عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 05:57 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الفرقان

[ من الآية (17) إلى الآية (20) ]
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}


قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون اللّه فيقول (17)
قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب (ويوم يحشرهم.. فيقول) بالياء معًا، وكذلك روى عبيد وهارون عن أبي عمرو ومثل ابن كثير، وكذلك روى أبو زيد عن أبي عمرو، (ويوم يحشرهم وما يعبدون.. فيقول) كله بالياء.
وقرأ ابن عامر (ويوم نحشرهم... فنقول) بالنون.
وقرأ نافع وأبو عمرو في رواية اليزيدي وعبد الوارث، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي (ويوم نحشرهم) بالنون، (فيقول) بالياء.
[معاني القراءات وعللها: 2/214]
قال الأزهري: المعنى واحد في: (نحشرهم) و(يحشرهم) الله حاشرهم، وهو القائل لهم، لا شريك له، وكله جائز). [معاني القراءات وعللها: 2/215]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {ويوم يحشرهم وما يعبدون} [17].
قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم بالياء كليهما، أي: قل يا محمد: ويوم يحشرهم الله ويحشر الذي يعبدون، يعنى: الأصنام. قيل: حشرها: فناؤها. وقيل: يحشرها كما يحشر كل شيء ليبكت بها من جعلهاإلها من دون الله. فأما قوله: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} فإن جماعة من المنافقين والكفار خاصموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد ذكرت أن الله قد أنزل عليكم: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} وقد عبد قوم عيسى وعزيزًا فأنزل الله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} فهذا في التفسير. وقال أهل النحو: هذا السؤال لا يلزم؛ لأن الله تعالى قال: {وما تعبدون} و«ما» لغير الإنس. ولو دخل عيسى وعزير فيمن عبد في هذه الآية لقيل: إنكم ومن تعبدون؛ لأن «من» للإنس خاصة.
وبلغ الفرزدق أن جريرً قال:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/117]
يا حبذا جبل الريان من جبل = وحبذا ساكن الريان من كانا
فقال الفرزدق: لو كانوا قرودًا؟
فقال جرير: أخطا، ولو كانوا قرودًا لقلت: «ما»، و«إنما» قلت: «من».
وقرأ الباقون: {ويوم نحشرهم} بالنون، الله تعالى يخبر عن نفسه. {وما يعبدون} بالياء مثل الأولين.
وقرأ ابن عامر: {ويوم نحشرهم ........ فنقول} بالنون أيضًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/118]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله تعالى: ويوم يحشرهم وما يعبدون فيقول [الفرقان/ 17]، فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص:
ويوم يحشرهم وما يعبدون فيقول بالياء جميعا. وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر: (ويوم نحشرهم) بالنون، فيقول بالياء. قال أبو بكر: ليس عندي عن أبي بكر عن عاصم في قوله فيقول شيء، وقال بعض أصحابه: روى الأعشى عن أبي بكر: فيقول بالياء وروى عباس، وعبيد بن عقيل عن هارون عن أبي عمرو [وعبيد عن أبى عمرو]. وأبو زيد والخفاف عن أبي
[الحجة للقراء السبعة: 5/337]
عمرو ويوم يحشرهم فيقول مثل ابن كثير بالياء، وقرأ ابن عامر: (ويوم نحشرهم) فيقول بالنون جميعا.
قال أبو علي: حجّة من قرأ بالياء: قوله تعالى: كان على ربك وعدا [الفرقان/ 16] ويوم يحشرهم... فيقول [الفرقان/ 17]، ويقوي ذلك قوله: عبادي. ومن قرأ: (ويوم نحشرهم) فيقول فإنّه على أنّه أفرد بعد أن جمع، كما أفرد بعد الجمع في قوله تعالى: وآتينا موسى الكتاب... أن لا تتخذوا من دوني [الإسراء/ 2] وقراءة ابن عامر: (ويوم نحشرهم فنقول) حسن لإجرائه المعطوف مجرى المعطوف عليه في لفظ الجمع، وقد قال: (ويوم نحشرهم جميعا، ثم نقول للملائكة) [سبأ/ 40]، ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا [الأنعام/ 22]، وحشرناهم فلم نغادر [الكهف/ 47] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/338]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج: [نَحْشِرُهُمْ]، بكسر الشين.
قال أبو الفتح: هذا وإن كان قليلا في الاستعمال فإنه قوي في القياس، وذلك أن "يَفْعِل" في المتعدي أقيس من "يَفْعُل"، فضرَب يضرِب إذًا أقيسُ من قتَل يقتُل؛ وذلك أن "يَفْعُل" إنما بابها الأقيس أن تأتي في مضارع فَعُلَ، كظرُف يظرُف، وكرُم، يكرُم، ثم نقلت إلى مضارع فعَل، نحو يقتُل ويدخُل؛ لتخالف حركة العين في المضارع حركتها في الماضي؛ إذ كان مبني الأفعال على اختلاف مُثُلِهَا، من حيث كان ذلك دليلا على اختلاف أزمنتها، فكلما خالف الماضي المضارع كان أقيس، وباب فَعَلَ إنما هو يَفْعُل، كما أن باب فَعِلَ إنما هو يَفْعَل. فكما انقاد عَلِمَ يَعْلَم فكذلك كان يجب أن ينقاد باب ضَرَبَ يضرِب.
فأما يفعُل فبابه -على ما تقدم- فعُل، كشرُف يشرُف. وباب فعُل غيرُ متعدٍ، فالأشبه ما أُخْرِجَ إليه من باب فَعَلَ أن يكون مما ليس متعديا كقَعَدَ يقعُد، فكما أن ضرَب يضرِب أقيسُ من قتَل يقتُل فكذلك قعَد يقعُد أقيسُ من جلَس يجلِس وقد شرَحْنا هذا في كتابنا الموسوم بالمنصف). [المحتسب: 2/119]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء} 17
قرأ ابن كثير وحفص {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول} بالياء جميعًا
[حجة القراءات: 508]
وقرأ ابن عامر جميعًا بالنّون وقرأ الباقون {نحشرهم} بالنّون {فيقول} بالياء
حجّة من قرأ جميعًا بالياء قوله قبلها {كان على ربك وعدا مسؤولا ويوم يحشرهم} أي ويوم يحشرهم ربك فيقول ويقوّي ذلك ما بعده {أضللتم عبادي} ولم يقل عبادنا
وحجّة من قرأ نحشرهم بالنّون {فيقول} بالياء فإنّه على أنه أفرد بعد الجمع مثل قوله {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتّخذوا من دوني وكيلا} وحجّة من قرأ {نحشرهم} بالنّون فالله أخبر عن نفسه أي نحن نحشرهم ثمّ عطف عليه (فنقول) بلفظ الجمع وحجته قوله في الأنعام (ويوم نحشرهم جميعًا ثمّ نقول للملائكة) وكما قال {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا} ). [حجة القراءات: 509]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {فيقول} قرأه ابن عامر بالنون، حمله على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه، كما قال بعد ذلك: {أضللتم عبادي} فأضاف «العبد» إلى نفسه، كذلك أضاف «القول» إلى نفسه، ويقوي ذلك أيضًا أنه حمله على {يحشرهم} لأنه قرأه بالنون، فحمل الفعلين على لفظ واحد، وقرأ الباقون
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/144]
بالياء، ردوه على لفظ الغيبة والإخبار عن الله جل ذكره في قوله: {من دون الله} وهو الاختيار، ويقوي ذلك أن قبله: {كان على ربك وعدًا مسؤولا} «16» فجرى {فيقول} على ذلك، أي: فيقول ربك، ويقوي ذلك أيضًا أن قبله: {ويوم يحشرهم} بالياء، في قراءة ابن كثير وحفص، رداه على ما قبله من لفظ الغيبة، ولأن بعده {فيقول} بالياء في قراءة أكثر القراء إلا ابن عامر، فحمل الفعلين على لفظ واحد، وقد ذكرنا {ضيقا} في النحل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/145]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ}، {فَيَقُولُ} [آية/ 17] بالياء فيهما:
قرأها ابن كثير وعاصم ص- ويعقوب.
والوجه أن الضمير يعود إلى الرب في قوله تعالى {كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا} فأفرد الضمير فيهما جميعًا حملًا على لفظ الرب الذي تقدم ذكره.
وقرأ ابن عامر {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ}، {فَنَقُولُ} بالنون فيها.
والوجه أنه على الإخبار عن النفس الوارد على لفظ الجمع المعبر عن
[الموضح: 926]
التعظيم، وهو في المعنى كالقراءة الأولى؛ لأن الحاشر والقائل هو الله سبحانه وتعالى.
وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم ياش- {نَحْشُرُهُمْ} بالنون و{يَقُولُ} بالياء.
والوجه أنهم أوردوا {نَحْشُرُهُمْ} على لفظ الجمع و{يَقُولُ} على لفظ الإفراد، والمعنى فيهما واحدٌ أخذًا بالوجهين.
ويجوز أن يكون إفرادهم الضمير في القول لأجل أن ما يتصل به مما بعده جاء على لفظ الإفراد، وهو قوله تعالى {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي}؟ فاختاروا لفظ الإفراد في "يقول" إرادة التناسب.
وأما {نَحْشُرُهُمْ} فإنه منقطع عما قبله، وهو وما قبله كلامان، فيحسن أن يرد أحدهما بلفظ الإفراد، والآخر بلفظ الجمع). [الموضح: 927]

قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة زيد بن ثابت وأبي الدرداء وأبي جعفر ومجاهد -بخلاف- ونصر بن علقمة ومكحول وزيد بن علي وأبي رجاء والحسن -واختلف عنهما- وحفص بن حميد وأبي عبد الله محمد بن علي: [نُتَّخَذَ]، بضم النون.
[المحتسب: 2/119]
قال أبو الفتح: أما إذا ضمت النون فإن قوله: [مِن أَولياء] في موضع الحال، أي: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء، ودخلت "من" زائدة لمكان النفي، كقولك: اتخذت زيدا وكيلا، فإن نفيت قلت: ما اتخذت زيدا من وكيل. وكذلك أعطيته درهما، وما أعطيته من درهم، وهذا في المفعول.
وأما في قراءة الجماعة: {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} فإن قوله {مِنْ أَوْلِيَاءَ} في موضع المفعول به، أي: أولياء. فهو كقولك: ضربت رجلا، فإن نفيت قلت: ما ضربت من رجل.
وقوله: {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ} أي: لسنا ندعي استحقاق الولاء ولا العبادة لنا). [المحتسب: 2/120]

قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فقد كذّبوكم بما يقولون فما يستطيعون)
قرأ حفص وحده (فقد كذّبوكم بما تقولون فما تستطيعون) بالتاء فيهما. وقرأ الباقون (بما تقولون) بالتاء، (فما يستطيعون) بالياء.
قال أدو منصور: أما قراءة حفص (فقد كذّبوكم بما تقولون فما تستطيعون)
فمعناه: فقد كذبكم المعبودات من دونه.
(بما تقولون) أي بقولكم إنها شركاء الله، أقيمت (ما) مقام المصدر مع الفعل. ومن قرأ (بما يقولون) فالمعنى: فقد كذبكم معبوداتكم (بما يقولون) أي: بقولهم: (سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء).
ومن قرأ (فما تستطيعون)، أي: فما تستطيعون يا عبدة الأوثان صرفًا، أي صرفًا لعذاب الله.
ومن قرأ بالياء فالمعنى أن الآلهة لا يستطيعون صرفًا لعذاب الله عنكم ولا نصرًا لكم). [معاني القراءات وعللها: 2/215]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ عاصم في رواية حفص: فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون [الفرقان/ 19] بالتاء جميعا. [ابن سعدان عن محمد بن يحيى عن أبي بكر عن عاصم (يقولون) بالياء]. الباقون وأبو بكر عن عاصم: فقد كذبوكم بما تقولون بالتاء، (فما يستطيعون) بالياء. وقال لي قنبل عن ابن أبي بزة عن ابن كثير بالياء جميعا، (يقولون، فما يستطيعون).
[قال أبو علي]: فقد كذبوكم بما تقولون [الفرقان/ 19] أي: كذبوكم بقولهم، وقولهم هو نحو ما قالوه من قولهم: وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون [يونس/ 28]، وقوله: فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون [النحل/ 86]، وكذلك الملائكة كذبوهم في قولهم في ما ادّعوا من عبادتهم لهم في قوله:
ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن [سبأ/ 40/ 41]. ففي قولهم: أنت ولينا من دونهم دلالة على
[الحجة للقراء السبعة: 5/339]
أنّهم لم يعبدوهم، لأنّهم لو عبدوهم ورضوا بذلك لم يكن الله وليّا لهم. وقوله: فاليوم لا يملك بعضهم لبعض نفعا ولا ضرا [سبأ/ 42] مثل قوله: (فما يستطيعون صرفا ولا نصرا) [الفرقان/ 19] أي: لا يملكون أن يدفعوا العذاب عنهم وينصروهم من بأس الله.
فالمعنى في من قرأ بالتاء: فقد كذّبوكم بما كنتم تعبدون بقولهم: فما تستطيعون أنتم أيها المتّخذون الشّركاء من دونه صرفا ولا نصرا، أي: لا تستطيعون صرفا لعذاب الله ولا نصرا منه لأنفسكم، ومن قرأ: (يستطيعون) كان على الشّركاء، أي: فما يستطيع الشّركاء صرفا ولا نصرا لكم، وليس بالحسن أن تجعل (يستطيعون) للمتّخذين الشركاء على الانصراف من الخطاب إلى الغيبة، لأنّ قبله خطابا، وبعده خطابا، وذلك قوله تعالى: ومن يظلم منكم نذقه [الفرقان/ 19].
ومن قرأ بالتاء تقولون: فالمعنى: كذّبوكم في قولكم: إنّهم شركاء وإنّهم آلهة وذلك في قولهم، تبرأنا إليك، ما كانوا إيانا يعبدون [القصص/ 63] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/340]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا}
قرأ ابن كثير في رواية قنبل (فقد كذبوكم بما يقولون) بالياء أي كذبوكم بقولهم وقولهم {سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء} وقولهم أيضا {سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء} وقولهم أيضا {سبحانك أنت ولينا من دونهم} ففي قوله {أنت ولينا من دونهم} دلالة على أنهم لم
[حجة القراءات: 509]
يعبدوهم لأنهم لو عبدوهم ورضوا بذلك لم يكن الله وليا لهم من دونهم وقرأ (فما يستطيعون) بالياء أي فما يستطيع الملائكة لهم صرفا ولا نصرا
وقرأ حفص {فقد كذبوكم بما تقولون} بالتّاء أي فقد كذبتكم الملائكة بما تقولون أي في قولكم إنّهم آلهة وقرأ {فما تستطيعون} بالياء أي فما يستطيع الشّركاء صرفا ولا نصرا لكم). [حجة القراءات: 510]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {فما تستطيعون} قرأه حفص بالتاء، على الخطاب للمشركين، ردًا على قوله: {فقد كذبوكم}، أي: فقد كذبتم الآلهة فيما تقولون فما تستطيعون لأنفسكم صرفًا ولا نصرًا، أي: صرفًا للعذاب ولا نصرًا مما نزل بكم من العقاب، وقرأ الباقون بالياء، ردوه على الإخبار عن المعبودين من دون الله، أي: قد كذبكم من عبدتم فما يستطيعون صرفًا عنكم العذاب ولا نصرًا لكم، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه، وأخبروا عن الآلهة بالواو والنون في {يستطيعون} لأنها كانت عندهم ممن يعقل ويفهم، ولذلك عبدوها، ويجوز أن تكون الملائكة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/145]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا يَقُولُونَ فَمَا يَسْتَطِيعُونَ} [آية/ 19] بالياء فيهما:
رواها ل- عن ابن كثير.
والوجه أن الفعل للشركاء، والمعنى: كذبكم شركاؤكم الذين كنتم تعبدونهم بما يقولون أي بقولهم، وما مصدرية، وقولهم هو الذي أجابوا به الكفار وهو {مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ}، وقوله {فَمَا يَسْتَطِيعُونَ}، أي فما يستطيع الشركاء المعبودون صرفًا لعذاب الله ولا نصرًا لكم.
وقرأ الباقون و-ياش- عن عاصم {بِمَا تَقُولُونَ} بالتاء {فَمَا يَسْتَطِيعُونَ} بالياء.
والوجه في المعنى كذبوكم بقولكم أي في قولكم إنهم شركاء، وإنهم آلهةٌ، وقيل: في قولكم ربنا هؤلاء أضلونا.
وقوله {فَمَا يَسْتَطِيعُونَ} إخبارٌ عن المعبودين على ما سبق.
وروى ص- عن عاصم {بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ} بالتاء فيهما.
والوجه أن المعنى فقد كذبكم الشركاء فيما تقولونه أنتم أيها العابدون من أنهم شركاء وآلهةٌ على ما سبق بيانه.
ومعنى {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ}: فما تقدرون أنتم أيها العابدون على صرف عذاب الله ولا نصر أنفسكم). [الموضح: 928]

قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي عليه السلام وعبد الرحمن بن عبد الله: [وَيُمْشَّونَ فِي الْأَسْوَاق]، بضم الياء، وفتح الشين مشددة.
قال أبو الفتح: [يُمشَّون] كقولك: يدعون إلى المشي، ويحملهم حامل إلى المشي، وجاء على فُعَّل لتكثير فعلهم، إذ هم "عليهم السلام" جماعة، ولو كانت [يُمشُّون] بضم الشين لكانت أوفق لقوله تعالى: {لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام}، إلا أن معناه يكثرون المشي كما قال:
يُمَشِّي بَيْنَنا حانُوتُ خَمْر ... منَ الخُرْسِ الصَّراصِرَةِ القطاط). [المحتسب: 2/120]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس