عرض مشاركة واحدة
  #36  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:21 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (124) إلى الآية (126) ]
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}

قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -: (إبراهيم... (124)
[معاني القراءات وعللها: 1/174]
قرأ ابن عامر وحده: (إبراهام) بالألف في سورة البقرة، وفي سورة آل عمران بالياء، وفي سورة النساء بألف إلا قوله: (فقد آتينا آل إبراهيم)، وفي الأنعام بالياء، إلا قوله: (ملّة إبراهام) وفي سورة التوبة بالألف إلا موضعا واحدا قوله: (وقوم إبراهيم)، وفي سورة هود بالياء، وفي سورة يوسف بالياء، وفي سورة إبراهيم بالياء إلا موضعا: (إذ قال إبراهام)، وليس في كلام العرب (إفعالال).
وقرأ الباقون بالياء في جميع القرآن.
[معاني القراءات وعللها: 1/175]
قال أبو منصور: القراءة بالياء لتتابع القراءة عليه، ومن قرأ: (إبراهام) فهي لغة عبرانية تركت على حالها ولم تعرب). [معاني القراءات وعللها: 1/176]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا ينال عهدي الظّالمون (124).
قرأ حمزة وحفص عن عاصم: (عهدي الظّالمين) بإرسال الياء). [معاني القراءات وعللها: 1/176]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: إبراهيم [124] في الألف والياء.
فقرأ ابن عامر في جميع سورة البقرة بغير ياء وطلب الألف إبراهام.
وقراءة القرّاء في كل مصر غير ابن عامر إبراهيم بالياء.
وقراءة ابن عامر: إبراهام بألف بعد الهاء وقال الأخفش الدمشقي عن ابن ذكوان عن ابن عامر: إبراهام بألف بعد الهاء.
قال أبو عليّ: مما يثبت قراءة ابن عامر قول أمية:
مع إبراهم التّقيّ وموسى... وابن يعقوب عصمة في الهزال
[الحجة للقراء السبعة: 2/226]
فهذا كأنه إبراهام، إلّا أنه حذف الألف، كما يقصر الممدود في الشعر. وأنشدوا:
عذت بما عاذ به إبراهم وقيل: إنهم كتبوا ما في البقرة بغير ياء، فهذا يدل على أنه إبراهام، وحذفت الألف من الخطّ، كما حذفت من دراهم، ونحو ذلك، فيشبه أنّه قرأ إبراهام وما ثبت فيه مما يدلك على ذلك. وقد روي أنّه سمع ابن الزبير يقرأ: صحف إبراهام [الأعلى/ 19] بألف). [الحجة للقراء السبعة: 2/227]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال لا ينال عهدي الظّالمين}
قرأ حمزة وحفص {لا ينال عهدي الظّالمين} بإرسال الياء وقرأ الباقون بفتح الياء وحجتهم في ذلك أن لو لم تتحرك الياء ذهبت في الوصل فلم يكن لها أثر على اللّسان فحركوهها ليعلم أن في الحرف ياء فإذا ظهر على اللّسان أرسلوها فقالوا {وطهر بيتي للطائفين} ). [حجة القراءات: 112]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45- {إبْراهام} بالألف {آية/ 124]:-
قرأها ابن عامر في جميع سورة البقرة، وكذلك في سورة النساء إلا قوله
[الموضح: 299]
{فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ}، وفي الأنعام {مِلّة إبراهام} والباقي بالياء، وفي التوبة {وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ} بالياء، والباقي بالألف، وفي إبراهيم واحد بالألف، وفي النحل ما فيها جميعًا بالألف، وفي مريم كله بالألف، وفي العنكبوت واحد بالألف {ولَمّا جاءَتْ رُسُلُنا إبراهام} والباقي بالياء، وفي عسق واحد بالألف، وفي المفصل كله إبراهام بالألف إلا حرفين فإنهما بالياء، أحدهما في الممتحنة {إلا قَوْل إبراهيم} والآخر في الأعلى {صُحُفِ إبراهيم}، وباقي القرآن {إبراهيم} بالياء.
والوجه أن إبراهيم اسم عجمي فيه لغات للعرب؛ لأن العرب إذا تكلمت
[الموضح: 300]
بالأعجمية تلاعبت بها، فيجوز فيه إبراهام وإبراهيم وإبراهم وإبرهم، ولا يمتنع أن يجوز فيه أكثر من ذلك لما ذكرنا من اضطراب العرب في التكلم بالأعجمي والتفنن فيه.
وقيل إن معنى إبراهيم بالسريانية: أب رحيم). [الموضح: 301]

قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى... (125).
قرأ نافع وابن عامر: (واتّخذوا) على الخبر، بفتح الخاء.
وقرأ الباقون بكسر الخاء على الأمر.
وكل ذلك جائز.
وروي عن عمر أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم – وقد وقفا على مقام إبراهيم: أليس هذا مقام خليل الله؟ أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله: (واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى) فكان الأمر على هذا الخبر أبين وأحسن.
وليس يمتنع قراءة من قرأ: (واتّخذوا)؛ لأن الناس اتخذوه، وقال الله جل وعزّ: (وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس) ثم قال: (واتّخذوا) فعطف بجملة على جملة). [معاني القراءات وعللها: 1/174]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -: (بيتي للطّائفين... (125).
[معاني القراءات وعللها: 1/176]
حرك الياء من (بيتي) نافع وحفص، وأسكنها الباقون.
وقال الزجاج: أجود اللغتين في قوله: (نعمتي التي) فتح الياء؛ لأن الذي بعدها ساكن وهو لام المعرفة، واستعمالها كثير في الكلام، فاختير فتح الياء معهما لالتقاء الساكنين ولأن الياء لو لم يكن بعدها ساكن كان فتحها أصوب في اللغة.
قال: ويجوز أن تحذف الياء في اللفظ لالتقاء الساكنين فيقرأ: (نعمت الّتي) بغير إثبات الياء.
قال: والاختيار إثبات: الياء وفتحها لأنه أقوى في العربية، وأجزل في اللفظ، وأتم للثواب). [معاني القراءات وعللها: 1/177]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الخاء وكسرها من قوله عز وجل: واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى [البقرة/ 125].
فقرأ نافع وابن عامر: واتّخذوا مفتوحة الخاء على الخبر.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ:
واتّخذوا مكسورة الخاء.
قال أبو علي: وجه قراءة من قرأ: واتّخذوا أنه معطوف على ما أضيف إليه، إذ كأنه: «وإذ اتّخذوا»، ومما يؤكد الفتح في الخاء أن الذي بعده خبر، وهو قوله: وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل [البقرة/ 125].
ومن قرأ: واتّخذوا بالكسر، فلأنهم ذهبوا إلى أثر جاء فيه،
روي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أخذ بيد عمر، [رحمه الله]، فلما أتى على المقام قال عمر: أهذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: نعم.
قال عمر: أفلا نتّخذه مصلّى؟ فأنزل الله عز وجل: واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى.
فهذا تقديره: افعلوا. والأمر- إذا ثبت هذا الخبر- آكد، لأنه يتحقق به اللزوم، وإذا أخبر ولم يقع الأمر به فقد يجوز أن لا يلزم المخاطبين بذلك الفرض، لأنه
[الحجة للقراء السبعة: 2/220]
قد يجوز أن يكون ناس اتخذوه فلا يلزم غيرهم). [الحجة للقراء السبعة: 2/221]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذ جعلنا البيت مثابة للنّاس وأمنا واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى}
[حجة القراءات: 112]
قرأ ابن عامر ونافع {واتّخذوا من مقام إبراهيم} بفتح الخاء وحجتهما أن هذا إخبار عن ولد إبراهيم صلى الله عليهم أنهم أتخذوا مقام إبراهيم مصلى وهو مردود إلى قوله {وإذ جعلنا البيت مثابة للنّاس وأمنا واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى}
وقرأ الباقون {واتّخذوا} بكسر الخاء وحجتهم في ذلك ما روي في التّفسير أن النّبي صلى الله عليه أخذ بيد عمر فلمّا أتى على المقام قال له عمر هذا مقام أبينا إبراهيم صلى الله عليه قال
نعم قال أفلا نتخذه مصلى فأنزل الله جلّ وعز {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى} يقول وافعلوا
قرأ ابن عامر (إبراهام) بألف كل ما في سورة البقرة وفي النّساء بعد المئة وفي الأنعام حرفا واحدًا (ملّة إبراهام) وفي التّوبة بعد المئة (إبراهام) وفي سورة إبراهيم (إبراهام) وفي النّحل ومريم كلها (إبراهام) وفي العنكبوت الثّاني (إبراهام) وعسق (إبراهام) وفي سور المفصل كلها (إبراهام) إلّا في سورة المودّة {إلّا قول إبراهيم} بالياء وفي سبح {صحف إبراهيم}
[حجة القراءات: 113]
وما بقي في جميع القرآن بالياء وحجته في ذلك أن كل ما وجده بألف قرأ بألف وما وجده بالياء قرأ بالياء اتّباع المصاحف
واعلم أن إبراهيم اسم أعجمي دخل في كلام العرب والعرب إذا أعربت اسما أعجميا تكلّمت فيه بلغات فمنهم من يقول إبراهام ومنهم من يقول أبرهم قال الشّاعر
نحن آل الله في بلدته ... لم يزل ذاك على عهد ابرهم). [حجة القراءات: 114]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (68- قوله: {إبراهيم} قرأه هشام بألف في موضع الياء في ثلاثة وثلاثين موضعًا في البقرة خمسة عشر موضعًا، وقد ذكرنا مواضع الباقي منها في الكتاب الأول، وروي عن ابن ذكوان أنه قرأ في البقرة خاصة بألف، وبالوجهين قرأت، وقرأ باقي القراء، في ذلك كله، بالياء، وهو الاختيار، اتباعًا للمصحف، ولأن عليه لغة العامة، وعليه الجماعة، والألف لغة شامية قليلة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/263]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (69- {واتخذوا من} قرأه نافع وابن عامر بفتح الخاء، على الخبر، عمن كان قبلنا من المؤمنين، أنهم اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، فهو مردود على ما قبله من الخبر وما بعده، والتقدير: واذكر يا محمد إذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا، واذكر إذ اتخذ الناس من مقام إبراهيم مصلى، واذكر إذ عهدنا إلى إبراهيم فكله خبر، فيه معنى التنبيه والتذكير لما كان، فحمل على ما قبله وما بعده، ليتفق الكلام ويتطابق، فـ «إذ» محذوفة مع كل خبر؛ لدلالة «إذ» الأولى الظاهرة على ذلك، وقرأ باقي القراء بكسر الخاء على الأمر، بأن يتخذ من مقام إبراهيم مصلى، وبذلك أتت الروايات على النبي عليه السلام وروي أن النبي عليه السلام أخذ بيد عمر رضي الله عنه فلما أتيا المقام قال عمر: هذا مقام أبينا إبراهيم؟ فقال النبي: نعم. فقال عمر: أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله جل ذكره: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} على الأمر بذلك، أي افعلوه وروي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/263]
مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي عليه السلام أتى مقام إبراهيم، فسبقه إليه عمر، فقال عمر: يا رسول الله، هذا مقام أبيك إبراهيم الذي قال الله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}؟ قال النبي: نعم هذا مقام أبينا إبراهيم الذي قال الله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}، فسُئل مالك أهكذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: واتخذوا، قال: نعم، يعني بكسر الخاء، على الأمر، وروى أبو عبيد عن جابر بن عبد الله أن النبي عليه السلام استلم الحجر، ورمل ثلاثة أشواط، ومشى أربعة حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين، وقرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}، وقال أبو عبيد: فلا أعلمه قرأها في حديثه، إلا بكسر الخاء، وكسر الخاء على الأمر هو الاختيار، لما ذكرنا عن النبي عليه السلام في ذلك، ولأن عليه جماعة القراء، وهو اختيار أبي عبيد وابي حاتم وغيرهما، وهي قراءة العامة في أكثر الأمصار، وأسند القراءة بها أبو حاتم إلى النبي عليه السلام وإلى عمر، وبذلك قرأ أبو جعفر يزيد وعطاء وابن محيصن وشبل والأعرج وطلحة والأعمش والجحدري وابن وثاب وأصحاب ابن مسعود). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/264]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (44- {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [آية/ 125]:-
بفتح الخاء، قرأها نافع وابن عامر.
ووجه ذلك أنه معطوف على قوله تعالى {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ}، وهو خبر، ويقويه أن ما بعده أيضًا خبر، وهو قوله تعالى
[الموضح: 298]
{وَعَهِدْنا}، فلما وقع بين خبرين كان الأحسن عندهما فيه أن يكون خبرًا.
وقرأ الباقون {وَاتّخِذُوا} بكسر الخاء على الأمر؛ لما جاء في الأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عمر، فلما أتيا على المقام، قال عمر: أهذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم، قال عمر: أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}). [الموضح: 299]

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأمتّعه قليلًا... (126).
قرأ ابن عامر وحده: (فأمتعه) بالتخفيف، من (أمتعت).
وقرأ الباقون: (فأمتّعه) مشددًا، من (متّعت).
وهما لغتان جيدتان: أمتعت، ومتّعت بمعنى واحدٍ. ومعنى: فأمتعه
[معاني القراءات وعللها: 1/177]
قليلًا: أملي به المدة إملاءً قليلا.
وعلة الرفع في قوله (فأمتعة) أن الفاء جواب للمجازاة في قوله: (ومن كفر)، وإذا كانت الفاء هي الجواب رفع ما بعدها). [معاني القراءات وعللها: 1/178]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تسكين الميم وكسر التاء وتحريك الميم وتشديد التاء في قوله تعالى: فأمتّعه قليلًا [البقرة/ 126].
فقرأ ابن عامر وحده: فأمتّعه قليلًا خفيفة من أمتعت.
وقرأ الباقون فأمتّعه مشددة التاء من متّعت.
قال أبو علي: التشديد أولى لأن التنزيل عليه، قال تعالى: فقال تمتّعوا في داركم [هود/ 65] فتمتّع مطاوع متّع، وعامّة ما في التنزيل على التثقيل.
قال جلّ اسمه: يمتّعكم متاعاً حسناً [هود/ 3].
كمن متّعناه متاع الحياة الدّنيا [القصص/ 61]. ومتّعناهم إلى حينٍ [يونس/ 98].
فكما أن هذه الألفاظ على متّع دون أمتع، فكذلك الأولى بالمختلف فيه أن يكون على متّع دون أمتع.
ووجه قراءة ابن عامر: أنّ أمتع لغة، وأن فعّل قد يجري في هذا النحو مجرى أفعل، نحو: فرّحته وأفرحته، ونزّلته وأنزلته. وزعموا أنّ في حرف عبد الله: ونزّل الملائكة تنزيلًا [الفرقان/ 25] وأنشدوا للراعي:
خليلين من شعبين شتّى تجاورا... قديماً وكانا بالتفرّق أمتعا
[الحجة للقراء السبعة: 2/221]
قال الأصمعي: ليس من أحد يفارق صاحبه إلا أمتعه بشيء يذكره به. قال: فكان ما أمتع كل واحد من هذين صاحبه أن فارقه.
وقال أبو زيد: أمتعا أراد تمتّعاً. ويقال: متع النهار إذا ارتفع.
فأمّا قليلًا من قوله سبحانه: فأمتّعه قليلًا [البقرة/ 126] فيحتمل ضربين: يجوز أن يكون قليلًا صفة للمصدر، ويجوز أن يكون صفة للزمان.
فالدّلالة على جواز كونه صفة للمصدر قوله تعالى: يمتّعكم متاعاً حسناً [هود/ 3] فوصف المصدر به. قال سيبويه: ترى الرجل يعالج شيئاً فتقول: رويداً، أي: علاجاً رويداً. فإن قلت: فكيف يحسن أن يكون صفة للمصدر، وفعّل يدل على التكثير، فكيف يستقيم وصف الكثير بالقليل في قوله: فأمتّعه قليلًا، وهلّا كان قول ابن عامر أرجح، لأن هذا السؤال لا يعترض عليه فيه. فالقول: إن ما ذكرت لا يدل على ترجيح قراءته، وإنما وصفه الله تعالى بالقليل من حيث كان إلى نفاد ونقص وتناه، ألا ترى قوله جل وعز: قل متاع الدّنيا قليلٌ [النساء/ 76] فعلى هذا النحو وصف المتاع في قوله: فأمتّعه قليلًا.
[الحجة للقراء السبعة: 2/222]
وأمّا جواز كون قليل صفة للزمان فيدل عليه قوله تعالى: قال عمّا قليلٍ ليصبحنّ نادمين [المؤمنون/ 40]؛ فتقدير هذا: ليصبحنّ نادمين بعد زمان قليل، كما قال: عرق عن الحمّى، وأطعمه عن الجوع، أي: بعد جوع، وبعد الحمّى). [الحجة للقراء السبعة: 2/223]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس فيما رواه سليمان بن أرقم عن أبي يزيد المدني عن ابن عباس: [فَأَمْتِعْهُ قَلِيلًا ثُمَّ اضْطَّرَّهُ]، على الدعاء من إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
قال أبو الفتح: أما على قراءة الجماعة: {فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} فإن الفاعل في "قال" هو اسم الله تعالى؛ أي: لما قال إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} قال الله: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ} .
وأما على قراءة ابن عباس: [فَأَمْتِعْهُ قَلِيلًا ثُمَّ اضْطَّرَّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ] فيحتمل أمرين:
[المحتسب: 1/104]
أحدهما: وهو الظاهر، أن يكون الفاعل في "قال" ضمير إبراهيم عليه السلام؛ أي: قال إبراهيم أيضًا: ومن كفر فأَمْتِعه يارب ثم اضطرَّه يا رب.
وحَسُنَ على هذا إعادة "قال" لأمرين:
أحدهما: طول الكلام، فلما تباعد آخره من أوله أُعيدت "قال" لبُعْدِها، كما قد يجوز مع طول الكلام ما لا يحوز مع قصره.
والآخر: أنه انتقل من الدعاء لقوم إلى الدعاء على آخرين، فكأن ذلك أَخْذٌ في كلام آخر، فاستؤنف معه لفظ القول، فجرى ذلك مجرى استئناف التصريع في القصيدة إذا خرج من معنى إلى معنى؛ ولهذا ما يقول الشاعر في نحو ذلك:
فدع ذا ولكن هل ترى ضوء بارق
ويقول:
دع ذا وبهج حَسَبا مُبهَّجا
فإذا جاز أن يصُرِّع وهو في أثناء المعنى الواحد نحو قوله:
ألا نادِ في آثارهن الغوانيا ... سُقين سِمَامًا ما لهن وما ليا
كان التصريع مع الانتقال من حال إلى حال أحرى بالجواز، فهذا أحد الوجهين.
وأما الآخر: فهو أن يكون الفاعل في "قال" ضمير اسم الله تعالى؛ أي: فأَمْتِعه يا خالق، أو فأمتعه يا قادر أو يا مالك أويا إله، يخاطب بذلك نفسه -عز وجل- فجرى هذا على ما تعتاده العرب من أمر الإنسان لنفسه؛ كقراءة من قرأ: [قَالَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] أي: اعلم يا إنسان، وكقول الأعشى:
وهل تُطيق وداعًا أيها الرجل
[المحتسب: 1/105]
وهذا يتصل بباب من العربية غريب لطيف وهو باب التجريد؛ كأنه يجرد نفسه منه ثم يخاطبها، وقد ذكرنا هذا الباب في كتابنا الخصائص.
وهذا وإن كان مما لا ينبغي أن يُجرى في الحقيقة مثله على الله -سبحانه- لأنه لا تجزؤ هناك؛ فإنه يُجرى على عادة القوم ومذهب خطابهم، وقد نطقوا بهذا نفسه معه -تقدست أسماؤه- أنشدنا أبو علي:
أفاءت بنو مروان ظلمًا دماءنا ... وفي الله إن لم يَعدلوا حَكَمٌ عدل
فجرى اللفظ على أنه جُرد منه شيء يسمى حكَمًا عدلًا، وهو مع التحصيل على حذف المضاف؛ أي: وفي عدل الله حَكَمٌ عدل. فتفهَّم هذه المواضع، فإن قدر الإعراب يضيع إلى معناها، وإن كان هو أول الطريق ونهجه إليها.
ويجوز في العربية: [ثم اضطَرِّهِي] بكسر الراء لالتقاء الساكنين، ثم تُبَيَّن الهاء بياء بعدها.
ويجوز أيضًا: [ثم اضطَرِّهِ] تكسر الهاء ولا تتم الياء.
ويجوز: [اضطَرِّهْ] بكسر الراء وفتحها والهاء الساكنة.
ويجوز: [ثم اضطَرُّهُو] بضم الراء كما روينا عن قطرب أن بعضهم يقول: شَمُّ يا رجل.
ويجوز الضم بلا واو.
ويجوز مع ضم الراء وفتحها تسكين الهاء. وقد ذكرت ذلك كله في أماكنه). [المحتسب: 1/106]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محصين: ثم [أَطَّرُّه] يدغم الضاد في الطاء.
قال أبو الفتح: هذه لغة مرذولة؛ أعني: إدغام الضاد في الطاء؛ وذلك لما فيها من الامتداد والفشو؛ فإنها من الحروف الخمسة التي يدغم فيها ما يجاورها، ولا تدغم هي فيما يجاورها.
وهي: الشين والضاد والراء والفاء والميم، ويجمعها في اللفظ قولهم: ضُمَّ شَفْر، وقد أخرج بعضهم الضاد من ذلك وجمعها في قولهم: مِشفر.
قال: لأنه قد حُكي إدغام الضاد في الطاء في قولهم في "اضطجع": اطَّجع.
[المحتسب: 1/106]
وأنشدوا قوله:
يا رُبَّ أبَّاز من العُفْر صدع ... تقبَّض الظلُّ إليه واجتمع
لما رأى أن لا دعه ولا شِبع ... مال إلى أرطاة حِقْف فاطجع
ويُروى: "فاضطجع" وهو الأكثر والأقيس.
ويُروى أيضًا: "فالْطَجع" يبدل أيضًا اللام من الضاد.
فإن قيل: فقد أحطنا علمًا بأن أصل هذا الحرف اضتجع افتعل من الضجعة، فلما جاءت الضاء قبل تاء افتعل أُبدلت لها التاء طاء، فهلا لما زالت الضاد فصارت بإبدالها إلى اللام رُدت التاء فقيل: التجع، كما تقول: التجم والتجأ؟
قيل: هذا إبدال عَرَضَ للضاد في بعض اللغات، فلما كان أمرًا عارضًا، وظِلًّا في أكثر اللغات خالصًا؛ أقروا الطاء بحالها إيذانًا بقلة الحفل بما عرَض من البدل، ودلالة على الأصل المنحو المتعمد، وله غير نظير.
ألا ترى إلى قوله:
وكَحَل العينين بالعَوَاوِر
وكيف صحح الواو الثانية وإن كان قبلها الواو الأولى بينهما ألف وقد جاوزت الثانية
[المحتسب: 1/107]
الطرف، ولم يقلبها كما قلبها في أوائل، وأصلها أواول لما ذكرنا؛ إذ كان الأصل هاهنا العواوير، وإنما حذفت الياء تخفيفًا وهي مرادة، فجعل تصحيح الواو في العواور دليلًا على إرادة الياء في عواوير، وكما جعل حذف النون من قوله:
إرهن بنيك عنهم أراهن بني
أراد: بني، فحذف الياء الثانية لتخفيف القافية، وترك أن يرد النون من "بنين"؛ لأنه لم يَبْنِ الأمر على حذف الياء الثانية ألبتة؛ وإنما حذفها للوقف على الحرف المشدد في الروي المقيد، وكما أنشدنا أبو علي للفرزدق من قوله:
تنظرت نصرًا والسِّماكين أيهما ... علَيَّ من الغيث استهَلَّت مواطرُهُ
أراد: أيهما، فاضطر إلى تخفيف الحروف فحذف الياء الثانية، وكانت ينبغي أن يرد الياء الأولى إلى الواو؛ لأن أصلها الواو، وأن يكون قياسًا واشتقاقًا جميعًا أولى، ولم يقل: أوهما، فيرد الواو الأصلية؛ لأنه لم يَبْنِ الكلمة على حذف الياء ألبتة، فيرد الواو، فيقول: أوهما؛ لأنه إنما اضطر إلى التخفيف هناك وهو ينوي الحرف المحذوف كما ينوي الملفوظ به، ويأتي نظيره في سورة القصص، وقد ذكرنا أخوات لهذا أكثر من عشر في كتاب الخصائص؛ فلذلك قال: فالطجع، فترك الطاء بحالها كما قدمنا ذكره). [المحتسب: 1/108]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال ومن كفر فأمتعه قليلا}
قرأ ابن عامر {فأمتعه قليلا} بالتّخفيف وقرأ الباقون بالتّشديد وهما لغتان يقال متع الله به وأمتع به والتّشديد هو الاختيار لأن القرآن يشهد بذلك في قوله {ومتعناهم إلى حين} ولم يقل أمتعناهم). [حجة القراءات: 114]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (70- قوله: «فأمتعه» قرأه ابن عامر مخففا، وشدده الباقون.
71- ووجه التخفيف أنه جعله من «أمتع»، و«أمتع» لغة في «متع» وكلاهما بمعنى، غير أن التشديد فيه معنى تكرير الفعل، وبالتخفيف قرأ ابن عباس وابن محيصن وشبل.
72- فأما من شدده فإنه حمله على إجماعهم على التشديد في قوله: {تمتعوا في داركم} «هود 56» و{تمتع بكفرك} «الزمر 8» و{يمتعكم متاعًا} «هود 3» وهو كثير في القرآن من «متع» فحمل هذا عليه، وهو الاختيار، لما فيه من معنى التكرير، ولإجماع القراء عليه، وليُلحق بنظائره، مما لم يختلف في تشديده مما ذكرنا، وبالتشديد قرأ أبو عبد الرحمن السلمي والأعرج وأبو جعفر يزيد وشيبة، وبه قرأ أبي والحسن ومجاهد وأبو رجاء والجحدري وعيسى بن عمر والأعمش والأعرج، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم، وعليه قراءة العامة في الأمصار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/265]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (46- {فَأُمْتِعُهُ} [آية/ 126]:-
بسكون الميم وتخفيف التاء، قرأها ابن عامر وحده، لأنه جعله من أمتع، فإن أمتعه ومتعه واحد، كأفرحه وفرحه، والإمتاع كثير في كلام العرب. وقرأ الباقون {فَأُمَتِّعُهُ} بفتح الميم وتشديد التاء، على أنه من متع دون أمتع؛ لأن كل ما في القرآن من هذا النظم فهو على لفظ التمتيع دون الإمتاع نحو: {يُمَتِّعْكُمْ} و{مَتَّعْنَاهُ} و{مَتّعْنَاهُمْ}، فهذه القراءة أولى؛ لأن عامة ما في القرآن عليها). [الموضح: 301]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس