عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 01:55 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود

[ من الآية (45) إلى الآية (49) ]

{ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) }

قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)}

قوله تعالى: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {إنه عمل غير صالح} [46].
قرأ الكسائي وحده: {إنه عمل غير صالح} تقديره: إنه عمل عملاً غير صالح، وجاء في التفسير: أنه كان ابنه ولكن خالفه في النية والعمل.
واحتج من قرأ بهذه القراءة بما حدثنا أحمد عن علي عن أبي عبيد قال: حدثنا حجاج عن هارون، وحماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب قال أحدهما: عن أم سلمة، وقال الآخر: عن أسماء بنت يزيد إنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: {إنه عمل غير صالح}.
وقرأ الباقون: {عمل غير صالح} بالرفع أي: إن سؤلك إياي أن أنجي رجلاً كافرًا عمل غير صالح.
قال ابن مجاهد: والاختيار الرفع على قراءة أهل المدينة والحجاز، قال: ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حُفظ عنه {عمل غير صالح} لكان أهل المدينة أحفظ لها من غيرهم؛ لأنها مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/283]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {فلا تسئلن ما ليس لك به علم} [46].
قرأ ابن كثير {تسئلن} بفتح النون جعل «تسأل» جزمًا على النهي والنون للتأكيد ففتحت اللام لالتقاء الساكنين كما تقول: لا تضربن ولا تشتمن أحدًا.
وقرأ نافع في رواية قالون وابن عامر: {تسئلن} بكسر النون مع التشديد أراد: تسئلني، فحذف الياء اختصارًا.
وروى ورش عن نافع: {تسئلني} بالياء في الوصل وأنشد شاهدًا لورش:
فلا تجعلني كامرئ ليس بينة = وبينك من قربي ولا متنسب
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/283]
فصل واشجات بيننا من قرابة = ألا صلة الأرحام أبقى وأقرب
وقرأ الباقون {تسئلن} خفيفًا بنون مسكن اللام، غير أن أبا عمرو يثبت الياء وصلاً ويحذفها وقفًا. فمن قرأ بهذه القراءة فاللام ساكنة للجزم والنون مع الياء اسم المتكلم في موضع النصب كما تقول: لا تضربني ولا تشتمني.
وفيها قراءة سادسة. حدثني أحمد بن عبدان عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال: حدثني أبو نميلة يحيى بن واضح الخرساني عن الحسن بن واقد قال: سمعت ابن أبي مليكة يقرأ: {فلا تسلن} بفتح السين واللام والنون أراد الهمزة فنقل فتحها إلى السين وخزل الهمزة تخفيفًا في النهي كما يحذف في الأمر {سل بني إسرائيل} فاعرف ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/284]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: إنه عمل غير صالح [46] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة: إنه عمل رفع منون. غير صالح برفع الراء. وقرأ الكسائيّ وحده: إنه عمل غير صالح بفتح العين وكسر الميم، وفتح اللام، غير صالح بنصب الراء.
قال أبو علي: قول من قال: عمل فنوّن عملا، أن الضمير في إنه* قد قيل فيه أن المراد به أنّ سؤالك ما ليس لك به علم غير صالح، ويحتمل أن يكون الضمير لما دلّ عليه: اركب معنا ولا تكن مع الكافرين
[هود/ 42]، فيكون التقدير: إنّ كونك مع الكافرين وانحيازك إليهم، وتركك
[الحجة للقراء السبعة: 4/341]
الركوب معنا والدخول في جملتنا عمل غير صالح، ويجوز أن يكون الضمير لابن نوح كأنه جعل عملا غير صالح كما يجعل الشيء الشيء لكثرة ذلك منه كقولهم: الشعر زهير، أو يكون المراد أنه ذو عمل غير صالح، فحذف المضاف.
فأما قول نوح: إن ابني من أهلي [هود/ 45]، وقوله تعالى: إنه ليس من أهلك [هود/ 46]، فيجوز أن يكون نوح قال ذلك على ظاهر ما شاهد من ابنه من متابعته له، وتصديقه إياه. فقال له: ليس من أهلك أي: من أهل دينك، فحذف المضاف، ويجوز أن يكون المعنى: ليس من أهلك الذين وعدتهم أن أنجيهم من الغرق، لمخالفته لك من الدين، فبعّد المخالفة في الدين قرب النسب الذي بينكما للمباينة في الإيمان، كما تقرّب الموالاة فيه مع البعد في النسب، قال:
إنما المؤمنون إخوة [الحجرات/ 10].
