عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 07:34 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال [تعالى {إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار} أي: يوم القيامة {والّذين كفروا يتمتّعون ويأكلون كما تأكل الأنعام} أي: في دنياهم، يتمتّعون بها ويأكلون منها كأكل الأنعام، خضما وقضمًا وليس لهم همّةٌ إلّا في ذلك. ولهذا ثبت في الصّحيح: "المؤمن يأكل في معيّ واحدٍ، والكافر يأكل في سبعة أمعاءٍ".
ثمّ قال: {والنّار مثوًى لهم} أي: يوم جزائهم). [تفسير ابن كثير: 7/ 311]

تفسير قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وكأيّن من قريةٍ هي أشدّ قوّةً من قريتك الّتي أخرجتك} يعني: مكّة، {أهلكناهم فلا ناصر لهم}، وهذا تهديدٌ شديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ لأهل مكّة، في تكذيبهم لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو سيّد المرسلين وخاتم الأنبياء، فإذا كان اللّه، عزّ وجلّ، قد أهلك الأمم الّذين كذّبوا الرّسل قبله بسببهم، وقد كانوا أشدّ قوّةً من هؤلاء، فماذا ظنّ هؤلاء أن يفعل اللّه بهم في الدّنيا والأخرى؟ فإن رفع عن كثيرٍ منهم العقوبة في الدّنيا لبركة وجود الرّسول نبيّ الرّحمة، فإنّ العذاب يوفر على الكافرين به في معادهم، {يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون} [هودٍ: 20].
وقوله: {من قريتك الّتي أخرجتك} أي: الّذين أخرجوك من بين أظهرهم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: ذكر أبي، عن محمّد بن عبد الأعلى، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حنش، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لـمّا خرج من مكّة إلى الغار أراه قال: التفت إلى مكّة -وقال: "أنت أحبّ بلاد اللّه إلى اللّه، وأنت أحبّ بلاد اللّه إليّ، ولو أنّ المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك". فأعدى الأعداء من عدا على اللّه في حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول الجاهليّة، فأنزل اللّه على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وكأيّن من قريةٍ هي أشدّ قوّةً من قريتك الّتي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم}). [تفسير ابن كثير: 7/ 311-312]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أفمن كان على بيّنةٍ من ربّه كمن زيّن له سوء عمله واتّبعوا أهواءهم (14) مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيّر طعمه وأنهارٌ من خمرٍ لذّةٍ للشّاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفًّى ولهم فيها من كلّ الثّمرات ومغفرةٌ من ربّهم كمن هو خالدٌ في النّار وسقوا ماءً حميمًا فقطّع أمعاءهم (15) }
يقول: {أفمن كان على بيّنةٍ من ربّه} أي: على بصيرةٍ ويقينٍ في أمر اللّه ودينه، بما أنزل اللّه في كتابه من الهدى والعلم، وبما جبله اللّه عليه من الفطرة المستقيمة، {كمن زيّن له سوء عمله واتّبعوا أهواءهم} أي: ليس هذا كهذا كقوله: {أفمن يعلم أنّما أنزل إليك من ربّك الحقّ كمن هو أعمى} [الرّعد: 19]، وكقوله: {لا يستوي أصحاب النّار وأصحاب الجنّة أصحاب الجنّة هم الفائزون} [الحشر: 20]). [تفسير ابن كثير: 7/ 312]

