عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م, 12:59 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

باب علة الاختلاف في الوقف على الهمز
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب علة الاختلاف في الوقف على الهمز
1- تفرد حمزة بتخفيف كل همزة متوسطة أو متطرفة، إذا وقف خاصة، ووافقه هشام على تخفيف المتطرفة خاصة، وحقق ذلك سائر القراء غيرهما في الوقف كالوصل فإن كانت الهمزة بعد حرف زائد، لا يغير الكلام حذفه، لم يخفف نحو: «فإن، ولأن، وفبأي، والآخرة» وشبهه.
وحجة من خفف الهمزة هو ما ذكرنا متقدمًا من ثقل الهمزة وجلادتها وبعد مخرجها، وتصرف العرب في تغيير لفظها، فخففها طلبًا للتخفيف فيها، لصعوبة التكلف في تحقيقها.
2- فإن قيل: فلم خص الوقف بالتخفيف للهمزة دون الوصل؟
فالجواب أن القارئ لا يقف إلا وقد وهنت قوة لفظه وصوته، فيما قرأ قبل وقفه، والهمزة حرف صعب اللفظ به، فلما كان الوقف، يضعف فيه صوت القارئ بغير همز، كان فيما فيه همزة أضعف، فخفف الهمزة في الوقف للحاجة إلى التسهيل والتخفيف على القارئ، مع ما أنها لغة للعرب، ومع نقله ذلك عن أئمته، فأما الوصل فإن قوة القارئ في لفظه وجمام قوته في ابتدائه تكفي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/95]
عن تخفيف الهمزة، وإذ قد استولى عليها القارئ، وعلى اللفظ بها محققة لجمام قوته ووصله لكلامه.
3- فإن قيل: فلم لم يخفف الهمزة مع الزوائد؛ لأنها في اللفظ بعد حرف أو حرفين كالمتوسطة؟
فالجواب أن الهمزة مع الزوائد قبلها، اللواتي لا يتغير الكلام بحذفهن، كالمبتدأ بها، فالهمزة المبتدأ بها لا يجوز تخفيفها، فأجراها مع الزوائد مجراها في الابتداء بها، فلم يخففها، وقد روي تخفيفها مع الزوائد لأنها في اللفظ كالمتوسطة، وعلة من فعل ذلك أنه عامل اللفظ عملًا واحد، فخفف كل ما كان في اللفظ متوسطًا بزوائد أو بغير زوائد، وبالأول قرأت، وهو الاختيار، للعلل التي ذكرنا، وقد روي عنه أيضًا أنه يخفف الهمزة في الوصل، وهي منفصلة مما قبلها، إذا اتصلت بكلام قبلها نحو: {يا صالح ائتنا} « الأعراف 77»، يبدل من الهمزة واوا لانضمام الحاء قبلها وبالتحقيق قرأت في ذلك، وبه آخذ، لأن الهمزة منفصلة مما قبلها، والوصل عارض، وإلا سبيل إلى تخفيف الهمزة المنفصلة مما قبلها على قياسه، وهو جائز في العربية، وكذلك قياس كل همزة مبتدأ بها.
4- والعلة في ذلك أن الهمزة المبتدأ بها، لو خففت لم يكن بد أن تخفف بين بين، أو على البدل، أو بإلقاء الحركة، فلا سبيل إلى جعلها بين بين، وهي مبتدأ بها؛ لأن همزة بين بين معناها بين الهمزة المتحركة وبين
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/96]
الحرف الساكن، الذي هو من حركتها، فهي تقرب من الساكن، ولا يبتدأ بساكن، ولا بما يقرب من الساكن، لأن الساكن يحتاج إلى حركة يوصل بها إلى اللفظ بالساكن أبدًا، فكنت تحتاج أن تجعلها بين بين، وتجتلب لها حرفًا متحركًا، تصل به إلى النطق بها، وذلك تغيير وتكلف وخروج عن لغة العرب، فليس هذا في لغتهم، ولا سبيل فيها، وهي مبتدأ بها، إلى تخفيفها بالبدل، لأن التخفيف بالبدل في غيره، إنما يجري على حكم حركة ما قبل الهمزة، وهذه الهمزة ليس قبلها شيء لازم لها، ولا سبيل إلى إلقاء حركتها؛ إذ ليس قبلها شيء تُلقى عليه حركتها، فقد امتنع الابتداء بهمزة مخففة في أي وجوه التخفيف كان تخفيفها، فوجب أن يُبعد تخفيف الهمزة المبتدأ بها، وإن اتصلت بما قبلها من المتحركات، وعلى تركه العمل، وبه نأخذ، فأما علة ما أقرأني به الشيخ أبو الطيب، رحمه الله لهشام من تحقيق الهمزة المتطرفة، إذا كان سكونها علمًا للجزم، فإنها لما تغيرت الهمزة مرة إلى السكون كره تغييرها مرة أخرى إلى التخفيف، على ما تقدم من قولنا من العلة لأبي عمرو، في تخفيفه ما سكونه علم للجزم، إذا أدرج القراءة، أو قرأ في الصلاة، مع تخفيفه لكل همزة ساكنة، وعلى ما قدمنا من الاختيار في تحقيق الهمزة لأبي عمرو في «بارئكم» إذا أسكنها وقرأ في الصلاة أو أدرج القراءة، فعلة ذلك كله واحدة، وهي أنه كره تغييره مرة أخرى بعد تغييره السكون قبل ذلك، ولهذا روي عن ابن مجاهد أنه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/97]
كان يختار التحقيق في الوقف لحمزة فيما سكونه علم للجزم، والمشهور عن حمزة في ذلك التخفيف في الوقف، وإن سكنت للجزم، أعني المتطرفة، والمشهور عن هشام تخفيف الهمزة المتطرفة في الوقف، سكنت للجزم أو لم تسكن، وقد قرأت لهشام خاصة بترك التخفيف في هذا النوع رواية.
5- والعلة في تخصيص هشام لتخفيف المتطرفة خاصة أن المتطرفة هي في آخر لفظ القارئ، وعندها تقع الاستراحة والسكت، وإليها تنتهي قوة اللافظ، وعندها ينقطع نفس القارئ، فخصها بالتخفيف لصعوبة اللفظ بها محققة، عند زوال قوة القارئ، وكان التخفيف عليه أيسر في وقفه.
6- وحجة من حقق الهمزة في الوقف في جميع ذلك، من المتوسطة والمتطرفة، أنه أتى بالهمزة على أصل الكلام، وأنه وافق بين الوصل والوقف، وأنه إجماع من القراء غير حمزة، وأن التخفيف يحتاج إلى معاناة شديدة وكلفة عظيمة من جهتين: إحداهما إحكام اللفظ بالهمزة المخففة بين بين، والأخرى معرفة ما يخفف بين بين، وما يُبدل ويدغم فيه ما قبله، وما يُبدل ولا يدغم فيه شيء، وما قبله زائد أو أصلي، وما تُلقى حركته على ما قبله، وذلك أمر لا يحكمه إل من تناهى في علم العربية، وتمرَّن في إحكام الفظ بذلك، ودرب في اللفظ بالهمزة المخففة، وهذا الصنف في طلبة القراءات قليل معدوم جدًا، وأيضًا فربما أدى التخفيف إلى مخالفة خط المصحف، وذلك غير مستقيم ولا مختار فما عليه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/98]
سائر القراء والعرب في تحقيق الهمزة، في الوقف كالوصل، أولى وأحسن، وهو الاختيار لما قدمنا.
7- قال أبو محمد: فإن سأل سائل عن وقف حمزة على «أئذا، وأؤلقي، وأأنذرتهم، وأفأمن، وأفأنت، وها أنتم، وهاؤم» وشبهه، أيخفف الهمزة في هذا كله وشبهه أم يحقق؟
فالجواب أن هذه الزوائد إذا قدرت حذفها تغير معنى الكلام بحذفها، فهي كالمتوسطة، فتخفيفها أحسن في قراءة حمزة في الوقف على أصله في المتوسطة، وقد أخذ قوم له في ذلك بالتحقيق في الوقف.
8- والعلة في ذلك لهم أن الزوائد، إذا حذفت بقي كلام مفهوم مستعمل، فالهمزة فيه في تقدير الأولى التي لا تخفف، وإنما يُخفف من الهمز مع الزوائد التي، إذا حذفت لم يبق كلام مفهوم ولا مستعمل، فيكون حينئذٍ كالمتوسطة، فيخفف نحو: «يؤمنون، والمؤلفة» وشبهه، ويلزم من خفف هذا النوع في الوقف أن يخفف مع لام التعريف كـ «الأرض، والآخرة» في الوقف لحمزة، لأنها إذا حذفت تغير الاسم عن التعريف إلى التنكير، ولا يلزم ذلك من حقق لأنه يقول: إذا حذفت اللام بقي كلام مفهوم مستعمل، فالهمزة كالمبتدأ. وكلا القولين له قياس حسن، والهمز في ذلك في الوقف لحمزة أحب إلي؛ لأنه الأصل؛ ولأن الهمزة كالمبتدأ بها، والتخفيف أيضًا لا يمنع.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/99]
وقد روى خلف عن حمزة أنه خفف في الوقف الهمزة الثانية من {أئن ذكرتم}، فهو أيضًا قياس حسن، فأما {ها أنتم} على قراءة حمزة، بالهمز والمد فيه، فالوقف بالتحقيق، وعليه العمل؛ لأنها ها التي للتنبيه، دخلت على «أنتم»، فهما كلمتان، ومثله «يا أيها» لأنها يا دخلت على «أي» فهي كلمتان، ولذلك ترك مده البزي، كما يترك مد {ما أتى الذين} وشبهه، ومثله «هؤلاء» لا يخففه لحمزة، أعني الهمزة الأولى، ولا يمده، لمن اعتبر المد، لأنها هاء دخلت على «أولاء»، ولا يحسن أن يقدره في قراءة حمزة ومن تابعه على المد والهمز فيه، أن الهاء بدل من همزة؛ لأنه يصير قد أدخل بين الهمزتين ألفًا، مع بدل الأولى هاء، وليس هذا من أصولهم مع التحقيق، فكيف مع البدل والتخفيف، وسنذكر ما فيها من العلل في موضعه.
9- فأما «هاؤم» فبالتخفيف تقف لحمزة؛ لأنها ليست بـ «ها» التي للتنبيه، دخلت على «أم»؛ لأن «أم» مخففًا بضم الهمزة، كلام غير مستعمل، وإنما «هاء» اسم للفعل معناه «خذ، وتناول»، تقول للواحد: هاء يا رجل، أي: خذ، وللاثنين هاؤما، فتزيد ميمًا وألفًا، وكما تزيد ذلك في «أنتما»، وتقول للجميع: هاؤمو، أي: خذوا، فتزيد ميمًا وواوًا، كما تزيد ذلك في «أنتمو» فالهمزة متوسطة من نفس الكلمة، فتخفيفها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/100]
لحمزة في الوقف واجب، على أصله في المتوسطة، ولو كانت «ها» التي للتنبيه لم تنفرد في قولك: هاء يا رجل، ولم يكن معها همزة، فأصلها في القرآن «هاؤمق» كتب على لفظ الوصل؛ إذ قد حذفت الواو لسكونها وسكون القاف، ولا يحسن الوقف عليه؛ لأنك إن وقفت على الأصل بالواو خالفت الخط، وإن وقفت بغير واو خالفت الأصل، ولهذا في خط المصحف نظائر كثيرة، قد حذف منها حرف المد واللين لالتقاء الساكنين، وكتب على لفظ الوصل بالحذف، فهذا قياس الوقف عليها، وفي «هاء» مع الواحد والتثنية والجمع لغتان، غير ما ذكرنا، احداهما: سكون الهمزة في الواحد فتقول: هاء يا رجل، أي: خذ، وفي الاثنين: «هاءا» فتزيد ألفا، كما تقول: قوما وخذا، فتزيد ألفًا في التثنية، وفي الجمعة: «هاءوا» فتزيد واوًا، كما تزيدها في: قوموا وخذوا، والأخرى أن يأتي بالهمزة مكسورة في الواحد فتقول: «هاء يا رجل»، وفي الاثنين: «هائيا»، وفي الجمع «هاءوا» كالذي قبله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/101]


رد مع اقتباس