عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 27 ربيع الثاني 1434هـ/9-03-2013م, 11:15 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)}


تفسير قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {واعلموا أنّما غنمتم مّن شيءٍ فأنّ للّه خمسه...}
دخلت {أنّ} في أوّله وآخره لأنه جزاء بمنزلة قوله: {كتب عليه أنه من تولاّه فأنّه يضلّه} وبمنزلة قوله: {ألم يعلموا أنه من يحادد اللّه ورسوله فأنّ له نار جهنّم} ويجوز في {أنّ}الآخرة أن تكسر ألفها لأن سقوطها يجوز؛ ألا ترى أنك لو قلت: {اعلموا أنّ ما غنمتم من شيء فللّه خمسه} تصلح، فإذا صلح سقوطها كسرها.
وقوله: {ولذي القربى}: قرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلم {واليتامى والمساكين}: يتامى الناس ومساكينهم، ليس فيها يتامى بني هاشم ولا مساكينهم). [معاني القرآن: 1/411]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل إن كنتم آمنتم باللّه وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان واللّه على كلّ شيء قدير}
كثر اختلاف الناس في تأويل هذه الآية والعمل بها وجملتها أنّها مال من الأموال التي فرض الله جل ثناؤه فيها الفروض، والأموال التي جرى فيها ذكر الفروض للفقراء والمساكين ومن أشبهم ثلاثة أصناف.
سمى الله كل صنف منها، فسمى ما كان من الأموال التي يأخذها المسلمون من المشركين في حال الحرب أنفالا وغنائم، وسمى ما صار إلى المسلمين مما لم يؤخذ في الحرب من الخراج والجزية فيئا، وسمى ما خرج أموال المسلمين كالزكاة، وما نذروا من نذر، وتقربوا به إلى الله جلّ وعزّ صدقة، فهذه جملة تسمية الأموال.
ونحن نبين في هذه الآية ما قاله جمهور الفقهاء وما توجبه اللغة إن شاء اللّه.
قال أبو إسحاق: أجمعت الفقهاء أن أربعة أخماس الغنيمة لأهل الحرب خاصة، والخمس الذي سمّي في قوله: {فأنّ للّه خمسه وللرّسول} إلى آخر الآية في الاختلاف.
فأما الشافعي فذكر أن هذا الخمس مقسوم على ما سمّى اللّه جلّ وعزّ من أهل قسمته وجعل قوله: {فأنّ للّه خمسه} افتتاح كلام.
قال أبو إسحاق، وأحسب معنى " افتتاح كلام " عنده " هذا أن الأشياء كلها للّه عزّ وجلّ، فابتدأ وافتتح الكلام.
فإن قال قائل: {فأنّ للّه خمسه}كما قال {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول} ، ثم قسّم هذا الخمس على خمسة أنصباء، خمس للنبي - صلى الله عليه وسلم - وخمس ليتامى المسلمين لا ليتامى آل النبي - صلى الله عليه وسلم - وخمس في المساكين - مساكين المسلمين لا مساكين النبي - صلى الله عليه وسلم - وخمس لابن السبيل.
ولا يرى الشافعي أن يترك صنفا من هذه الأصناف بغير حظ في القسمة.
قال أبو إسحاق: وبلغني أنه يرى أن يفضّل بعضهم على بعض على قدر الحاجة، ويرى في سهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يصرف إلى ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرفه فيه.
والذي روي أنّه كان يصرف الخمس في عدد للمسلمين نحو اتخاذ السلاح الذي تقوى به شوكتهم. فهذا مذهب الشافعي وهو على لفظ ما في الكتاب.
فأما أبو حنيفة - ومن قال: بقوله - فيقسم هذا الخمس على ثلاثة أصناف، يسقط ما للرسول من القسمة، وما لذوي القربى، وحجته في هذا أن أبا بكر وعمر لم يعطيا سهم ذوي القربى، وأن سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب بوفاته، لأن الأنبياء لا تورث. فيقسّم على اليتامى والمساكين وابن السبيل على قدر حاجة كل فريق منهم ويعطي بعضا دون بعض منهم خاصة، إلّا إنّه لا يخرج القسم عن هؤلاء الثلاثة.
وأما مذهب مالك فيروى أن قوله في هذا الخمس، وفي الفيء أنه إنما ذكر هؤلاء المسمّون لأنهم من أهم من يدفع إليهم، فهو يجيز أن يقسم بينهم، ويجيز أن يعطي بعضا دون بعض، ويجوز أن يخرجهم من القسم إن كان أمر غيرهم أهمّ من أمرهم، فيفعل هذا على قدر الحاجة.
وحجته في هذا أن أمر الصدقات لم يزل يجري في الاستعمال على ما يراه الناس.
وقال الله عزّ وجلّ: ({إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل}). فلو أن رجلا وجبت عليه خمسة دراهم لأخرجها إلى صنف من هذه أو إلى ما شاء من هذه الأصناف، ولو كان ذكر التسمية يوجب الحق للجماعة لما جاز أن يخصّ واحد دون غيره، ولا أن ينقص واحد مما يعطى غيره .
قال أبو إسحاق: من - حجج مالك في أن ذكر هؤلاء إنما وقع للخصوص.
قوله تعالى: ({من كان عدوّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال}).
فذكر جملة الملائكة، فقد دخل جبريل وميكال في الجملة وذكرا بأسمائهم لخصوصهما، وكذلك ذكر هؤلاء في القسمة والفيء والصدقة، لأنهم من أهم من يصرف إليه الأموال من البر والصدقة.
قال أبو إسحاق: ومن الحجة لمالك أيضا قول الله عزّ وجلّ:
({يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل}).
فللرجل أن ينفق في البر على هذه الأصناف وعلى صنف منها، وله أن يخرج عن هذه الأصناف، لا اختلاف بين الناس في ذلك.
قال أبو إسحاق: هذا جهلة ما علمناه من أقوال الفقهاء في هذه الآية.
وقوله عز وجلّ: {إن كنتم آمنتم باللّه وما أنزلنا على عبدنا}.
يجوز أن يكون " إن كنتم " معلقة بقوله: {فاعلموا أنّ اللّه مولاكم نعم المولى ونعم النّصير (40)... إن كنتم آمنتم باللّه وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان}
فأيقنوا أن اللّه نصركم إذ كنتم قد شاهدتم من نصره ما شاهدتم.
ويجوز أن يكون {إن كنتم آمنتم باللّه} معناها: اعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن للّه خمسه وللرسول يأمران فيه بما يريدان إن كنتم آمنتم باللّه فأقبلوا ما أمرتم به في الغنيمة.
وقوله جلّ وعزّ: {يوم الفرقان}.
هو يوم بدر، لأن الله عزّ وجلّ أظهر فيه من نصره بإرداف الملائكة والإمداد بهم للمسلمين ما كان فيه فرقانّ بين الحق والباطل، ثم أكد التبين في ذلك فقال عزّ وجلّ: ({إذ أنتم بالعدوة الدّنيا وهم بالعدوة القصوى والرّكب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة وإنّ اللّه لسميع عليم (42)} ). [معاني القرآن: 2/413-417]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}
اختلف في معنى هذه الآية
فقال قوم يقسم الخمس على خمسة أجزاء فأربعة منها لمدة شهر الحرب وواحد منها مقسوم على خمسة فما كان منه للرسول صير فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيره فيه
ويروى أنه كان يصيره تقوية للمسلمين وأربعة لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وهذا مذهب الشافعي رحمه الله
وقال بعضهم يقسم هذا السهم على قلته أجزاء للفقراء والمساكين وابن السبيل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة وهذا مذهب أبي حنيفة
وقال بعضهم إذا رأى الإمام أن يعطي هؤلاء المذكورين أعطاهم وإن رأى أن غيرهم أحق منهم أعطاهم قال ولو كان ذكرهم بالسهمية يوجب أن لا يخرج عن جملتهم لما جاز إذا ذكر جماعة أن يعطى بعضهم دون بعض وقد قال الله عز وجل: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} إلى آخر الآية ولو جعلت في بعضهم دون بعض لجاز ولكنهم ذكروا لأنهم من أهم من يعطى
وقال جل وعز: {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين}
وله أن يعطي غير من سمي وهذا مذهب مالك
وأما معنى {فأن لله} فهو افتتاح كلام قال قيس بن مسلم الجدبي سألت الحسن بن محمد واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه فقال هو افتتاح كلام ليس لله نصيب لله الدنيا والآخرة
حدثنا أبو جعفر قال نا محمد بن الحسن بن سماعة قال نا أبو نعيم قال نا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه
قال: يجاء بالغنيمة فتوضع فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم فيعزل سهما منها ويقسم الأربعة بين الناس ثم يضرب بيده في جميع السهم الذي عزله فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة فهو الذي سمي لله ويقول لا تجعلوا لله نصيبا فإن لله الدنيا والآخرة قال ثم يقسم السهم الذي عزله على خمسة أسهم سهم للنبي صلى الله عليه وسلم وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل
وقيل معنى فأن لله خمسه فأن لسبيل الله مثل واسأل القرية
وقوله جل وعز: {إن كنتم آمنتم بالله} أي إن كنتم آمنتم بالله فاقبلوا ما أمركم به.
وقيل المعنى: فاعلموا أن الله مولاكم وناصركم إن كنتم آمنتم به.
وقوله جل وعز: {وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} قال مجاهد هو يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل). [معاني القرآن: 3/155-159]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إذ أنتم بالعدوة الدّنيا...}
والعدوة: شاطئ الوادي {الدنيا}مما يلي المدينة، و{القصوى} مما يلي مكّة.
وقوله: {والرّكب أسفل منكم} يعني أبا سفيان والعير، كانوا على شاطئ البحر. وقوله: {أسفل منكم} نصبت؛ يريد: مكانا أسفل منكم. ولو وصفهم بالتسفل وأراد: والركب أشد تسفّلا لجاز ورفع.
وقوله: {ويحيى من حيّ عن بيّنةٍ} كتابتها على الإدغام بياء واحدة، وهي أكثر قراءة القراء. وقد قرأ بعضهم {حيى عن بيّنة} بإظهارها. وإنما أدغموا الياء مع الياء وكان ينبغي لهم ألا يفعلوا؛ لأن الياء الآخرة لزمها النصب في فعل، فأدغموا لمّا التقى حرفان متحركان من جنس واحد. ويجوز الإدغام في الاثنين للحركة اللازمة للياء الآخرة، فتقول للرجلين: قد حيّا، وحييا. وينبغي للجمع ألا يدغم لأنّ ياءه
[معاني القرآن: 1/411]
يصيبها الرفع وما قبلها مكسور، فينبغي لها أن تسكن فتسقط بواو الجمع. وربما أظهرت العرب الإدغام في الجمع إرادة تأليف الأفعال وأن تكون كلها مشدّدة. فقالوا في حييت حيّوا، وفي عييت عيّوا؛ أنشدني بعضهم:
يحدن بنا عن كلّ حيّ كأننا =أخاريس عيّوا بالسلام وبالنّسب
يريد النّسب. وقال الآخر:
من الذين إذا قلنا: حديثكم =عيّوا، وإن نحن حدّثناهم شغبوا
وقد اجتمعت العرب على إدغام التحيّة والتحيّات بحركة الياء الأخيرة فيها؛ كما استحبّوا إدغام عيّ وحيّ بالحركة اللازمة فيها. وقد يستقيم أن تدغم الياء والياء في يحيا ويعيا؛ وهو أقل من الإدغام في حيّ؛ لأن يحيا يسكن ياؤها إذا كانت في موضع رفع، فالحركة فيها ليست لازمة. وجواز ذلك أنك إذا نصبتها كقول الله تبارك وتعالى: {أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى} استقام إدغامها ها هنا؛ ثم تؤلّف الكلام، فيكون في رفعه وجزمه بالإدغام؛ فتقول {هو يحيي ويميت} أنشدني بعضهم:
وكأنها بين النساء سبيكةٌ =تمشى بسدّة بيتها فتعي
وكذلك يحيّان ويحيّون). [معاني القرآن: 1/412]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بالعدوة الدّنيا} مكسورة، وبعضهم يضمها، ومجازه من: عدى الوادي أي ملطاط شفيره والملطاط والعدى حافتا الوادي من جانبيه، بمنزلة رجا البئر من أسفل، ويقال: ألزم هذا الملطاط). [مجاز القرآن: 1/246]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إذ أنتم بالعدوة الدّنيا وهم بالعدوة القصوى والرّكب أسفل منكم ولو تواعدتّم لاختلفتم في الميعاد ولكن لّيقضي اللّه أمراً كان مفعولاً لّيهلك من هلك عن بيّنةٍ ويحيى من حيّ عن بيّنةٍ وإنّ اللّه لسميعٌ عليمٌ}
وقوله: {ولو تواعدتّم لاختلفتم في الميعاد ولكن لّيقضي اللّه أمراً كان مفعولاً} وأمر الله كله مفعول ولكن أراد أن يقص الاحتجاج عليهم وقطع العذر قبل إهلاكهم.
[معاني القرآن: 2/27]
وقال: {إذ أنتم بالعدوة الدّنيا} وقال بعضهم {بالعدوة} وبها نقرأ وهما لغتان. وقال بعض العرب الفصحاء: ["العدية"] فقلب الواو ياء كما تقلب الياء واوا في نحو "شروى" و"بلوى" لأن ذلك يفعل بها فيما هو نحو من ذا نحو "عصيّ" و"أرض مسنيّةٌ" وفي قولهم "قنية" لأنها من "قنوت".
وقال: {والرّكب أسفل منكم} فجعل "الأسفل" ظرفا ولو شئت قلت {أسفل منكم} إذا جعلته {الركب} ولم تجعله ظرفا.
وقال: {ويحيى من حيّ عن بيّنةٍ} فالزم الإدغام إذ صار في موضع يلزمه الفتح فصار مثل باب التضعيف. فإذا كان في موضع لا يلزمه الفتح لم يدغم نحو {بقادرٍ على أن يحيي الموتى} إلا أن تشاء أن تخفي وتكون في زنة متحرك لأنها لا تلزمه لأنك تقول {تحيي} فتسكن في الرفع وتحذف في الجزم، فكل هذا يمنعه الإدغام. وقال بعضهم {من حيي عن بيّنةٍ} ولم يدغم إذا كان لا يدغمه في سائر ذلك. وهذا أقبح الوجهين لأنّ "حيي" مثل "خشي" لما صارت مثل غير التضعيف أجرى الياء الآخرة مثل ياء "خشي". وتقول للجميع "قد حيوا" كما تقول "قد خشوا" ولا تدغم لأن ياء "خشوا" تعتل ههنا. وقال الشاعر:
وحيٍّ حسبناهم فوارس كهمسٍ = حيوا بعدما ماتوا من الدهر أعصرا
وقد ثقّل بعضهم وتركها على ما كانت عليه وذلك قبيح. قال الشاعر:
عيّوا بأمرهم كما = عيّت ببيضتها الحمامة
جعلت له عودين من = نشمٍ وآخر من ثمامه).
[معاني القرآن: 2/28]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأهل المدينة {بالعدوة} بالضم.
أبو عمرو وأهل مكة {بالعدوة}؛ والعدوة ناحية الوادي.
[معاني القرآن لقطرب: 613]
قال الراعي: وعينان حر مآقيهما = كما نظر العدوة الجؤذر
أي ناحية الوادي.
وقال الراجز:
اسقى الإله عدوات الوادي = وجوفه كل ملث غادي
وقال أوس:
وفارس لا يحل الحي عدوته = ولوا سراعًا وما هموا بإقبال
فرفع العدوة، على قراءة الحسن.
أبو جعفر ويحيى {من حيى} بيائين لا يدغم، والثانية مفتوحة.
نافع "من حيي عن بينة" لا يدغم ويسكن الياء الثانية؛ وهذه مرغوب عنها؛ لأنه يسكن "فعل" مثل: رضي وخشي، إلا أنه قد اجتمع هاهنا ياءان فكان ذلك أثقل.
وأما {من حي عن بينة} فهي القراءة الكثيرة، وهي قراءة الحسن وأبي عمرو، أدغم لما أسكن الياء الأولى، كما تسكن في علم وشهد، في لغة من أسكن فقال: علم وشهد؛ وقد ذكرنا ذلك؛ إلا أن هذا أحسن لاجتماع اليائين وثقلهما.
وقال ذو الرمة على هذه القراءة:
تراطن جون في أفاحيصها السفا = وميتة الأجلاد حي جنينها
فأدغم.
وقال الآخر:
[معاني القرآن لقطرب: 614]
عيوا بأمرهم كما = عييت ببيضتها الحمامه
فأدغم.
وقال الراعي فلم يدغم على "حيي" بالقرأة الأول.
ما يفقد الناس خيرًا ما حيوا لهم = والجود والعدل مفقودان إن فقدوا
وقال ابن حزابة:
وحتى حسبناهم فوارس كهمس = حيوا بعدما ماتوا من الدهر أعصرا
فلم يدغم أيضًا). [معاني القرآن لقطرب: 615]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {بالعدوة القصوى} فتميم تقول بالقصيا؛ وأهل الحجاز: القصوى بالواو). [معاني القرآن لقطرب: 623]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {والركب أسفل منكم} فعلى الظرف؛ كأنه قال: في موضع أسفل منكم؛ ولو جعله الأسفل لرفعه، فصار مثل: زيد أفضل من عمرو، ولكنه مثل قولك: رأيته مكان زيد، أو أقرب؛ أي في مكان أقرب.
قال ابن ضابئ:
فجال ولو كانت خراسان دونه = رآها مكان السوق أو هي أقربا). [معاني القرآن لقطرب: 625]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({العدوة والعدوة}: لغتان جميعا والعدوتان ناحيتا الوادي من جنبتيه). [غريب القرآن وتفسيره: 158]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بالعدوة}: شفير الوادي. يقال: عدوة الوادي وعدوته). [تفسير غريب القرآن: 179]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إذ أنتم بالعدوة الدّنيا وهم بالعدوة القصوى والرّكب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة وإنّ اللّه لسميع عليم}
{إذ أنتم بالعدوة الدّنيا}
أي الدنيا منكم، والعدوة شفير الوادي، يقال: عدوة، وعدوة وعدى الوادي مقصور، فالمعنى إذ أنتم بالعدوة الدّنيا، أي بشفير الوادي الذي يلي المدينة.
{وهم بالعدوة القصوى}.
بشفير الوادي الذي يلي مكة.
{والركب أسفل منكم}.
{الركب}: العير التي كان فيها أبو سفيان على شاطئ البحر.
فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن نصر المؤمنين وهم في هذا الموضع فرقان.
قال أبو إسحاق: قد بيّنّا أنه كان رملا تسوخ فيه الأرجل، ولم يكونوا على ماء، وكان المشركون نازلين على موضع فيه الماء، وهم مع ذلك يحامون عن العير، فهو أشدّ لشوكتهم، فجعل اللّه جلّ وعزّ النصر في هذه الحال، مع قلة عدد المسلمين وكثرة عدد المشركين وشدة شوكتهم، فرقانا.
ويجوز في قوله: {والركب أسفل منكم} وجهان:
الوجه أن تنصب {أسفل} وعليه القراءة.
ويجوز أن ترفع {أسفل} على أنك تريد والركب أسفل منكم أي أشد تسفلا.
ومن نصب أراد والركب مكانا {أسفل} منكم.
[معاني القرآن: 2/417]
وقوله: {ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة}.
جعل اللّه عزّ وجل القاصد للحق بمنزلة الحيّ، وجعل الضالّ بمنزلة الهالك، ويجوز حيي بياءين، وحيّ بياء مشددة مدغمة، وقد قرئ بهما جميعا. فأمّا الخليل وسيبويه فيجيزان الإدغام والإظهار إذا كانت الحركة في الثاني لازمة، فأمّا من أدغم فلاجتماع حرفين من جنس واحد.
وأمّا من أظهر فلأن الحرف الثاني ينتقل عن لفظ الياء، تقول حيي يحيا، والمحيا والممات.
فعلى هذا يجوز الإظهار. فأمّا قوله عزّ وجلّ: {هو يحيي ويميت}.
وقوله: {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى (40)}.
فلا يجوز فيه عند جميع البصريين إلا يحيي بياءين ظاهرتين وأجاز بعضهم. يحيّ بياء واحدة مشددة مدغمة.
وذكر أن بعضهم أنشد:
وكأنها بين النساء سبيكة..=. تمشي بسدة بيتها فتعي
ولو كان هذا المنشد المستشهد أعلمنا من هذا الشاعر، ومن أي القبائل هو وهل هو ممن يؤخذ بشعره أم لا ما كان يضره ذلك.
وليس ينبغي أن يحمل كتاب الله على " أنشدني بعضهم " ولا على بيت شاذ لو عرف قائله وكان ممن يؤخذ بقوله لم يجز.
وهذا عندنا لا يجوز في كلام ولا شعر، لأن الحرف الثاني إذا كان
[معاني القرآن: 2/418]
يسكن من غير المعتل نحو: " لم يودّ " فالاختيار إظهار التضعيف، فكيف إذا كان من المعتل). [معاني القرآن: 2/419]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى} [آية: 42]
قال قتادة العدوة شفير الوادي وكذلك هو في اللغة
ومعنى الدنيا التي تلي المدينة ومعنى القصوى التي تلي مكة ثم قال تعالى: {والركب أسفل منكم}
قال قتادة يعني العير التي كانت مع أبي سفيان
46 - وقوله جل وعز: {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة} [آية: 42]
قال أبو جعفر قال ابن أبي إسحاق جعل المعتدي بمنزلة
الحي وجعل الضال بمنزلة الهالك قال أي ليكفر من كفر بعد الحجة بما رأى من الآية والعبرة ويؤمن من آمن على مثل ذلك
وقال غيره ليهلك ليموت من مات عن حجة لله جل وعز وعليه قد قطعت عذره وليعيش من عاش منهم على مثل ذلك وإن الله لسميع لقولكم حين تركتموهم عليم بما تضمره نفوسكم). [معاني القرآن: 3/159-160]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بالعدوة الدنيا}: جانب الوادي مما يلي الناس). [ياقوتة الصراط: 237]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) :{العدوة القصوى}: البعيدة من الناس، ليس بسماع). [ياقوتة الصراط: 238]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْعُدْوَةِ}: جانب الوادي). [العمدة في غريب القرآن: 144]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إذ يريكهم الله في منامك}مجازه: في نومك ويدلّ على ذلك قوله في آيةٍ أخرى: {إذّ يغشيكم النّعاس}) [8: 11] وللمنام موضع آخر في عينك التي تنام بها ويدل على ذلك قوله {ونقلّلكم في أعينهم} ). [مجاز القرآن: 1/247]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {إذ يريكهم الله في منامك} أي في نومك؛ كقولك: إن في ألف درهم لضربا ومضربا، يريد المصدر؛ وقالوا في التفسير عن الثقة: {في منامك} أي في عينك التي تنام بها، فصيرت هي المنام بعينه؛ لأنها ينام بها.
وقوله {لفشلتم} المصدر فشلا). [معاني القرآن لقطرب: 622]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إذ يريكهم اللّه في منامك} أي في نومك، ويكون: في عينك، لأن العين موضع النوم). [تفسير غريب القرآن: 179]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إذ يريكهم اللّه في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكنّ اللّه سلّم إنّه عليم بذات الصّدور})
رويت عن الحسن أن معناها في عينك التي تنام بها.
وكثير من أصحاب النحو يذهبون إلى هذا المذهب.
ومعناه عندهم: إذ يريكهم الله في موضع منامك أي بعينك ثم حذف الموضع، وأقام المقام مكانه، وهذا مذهب حسن.
ولكنه قد جاء في التفسير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآهم في النوم قليلا، وقص الرؤيا على - أصحابه فقالوا: صدقت رؤياك يا رسول اللّه، وهذا المذهب أسوغ في العربية، لأنّه قد جاء:
{وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقلّلكم في أعينهم}
فدل بهذا أن هذا رؤية الالتقاء، وأن تلك رؤية النوم.
ويجوز على هذا المذهب الأول أن يكون الخطاب الأول للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأن الخطاب الثاني لجميع من شاهد الحرب وللنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {ولو أراكهم كثيرا لفشلتم}.
أي لتأخرتم عن حربهم وكعتم وجبنتم، يقال فشل فشلا إذا جبن وهاب أن يتقدم). [معاني القرآن: 2/419]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر} [آية: 43]
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في النوم قليلا فقص الرؤيا على أصحابه فثبتهم الله بذلك
وروي عن الحسن أنه قال
المعنى إذ يريكهم الله بعينك التي تنام بها
قال أبو جعفر والمعنى على هذا في موضوع منامك
والقول الأول أحسن لجهتين
إحداهما ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم في النوم
والأخرى في قوله: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم} فالرؤيا الأولى في النوم والثانية عند الالتقاء
ويجوز ما قال الحسن على بعد على أن يكون قوله: {إذ يريكموهم} خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
والمعنى ويقللكم في أعينهم أي لئلا يستعدوا لكم لما أراد الله جل وعز من ظفر المسلمين بهم). [معاني القرآن: 3/160-161]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44) )
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {وإلى الله ترجع الأمور}.
أبو عمرو {ترجع} ). [معاني القرآن لقطرب: 615]


رد مع اقتباس