عرض مشاركة واحدة
  #72  
قديم 30 محرم 1440هـ/10-10-2018م, 09:38 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (246) إلى الآية (248) ]
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (هل عسيتم... (246).
قرأ نافع وحده: (عسيتم) بكسر السين في الصورتين، وقرأ يعقوب ها هنا: (عسيتم) بفتح السين، وفي سورة القتال: (عسيتم).
وسائر، القراء قرأوا: (عسيتم).
وهي القراءة المختارة، واتفق أهل اللغة على أن كسر السين ليس بجيد، وأنا أحسبها لغة لبعض العرب وإن كرهها الفصحاء). [معاني القراءات وعللها: 1/214]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {قال هل عسيتم إن كتب عليكم}
قرأ نافع وحده: (عسيتم) بكسر السين.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/95]
وقرأ الباقون بفتحها، وهو الاختيار؛ لإجماع الجميع على قوله تعالى: {عسى ربكم أن يرحمكم} ولم يقل: عسى. والعرب تقول: عسى زيد أن يقوم، وأن مع الفعل مصدر ولم يقل عسى القيام؛ لأن المصدر يدل على الماضي والمستقبل، فيقول على لفظ الاستقبال؛ لأن الترجي لا يكون إلا مستقبلا، فأما قول العرب: «عسى الغوير أبؤسًا» فقال سيبويه: عسى هاهنا بمعنى كان. وقال أبو عبيد: الغوير تصغير غار، وأبؤس جمع بأس، وكان قوم في غار فتهدم عليهم، فضربت العرب بذلك مثلاً فقالت: «عسى الغوير» أخفى لنا أبؤسًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/96]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في كسر السين وفتحها من عسيتم [البقرة/ 246].
فقرأ نافع: هل عسيتم بكسر السين في الموضعين، وفتح الباقون السين من عسيتم
[الحجة للقراء السبعة: 2/349]
[قال أبو عليّ]: (عسيت): الأكثر فيه فتح السين وهي المشهورة.
ووجه قول نافع: أنهم قد قالوا: هو عس بذاك، وما أعساه، وأعس به، حكاه ابن الأعرابي، فقولهم: عس. يقوي قراءته: هل عسيتم، ألا ترى أن عس مثل حر وشج؟
وحر وحريّ مثل: مذل ومذيل، وطبّ وطبيب. وقد جاء فعل وفعل في نحو: نقمت ونقمت، وقالوا: وري الزّند، وقالوا:
وريت بك زنادي؛ فاستعملوا فعل في هذا الحرف، فيما قاله أبو عثمان، فكذلك عسيت وعسيت.
فإن أسند الفعل إلى ظاهر، فقياس عسيتم أن تقول: عسي زيد، مثل رضي، فإن قاله فهو قياس قوله، وإن لم يقله فسائغ له أن يأخذ باللغتين فيستعمل إحداهما في موضع، والأخرى في موضع آخر، كما فعل ذلك غيره). [الحجة للقراء السبعة: 2/350]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحن السلمي: [ألم تَرْ إلى الملأ] ساكنة الراء.
قال أبو الفتح: هذا لعمري هو أصل الحرف: رأَى يرأَى كرعَى يرعَى، إلا أن أكثر لغات العرب فيه تخفيف همزته؛ بحذفها وإلقاء حركتها على الراء قبلها على عبرة التخفيف في نحو ذلك، وصار حرف المضارعة كأنه بدل من الهمزة، وهو قولهم: انت ترى وهو يرى ونحن نرى، وكذلك أفعل منه، كقول الله سبحانه: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} وأصله: أَرْآك الله، وحكاها صاحب الكتاب عن أبي الخطاب، ثم إنه قد جامع هذا تحقيق هذه الهمزة وإخراجها على أصلها، وذلك كقول سراقة البارقي:
أُرِي عينيَّ ما لم تَرْأَيَاه ... كلانا عالم بالتُّرَّهَات
[المحتسب: 1/128]
فخفف أري، وحقق ترأياه كقولك: تَرْعَيَاه، ورواه أبو الحسن ترياه على زحاف الوافر، وأصله "ترأياه" على أن مفاعلَتن لحقها العصب بسكون لامها؛ فنقلت إلى مفاعي لن، ورواية أبي الحسن: "بما لم تَـ" مفاعيل؛ فصار الجزء بعد العصب إلى النقص.
وقرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد:
ألم تَرءَ ما لاقيت والدهر أعصر ... ومَن يَتَمَلَّ العيش يرء ويسمع
فأخرجه على أصله. وقرأت عليه عنه أيضًا:
هل ترجعَنَّ ليال قد مضَين لنا ... والعيشُ منقلب إذ ذاك أفنانا
إذ نحن في غرة الدنيا وبهجتها ... والدار جامعة أزمان أزمانا
ثم استمر بها شَيْحانُ مبتجِحٌ ... بالبين عنك بما يَرْآك شَنْآنا
وقال آخر، وقرأته على أبي بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى فيما أظن:
ألا تلك جارتنا بالغضا ... تقول أَتَرأَينَه لن يضيعَا
وله نظائر مما خرج من هذا الأصل على أولية حاله). [المحتسب: 1/129]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا} 246
قرأ نافع {هل عسيتم} بكسر السّين وقرأ الباقون بالفتح هما لغتان تقول العرب عسيت أن أفعل وعسيت قال أبو عبيد
[حجة القراءات: 139]
القراءة عندنا هي الفتح لأنّها أعرف اللغتين ولو كان عسيتم لقرئت عسي ربنا وما اختلفوا في هذا الحرف وقد حكي عن أبي عمرو أنه كان يحتج بهذه الحجّة). [حجة القراءات: 140]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (158- قوله: {عسيتم} قرأه نافع بكسر السين وفتحها الباقون، والكسر لغة في «عسى» إذا اتصل بمضمر خاصة، وقد حُكي في اسم الفاعل «عسى» فهذا يدل على كسر السين في الماضي، والفتح في السين هي اللغة الفاشية، وعليها أجمع القراء ونافع معهم، إذا لم يتصل الفعل بمضمر، وأيضًا فإن مساواة الفعل، مع المضمر والمظهر أولى من المخالفة بينهما؛ لأن المضمر عقيب المظهر، فواجب أن يكون مثله، وهو الاختيار لإجماع القراء عليه مع المضمر والمظهر، وإنما خالفهم نافع وحده مع المضمر، وقد قال أبو حاتم: ليس للكسر وجه، وبه قرأ الحسن وطلحة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/303]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (85- {هَلْ عَسَيْتُمْ} [آية/ 246]:-
بكسر السين، قرأها نافع وحده، وكذلك في سورة القتال.
ووجه ذلك أن العرب تقول: هو عسٍ بذاك، مثل شجٍ وحرٍ، فكما أن قولك شجٍ من شجيت، فكذلك عسٍ من عسيت، ثم إن فعلت وفعلت يجيئان لغتين لمعنى واحد مثل: نقمت ونقمت ووري الزند وورى، فكذلك عسيت وعسيت.
وقرأ الباقون {عَسيْتُمْ} بفتح السين.
وهي المختارة؛ لأن اللغة الفصيحة المشهورة وهي {عَسَيْتُ} بالفتح، وعسيت بالكسر لغة رديئة يكرهها الفصحاء، وإن كانت لغة لبعض العرب). [الموضح: 335]

قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (يقبض ويبسط... (245)، و: (وزاده بسطةً).
قرأ ابن كثير كل شيء في القرآن (يقبض ويبسط) و(وزاده بسطةً).
[معاني القراءات وعللها: 1/211]
في البقرة، وفي الأعراف مثله، و(المسيطرون) بالسين، وقرأ (بمصيطرٍ) بالصاد هذه وحده.
وقرأ نافع: (يقبض ويبصط) و(وزادكم في الخلق بصطةً) في الأعراف، و(المصيطرون) و(بمصيطرٍ) بالصاد في هذه الأربعة المواضع، وسائر القرآن بالسين.
وقرأ أبو عمرو وحمزة (المصيطرون) و(بمصيطر) بالصاد فيهما، وأشمهما حمزة الزاي، وسائر القراء بالسين.
وروى حفص عن عاصم (يقبض ويبسط) و(بسطة) في البقرة، و(بسطة).
في الأعراف بالسين.
[معاني القراءات وعللها: 1/212]
وقرأ ابن عامر والحضرمي (يقبض ويبسط)، و(بسطةً) في البقرة بالسين، والباقي بالصاد.
وقرأ الكسائي كل شيء في القرآن بالصاد، إلا قوله: (وزاده بسطةً) في البقرة بالسين، وهذه رواية ابن عمر ونصير.
وقال الفراء عن الكسائي: إنه قرأ كل هذا بالسين.
قال أبو منصور: العرب تجيز السين والصاد في كل حرف فيه طاء.
وأخبرني أبو بكر عن شمر لأبي عبيد أنه قال: إذا كان في الاسم طاء أو خاء أو قاف أو غين ولا يكون في غير هذه الأربعة، مثل: الصراط والزراط والسراط، والبزاق والبصاق، وسنخ الودك وزنغ، ومصدغة ومزدغة ومسدغة). [معاني القراءات وعللها: 1/213] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في السين والصاد من ويبسط [البقرة/ 245] وبسطةً [البقرة/ 247] والمصيطرون [الطور/ 37] وبمصيطرٍ [الغاشية/ 22].
فقرأ ابن كثير يقبض ويبسط، وبسطةً وفي الأعراف:
بسطة [الآية/ 69]، والمسيطرون كل ذلك بالسين.
وبمصيطرٍ بالصاد، وكذلك أخبرني قنبل.
وقرأ نافع: يقبض ويبصط وبصطة في سورة الأعراف والمصيطرون، وبمصيطرٍ أربعة أحرف بالصاد، وسائر القرآن بالسين.
وقال الحلواني عن قالون عن نافع: لا تبالي كيف قرأت: بصطة ويبسط بالصاد أو بالسين. [أبو قرة عن نافع: ويبسط بالسين].
وقال حفص عن عاصم في الأعراف: بسطة ويبسط في البقرة بالسين.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ: يقبض ويبسط وبسطةً وفي الأعراف بسطة بالسين.
وقرءوا: المصيطرون وبمصيطرٍ بالصاد. وأشمّ حمزة الصاد الزاي فيهما.
[الحجة للقراء السبعة: 2/346]
وذكر الفرّاء عن الكسائيّ أنه قرأ ذلك كلّه بالسين بسطةً وبمسيطر والمسيطرون ويبسط.
وقال أصحاب أبي الحارث وأبي عمر الدوري وغيرهما عن الكسائي: بالصاد، إلا بسطةً في البقرة، فإنها بالسين، وكذلك قال نصر بن يوسف عن الكسائي فيما زعم محمد بن إدريس الدنداني عنه.
وقال أصحاب عاصم: بالصاد، وليس في كتابي ذلك عن يحيى عن أبي بكر. ولم يختلفوا في التي في سورة البقرة أنها بالسّين.
[قال أبو علي]: وجه قول من أبدل من السين الصاد في هذه المواضع أن الطّاء حرف مستعل يتصعّد من مخرجها إلى الحنك، ولم يتصعّد السين تصعّدها فكره التصعّد من التسفّل، فأبدل من السين حرفاً من مخرجها في تصعّد الطاء؛ فتلاءم الحرفان وصار كلّ واحد منهما وفق صاحبه في التصعّد، فزال بالإبدال ما كان يكره من التصعد عن التسفّل، ولو كان اجتماع الحرفين على عكس ما ذكرنا، وهو أن يكون التصعّد قبل التسفّل؛ لم يكره، ولم يبدلوا، ألا ترى أنهم قالوا: طمس الطريق وطسم، وقسوت وقست، فلم يكرهوا التسفّل عن تصعّد، كما كرهوا: بسط، حتى قالوا: بصط؛ فأبدلوا.
[الحجة للقراء السبعة: 2/347]
ومثل ذلك قولهم: هذا مارق وحاذق، فلم يميلوا، لأنهم كرهوا أن يتسفّلوا بالإمالة، ثم يتصعّدوا بالحرف المستعلي، كما كرهوا أن يتسفلوا بالسين ثم يتصعّدوا إلى الطاء، ولو قالوا: مررت بطارد وما أنا بطارد المؤمنين [الشعراء/ 114] وهذا صاحب قادر؛ لم يكرهوا الإمالة، لأنه يتسفّل بعد تصعّد، والتسفّل بعد التصعّد أسهل من التصعّد بعد التسفّل، كذلك القول في بسطةً وطسم [الشعراء/ 1].
فأمّا إشمام حمزة الصاد الزاي: فلأنه آثر أن يوفّق بين الحرفين من وجه آخر غير ما ذكرنا، وهو أن السين مهموسة، والطاء مجهورة، فضارع بالسين حرفاً مجهوراً في موضع السين، وهو الزاي، ليوافق الطاء أيضاً في الجهر كما وافقه الصاد في الإطباق، فوفّق بين الحرفين من موضعين، كما فعل ذلك في قوله: الصّراط وقد تقدّم ذكر ذلك حيث ذكرنا الصّراط.
فأمّا من لم يبدل السين في بسطة، وترك السين، فلأنه أصل الكلمتين، ولأنّ ما بين الحرفين من الخلاف يسير.
فاحتمل الخلاف لقلّته، ولأن هذا النحو من الخلاف لقلّته غير معتدّ به، ألا ترى أنّ الحرفين المتقاربين، قد يقعان في رويّ، فيستجيزون ذلك كما يستجيزونه في المثلين، كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/348]
إذا ركبت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العنّدا فكما جعل الدّال مثل الطاء في جمعهما في حرف الرويّ، ولم يحفل بما بينهما من الخلاف في الإطباق، كذلك لم يحفل بما بين السين والطاء، فلم يقرّبها منها كما فعل الآخرون). [الحجة للقراء السبعة: 2/349] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (155- قوله: {يبسُط} و{وبسَطة} في «الأعراف 69» قرأهما هشام وقنبل وأبو عمرو وحمزة بالسين فيهما، وقرأهما الباقون بالصاد غير أن حفصًا، روي عنه الوجهان: السين والصاد، وكلهم قرأ: {بسطة} في البقرة بالسين، غير أن الكسائي ونافعًا، من رواية ابن المسيبي، روى عنهما الصاد فيه، وبالسين قرأتُ لهما وللجماعة.
156- وحجة من قرأ بالسين أنه الأصل، والدليل على أن السين هي الأصل أنه لابد أن تكون السين هي الأصل أو الصاد هي الأصل، فلو كانت الصاد هي الأصل ما جاز أن ترد إلى السين؛ إذ لا علة توجب ذلك، وإذ لا ينقل الحرف إلى أضعف منه، والصاد أقوى بكثير لإطباقها واستعلائها، فإذا لم يجز أن ترد الصاد إلى السين، وجاز رد السين إلى الصاد، علم أن السين هي الأصل، والصاد داخلة عليها لعلة.
157- وحجة من قرأ بالصاد أن السين حرف مستفل، غير مطبق، فلما وقعت بعده الطاء، وهي مطبقة مستعلية، صعب أن يخرج اللافظ من تسفل إلى تصعد، وذلك صعب، ولو كان فيه خروج من تصعد إلى تسفل لحسن، ولم يصعب، نحو: «طسم، وقسوة» فهذا لا تبدل السين فيه صادًا، كما تبدل، إذا كانت الطاء بعدها، والقاف بعد صاد، وهذا في الحكم بمنزلة الذين أمالوا الحروف ليقربوها لكسرة أو لياء، ومن قرأ بالسين فهو بمنزلة الذين لم يميلوا، وتركوا الحروف على حالها مفتوحة، فقربت السين من الطاء، فأبدل منها حرف يؤاخي السين في المخرج والصغير، ويؤاخي الطاء في الإطباق والاستعلاء،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/302]
وهو الصاد، فكأن السين التي هي الأصل لم تزل، إذ قد خلفها حرف من مخرجها، ومن صنفها في الصفير، فعمل اللسان بذلك عملًا واحدًا، متصعدًا، منطبقًا بالحرفين معًا، والصاد هو الاختيار، للمطابقة في اللفظ والمجانسة بين الحرفين، ولأن عليه خط المصحف ولأن عليه أكثر القراء وقال أبو حاتم: هما لغتان، فكيف قرأت فأنت مصيب، واختار في ذلك أن يتبع خط المصحف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/303] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (84- {وَالله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [آية/ 245]، {وَزَادَهُ بَسْطَةً} [آية/ 247]:-
بالسين، وكذلك في الأعراف، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ياش- بالسين، ومصيطر والمصيطر بالصاد، وحمزة بإشمام الزاي في الجميع، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب ح- بالصاد في الأحرف الأربعة إلا في سورة البقرة {بَسْطَة} فإنهم قرءوها بالسين، و- يس- عن يعقوب بالسين في {يَبْسُط} أيضًا في البقرة.
أما من قرأ جميع ذلك بالسين؛ فلأنه أصل الكلمة، ولأن الخلاف بين الحرفين أعني السين والطاء يسير، وإن كان في السين تسفل وفي الطاء استعلاء، فاحتملوا هذا الخلاف لقلته؛ لأنها بمنزلة ما لا يعتد به.
وأما من قرأ بالصاد فلكراهة التصعد بالطاء بعد التسفل بالسين، فأبدلوا من السين حرفًا هو يتجانس للطاء في التصعد وهو الصاد، ليتوافق الحرفان، ولو كانت السين بعد الحرف المستعلي لم يكره نحو: قسوت وقست وطمس
[الموضح: 334]
الطريق وطسم؛ لأنهم لم يكرهوا التسفل بعد التصعد، وإنما كرهوا التصعد بعد التسفل.
وأما إشمام حمزة؛ فإنه أراد أن يوافق بين الحرفين من وجهٍ آخر، وهو من جهة الهمس والجهر؛ لأن السين مهموسة، والطاء مجهورة، فتخالفا، فأراد الموافقة بينهما، فضارع بالسين حرفًا مجهورًا وهو الزاي ليتوافقا). [الموضح: 335] (م)

قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قال أبو بكر بن مجاهد: {التابوت} بالتاء قراءة الناس جميعًا، ولغة للأنصار "التابوه" بالهاء.
قال أبو الفتح: أما ظاهر الأمر، فأن يكون هذان الحرفان من أصلين؛ أحدهما: تَ بَ ت، والآخر: ت ب هـ، ثم من بعد هذا فالقول أن الهاء في "التابوه" بدل من التاء في "التابوت"، وجاز ذلك لما أذكره: وهو أن كل واحد من التاء والهاء حرف مهموس، ومن حروف الزيادة في غير هذا الموضع، وأيضًا فقد أبدلوا الهاء من التاء التي للتأنيث في الوقف، فقالوا: حمزهْ،
[المحتسب: 1/129]
وطلحهْ، وقائمهْ، وجالسهْ، وذلك منقاد مطرد في هذه التاء عند الوقف، ويؤكد هذا أن عامة عُقيل فيما لا نزال نتلقاه من أفواهها تقول في الفرات: الفراه، بالهاء في الوصل والوقف.
وزاد في الأُنس بذلك أنك ترى التاء في الفرات تشبه في اللفظ تاء فتاة وحصاة وقطاة، فلما وقف وقد أشبه الآخِر الآخر أبدل التاء هاء، ثم جرى على ذلك في الوصل؛ لأنه لم يكن البدل عن استحكام العلة علة، فيُراعى حال الوقف من حال الوصل ويفصل بينهما، فأشبه ذلك قولهم في صِبيان وصِبية: صُبينا وصُبية؛ وذلك أن الأصل صِبوان وصِبوة، ثم قلب الواو ياء استخفافًا للكسرة قبلها، ولم يعتد بالساكن بينهما حاجزًا لضعفه، ثم لما ضموا وزال الكسر أقروا الياء بحالها؛ جنوحًا إليها لخفتها، ولعلمهم أيضًا أن البدل من الواو لم يكن عن استحكام علة فيعادوا الأصل لزوالها، فلما تصوروا ضعف سبب القلب قنَّعوا أنفسهم بالعدول إلى جهة الياء، فقالوا: صُبيان وصُبية، حتى كأن قائلا قال لهم: هلا لما زالت الكسرة راجعتم الواو، فقالوا: أَوَكَان القلب إنما كان عن وجوب أحدثته الكسرة حتى إذا فارقناها عاودنا الواو؟ إنما كان استحسانًا، وكذلك فليكن مع الضمة أيضًا استحسانًا). [المحتسب: 1/130]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس