عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 13 صفر 1440هـ/23-10-2018م, 07:07 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الإسراء

[ من الآية (28) إلى الآية (33) ]
{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)}

قوله تعالى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)}

قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)}

قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)}

قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ قتلهم كان خطئًا كبيرًا (31)
قرأ ابن كثير (خطاءً) مكسورة الخاء، ممدودةً، مفتوحة الطاء: وقرأ ابن عامر (خطأً) مقصورًا، مهموزًا، وكذلك روى شبل عن ابن كثير، فيما روى عبيد عن شبل.
وقرأ الباقون (خطئًا) بكسر الخاء، وسكون الطاء، والقصر، على (فعلاً)
قال أبو منصور: أما قراءة ابن كثير (خطاءً) بكسر الخاء والمد فهو مصدر خاطأ يخاطئ خطاء، على (فعالاً)، وجائز أن يكون بمعنى؟ خطئ، أي: أثم.
وأما قراءة ابن عامر (خطأً) بالهمز والقصر وفتح الخاء، فالخطأ اسم من أخطأ يخطئ إخطاء، والاسم يقوم مقام المصدر الحقيقي.
وقال الزجاج: قد يكون (خطأ) من خطئ يخطأ خطأ إذا لم يصب.
[معاني القراءات وعللها: 2/92]
قال: وقد روى لابن كثير (خطأ).
وأما من قرأ (خطئًا) بكسر الخاء وسكون الطاء على (فعلاً) فهي القراءة الجيدة.
يقال: خطئ الرجل يخطأ خطأ، أي: أثم يأثم إثما.
والفرق بين الخطأ والخطئ أن: الخطأ ما لم يتعمد من الذنب.
والخطئ: ما تعمّد.
وأنشد غير واحد:
عبادك يخطون وأنت رب... كريم لا تليق بك الذموم
وقال أبو إسحاق: من قرأ (خطأ كبيرا) فله تأويلان:
أحدهما: معناه أن قتلهم كان غير صواب، يقال: أخطأ يخطئ إخطاء وخطأ. والخطأ: الاسم من هذا لا المصدر.
وقد يكون (الخطأ) من خطى، يخطأ خطأ مثل لجج يلجج لججا، إذا لم يصب، وأنشد:
والناس يلحون الأمير إذا هم... خطئوا الصواب ولا يلام المرشد). [معاني القراءات وعللها: 2/93]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {إن قتلهم كان خطئا كبيرا} [31].
قرأ ابن عامر وحده برواية ابن ذكوان {كان خطأ كبيرا} بفتح الخاء والهمز والطاء.
وقرأ ابن كثير بكسر الخاء والمد.
وقرأ الباقون {خطا} بكسر الخاء وجزم الطاء مقصورًا، وهو الاختيار؛ لأن العرب تقول: خطئ زيد يخطأ خطأ فهو خاطئ مثل أثم يأثم إثمًا فهو آثم، قال الشاعر:
عبادك يخطئون وأنت رب = بكفيك المنايا لا تموت
ومن ذلك قوله في الحديث: «يا خاطئ ابن الخاطئ» وقال آخر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/370]
وإن مهاجرين تكنفاه = غداة إذ لقد خطئا وخابا
ومعنى {خطئا كبيرا} أي: إثما كبيرا.
وأما قراءة ابن عامر {أنه كان خطأ} فهو ضد العمد كقوله: {أن
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/371]
يقتل مؤمنًا إلا خطا}. قال الفراء: قد يجوز أن يكون الخطا بمعنى الخطأ كما تقول: قتب وقتب وبدل وبدل و{خطاء} على قراءة ابن كثير فعال من الخطأ أيضًا، مثل الصيام والقيام، والخطيئة من ذلك.
فأما قراءة أبي جعفر فجعله مصدرًا خطئ خطأ مثل شرب شربا وأنشد بعضهم:
والناس يلحون الأمير إذا هم = خطئوا الصواب ولا يلام المرشد
قال: خطئوا بمعنى الخطأ ها هنا، وأخبرني ابن دريد عن أبي حاتم قال: مكان مخطوء فيه من خطئت، ومكان مخطأ فيه من أخطأ يخطئ، ومكان مخطو فيه بغير همز من تخطي الناس يتخطى تخطيًا، ومن همز تخطأت الناس فقد غلط). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/372]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جل وعز: خطئا كبيرا [31].
