعالى بإعداد آلات الحرب لمقاتلتهم حسب الطّاقة والإمكان والاستطاعة، فقال: {وأعدّوا لهم ما استطعتم} أي: مهما أمكنكم، {من قوّةٍ ومن رباط الخيل}
قال الإمام أحمد: حدّثنا هارون بن معروفٍ، حدّثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي عليٍّ ثمامة بن شفيّ، أنّه سمع عقبة بن عامرٍ يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول وهو على المنبر: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ} ألا إنّ القوّة الرّمي، ألا إنّ القوّة الرّمي"
رواه مسلمٌ، عن هارون بن معروفٍ، وأبو داود عن سعيد بن منصورٍ، وابن ماجه عن يونس بن عبد الأعلى، ثلاثتهم عن عبد اللّه بن وهبٍ، به
ولهذا الحديث طرقٌ أخر، عن عقبة بن عامرٍ، منها ما رواه التّرمذيّ، من حديث صالح بن كيسان، عن رجلٍ، عنه
وروى الإمام أحمد وأهل السّنن، عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ارموا واركبوا، وأن ترموا خيرٌ من أن تركبوا"
وقال الإمام مالكٌ، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالحٍ السّمّان، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "الخيل لثلاثةٍ: لرجلٍ أجر، ولرجلٍ سترٌ، وعلى رجلٍ وزرٌ؛ فأمّا الّذي له أجرٌ فرجلٌ ربطها في سبيل اللّه، فأطال لها في مرجٍ -أو: روضةٍ -فما أصابت في طيلها ذلك من المرج -أو: الرّوضة -كانت له حسناتٌ، ولو أنّها قطعت طيلها فاستنّت شرفًا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسناتٍ له، ولو أنّها مرّت بنهرٍ فشربت منه، ولم يرد أن يسقي به، كان ذلك حسناتٍ له؛ فهي لذلك الرّجل أجرٌ. ورجلٌ ربطها تغنّيًا وتعفّفًا، ولم ينس حقّ اللّه في رقابها ولا ظهورها، فهي له سترٌ، ورجلٌ ربطها فخرًا ورياءً ونواءً فهي على ذلك وزرٌ". وسئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الحمر فقال: "ما أنزل اللّه عليّ فيها شيئًا إلّا هذه الآية الجامعة الفاذّة: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره} [الزّلزلة: 7، 8].
رواه البخاريّ -وهذا لفظه -ومسلمٌ، كلاهما من حديث مالكٍ
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حجّاجٌ، أخبرنا شريكٌ، عن الرّكين بن الرّبيع عن القاسم بن حسّان؛ عن عبد اللّه بن مسعودٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "الخيل ثلاثةٌ: ففرسٌ للرّحمن، وفرسٌ للشّيطان، وفرسٌ للإنسان، فأمّا فرس الرّحمن فالّذي يربط في سبيل اللّه، فعلفه وروثه وبوله، وذكر ما شاء اللّه. وأمّا فرس الشّيطان فالّذي يقامر أو يراهن عليه، وأمّا فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها، فهي سترٌ من فقرٍ"
وقد ذهب أكثر العلماء إلى أنّ الرّمي أفضل من ركوب الخيل، وذهب الإمام مالكٌ إلى أنّ الرّكوب أفضل من الرّمي، وقول الجمهور أقوى للحديث، واللّه أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حجّاجٌ وهشامٌ قالا حدّثنا ليثٌ، حدّثني يزيد بن أبي حبيبٍ، عن ابن شماسة: أنّ معاوية بن حديجٍ مرّ على أبي ذرٍّ، وهو قائمٌ عند فرسٍ له، فسأله ما تعالج من فرسك هذا؟ فقال: إنّي أظنّ أنّ هذا الفرس قد استجيب له دعوته! قال: وما دعاء بهيمةٍ من البهائم؟ قال: والّذي نفسي بيده ما من فرسٍ إلّا وهو يدعو كلّ سحرٍ فيقول: اللّهمّ، أنت خوّلتني عبدًا من عبادك، وجعلت رزقي بيده، فاجعلني أحبّ إليه من أهله وماله وولده
قال: وحدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن عبد الحميد بن جعفرٍ؛ حدّثني يزيد بن أبي حبيبٍ، عن سويد بن قيسٍ؛ عن معاوية بن حديجٍ ؛ عن أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم: "إنه ليس من فرسٍ عربيٍّ إلّا يؤذن له مع كلّ فجرٍ، يدعو بدعوتين، يقول: اللّهمّ، إنّك خوّلتني من خوّلتني من بني آدم، فاجعلني من أحبّ أهله وماله إليه" أو "أحبّ أهله وماله إليه".
رواه النّسائيّ، عن عمرو بن عليٍّ الفلّاس، عن يحيى القطّان، به
وقال أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا الحسين بن إسحاق التّستريّ، حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا يحيى بن حمزة، حدّثنا المطعم بن المقدام الصّنعانيّ، عن الحسن بن أبي الحسن أنّه قال لابن الحنظليّة -يعني: سهلًا -: حدّثنا حديثًا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، ومن ربط فرسًا في سبيل اللّه كانت النّفقة عليه، كالمادّ يده بالصّدقة لا يقبضها"
والأحاديث الواردة في فضل ارتباط الخيل كثيرة، وفي صحيح البخاري، عن عروة ابن أبي الجعد البارقيّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم"
وقوله: "ترهبون" أي: تخوّفون {به عدوّ اللّه وعدوّكم} أي: من الكفّار {وآخرين من دونهم} قال مجاهدٌ: يعني: قريظة، وقال السّدّيّ: فارس، وقال سفيان الثّوريّ: قال ابن يمانٍ: هم الشّياطين الّتي في الدّور. وقد ورد حديثٌ بمثل ذلك، قال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصي، حدّثنا أبو حيوة -يعني: شريح بن يزيد المقرئ -حدّثنا سعيد بن سنانٍ، عن ابن عريبٍ -يعني: يزيد بن عبد اللّه بن عريبٍ -عن أبيه، عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول في قوله: {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم} قال: "هم الجنّ"
ورواه الطّبرانيّ، عن إبراهيم بن دحيم؛ عن أبيه، عن محمّد بن شعيبٍ؛ عن سعيد بن سنانٍ عن يزيد بن عبد اللّه بن عريبٍ، به، وزاد: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يخبل بيتٌ فيه عتيقٌ من الخيل"
وهذا الحديث منكرٌ، لا يصحّ إسناده ولا متنه.
وقال مقاتل بن حيّان، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: هم المنافقون.
وهذا أشبه الأقوال، ويشهد له قوله: {وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} [التّوبة: 101].
وقوله: {وما تنفقوا من شيءٍ في سبيل اللّه يوفّ إليكم وأنتم لاتظلمون} أي: مهما أنفقتم في الجهاد، فإنّه يوفّى إليكم على التّمام والكمال، ولهذا جاء في حديثٍ رواه أبو داود: أنّ الدّرهم يضاعف ثوابه في سبيل اللّه إلى سبعمائة ضعفٍ كما تقدّم في قوله تعالى: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ} [البقرة:261].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن القاسم بن عطيّة، حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، حدّثنا أبي، عن أبيه، حدّثنا الأشعث بن إسحاق، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه كان يأمر ألّا يتصدّق إلّا على أهل الإسلام، حتّى نزلت: {وما تنفقوا من شيءٍ في سبيل اللّه يوفّ إليكم} فأمر بالصّدقة بعدها على كلّ من سألك من كلّ دينٍ. وهذا أيضًا غريبٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 80-83]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها وتوكّل على اللّه إنّه هو السّميع العليم (61) وإن يريدوا أن يخدعوك فإنّ حسبك اللّه هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين (62) وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيزٌ حكيمٌ (63)}
يقول تعالى: إذا خفت من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم عهدهم على سواءٍ، فإن استمرّوا على حربك ومنابذتك فقاتلهم، {وإن جنحوا} أي: مالوا {للسّلم} أي: المسالمة والمصالحة والمهادنة، {فاجنح لها} أي: فمل إليها، واقبل منهم ذلك؛ ولهذا لمّا طلب المشركون عام الحديبية الصّلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تسع سنين؛ أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشّروط الأخر.
وقال عبد اللّه بن الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ، حدّثنا فضيل بن سليمان -يعني: النّميريّ -حدّثنا محمّد بن أبي يحيى، عن إياس بن عمرٍو الأسلميّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "أنه سيكون بعدي اختلافٌ -أو: أمرٌ -فإن استطعت أن يكون السّلم، فافعل"
وقال مجاهدٌ: نزلت في بني قريظة.
وهذا فيه نظرٌ؛ لأنّ السّياق كلّه في وقعة بدرٍ، وذكرها مكتنفٌ لهذا كلّه.
وقول ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وزيد بن أسلم، وعطاءٍ الخراسانيّ، وعكرمة، والحسن، وقتادة: إنّ هذه الآية منسوخةٌ بآية السّيف في "براءة": {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} الآية [التّوبة:29] فيه نظرٌ أيضًا؛ لأنّ آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأمّا إذا كان العدوّ كثيفًا، فإنّه تجوز مهادنتهم، كما دلّت عليه هذه الآية الكريمة، وكما فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الحديبية، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص، واللّه أعلم.
وقوله: {وتوكّل على اللّه} أي: صالحهم وتوكّل على اللّه، فإنّ اللّه كافيك وناصرك، ولو كانوا يريدون بالصّلح خديعةً ليتقوّوا ويستعدّوا، {فإنّ حسبك اللّه} أي: كافيك وحده). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 83-84]

تفسير قوله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ ذكر نعمته عليه بما أيّده به من المؤمنين المهاجرين والأنصار؛ فقال: {هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم} أي: جمعها على الإيمان بك، وعلى طاعتك ومناصرتك وموازرتك {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم} أي: لما كان بينهم من العداوة والبغضاء فإنّ الأنصار كانت بينهم حروبٌ كثيرةٌ في الجاهليّة، بين الأوس والخزرج، وأمورٌ يلزم منها التّسلسل في الشّرّ، حتّى قطع اللّه ذلك بنور الإيمان، كما قال تعالى: {واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار فأنقذكم منها كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تهتدون} [آل عمران: 103].
وفي الصّحيحين أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما خطب الأنصار في شأن غنائم حنينٍ قال لهم: "يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلّالًا فهداكم اللّه بي، وعالةً فأغناكم اللّه بي، وكنتم متفرّقين فألّفكم اللّه بي" كلّما قال شيئًا قالوا: اللّه ورسوله أمنّ.
ولهذا قال تعالى: {ولكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيزٌ حكيمٌ} أي: عزيز الجناب، فلا يخيّب رجاء من توكّل عليه، حكيمٌ في أفعاله وأحكامه.
قال الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ، أنبأنا عليّ بن بشرٍ الصّيرفيّ القزوينيّ في منزلنا، أنبأنا أبو عبد اللّه محمّد بن الحسن القنديليّ الإستراباذيّ، حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن النّعمان الصّفّار، حدّثنا ميمون بن الحكم، حدّثنا بكر بن الشّرود، عن محمّد بن مسلمٍ الطّائفيّ، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قرابة الرّحم تقطع، ومنّة النّعمة تكفر، ولم ير مثل تقارب القلوب؛ يقول اللّه تعالى: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم} وذلك موجودٌ في الشّعر:
إذا متّ ذو القربى إليك برحمه فغشّك واستغنى فليس بذي رحم
ولكنّ ذا القربى الذي إن دعوته أجاب ومن يرمي العدو الذي ترمي
قال: ومن ذلك قول القائل:
ولقد صحبت الناس ثم سبرتهم وبلوت ما وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرّب قاطعاوإذا المودّة أقرب الأسباب
قال البيهقيّ: لا أدري هذا موصولٌ بكلام ابن عبّاسٍ، أو هو من قول من دونه من الرّواة؟
وقال أبو إسحاق السّبيعيّ، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، سمعته يقول: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم} الآية، قال: هم المتحابّون في اللّه، وفي روايةٍ: نزلت في المتحابّين في اللّه.
رواه النّسائيّ والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح
وقال عبد الرازق: أخبرنا معمر، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: إنّ الرّحم لتقطع، وإنّ النّعمة لتكفر، وإنّ اللّه إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيءٌ، ثمّ قرأ: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم}
رواه الحاكم أيضًا.
وقال أبو عمرٍو الأوزاعيّ: حدّثني عبدة بن أبي لبابة، عن مجاهدٍ -ولقيته فأخذ بيدي فقال: إذا تراءى المتحابّان في اللّه، فأخذ أحدهما بيد صاحبه، وضحك إليه، تحاتّت خطاياهما كما يتحاتّ ورق الشّجر. قال عبدة: فقلت له: إنّ هذا ليسيرٌ! فقال: لا تقل ذلك؛ فإنّ اللّه تعالى يقول: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم} !. قال عبدة: فعرفت أنّه أفقه منّي
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا ابن يمانٍ عن إبراهيم الخوزيّ عن الوليد بن أبي مغيثٍ، عن مجاهدٍ قال: إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما، قال: قلت لمجاهدٍ: بمصافحةٍ يغفر لهما؟ فقال مجاهدٌ: أما سمعته يقول: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم}؟ فقال الوليد لمجاهدٍ: أنت أعلم منّي.
وكذا روى طلحة بن مصرّف، عن مجاهدٍ.
وقال ابن عونٍ، عن عمير بن إسحاق قال: كنّا نحدّث أنّ أوّل ما يرفع من النّاس -[أو قال: عن النّاس] -الألفة.
وقال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطّبرانيّ، رحمه اللّه: حدّثنا الحسين بن إسحاق التّستريّ، حدّثنا عبيد اللّه بن عمر القواريريّ، حدّثنا سالم بن غيلان، سمعت جعدًا أبا عثمان، حدّثني أبو عثمان النّهديّ، عن سلمان الفارسيّ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ المسلم إذا لقي أخاه المسلم، فأخذ بيده، تحاتّت عنهما ذنوبهما، كما يتحاتّ الورق عن الشّجرة اليابسة في يوم ريحٍ عاصفٍ، وإلّا غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحار). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 84-86]


رد مع اقتباس