ويجوز أن يكون الله تبارك وتعالى أطلع نوحا على باطن أمره، كما أطلع محمدا رسوله عليه السلام على ما استبطنه المنافقون.
ومن قرأ: إنه عمل غير صالح فقد زعموا أن ذلك روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيكون هذا في المعنى كقراءة من قرأ:
إنه عمل غير صالح وهو يجعل الضمير لابن نوح، فتكون
[الحجة للقراء السبعة: 4/342]
القراءتان متفقتين في المعنى، وإن اختلفتا في اللفظ.
فأمّا قوله: ما ليس لك به علم فيحتمل قوله: به* في الآية وجهين: أحدهما أن يكون كقوله:
كان جزائي بالعصا أن أجلدا إذا قدّمت بالعصا للتبيين، وكقوله: وكانوا فيه من الزاهدين [يوسف/ 20]، وإني لكما لمن الناصحين [الأعراف/ 21]، وأنا على ذلكم من الشاهدين [الأنبياء/ 56] وزعم أبو الحسن أن ذلك إنما يجوز في حروف الجر، والتقدير فيه التعليق بمضمر يفسّره هذا الذي ظهر بعد، وان كان يجوز تسلّطه عليه، ومثل ذلك قوله: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين [الفرقان/ 22]، وقوله:
ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق أئنكم لفي خلق جديد [سبأ/ 7]، فانتصب يوم يرون بما دلّ عليه لا بشرى يومئذ ولا يجوز لما بعد لا* هذه أن تتسلّط على يوم يرون وكذلك قوله:
أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون [المؤمنون/ 82]، فإذا* يتعلق بما دلّ عليه إنا لمبعوثون ولا يجوز أن يتسلط
[الحجة للقراء السبعة: 4/343]
عليه، وكذلك إني لكما لمن الناصحين يتعلق بما يدل عليه النصح المظهر، وإن لم يتسلط عليه، والتقدير: إني ناصح لكما من الناصحين.
وكذلك: ما ليس لك به علم [هود/ 46] يتعلّق بما يدلّ عليه قوله: علم الظاهر وإن لم يجز أن يعمل فيه، ويجوز في قوله: ما ليس لك به علم وجه آخر وهو أن يكون متعلّقا بالمستتر، وهو العامل فيه كتعلق الظرف بالمعاني كما نقول: ليس لك فيه رضا، فيكون به* في الآية بمنزلة: فيه، والعلم يراد به العلم المتيقن الذي يعلم به الشيء على حقيقته، ليس العلم الذي يعلم به الشيء على ظاهره، كالذي في قوله:
فإن علمتموهن مؤمنات [الممتحنة/ 10] ونحو ما يعلمه الحاكم من شهادة الشاهدين، وإقرار المقرّ بما يدّعى عليه، ونحو ذلك مما يعلم به العلم الظاهر الذي يسع الحاكم الحكم بالشيء معه). [الحجة للقراء السبعة: 4/344]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: فلا تسألن ما ليس لك به علم [هود/ 46].
فقرأ ابن كثير وابن عامر: فلا تسألن مفتوحة اللام مشدّدة النون غير واقعة. هكذا روى أبو عبيد عن هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر.
وروى ابن ذكوان فلا تسألن مفتوحة اللام مشدّدة النون مكسورة النون، فهذا يدلّ على أنها واقعة خلاف ما روى أبو عبيد.
[الحجة للقراء السبعة: 4/344]
وقرأ نافع: فلا تسألن كما قرأ ابن كثير وابن عامر، غير أنه كسر النون. واختلف عنه في إثبات الياء في الوصل وحذفها، فروى ابن جمّاز وورش والكسائيّ عن إسماعيل بن جعفر، وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع: مشدّدة بالياء في الوصل. وقال المسيّبي وقالون في رواية القاضي عنه، وأبو عبيد القاسم بن سلّام، وسليمان بن داود الهاشمي، عن إسماعيل بن جعفر وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع فلا تسألن مكسورة من غير ياء في الوصل.
وقال أحمد بن صالح عن ورش: فلا تسألن السين ساكنة والهمزة قبل اللام واللام ساكنة، والياء مثبتة في الوصل.
وقال أحمد بن صالح عن قالون: اللام ساكنة والسين ساكنة، والنون مكسورة بغير ياء في وصل ولا وقف.
وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ: فلا تسألن ما ليس لك خفيفة النون ساكنة اللام. وكان أبو عمرو يثبت الياء في الوصل مثل نافع في رواية من روى عنه ذلك.
وكان عاصم وحمزة والكسائي لا يثبتون الياء في الوصل والوقف.
قال أبو علي: سألت: فعل يتعدّى إلى مفعولين، وليس مما يدخل على المبتدأ وخبره، فيمتنع أن يتعدى إلى مفعول واحد، فمن قرأ: تسألن بفتح اللام، ولم يكسر النون، عدّى
[الحجة للقراء السبعة: 4/345]
السؤال إلى مفعول واحد في اللفظ، والمعنى على التعدي إلى ثان.
قال: وروى ابن ذكوان مفتوحة اللام مشدّدة النون مكسورة، فهذا يدلّ على أنها واقعة، يريد أن كسر نون فلا تسألن يدلّ على أنه قد عدّى السؤال إلى مفعولين أحدهما اسم المتكلم، والآخر الاسم الموصول، وحذفت النون المتصلة بياء المتكلّم لاجتماع النونات، كما حذفت النون من قولهم:
«إني» لذلك، وكما حذف من قوله:
يسوء الفاليات إذا فليني فأما إثبات الياء في الوصل فهو الأصل، وحذفها أخفّ والكسرة تدلّ عليها ويعلم أن المفعول مراد في المعنى). [الحجة للقراء السبعة: 4/346]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم}
قرأ الكسائي {إنّه عمل غير صالح} بنصب اللّام والرّاء وحجته حديث أم سلمة قالت قلت يا رسول الله كيف أقرأ {عمل غير صالح} أو {عمل غير صالح} فقال {عمل غير صالح} بالنّصب فالهاء في هذه القراءة عائدة على ابن نوح لأنّه جرى ذكره قبل ذلك فكني عنه
وكان بعض أهل البصرة ينكر هذه القراءة فاحتج لذلك بأن العرب لا تقول عمل غير حسن حتّى تقول عمل عملا غير حسن وقد ذهب عنه وجه الصّواب فيما حكاه لأن القرآن نزل بخلاف قوله قال الله تعالى {ومن تاب وعمل صالحا} معناه ومن تاب وعمل عملا صالحا وقال {واعملوا صالحا} ولم يقل عملا وقال في موضع آخر {إلّا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا} وقال {ويتبع غير سبيل المؤمنين} ولم يقل سبيلا غير سبيل المؤمنين فكذلك قوله إنّه عمل غير صالح معناه إنّه عمل عملا غير صالح
وقرأ الباقون {إنّه عمل غير صالح} بفتح الميم وضم اللّام والرّاء وحجتهم ما روي في التّفسير جاء في قوله {إنّه عمل غير صالح}
[حجة القراءات: 341]
أي إن سؤالك إيّاي أن أنجي كافرًا عمل غير صالح لأن نوحًا قال {رب إن ابني من أهلي} فقال الله تعالى {إنّه ليس من أهلك} الّذين وعدتك أن أنجيهم إن سؤالك إيّاي {عمل غير صالح} وقيل {ليس من أهلك} أي من أهل دينك فالهاء في قراءتهم كناية عن السّؤال ولم يجر له ذكر ظاهر وذلك جائز فيا قد عرف موضعه أن يكني عنه أو جرى ما يدل عليه كقوله جلّ وعز {ولا يحسبن الّذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا} فكنى عن البخل لأنّه ذكر الّذين يبخلون اكتفاء به من ذكر البخل وكنى عنه وقال {حتّى توارت بالحجاب} يعني الشّمس وهذه أعلام لا يجهل موضعها قال الشّاعر:
