عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م, 12:59 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

باب علل نقل حركة الهمزة على الساكن قبلها لورش
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب علل نقل حركة الهمزة على الساكن قبلها لورش

1- قد قدمنا القول في ثقل الهمزة، وبعد مخرجها، وصعوبة اللفظ بها، فلما كثرت الهمزة في الكلام، وأمكن أن تُلقى حركتها على ما قبلها، فتقوم حركتها مقامها، وتذهب صعوبة لفظها، آثر ذلك ورش، مع روايته ذلك عن أئمته، فهو إذا ألقى حركة الهمزة على ما قبلها لم يُخل بالكلام، وخفف الثقل الذي في الهمزة، فآثر ذلك لذلك، وكان ما هو من كلمتين أولى بالتخفيف، لثقل اجتماع كلمتين والهمزة، ولم يفعل ذلك فيما هو من كلمة لخفة الكلمة، نحو: «مسؤولا، والظمآن، والمشأمة» ونحوه، غير أنه فعل في {ردءًا يصدقني} وحده؛ لأنه بناه على ما هو من كلمتين، فألقى فيه الحركة، وأيضًا فإنه جمع بين اللغتين.
2- فإن قيل: فما باله ألقى الحركة في كلمة على لام التعريف نحو: «الآخرة، والأرض» وشبهه؟
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/89]
فالجواب أن الألف واللام، اللذين للتعريف، ككلمة منفصلة مما بعدها، لأنهما دخلا بعد أن لم يكونا، ولأن حذفهما جائز، ولأن الكلام مع عدمهما مستقل مفهوم، فصار ذلك بمنزلة ما هو من كلمتين، فأجراه في إلقاء الحركة على الساكن مجرى ما هو من كلمتين.
3- فإن قيل: فما باله لم يلق حركة الهمزة على الساكن من كلمة أخرى إذا كان حرف مد ولين؟
فالجواب أنه لو ألقى الحركة على الألف في نحو قوله: {فما آمن} «يونس 83» لتغيرت الألف وانقلبت همزة، ولحال الكلام على أصله، فامتنع إلقاء الحركة لذلك على الألف، وفعل ذلك بأختي الألف: الواو التي قبلها ضمة، والياء التي قبلها كسرة، للتشبيه بالألف، فامتنع فيهما من إلقاء الحركة عليهما، مثلما امتنع في الألف، وأيضًا فإن الألف في نية حركة لا يتغير ما قبلها أبدًا، والحركة لا تُلقى على حركة.
4- فإن قيل: فلم ألقى ورش حركة الهمزة على حرفي اللين نحو: {ولو أن أهل} «المائدة 65» و{ابني آدم} «المائدة 27» وحرفا اللين فيهما شبه بالألف؟
فالجواب أن حرفي اللين لما انفتح ما قبلهما وتغير نقصا عن شهب الألف؛ إذ الألف لا يتغير ما قبلها أبدًا. فلما فارقا الألف، في قوة الشبه، دخلا في مشابهة سائر الحروف، التي تتغير حركة ما قبلها، فحسن إلقاء الحركة عليهما كسائر الحروف.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/90]
5- فإن قيل: فما علة قالون وموافقته ورشا في إلقائه الحركة في «الآن» في موضعين في يونس، وفي {ردءًاا يصدقني}، وفي: {عادًا الأولى}، في {والنجم}؟
فالجواب أن «الآن» اجتمع فيها مدتان، مدة في أوله، لأجل الألف التي هي بدل من ألف الوصل، للفرق بين الاستفهام والخبر، وإتيان الساكن بعدها كقوله: {آلذكرين} «الأنعام 143» ومدة بعد الهمزة الثانية، وهي همزة «آن» فعل ماض، ودخلت عليه الألف واللام، وألف الاستفهام، والألف والتغيير؛ إذ كان أصلها «أوان» عند القراء ثم حذفت الواو، وقيل: أصله «آن» فعل ماض، ودخلت عليه الألف واللام، وألف الاستفهام، والألف واللام زوائد فيها، فثقلت الكلمة؛ إذ خالفت سائر ما فيه الألف واللام الداخلتان على همزة، فخفف قالون الهمزة الثانية، فألقى حركتها على لام التعريف كورش لذلك، فأما {ردءًا يصدقني} فقد مضى الكلام عليه لورش، أنه أجراه مجرى ما هو من كلمتين في إلقاء الحركة، وفعل قالون ذلك ليجمع بين اللغتين، فأما {عادًا الأولى} في {والنجم} فإنه لما أراد إدغام التنوين في اللام لم يمكن أن يدغمه في ساكن؛ إذ لا يُدغم حرف أبدًا إلا في متحرك، فألقى عليه حركة الهمزة، ليتأتى له الإدغام في متحرك، واعتد بالحركة على ما ذكرنا من مذاهب العرب، فأما إتيان قالون بهمزة ساكنة بعد اللام، فإنه لما أدغم التنوين في اللام صارت الحركة لازمة غير عارضة، فسقط المد في قراءة ورش لأن المد إنما كان يكون في هذا ونظيره، إذا كانت الحركة عارضة، والهمزة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/91]
مقدرة، فمد لتقدير لفظ الهمزة، فلما لم يقدر الهمزة، لاعتداده بالحركة في اللام في هذا الوضع، أسقط المد، ولما تحركت اللام بحركة لازمة، معتد بها، لأجل الإدغام فيهان رد قالون الواو، التي بعد اللام، إلى أصلها، وهو الهمز، وذلك أن أصل «أولى» «وولى» مشتق من «وأل» إذا لجأ، فلما انضمت الواو أبدل منها همزة، كما فعل في «وجوه، ووقتت» فاجتمع همزتان، الثانية ساكنة، فخففت الثانية فأبدل منها واو لانضمام ما قبلها، فصارت «أولى»، فلما ألقى حركة الهمزة المضمومة على اللام، ووقع الإدغام، اعتد بالحركة، فلم يتغير رجوع المضمومة، فسقط المد لورش، ورجعت الواو إلى أصلها، فلم يتغير رجوع المضمومة، فسقط المد لورش، ورجعت الواو إلى أصلها، وهو الهمز في قراءة قالون، وقد تقدم من هذا جملة في باب المد، وقراءة نافع وأبي عمرو في {عادًا الأولى} في {والنجم} ضعيفة عند النحويين حتى إن بعضهم عدها من اللحن، وعلتهم في ذلك أنهم أدغموا التنوين في حرف ساكن، والساكن لا يدغم فيه، لأن المدغم لا يكون إلا ساكنًا، فامتنع أن يكون المدغم فيه ساكنًا أيضًا، وحركة الهمزة، التي على اللام، لا يعتدون بها؛ لأنها عارضة، فاللام في حكم الساكنة، والساكن لا يُدغم فيه، فلهذا أنكروا قراءة نافع في ذلك، وقد وافقه على ذلك أبو عمرو، ووجه ذلك ما قدمنا من أن الحركة العارضة، قد يُعتد بها في قولهم: «سل، ولحمر» وشبهه.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/92]
وقد بينا ذلك، وسنزيده بيانًا في موضعه إن شاء الله.
6- فإن قيل: فما الاختيار في باب نقل الحركة؟
فالجواب أن الاختيار الهمز وترك الحركة، لأنه هو الأصل، ولأن القراء أجمعوا على ذلك، ولأن نافعا، عند جميع الرواة عنه، لا ينقل الحركة، إنما رواها عنه ورش وحده، ولأن الهمز لازم في الابتداء فإجراؤه الوصل على الوقف أحسن من مخالفته، ولأن الهمز في جميعه، في تقدير الابتداء به؛ لأنه في أول كلمة، والابتداء لا يجوز فيه التخفيف، فأجرى الوصل على ذلك.
7- فإن قيل: فما تقول في هاء السكت في قوله تعالى: {كتابيه، إني} «الحاقة 19، 20»، هل تنقل إليها حركة الهمزة لورش؟
فالجواب أن المتعقبين اختلفوا في ذلك، فمنهم من يُلقي حركة الهمزة على الهاء، وعلته في ذلك أنه أجراه مجرى كل ساكن، يقع قبل الهمزة، غير حروف المد واللين، فألقى على الهاء الحركة لسكونها، كما يفعل كل ساكن أتى بعده همزة، غير حروف المد واللين، ومنهم من لا يلقي على الهاء الحركة؛ لأن الوقف على الهاء لازم، ولذلك جيء بها، فإذا كان الوقف على الهاء هو الأصل، فهي غير متصلة بالهمزة، والهمزة مبتدأ بها، فلا يحسن في هذا التقدير إلقاء الحركة، لأن الحركة إنما تلقى على ساكن متصل لفظه بالهمزة، وهذه ليس لفظها متصلًا بالهمزة لأن حكمها وأصلها الوقف عليها، لأنه إنما جيء بها زائدة ليتبين بها حركة ياء بالإضافة في الوقف، ومن ألقى عليها الحركة فقد وصلها بما بعدها، وترك
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/93]
الوقف الذي من أجله جيء بها، ولولا الحاجة إليها في الوقف عليها لتظهر حركة الياء بها ما احتيج إليها، فهي حرف زائد للوقف، فمن ألقى عليها الحركة فقد جعلها كالأصل، وأثبتها في الوصل، وترك إلقاء الحركة عليها هو الاختيار فيها، وعلى هذا الاختلاف اختلف في إدغام الهاء في الهاء، التي بعدها، في قوله: {ماليه هلك} «الحاقة 28، 29» والوجه والاختيار إظهارها لأن «الأولى» موقوف عليها في اللفظ والنية، وللوقوف جيء بها، فالثانية منفصلة منها، والإدغام لا يكون إلا مع اتصال الحرفين، وملاصقة الأولى للثاني، فإذا كان الأول منفصلًا من الثاني، بالوقف عليه لم يكن سبيل للإدغام ألبتة، فأما من وصل الهاء في الموضعين بما بعدها، فقد غلط في ذلك، وأتى بغير الاختيار، ولكن الصواب أن يوقف على الأول أبدًا، وإن نوى الواقف عليها الوقف، وهو واصل فهو أقرب للصواب، وقد قال المبرد وغيره إن من أثبت هذه الهاء، وشبهها من هاء الوقف التي للسكت التي جيء بها لبيان حركة ما قبلها في وصله فقد لحن، وروي عنه أو عن بعض النحويين أنه صلى خلف إمام الصبح فقرأ الإمام «الحاقة» ووصل الهاءات اللواتي للسكت فيها بما بعدها، فقطع الصلاة، ورأى ذلك من أعظم اللحن، فالوقف على هاتين الهاءين هو وجه الصواب، والاختيار وإذا كان الوقف هو الصواب فلا سبيل إلى إلقاء حركة الهمزة، ولا إلى الإدغام، لأن الهمزة تصير مبتدأ بها، وكذلك الهاء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/94]


رد مع اقتباس