عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 04:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إنّ الّذين يكتمون} الآية، المراد بالذين أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، قال الطبري: «وقد روي أن معينين منهم سألهم قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عما في كتبهم من أمره فكتموا فنزلت»، وتتناول الآية بعد كل من كتم علما من دين الله يحتاج إلى بثه، وذلك مفسر في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار»، وهذا إذا كان لا يخاف ولا ضرر عليه في بثه.
وهذه الآية أراد أبو هريرة رضي الله عنه في قوله: «لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم حديثا»، وقد ترك أبو هريرة ذلك حين خاف فقال: «حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين: أما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم».
وهذه الآية أراد عثمان رضي الله عنه في قوله: «لأحدثنكم حديثا لولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه»، ومن روى في كلام عثمان «لولا أنه في كتاب الله» فالمعنى غير هذا.
{والبيّنات والهدى}: أمر محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يعم بعد كل ما يكتم من خير، وقرأ طلحة بن صرف «من بعد ما بينه» على الإفراد، وفي الكتاب يراد به التوراة والإنجيل بحكم سبب الآية وأنها في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ثم يدخل القرآن مع تعميم الآية، وقد تقدم معنى اللعنة.
واختلف في اللاعنين فقال قتادة والربيع: «الملائكة والمؤمنون»، وهذا ظاهر واضح جار على مقتضى الكلام، وقال مجاهد وعكرمة: «هم الحشرات والبهائم يصيبهم الجدب بذنوب علماء السوء الكاتمين فيلعنونهم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:«وذكروا بالواو والنون كمن يعقل لأنهم أسند إليهم فعل من يعقل، كما قال:{رأيتهم لي ساجدين}[يوسف: 4]»، وقال البراء بن عازب: «اللّاعنون كل المخلوقات ما عدا الثقلين الجن والإنس، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الكافر إذا ضرب في قبره فصاح سمعه الكل إلا الثقلين فلعنه كل سامع»، وقال ابن مسعود: «المراد بها ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن كل متلاعنين إن استحقا اللعنة وإلا انصرفت على اليهود»، وهذه الأقوال الثلاثة لا يقتضيها اللفظ ولا تثبت إلا بسند يقطع العذر). [المحرر الوجيز: 1/ 394-395]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم استثنى الله تعالى التائبين وقد تقدم معنى التوبة، {وأصلحوا}أي في أعمالهم وأقوالهم، {وبيّنوا} قال من فسر الآية على العموم: معناه بينوا توبتهم بمبرز العمل والبروع فيه، ومن فسرها على أنها في كاتمي أمر محمد قال: المعنى بينوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم فتجيء الآية فيمن أسلم من اليهود والنصارى، وقد تقدم معنى توبة الله على عبده وأنها رجوعه به عن المعصية إلى الطاعة). [المحرر الوجيز: 1/ 395]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله جلت قدرته: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين (161) خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (162) وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إله إلاّ هو الرّحمن الرّحيم (163) إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماءٍ فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّةٍ وتصريف الرّياح والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض لآياتٍ لقومٍ يعقلون (164)}
قوله تعالى: {إنّ الّذين كفروا} الآية، محكمة في الذين وافوا على كفرهم، واختلف في معنى قوله والنّاس أجمعين وهم لا يلعنون أنفسهم، فقال قتادة والربيع: «المراد ب النّاس المؤمنون خاصة»، وقال أبو العالية: «معنى ذلك في الآخرة»، وذلك أن الكفرة يلعنون أنفسهم يوم القيامة، وقالت فرقة: معنى ذلك أن الكفرة يقولون في الدنيا: لعن الله الكافرين، فيلعنون أنفسهم من حيث لا يشعرون، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: «والملائكة والناس أجمعون» بالرفع على تقدير أولئك يلعنهم الله، واللعنة في هذه الآية تقتضي العذاب، فلذلك قال خالدين فيها، والضمير عائد على اللعنة، وقيل على النار وإن كان لم يجر لها ذكر، لثبوتها في المعنى). [المحرر الوجيز: 1/ 396]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقالت فرقة: معنى ذلك أن الكفرة يقولون في الدنيا: لعن الله الكافرين، فيلعنون أنفسهم من حيث لا يشعرون، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: «والملائكة والناس أجمعون» بالرفع على تقدير أولئك يلعنهم الله، واللعنة في هذه الآية تقتضي العذاب، فلذلك قال خالدين فيها، والضمير عائد على اللعنة، وقيل على النار وإن كان لم يجر لها ذكر، لثبوتها في المعنى.
ثم أعلم تعالى برفع وجوه الرفق عنهم لأن العذاب إذا لم يخفف ولم يؤخر فهو النهاية، وينظرون معناه يؤخرون عن العذاب، ويحتمل أن يكون من النظر، نحو قوله تعالى: {ولا ينظر إليهم يوم القيامة} [آل عمران: 77]، والأول أظهر، لأن النظر بالعين إنما يعدى بإلى إلا شاذا في الشعر). [المحرر الوجيز: 1/ 396-397]


رد مع اقتباس