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون} قال عكرمة: {مثل الجنّة} أي: نعتها: {فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ} قال ابن عبّاسٍ، والحسن، وقتادة: يعني غير متغيّرٍ. وقال قتادة، والضّحّاك، وعطاءٌ الخراسانيّ: غير منتنٍ. والعرب تقول: أسن الماء، إذا تغيّر ريحه.
وفي حديثٍ مرفوعٍ أورده ابن أبي حاتمٍ: {غير آسنٍ} يعني: الصّافي الّذي لا كدر فيه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا وكيع، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروقٍ قال: قال عبد اللّه: أنهار الجنّة تفجّر من جبل من مسك.
{وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيّر طعمه} أي: بل في غاية البياض والحلاوة والدّسومة. وفي حديثٍ مرفوعٍ: "لم يخرج من ضروع الماشية".
{وأنهارٌ من خمرٍ لذّةٍ للشّاربين} أي: ليست كريهة الطّعم والرّائحة كخمر الدّنيا، بل [هي] حسنة المنظر والطّعم والرّائحة والفعل، {لا فيها غولٌ ولا هم عنها ينزفون} [الصّافّات: 47]، {لا يصدّعون عنها ولا ينزفون} [الواقعة: 19]، {بيضاء لذّةٍ للشّاربين} [الصّافّات: 46]، وفي حديثٍ مرفوعٍ: "لم تعصرها الرّجال بأقدامها".
[وقوله] {وأنهارٌ من عسلٍ مصفًّى} أي: وهو في غاية الصّفاء، وحسن اللّون والطّعم والرّيح، وفي حديثٍ مرفوعٍ: "لم يخرج من بطون النّحل".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا الجريري، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "في الجنّة بحر اللّبن، وبحر الماء، وبحر العسل، وبحر الخمر، ثمّ تشقّق الأنهار منها بعد".
ورواه التّرمذيّ في "صفة الجنّة"، عن محمّد بن بشار، عن يزيد بن هارون، عن سعيد بن إياسٍ الجريري، به وقال: حسنٌ صحيحٌ.
وقال أبو بكر بن مردويه حدّثنا أحمد بن محمّد بن عاصمٍ، حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن النّعمان، حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا الحارث بن عبيدٍ أبو قدامة الإياديّ، حدّثنا أبو عمران الجونيّ، عن أبي بكر بن عبد اللّه بن قيسٍ، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هذه الأنهار تشخب من جنّة عدنٍ في جوبة، ثمّ تصدّع بعد أنهارًا"
وفي الصّحيح: "إذا سألتم اللّه فاسألوه الفردوس، فإنّه أوسط الجنّة وأعلى الجنّة، ومنه تفجّر أنهار الجنّة، وفوقه عرش الرّحمن".
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزّبيريّ، وعبد اللّه بن الصفر السّكّريّ قالا حدّثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميّ، حدّثنا عبد الرّحمن بن المغيرة، حدّثني عبد الرّحمن بن عيّاشٍ، عن دلهم بن الأسود بن عبد اللّه بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيليّ، عن أبيه، عن عمّه لقيط بن عامرٍ، قال دلهمٌ: وحدّثنيه أيضًا أبو الأسود، عن عاصم بن لقيطٍ أنّ لقيط بن عامرٍ خرج وافدًا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول اللّه، فعلام نطّلع من الجنّة؟ قال: "على أنهار عسلٍ مصفًّى، وأنهارٍ من خمرٍ ما بها صداعٌ ولا ندامةٌ، وأنهارٍ من لبنٍ لم يتغيّر طعمه، وماءٍ غير آسنٍ، وفاكهةٍ، لعمر إلهك ما تعلمون وخيرٍ من مثله، وأزواج مطهرة" قلت: يا رسول الله، أو لنا فيها أزواجٌ مصلحاتٌ؟ قال: "الصّالحات للصّالحين تلذّونهنّ مثل لذّاتكم في الدّنيا ويلذّونكم، غير ألّا توالد".
وقال أبو بكرٍ عبد اللّه بن محمّد بن أبي الدّنيا: حدّثنا يعقوب بن عبيدة، عن يزيد بن هارون، أخبرني الجريريّ، عن معاوية بن قرّة، عن أبيه، عن أنس بن مالكٍ قال: لعلّكم تظنّون أنّ أنهار الجنّة تجري في أخدودٍ في الأرض، واللّه إنّها لتجري سائحةً على وجه الأرض، حافّاتها قباب اللّؤلؤ، وطينها المسك الأذفر.
وقد رواه أبو بكر ابن مردويه، من حديث مهديّ بن حكيمٍ، عن يزيد بن هارون، به مرفوعًا.
وقوله: {ولهم فيها من كلّ الثّمرات}، كقوله: {يدعون فيها بكلّ فاكهةٍ آمنين} [الدّخان: 55]. وقوله: {فيهما من كلّ فاكهةٍ زوجان} [الرّحمن: 52].
وقوله: {ومغفرةٌ من ربّهم} أي: مع ذلك كلّه.
وقوله: {كمن هو خالدٌ في النّار} أي: أهؤلاء الّذين ذكرنا منزلتهم من الجنّة كمن هو خالدٌ في النّار؟ ليس هؤلاء كهؤلاء، أي: ليس من هو في الدّرجات كمن هو في الدّركات، {وسقوا ماءً حميمًا} أي: حارًّا شديد الحرّ، لا يستطاع. {فقطّع أمعاءهم} أي: قطّع ما في بطونهم من الأمعاء والأحشاء، عياذًا بالله من ذلك). [تفسير ابن كثير: 7/ 312-314]


رد مع اقتباس