عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 03:53 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب * الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار}
قد قدمنا ذكر الخلاف في هذه الأقوال كلها، هل هي من قول مؤمني آل فرعون أو من قول موسى عليه السلام؟ وقالت فرقة من المتأولين منهم الطبري: يوسف المذكور هو يوسف بن يعقوب عليه الصلاة والسلام، وقالت فرقة: بل هو حفيده يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب عليه السلام. و"البينات" التي جاء بها يوسف عليه السلام لم تعين لنا حتى نقف على معجزاته، وروي عن وهب بن منبه أن فرعون موسى لحق يوسف، وأن هذا التقريع له. وروى أشهب عن مالك أنه بلغه أن فرعون عمر أربعمائة سنة وأربعين سنة، وقالت فرقة: بل هو فرعون آخر.
وقوله تعالى: {قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا} حكاية لرتبة قولهم لأنهم إنما أرادوا: أن يجيء بعد هذا من يدعي مثل ما ادعى، ولم يقر أولئك قط برسالة الأول ولا الآخر ولا بأن الله يبعث الرسل، فحكى رتبة قولهم، وجاءت عبارتهم مشنعة عليهم، ولذلك قال بإثر هذا: كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب، أي: كما صيركم من الكفر والضلالة في هذا الحد فنحو ذلك هو إضلاله لصنفكم أهل السرف في الأمور وتعدي الطور والارتياب بالحقائق. وفي مصحف أبي بن كعب، وابن مسعود: "قُلْتُمْ أَلَنْ يبعث اللهُ").[المحرر الوجيز: 7/ 441-442]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أنحى لهم على قوم صفتهم موجودة في قوم فرعون، فكأنه أرادهم فزال عن مخاطبتهم حسن أدب واستخلابا، فقال: الذين يجادلون في آيات الله، أي بالإبطال لها والرد بغير برهان ولا حجة أتتهم من عند الله. كبر مقتا جدالهم عند الله، فاختصر ذكر الجدال لدلالة تقدم ذكره عليه، ورد الفاعل بـ"كبر" نصبا على التمييز، كقولك: تفقأت شحما وتصببت عرقا، و"يطبع" معناه: يختم بالضلال ويحجب عن الهدى.
وقرأ أبو عمرو، والأعرج - بخلاف عنه -: "على كل قلب" بالتنوين "متكبر" على الصفة، وقرأ الباقون: بالإضافة إلى "متكبر"، قال أبو علي: المعنى: يطبع الله على القلوب إذ كانت قلبا قلبا من كل متكبر، ويؤكد ذلك أن في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "على قلب كل متكبر".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويتجه أن يكون المراد عموم قلب المتكبر الجبار بالطبع، أي لا ذرة فيه من إيمان ولا مقاربة، فهي عبارة عن شدة إطلاقه). [المحرر الوجيز: 7/ 442-443]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب * وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد * يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار * من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب}
ذكر الله عز وجل مقالة فرعون حين أعيته الحيل في مقاومة موسى عليه السلام بحجة، وظهر لجميع المشاهدين أن ما يدعو إليه موسى هو عبادة إله السماء، فنادى فرعون هامان - وهو وزيره والناظر في أموره - فأمره أن يبني له بناء عاليا نحو السماء، و"الصرح" كل بناء عظيم شنيع القدر، مأخوذ من الظهور والصراحة، ومنه قولهم: "صريح النسب، وصرح بقوله"، فيروى أن هامان طبخ الآجر - ولم يطبخ قبله - وبناه ارتفاع مائة ذراع، فبعث الله تبارك وتعالى جبريل عليه السلام فمسحه بجناحه فكسره ثلاث كسر، تفرقت اثنتان ووقعت ثالثة في البحر، وروي أن هامان لم يكن من القبط، وقيل: كان منهم، و"الأسباب": الطرق، قاله السدي، وقال قتادة: الأبواب، وقيل: عنى: لعله يجد مع قربه من السماء سببا يتعلق به.
وقرأ الجمهور: "فأطلع" بالرفع عطفا على "أبلغ"، وقرأ حفص عن عاصم، والأعرج: "فأطلع" بالنصب بالفاء في جواب التمني. ولما قال فرعون بمحضر من ملئه: فأطلع إلى إله موسى اقتضى كلامه الإقرار بإله موسى، فاستدرك ذلك استدراكا قلقا بقوله: {وإني لأظنه كاذبا}.
ثم قال تعالى: {وكذلك زين} أي أنه كما تخرق فرعون في بناء الصرح والأخذ في هذه الفنون المقصرة، كذلك جرى جميع أمره، وزين له، أي زين الشيطان سوء عمله في كل أفعاله، وقرأ الجمهور: "وصد عن السبيل" بفتح الصاد، بإسناد الفعل إلى فرعون، وقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم، وجماعة بضم الصاد وفتح الدال المشددة: "وصد" عطفا على "زين" وحملا عليه، وقرأ يحيى بن وثاب: "وصد" بكسر الصاد على معنى صد أصله صدد، فنقلت الحركة ثم أدغمت الدال في الدال، وقرأ ابن أبي إسحاق، وعبد الرحمن بن أبي بكرة: "وصد" بفتح الصاد ودال مهملة مشددة مرفوعة منونة عطفا على قوله: {سوء عمله}. و"السبيل": سبيل الشرع والإيمان، و"التباب": الخسران، ومنه: تبت يدا أبي لهب وتب، وبه فسر مجاهد وقتادة، وتب فرعون ظاهر لأنه خسر ماله في الصرح وغيره، وخسر ملكه، وخسر نفسه، وخلد في جهنم). [المحرر الوجيز: 7/ 443-444]

رد مع اقتباس