فقرأ ابن كثير: (خطاءا كبيرا)، مكسورة الخاء، ممدودة مهموزة وقرأ ابن عامر: (خطأ) بنصب الخاء. والطاء وبالهمز من غير مدّ.
وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: خطأ مكسورة الخاء ساكنة الطاء مهموز مقصور.
وروى عبيد عن شبل عن ابن كثير خطأ مثل أبي عمرو.
قول ابن كثير: (خطاءا كبيرا)، يجوز أن يكون مصدر خاطأ،
[الحجة للقراء السبعة: 5/96]
وإن لم يسمع خاطأ، ولكن قد جاء ما يدل عليه. وذلك أن أبا عبيدة أنشد:
تخاطأت النّبل أحشاءه وأنشد محمد بن السّري في وصف كمأة:
وأشعث قد ناولته أحرش القرى أربّت عليه المدجنات الهواضب تخاطأه القعّاص حتى وجدته وخرطومه في منقع الماء راسب فتخاطأت يدلّ على خاطأ لأن تفاعل مطاوع فاعل كما أن تفعل مطاوع فعل.
وقول ابن عامر: (خطأ) فإن الخطأ ما لم يتعمّد، وما كان المأثم فيه موضوعا عن فاعله، وقد قالوا: أخطأ في معنى خطئ، كما أن خطئ في معنى أخطأ، وقال:
عبادك يخطئون وأنت ربّ... كريم لا تليق بك الذموم
ففحوى الكلام أنهم خاطئون، وفي التنزيل: لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [البقرة/ 286] فالمؤاخذة عن المخطئ موضوع، فهذا
[الحجة للقراء السبعة: 5/97]
يدلّ على أن أخطأنا في معنى خطئنا، وكما جاء أخطأ في معنى خطئ، كذلك جاء خطئ في معنى أخطأ في قوله:
يا لهف نفسي إذ خطئن كاهلا وفي قول الآخر:
والناس يحلون الأمير إذا هم... خطئوا الصواب ولا يلام المرشد
أي: أخطئوه. فكذلك قول ابن عامر: خطأ في معنى خطئا جاء الخطأ في معنى الخطء، كما جاء خطئ في معنى الخطأ.
ووجه قول من قرأ: خطأ بيّن، يقال: خطئ يخطأ خطئا: إذا تعمد الشيء، حكاه الأصمعى، والفاعل منه خاطئ، وقد جاء الوعيد فيه في قوله عز وجل: لا يأكله إلا الخاطئون [الحاقة/ 37] ويجوز في قول ابن عامر أن يكون الخطأ لغة في الخطء. مثل: المثل والمثل، والشّبه والشّبه، والبدل والبدل. وقال أبو الحسن: هذا خطاء من رأيك. فيمكن أن يكون خطاء لغة فيه أيضا). [الحجة للقراء السبعة: 5/98]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [خَطَاءً]، بخلاف.
وقرأ: [خَطًا] غير ممدود، والخاء منصوبة خفيفة- الحسن، بخلاف.
وقرأ: [خِطًا] -بكسر الخاء غير ممدود- أبو رجاء والزهري.
وقرأ: [خَطْئًا] -في وزن خَطْعًا- ابن عامر، بخلاف.
[المحتسب: 2/19]
قال أبو الفتح: أما [خَطَاءً] فاسم بمعنى المصدر، والمصدر من أخطأت: إخْطاءً، والخطاءُ من أخطأْت كالعطاء من أعطيْتُ. ويقال: خطِيَ يخطأ خِطْئًا وخَطَأً، هذا في الدين، وأخطأت الغرض ونحوه. وقد يتداخلان فيقال: أخطأتُ في الدينِ، وخَطِئْتُ في الرأي ونحوه. قال:
ذرِيني إنما خطئي وصَوْبِي ... علي وإن ما أهلكتُ مال
وقال عبيد:
والناس يلحوْنَ الأميرَ إذا همُ ... خطِئُوا الصوابَ ولا يُلام المرشد
وقال في الدين أمية:
عبادك يخَطَئُون وأنتَ ربٌّ ... بكفَيْكَ المنايا والحُتُوم
وأما [خَطًا] و[خِطًا] فتخفيف خَطْئًا وخِطْئًا على القياس). [المحتسب: 2/20]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن قتلهم كان خطأ كبيرا}
قرأ ابن عامر {إن قتلهم كان خطأ كبيرا} بفتح الخاء والطاء وهو ضد العمد وحجته قوله {أن يقتل مؤمنا إلّا خطأ}
قال الزّجاج خطأ له تأويلات احدها معناه إن قتلهم كان غير صواب يقال أخطأ يخطئ إخطاء وخطأ والخطأ الاسم من هذا لا المصدر وقد يكون الخطأ من خطئ يخطأ خطأ إذا لم يصب مثل فزع يفزع فزعًا
قرأ ابن كثير (خطاء) بكسر الخاء وفتح الطّاء وهو مصدر
[حجة القراءات: 400]
خطئ يخطأ {خطأ} وخطاء إذا لم يصب كما تقول سفد الطّائر يسفد سفادا
وقرأ الباقون خطأ بكسر الخاء وإسكان الطّاء معناه إثمًا كبيرا وهو مصدر ل خطئ الرجل يخطأ خطئا مثل أثم يأثم إثمًا فهو آثم قال الشّاعر:
عبادك يخطؤون وأنت رب ... بكفيك المنايا لا تموت
والفاعل منه خاطئ وقد جاء الوعيد فيه في قوله تعالى {لا يأكله إلّا الخاطئون} أي الآثمون). [حجة القراءات: 401]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (7- قوله: {كان خطئًا} قرأ ابن كثير بكسر الخاء والمد، وقرأ ابن ذكوان بفتح الخاء والطاء، من غير مد، وقرأ الباقون بكسر الخاء وإسكان الطاء، من غير مد، وكلهم نون وهمز.
وحجة من كسر الخاء ومد أنه جعله مصدر «خاطأ خطاء» مثل «قاتل قتالا» وهو قليل في الاستعمال، لم يستعمل «خاطأ» إنما استعمل مطاوعة، وهو «تخاطأ» فإنما أجراه من كسر الخاء، ومد على مصدر ما قد استعمل مطاوعه فإن لم يستعمل هو ففيه بعد لهذا.
8- وحجة من فتح الخاء والطاء ولم يمد أنه جعله مصدر «خطئ» إذا تعمد، يقال: «خطئ خطأ فهو خاطئ» إذا تعمد، والمشهور في مصدر خطئ الخطء، ويقال: أخطأ يخطئ فهو مخطئ إذا لم يتعمد، ومنه قوله: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} «الأحزاب 5» ألا ترى أن بعده: {ولكن ما تعمدت قلوبكم}، فدل ذلك على أن «أخطأ» يستعمل في غير التعمد إلا أنه قد استعمل «أخطأ» في موضع «خطئ» «وخطئ» في موضع «أخطأ» ومن ذلك قوله تعالى: {إن نسينا أو أخطأنا} «البقرة 286» فـ {أخطأنا} في موضع «خطئنا» لأنهم لم يسألوا المغفرة إلا فيما تعمدوا، فأما ما لم يتعمدوا فهو محمول عنهم، لا يحتاجون أن يسألوا المغفرة منه، لقوله: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} الآية.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/45]
9- وحجة من كسر الخاء وأسكن الطاء ولم يمد أنه المشهور المستعمل في مصدر «خطئ» إذا تعمد، وهو الاختيار؛ لأنه الأصل، ولأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/46]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {خِطَاءً} [آية/ 31] مكسورة الخاء، ممدودة:
قرأها ابن كثير وحده.
والوجه أنه مصدر خاطأ على فاعل، وهو غير مسموع إلا أنه قد جاء مطاوعه وهو تخاطأ على تفاعل، قال الشاعر:
77- تخاطأه القناص حتى وجدته = وخرطومه في منقع الماء راسب
فإذا جاء تخاطأ حصل منه خاطأ وإن لم يُستعمل؛ لأن تفاعل مبنيٌّ على فاعل، فقراءة ابن كثير {خِطَاءً} مصدرٌ منه.
وقرأ ابن عامر {خطأً} مفتوحة الخاء والطاء مقصورة.
والوجه أنه اسمٌ لما لم يتعمد، وهو كالإخطاء، يقال أخطأ يُخطئ إخطاءً وخطأً، فالخطأ الاسم، والإخطاء المصدر.
وقرأ الباقون {خِطْأً} مكسورة الخاء ساكنة الطاء غير ممدودة.
والوجه أنه اسم لما يتعمد.
ويجوز أن يكون مصدرًا، والفعل منه خطئ يخطأ خطأً، إذا تعمد، والفاعل خاطئٌ.
[الموضح: 755]
وقيل إن الخطأ بفتح الطاء قد جاء أيضًا بمعنى الخطأ، كما قالوا مثْلٌ ومثَل وشبْهٌ وشبَهٌ، والفعل منهما خطئ بالكسر، حكاه الزجاج). [الموضح: 756]

قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)}

قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فلا يسرف في القتل (33)
[معاني القراءات وعللها: 2/93]
قرأ حمزة والكسائي وابن عامر (فلا تسرف) بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ (فلا تسرف) فهو مخاطبة، ومن قرأ (فلا يسرف) فهو نهي للغائب، والفاء مجزومة على كل حال.
والإسراف: أن تقتل غير قاتل صاحبه). [معاني القراءات وعللها: 2/94]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {فلا يسرف في القتل} [33].
قرأ حمزة والكسائي {فلا تسرف} بالتاء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/372]
وقرأ الباقون بالياء.
فحجة الأولين: قراءة أُبَيٍّ {فلا تسرفوا في القتل}: وحجة من قرأ بالياء قال: لأن ذكر الولي قد تقدم قبل هذا معناه: فلا يسرف الولي في القتل إن الولي كان منصورًا.
ومعنى الإسراف: مجاوزة الحد إذا قتل الرجل الرجل فأراد الولي قتل القاتل لم يمثل به). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/373]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله: (فلا تسرف في القتل) [33].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم: فلا يسرف بالياء جزما.
[الحجة للقراء السبعة: 5/98]
وقرأ حمزة وابن عامر والكسائي بالتاء جزما.
قوله: فلا يسرف في القتل: فاعل يسرف يجوز أن يكون أحد شيئين:
أحدهما: أن يكون القاتل الأول فيكون التقدير: فلا يسرف القاتل في القتل، وجاز أن يضمر، وإن لم يجر له ذكر، لأن الحال يدل عليه. فإن قلت: أمر بأن لا يسرف في القتل، والإسراف: مجاوزة الاقتصاد، بدلالة قوله: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما [الفرقان/ 67] أي: كان قصدا بين السرف وأن يقتر، ولا يكون في القتل قصد بين شيئين كما كان ذلك في الإنفاق، قيل: لا يمتنع أن يكون فيه الإسراف كما جاء في أموال اليتامى: ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا [النساء/ 6] ولم يجز أن يأكل منه على الاقتصاد ولا على غيره. لقوله إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا [النساء/ 10] وقال: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [الإسراء/ 34] فحظر كل مال اليتيم حظرا عاما على جميع الوجوه، فكذلك لا يمتنع أن يقال للقاتل الأول: لا تسرف في القتل، لأنه يكون لقتله مسرفا، ويدلّ على جواز وقوع الإسراف عليه قوله: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم [الزمر/ 53] والقاتل يدخل في هذا في قوله: إنه كان منصورا، لقوله: ومن قتل مظلوما تقديره: فلا يسرف القاتل المبتدئ في القتل، لأنّ من قتل مظلوما كان منصورا كأن يقتصّ له وليّه أو السلطان إن لم يكن له وليّ
[الحجة للقراء السبعة: 5/99]
غيره، ليكون هذا ردعا للقاتل عن القتل. كما أن قوله: ولكم في القصاص حياة [البقرة/ 179] كذلك، فالوليّ إذا اقتصّ فإنما يقتصّ للمقتول، ومنه انتقل إلى الوليّ بدلالة أن المقتول لو أنّه أبرأ من السبب المؤدّى إلى القتل لم يكن للولي أن يقتص، ولو صالح الوليّ من العمد على مال، كان للمقتول أن يؤدّي منه ديته، ولا يمتنع أن يقال في المقتول: منصور، لأنّه قد جاء: ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا [الأنبياء/ 77].
والآخر: أن يكون في (يسرف) ضمير الولي فلا يسرف الولي في القتل، وإسرافه فيه: أن يقتل غير من قتل، أو يقتل أكثر من قاتل وليه، وكان مشركوا العرب يفعلون ذلك، والتقدير: فلا يسرف الوليّ في القتل، إن الولي كان منصورا بقتل قاتل وليّه، والاقتصاص من القاتل.
ومن قرأ: (فلا تسرف) بالتاء، احتمل أيضا وجهين:
أحدهما: أن يكون المبتدئ القاتل ظلما، فقيل له: لا تسرف أيها الإنسان فتقتل ظلما من ليس لك قتله، إن من قتل ظلما كان منصورا بأخذ القصاص له.
والآخر: أن يكون الخطاب للوليّ فيكون التقدير: لا تسرف في القتل أيها الوليّ، فتعدّى قاتل وليّك إلى من لم يقتله، إن المقتول ظلما كان منصورا، وكلّ واحد من المقتول ظلما. ومن وليّ المقتول قد تقدّم ذكره في قوله: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا [الإسراء/ 33]). [الحجة للقراء السبعة: 5/100]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي مسلم صاحب الدولة: [فَلا يُسْرِفُ فِي الْقَتْلِ].
قال أبو الفتح: رفع هذا على لفظ الخبر بمعنى الأمر، كقولهم: يرحمُ الله زيدًا، فهذا لفظ الخبر، ومعناه الدعاء. أي: ليرحَمْهُ اللهُ، ومثله قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ}، أي: ليتربصْنَ. وإن شئت كان معناه دون الأمر، أي ينبغي ألا يسرفَ، وينبغي أن يتربصْنَ. وعليه قولُه:
[المحتسب: 2/20]
على الحكم المأتِيّ يوما إذا قضى ... قضيّته ألا يجورَ ويقصِدُ
فرفعه على الاستئناف، ومعناه ينبغي أن يقصد). [المحتسب: 2/21]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا فلا يسرف في القتل إنّه كان منصورا}
قرأ حمزة والكسائيّ (فلا تسرف في القتل) بالتّاء على الخطاب للنّبي صلى الله عليه وسلم والمراد به هو والأئمّة من بعده يقول لا تقتل بالمقتول ظلما غير قاتله وحجتهما أنّها في حرف عبد الله (فلا تسرفوا في القتل) فدلّ هذا على أن ذلك وجه النّهي للمواجهة
وقرأ الباقون {فلا يسرف} بالياء وحجتهم أن هذا الكلام أتى عقيب خبر عن غائب وهو قوله {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا} فكأنّه قال فلا يسرف الوليّ في القتل وفاعل {يسرف} يجوز أن يكون أحد شيئين أحدهما أن يكون القاتل الأول كذا قال مجاهد ويكون التّقدير فلا يسرف القاتل في القتل فيكون بقتله مسرفًا والآخر أن يكون في {يسرف} ضمير الوليّ أي فلا يسرف الوليّ في القتل والإسراف في القتل قد اختلف فيه قال أكثر النّاس الإسراف أن يقتل غير قاتل صاحبه وقيل الإسراف أن يقتل هو القاتل دون السّلطان وقيل أن يقتل جماعة بواحد). [حجة القراءات: 402]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {فلا يُسرف في القتل} قرأه حمزة والكسائي بالتاء، جعلاه خطابًا للقاتل لا يتعدى فيقتل أحد ظلمًا، وأعلم أن من قتل ظلمًا، فدمه منصور، يؤخذ له القصاص، ويجوز أن يكون الخطاب للولي، على معنى: لا تقتل أيها الولي غير قاتل وليك، وقيل معناه: لا تمثل أيها الولي بمن قتل وليك، بل اقتل مثل قتله وليك، وقيل المعنى: لا تقتل أيها الولي بعد أخذك الدية من القتل، وقرأ الباقون بالياء، جعلوه نهيًا للولي على المعاني التي ذكرنا، ويجوز أن يكون النهي للقاتل، نهي أن يقتل من لا يجب له قتله، واعلم أن المقتول منصور دمه، وجاز إضمار القاتل في القراءتين، ولم يجز له ذكر، لأن الكلام دل عليه لذكر القتل، وحسن إضمار المقتول؛ لأن القتل دل عليه أيضًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/46]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {فَلَا تُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [آية/ 33] بالتاء:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه على خطاب المبتدئ بالقتل أو الولي، كأنه قال لا تُسرف أيها المبتدئ بالقتل أو يا أيها الولي، ومعنى قوله {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} أن المقتول ظلمًا كان منصورًا بأخذ القصاص له.
وقرأ الباقون {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} (بالياء).
والوجه أن الضمير يجوز أن يعود إلى القاتل ابتداءً، والتقدير: فلا يسرف القاتل في القتل، وجاز إسناد الفعل إليه وإن لم يَجْرِ له ذكرٌ؛ لأن الحال تدل عليه، وإسرافه أنه قاتلٌ ظلمًا، والضمير في {كَانَ مَنْصُورًا} يعود إلى من قُتل مظلومًا كما سبق.
ويجوز أن يكون الضمير في {يُسْرِفْ} عائدًا إلى الولي المذكور في قوله
[الموضح: 756]
{فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}، وإسرافه أنه يقتل غير من قتل أو يقتل أكثر من القاتل). [الموضح: 757]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس