عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م, 12:57 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

باب ذكر علل الهمزة المفردة
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب ذكر علل الهمزة المفردة
قد قدمنا ذكر الهمزة، واستثقال العرب لها، واستعمالهم فيها لثقلها، ما لم يستعملوا في غيرها من الحروف.
1- فحجة من حققها في فاء الفعل وعينه ولامه أنه أتى بها على الأصل، فأظهرها محققة، كما يفعل بسائر الحروف، وخف ذلك عليه وسهل لانفرادها، إذ ليس قبلها همزة، وزاده قوة أن كثيرًا من العرب والقراء يحققونها، مع تكررها على أصلها، فكان تحقيقها وهي مفردة آكد وأخف وأقوى، وأيضًا فإنه همز ذلك ليبين أن الأصل الهمزة، إذ لو خفف لجاز لظان أن يظن أنه لا أصل للكلمة في الهمز فكان في الهمز بيان أصلها، ألا ترى أن من ترك همز «مؤصدة» وهمز
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/80]
«ورئيا» يجوز أن يكون مما لا أصل له في الهمز، ففي همزة بيان أن أصله الهمز.
2- وحجة من خفف الهمزة أنه استثقلها محققة فخففها على ما قدمنا من العلل، وأيضًا فإن التخفيف لغة أهل الحجاز، وأيضًا فإن التخفيف أخف على القارئ، مع موافقة لغة العرب والرواية.
3- وحجة من ترك همز فاء الفعل خاصة، وهو ورش، أن فاء الفعل حكمها أن يكون في أول الكلام، لأنها أول الوزن، فحقها أن تكون مخففة أبدًا إلا أن يدخل عليها زائد، فتصير ثانية، أو زائدان فتصير ثالثة، وربما كانت الهمزة رابعة بدخول ثلاثة زوائد عليها، فتثقل فتخفف حينئذٍ، فلذلك خفف فاء الفعل؛ لأنها ثانية أو ثالثة أو رابعة، وذلك نحو: «يؤمن، وسيؤمن واستأمن» فلما بعدت الهمزة من أول الكلام ثقلت فخففت.
4- وحجة من همز غير الفعل ولامه إجماعهم على ذلك، فهمز للإجماع، لئلا يخرج عن الإجماع وأيضًا فإن الهمز هو الأصل وأيضًا فإنه لو لم يهمز لظن ظان أنه لا أصل له في الهمز، فأتى به مهموزًا على أصله.
5- وحجة ورش في همزة «المأوى» والهمزة فاء الفعل، ومن أصله أنه لا يهمز فاء الفعل، أنه لو سهل ولم يهمز لاجتمع ثلاثة أحرف من حروف العلة متوالية، وذلك قليل، لم يقع إلا في «أوى» لإجماع العرب على ترك الهمزة الساكنة، إذا كان قبلها همزة نحو: «آتى، وآمن».
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/81]
وأيضًا فإنه لما همز «تؤويه، وتؤوي» لئلا يجتمع واوان في التخفيف، فذلك أثقل من التحقيق، رجع إلى التحقيق؛ لأنه أخف، فأجرى باب «الإيواء» على سنن واحد في الهمز، لئلا يختلف، إذ هو كله من أصل واحد، من «أوى»، مع نقله ذلك عن أئمته.
6- فإن قيل: فما بال ورش همز «فأذن، ومن تأخر، ومآرب، ومآبا، وتؤزهم، ويؤده، ويؤوده»، والهمزات فيه كله فاء الفعل، ومن أصله أن لا يهمز فاء الفعل؟
فالجواب أنه إنما خفف من فاء الفعل، ما وجد فيه سبيلًا إلى البدل في التخفيف، وأبدل من الهمزة حرفًا يقوم مقامها، وينوب عنها، فاستغنى عنها بحرف يقوم مقامها، هو أخف منها، وذلك في «يؤمن، ويأكل، ويؤاخذ» وشبهه، وهذه الكلمات لا يتمكن في تسهيلها البدل لأنها متحركة، قبلها حركة، فلا تكون إلا بين بين، وبعد كل همزة منها ساكن، وهمزة بين بين، يبعد وقوع ساكن بعدها؛ لأنها تصير وصلة إلى اللفظ بالساكن بعدها، فكأنها مبتدأ بها، وهمزة بين بين لا يبتدأ بها، فوجب فيها التحقيق ضرورة في القياس. وقد تسهل الهمزة، وإن كان بعدها ساكن في بعض الكلام، لكن المعمول به ما ذكرت لك، فلما لم يجد إلى البدل سبيلًا وبعد جعلها بين بين، رجع إلى التحقيق، إذ لا سبيل إلى غير التحقيق أو التسهيل، فلما صعب التسهيل رجع إلى التحقق.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/82]
7- فإن قيل: فما حجة ورش في تخفيفه لـ «الذئب، وبئس، وأرأيت» ومن أصله أن يحقق عين الفعل حيث وقعت؟
فالجواب أنه خفف همزة «الذئب» على لغة من قال: لا أصل له في الهمز، وقد قال الكسائي: لا أعرف أصله في الهمز، فلم يهمزه في قراءته، وكذلك «البئر» قد قيل: لا أصل لها في الهمز، فأما تخفيفه للهمزة الثانية من «أرأيت» وهي عين الفعل، فإنه لما اجتمع في كلمة همزتان، بينهما حرف، خفف الثانية استخفافًا، وأيضًا فإنه لما رأى بعض العرب يحذف الثانية حذفًا مستمرًا، وبه قرأ الكسائي خففها، وجعل تخفيفها عوضًا من حذفها، إذ في حذفها بعض الإجحاف بالكلمة، وسيأتي علة من حذفها ومن خففها في موضعها، إن شاء الله.
8- فإن قيل: فما بال ورش ترك همز {ردءًا يصدقني} «القصص 34» والهمزة لام الفعل، ومن أصله همز لام الفعل حيث وقعت، ومن أصله أيضًا أنه لا يلقي حركة الهمزة على الساكن قبلها في كلمة؟
فالجواب أنه لما وجد سبيلًا إلى إلقاء حركة الهمزة على الساكن قبلها لم يهمزها، وألقى حركتها على ما قبلها، قياسًا على فعله في إلقاء حركة كل همزة، أتت في كلمة وقبلها ساكن من كلمة أخرى، فأجرى ما هو من كلمة مجرى ما هو من كلمتين، وقد همز قوله: {ملء الأرض} «آل عمران 91» على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/83]
أصله في همزة لام الفعل، ولم يلق حركة الهمزة، ليفرق بين ما هو من كلمة، وما هو من كلمتين، فاستثقل ما هو من كلمتين لثقله، فخفف فيه الهمزة بإلقاء حركتها على الساكن قبلها، نحو: «من آمن»، واستخف ما هو كله فهمزه، ولم يُلق فيه الحركة، وكان أصله ألا يلقي الحركة في «ردءًا» لكنه أجراه على حكم ما هو من كلمتين، فألقى فيه الحركة للجمع بين اللغتين.
9- فإن قيل: فلم خص «ردءًا» بإلقاء الحركة دون غيرها، مما هو في كلمة كـ «الخبء، وجزء»؟
فالجواب أنك إذا خففت «ردءًا يصدقني» أشبه لفظه لفظ كلمتين منفصلتين مفهومتين، فـ «رِد» كلفظ الأمر من «وَرَد، يَرِد» والهمزة والتنوين كالخفيفة في اللفظ، فصار لفظه كلفظ كلمتين مفهومتين، فألقى فيه الحركة؛ لأنه ككلمتين في اللفظ.
10- ومن الهمزة المفردة تخفيف أبي عمرو لكل همزة ساكنة إذا أدرج القراءة، أو قرأ في الصلاة، وهي رواية الرقيين عنه، رواية أبي شعيب السوسي وغيره، وعلته في ذلك أنه آثر التخفيف عند إدراج القراءة وعند الصلاة بالقرآن، فخفف الهمزة، إذ التخفيف أبين في اللفظ من التحقيق، وهي لغة العرب.
11- فإن قيل: فلم خص الساكنة وآثرها بالتخفيف إذا أدرج القراءة أو قرأ في الصلاة دون المتحركة، والمتحركة أثقل من الساكنة فخفف الخفيف وحقق
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/84]
الثقيل، وهذا ضد النظر والقياس؟
فالجواب أن الساكنة تجري في التخفيف على سنن واحد وقياس واحد، وهو البدل، فسهل ذلك فيها، واستمر القياس في حكمها، فخصها بذلك لجريها على حكم واحد، وهو البدل. والمتحركة ليست كذلك في التخفيف، بل تكون مرة بين الهمزة والألف، ومرة بين الهمزة والواو، ومرة بين الهمزة والياء، ومرة يلقي حركتها على ما قبلها، ومرة يبدل منها حرف غيرها، ومرة يدغم الحرف الذي قبلها فيما هو بدل منها، ومرة تُحذف فهي تجري على وجوه كثيرة مضطربة، فلما رآها لا تستقر على أصل واحد، وتخفيفها أثقل وأصعب على القارئ من تحقيقها حققها، ولم يخففها، ولما رأى الساكنة تجري على سنن واحد، وقياس غير منخرم، وتخفيفها أسهل على القارئ من تحقيقها آثر تخفيفها مع روايته ذلك عن أئمته.
12- فإن قيل: فما باله حقق الساكنة التي سكونها بناء أو علم للجزم، وتخفيفها في الحكم مستمر جار على قياس واحد.
فالجواب أن ما سكونه علم للجزم، وما سكونه بناء، أصله كله الحركة، والسكون فيه عارض، ومن أصله أن يحقق المتحركة، فحقق هذه على ما كانت عليه في أصلها قبل الجزم والبناء، وأيضًا فإن هذين النوعين قد غيرا مرة من الحركة إلى السكون، فكره أن يغيرهما مرة أخرى إلى البدل، فيقع في ذلك تغير بعد تغير، فيكون فيه إجحاف بالكلمة.
13- فإن قيل: فما باله حقق «تؤويه، وتؤوي» وحقق «مؤصدة» في الموضعين، وحقق «ورئيا» في مريم، والهمزة ساكنة فيها، يُحسن فيها البدل ويتأتى؟
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/85]
فالجواب أنه إنما سهَّل الهمزة الساكنة للتخفيف، وهو إذا سهَّل همزة «تؤويه، وتؤوي» اجتمع فيه واوان وضمة وكسرة، وذلك ثقيل جدًا، فلما كان التخفيف للهمز أثقل من الهمز آثر الهمز وترك التخفيف لثقله، فأما «مؤصدة» فإنه لما كان فيه لغتان في اشتقاقه، يجوز أن يكون مشتقًا مما أصله الهمز، من «آصدت» أي: أطبقت ومن «أوصدت» لغة فيه بمعنى واحد، كره أن يخفف همزة، وهو عندي من «آصدت» فيظن ظان أنه عنده من «أوصدت» فخاف أن يخرج بالتخفيف من لغة إلى لغة، فحقق همزة لذلك، وكذلك «ورئيا» فيه لغتان: الهمز على معنى «الرُّواء» وهو ما يظهر من الزي، وترك الهمز على معنى «الري» فكره أن يترك همزه، فيظن أنه عندي من «الري» فيخرج بترك الهمز من لغة إلى لغة أخرى، ومن معنى إلى معنى آخر، فهمزه ليتبين مم هو مشتق، وما معناه.
فأما ما ذكرنا من الاختلاف في الهمزة، إذا أسكنها أبو عمرو في رواية الرقيين عنه في «بارئكم»، وأن من القراء من يبدل من الهمزة ياء لسكونها، على أصله في تخفيف الساكنة، وأن منهم من لا يخففها، ويحققها.
14- فعلة من خففها فأبدل منها ياء أنه أجراها مجرى كل همزة ساكنة، أبدل منها ياء إذا أدرج القراءة أو قرأ في الصلاة، لتكون الساكنة كلها على قياس واحد.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/86]
وعلة من حققها ولم يخففها أنه لما كان أصلها الحركة أجراها في التحقيق على أصله في المتحركة، وأيضًا فإنه لما رآها قد تغيرت عن الحركة إلى السكون كره أن يغيرها مرة أخرى بالبدل، قياسًا على مذهبه في تحقيق ما سكونه علم للجزم أو البناء، إذ قد حققه، ولم يخففه لتغيره مرة، فكره أن يغيره مرة أخرى.
15- فإن قيل: فما الاختيار في ذلك؟
فالجواب أن الاختيار في ذلك الهمز، لأنه الأصل، ولإجماع القراء عليه، ولأن التخفيف تغيير، فتركه أولى.
16- فصل: قال أبو محمد: اعلم أيها الناظر في هذا الكتاب أني لا أعتمد على ترك الاعتداد بالعارض في كثير مما تقدم وما يأتي، وربما اعتددت به قياسًا على مذهب العرب في ذلك، فربما اعتدوا بالعارض في قليل من الكلام، ولا يعتدون به في أكثر الكلام. فما اعتدوا فيه بالعارض قولهم: سل زيدًا، اعتدوا بالفتحة التي على السين وهي عارضة، إنما هي حركة الهمزة، نُقلت إلى السين، فلذلك حذفوا ألف الوصل، وقالوا: لحمر جاء، فاعتدوا بالحركة التي على اللام، وهي عارضة، إنما هي حركة الهمزة من «أحمر» نُقلت إلى اللام، فحذفوا ألف الوصل واستغنوا عنها بالحركة العارضة، ومن هذا قراءة نافع وأبي عمرو في {عادًا الأولى} في «والنجم» بالإدغام، وذلك أنهما لما ألقيا حركة الهمزة على لام التعريف اعتدوا بها، فحسن الإدغام
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/87]
في اللام، إذ عليها حركة معتد بها، ولولا ذلك ما جاز إدغام التنوين في لام ساكنة، إذ لا يكون المدغم فيه أبدًا إلا متحركًا بحركة معتد بها، ومما لم يعتدوا فيه بالعارض في تخفيف همزة «رؤيا» فلم يدغموا الواو في الياء على أصلهم في «ميت، وهين» لأن الواو عارضة، إنما هي بدل من همزة، وقالوا: ضوء، فإذا خففوا الهمزة قالوا: ضو، فأتوا بواو متحركة، قبلها فتحة، وليس ذلك في كلام العرب، ولم يعلوها على أصولهم في الكلام؛ لأن حركتها عارضة، إنما هي حركة الهمزة نقلت إليها، وهذا أكثر في الكلام وأقيس من الاعتداد بها، وعلى هذا عوَّل من أنكر قراءة نافع وأبي عمرو في {عاد الأولى} بالإدغام، وقال: الحركة على اللام عارضة، واللام ساكنة على أصلها، فلا يحسن الإدغام فيها، لأن المدغم لا يكون إلا ساكنًا، والمدغم فيه لا يكون إلا متحركًا، فلم يجز عندهم الإدغام في اللام وهي ساكنة في الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/88]


رد مع اقتباس