عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:04 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ولو ترى إذ يتوفّى الّذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق (50) ذلك بما قدّمت أيديكم وأنّ اللّه ليس بظلاّمٍ للعبيد (51) كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كفروا بآيات اللّه فأخذهم اللّه بذنوبهم إنّ اللّه قويٌّ شديد العقاب (52)
هذه الآية تتضمن التعجيب مما حل بالكفار يوم بدر، قاله مجاهد وغيره، وفي ذلك وعيد لمن بقي منهم، وحذف جواب، لو إبهام بليغ، وقرأ جمهور السبعة والناس «يتوفى» بالياء فعل فيه علامة التذكير إلى مؤنث في اللفظ، وساغ ذلك أن التأنيث غير حقيقي، وارتفعت الملائكة ب يتوفّى، وقال بعض من قرأ هذه القراءة إن المعنى إذ يتوفى الله الذين كفروا والملائكة رفع بالابتداء، ويضربون خبره والجملة في موضع الحال.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويضعف هذا التأويل سقوط واو الحال فإنها في الأغلب تلزم مثل هذا، وقرأ ابن عامر من السبعة والأعرج «تتوفى» بالتاء على الإسناد إلى لفظ «الملائكة»، ويضربون في موضع الحال، وقوله وأدبارهم قال جمهور المفسرين يريد أستاههم، ولكن الله كريم كنى، وقال ابن عباس أراد ظهورهم وما أدبر منهم، ومعنى هذا أن الملائكة كانت تلحقهم في حال الإدبار فتضرب أدبارهم، فأما في حال الإقبال فبين تمكن ضرب الوجوه، وروى الحسن أن رجلا قال: يا رسول الله رأيت في ظهر أبي جهل مثل الشراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك ضرب الملائكة»، وعبر بجمع الملائكة، وملك الموت واحد إذ له على ذلك أعوان من الملائكة،
وقوله وذوقوا عذاب الحريق قيل كانوا يقولون للكفار حينئذ هذا اللفظ فحذف يقولون اختصار، وقيل معناه وحالهم يوم القيامة أن يقال لهم هذا، والحريق فعيل من الحرق). [المحرر الوجيز: 4/ 215-216]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ذلك بما قدّمت أيديكم يحتمل أن يكون من قول الملائكة في وقت توفيتهم لهم على الصورة المذكورة، ويحتمل أن يكون كلاما مستأنفا تقريعا من الله عز وجل للكافرين حيهم وميتهم، وأنّ يصح أن تكون في موضع رفع على تقدير والحكم أن، ويصح أن تكون في موضع خفض عطفا على ما في قوله بما قدّمت، وقال مكي والزهراوي: ويصح أن تكون في موضع نصب بإسقاط الباء تقديره «وبأن»، فلما حذفت الباء حصلت في موضع نصب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا غير متجه ولا بيّن إلا أن تنصب بإضمار فعل). [المحرر الوجيز: 4/ 216]

تفسير قوله تعالى: {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله كدأب آل فرعون الآية، الدأب: العادة في كلام العرب، ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
كدأبك من أم الحويرث قبلها = وجارتها أم الرباب بمأسل
ويروى كدينك، ومنه قول خراش بن زهير العامري:
فما زال ذاك الدأب حتى تخاذلت = هوازن وارفضّت سليم وعامر
وهو مأخوذ من دأب على العمل إذا لزمه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، لصاحب الجمل الذي هش إليه وأقبل نحوه وقد ذل ودمعت عيناه: إنه شكا إليّ أنك تجيعه وتدئبه فكأن العادة دؤوب ما،
وقال جابر بن زيد وعامر الشعبي ومجاهد وعطاء: المعنى كسنن آل فرعون، ويحتمل أن يراد كعادة آل فرعون وغيرهم، فتكون عادة الأمم بجملتها لا على انفراد أمة، إذ آل فرعون لم يكفروا وأهلكوا مرارا بل لكل أمة مرة واحدة، ويحتمل أن يكون المراد كعادة الله فيهم، فأضاف العادة إليهم إذ لهم نسبة إليها يضاف المصدر إلى الفاعل وإلى المفعول، والكاف من قوله كدأب يجوز أن يتعلق بقوله وذوقوا وفيه بعد، والكاف على هذا في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، ويجوز أن تتعلق بقوله قدّمت أيديكم وموضعها أيضا على هذا نصب كما تقدم، ويجوز أن يكون معنى الكلام الأمر مثل دأب آل فرعون فتكون الكاف في موضع خبر الابتداء، وقوله فأخذهم معناه أهلكهم وأتى عليهم بقرينة قوله بذنوبهم ثم ابتدأ الإخبار بقوة الله تعالى وشدة عقابه). [المحرر الوجيز: 4/ 216-217]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ذلك بأنّ اللّه لم يك مغيّراً نعمةً أنعمها على قومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم وأنّ اللّه سميعٌ عليمٌ (53) كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآيات ربّهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكلٌّ كانوا ظالمين (54) إنّ شرّ الدّوابّ عند اللّه الّذين كفروا فهم لا يؤمنون (55) الّذين عاهدت منهم ثمّ ينقضون عهدهم في كلّ مرّةٍ وهم لا يتّقون (56)
ذلك في موضع رفع على خبر الابتداء تقديره عند سيبويه الأمر ذلك، ويحتمل أن يكون التقدير وجب ذلك، والباء باء السبب، وقوله لم يك مغيّراً جزم ب لم وجزمه بحذف النون، والأصل يكون فإذا دخلت لم جاء لم يكن، ثم قالوا «لم يك مغيرا» كأنهم قصدوا التخفيف فتوهموا دخول «لم» على يكن فحذفت النون للجزم، وحسن ذلك فيها لمشابهتها حروف اللين التي تحذف للجزم كما قالوا لم أبال، ثم قالوا لم أبل فتوهموا دخول لم على أبال؟ ومعنى هذه الآية الإخبار بأن الله عز وجل إذا أنعم على قوم نعمة فإنه بلطفه ورحمته لا يبدأ بتغيرها وتكديرها حتى يجيء ذلك منهم بأن يغيروا حالهم التي تراد وتحسن منهم، فإذا فعلوا ذلك وتلبسوا بالتكسب للمعاصي أو الكفر الذي يوجب عقابهم غير الله نعمته عليهم بنقمته منهم، ومثال هذا نعمة الله على قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم فكفروا ما كان يجب أن يكونوا عليه، فغير الله تلك النعمة بأن نقلها إلى غيرهم من الأنصار وأحل بهم عقوبته.
وقوله وأنّ عطف على الأولى، وسميعٌ عليمٌ أي لكل وبكل ما يقع من الناس في تغيير ما بأنفسهم لا يخفى عليه من ذلك سر ولا جهر). [المحرر الوجيز: 4/ 217-218]

تفسير قوله تعالى: {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله كدأب آل فرعون الآية، الكاف من كدأب في هذه الآية متعلقة بقوله حتّى يغيّروا، وهذا التكرير هو لمعنى ليس للأول، إذ الأول دأب في أن هلكوا لما كفروا، وهذا الثاني دأب في أن لم تغير نعمتهم حتى غيروا ما بأنفسهم، وقد ذكرنا متعلقات الكاف في الآية الأولى، والإشارة بقوله الّذين من قبلهم إلى قوم هود وصالح ونوح وشعيب وغيرهم). [المحرر الوجيز: 4/ 218]


رد مع اقتباس