إذا نهي السّفيه جرى إليه ... وخالف والسّفيه إلى خلاف
فقال جري إليه ولم يجر ذكر السّفه ولكن لما ذكر السّفيه دلّ على السّفه
والسّؤال في قصّة نوح لم يجر له ذكر ولكنه لما ذكر {إن ابني من أهلي} دلّ على السّؤال
وقال آخرون منهم الزّجاج الهاء كناية عن ابن نوح أي
[حجة القراءات: 342]
إنّه ذو عمل غير صالح كما قال الشّاعر:
ترتع ما رتعت حتّى إذا ادكرت ... فإنّما هي إقبال وإدبار
أي ذات إقبال وإدبار
قرأ ابن كثير {فلا تسألن} بفتح النّون مع التّشديد الأصل فلا تسأل جزما على النّهي ثمّ دخلت نون التوكيد ففتحت اللّام لالتقاء الساكنين كما تقول لا تضربن ولا تشتمن أحدا الأصل لا تضرب ثمّ دخلت نون التوكيد فبني الكلام على الفتح لاجتماع الساكنين
قرأ أهل المدينة {فلا تسألني} بتشديد النّون وإثبات الياء في الوصل الأصل فلا تسألنني فاجتمعت ثلاث نونات مثل ما اجتمعت في إنّني وكأنني ثمّ حذفوا النّون الّتي زيدت مع الياء فقيل إنّي وكذلك حذفت النّون في قوله {فلا تسألني}
وقرأ قالون عن نافع وابن عامر فلا تسألن مكسورة النّون مشدّدة من غير ياء الأصل كما ذكرنا إلّا أنهم حذفوا الياء لأن الكسرة تدل على الياء
وقرأ أبو عمرو {فلا تسألني} بتخفيف النّون وسكون اللّام مثبتة الياء في الوصل النّون مع الياء اسم المتكلّم في موضع نصب والنّون
[حجة القراءات: 343]
إنّما دخلت ليسلم سكون اللّام قال عبّاس سألت أبا عمرو فقلت وقرأ بعض القرّاء فلا {تسألن} بفتح النّون وأنا أقرأ {فلا تسألني} لقول الله تعالى {رب إنّي أعوذ بك أن أسألك} قال {أن أسألك} يدل على أنه نهاه أن يسأله
وقرأ أهل الكوفة {فلا تسألن} خفيفة النّون محذوفة الياء وإنّما حذفوا الياء اختصارا لأن الكسرة تدل على الياء). [حجة القراءات: 344]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {إنه عمل غير صالح} قرأ الكسائي بكسر الميم وفتح اللام، ونصب {غير} وقرأ الباقون بفتح الميم، وضم اللام منونة، ورفع {غير}.
وحجة من قرأ برفع {عمل} و{غير} أنه جعل الكلام متصلا من قول الله جل ذكره لنوح، وجعل الضمير في {إنه} راجعًا إلى السؤال، فجعل «العمل» خبر «إن» لأنه هو السؤال، وجعل «غيرا» صفة لـ «العمل»، والتقدير: إن سؤالك أن أنجي كافرًا عمل منك غير صالح، وقيل: تقديره إن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/530]
سؤالك ما ليس لك به علم عمل منك غير صالح. ويجوز أن تكون الهاء في {إنه} تعود على ما دل عليه أول الكلام، وهو قوله: {اركب معنا ولا تكن مع الكافرين} فيكون التقدير: إن كون الكافرين معك عمل منك غير صالح فيكون أيضًا من قول الله جل ذكره لـ {نوح} كالأول، ويجوز أن يكون الكلام من قول «نوح» لابنه يخاطبه بذلك ويقرعه، وتقديره: يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين إنه عمل غير صالح، أي: إن كونك مع الكافرين عمل منك غير صالح، ويجوز أن تكون الهاء لابن نوح على تقدير حذف مضاف مع العمل، أي: إن ابنك ذو عمل، فيكون من كلام الله جل ذكره لـ «نوح».
13- وحجة من قرأ بكسر الميم ونصب «غيرا» أنه جعل الضمير في «إنه» لابن نوح، فأخبر عنه بفعله، وجعله «غيرا» صفة لمصدر محذوف، والتقدير: إن ابنك عمل عملًا غير صالح، فيكون معناها كالمعنى في القراءة برفع {عمل} في قول من جعل الهاء لابن نوح، وأضمر مضافًا محذوفًا، ومعنى {ليس من أهلك} أي: ليس من أهل دينك، وقيل: ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم من الغرق، وقيل إنه كان ربيبه، ولم يكن ولده، وقد روت عائشة وأسماء ابنة يزيد أن النبي عليه السلام قرأ «عَمِل غيرَ صالح»، تعنى بكسر الميم ونصب {غير} وكذلك روت عنه أم سلمة أنه أمرها أن تقرأ كذلك بكسر الميم ونصب {غير} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/531]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (14- قوله: {فلا تسألن} قرأه ابن كثير بفتح النون واللام مشددا، وقرأ نافع وابن عامر بكسر النون وفتح اللام مشددا، وقرأ الباقون بإسكان اللام وكسر النون مخففا.
وحجة من فتح النون وشدد أنه جعلها النون المشددة التي تدخل في الأمر والنهي للتأكيد، وفتح اللام التي قبلها، ولئلا يلتقي ساكنان، والفعل للواحد أبدا، مع النون الثقيلة والخفيفة، مبني على الفتح، وعدّى الفعل إلى مفعول واحد هو {ما} وذلك حسن في «سأل» لأنه غير داخل على ابتداء وخبرن وكذلك العلة لمن شدد وكسر النون غير أنه عدّى الفعل إلى مفعولين وهما الياء و{ما} فحذف الياء لدلالة الكسرة عليها، وكان أصله ثلاث نونات «تسألنني» في النون المشددة التي للتأكيد مقام نونين، فالنون التي تدخل مع الياء في اسم المضمر المفعول في نحو: ضربني، فحذف إحدى النونات لاجتماع الأمثال تخفيفًا، كما تحذف في «إني»، وأصلها «إنني».
15- وحجة من أسكن اللام وخفف النون أنه لم يدخل النون المشددة التي للتأكيد في الفعل، ووصل الفعل بضمير المتكلم، وهو المفعول الأول، و{ما} المفعول الثاني، وأسكن اللام للنهي وحذف الياء لدلالة الكسرة عليها، فالفعل في هذه القراءة معرب مجزوم للنهي، وفيما تقدم مبني على الفتح). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/532]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ} [آية/ 46] بكسر الميم وفتح اللام، ونصب {غَيْرَ}:
قرأها الكسائي ويعقوب.
والوجه أن الضمير في {إِنَّهُ} لابن نوح، والمعنى أن ابنك عمل عملًا غير صالح، فيكون {عَمِلَ} فعلًا ماضيًّا، وفيه ضمير الفاعل، و{غيرَ صالح}
[الموضح: 647]
مفعول به، والتقدير: عما عملًا غير صالح، فحُذف الموصوف وأُقيمت الصفة مقامه.
وقرأ الباقون {عَمَلٌ} بفتح العين ورفع اللام منونة، ورفع {غَيْرُ}.
والوجه أنه يجوز أن يكون الضمير في {إِنَّهُ} لابن نوح أيضًا، فيكون على حذف المضاف، والتقدير: إن ابنك ذو عمل غير صالحٍ، فحُذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه، أو يكون محمولًا على المجاز والاتساع، كأنه لكثرة ما يقع منه من عمل غير صالح جعله عملًا غير صالح، كما قالت الخنساء:
52- ترتع ما رتعت حتى إذا غفلت = فإنما هي إقبالٌ وإدبار
ويجوز أن يكون الضمير في {إِنّه} للسؤال، والتقدير: إن سؤالك ما ليس لك به علمٌ عملٌ غير صالحٍ، ويدل على السؤال ما بعده، وهو قوله {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.
[الموضح: 648]
ويجوز أن يكون ضمير {إنّهُ} لما يدل عليه قوله {وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ}، والتقدير: إن كون ابنك من الكافرين وانحيازه إليهم عملٌ غير صالح). [الموضح: 649]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {فَلَا تَسْأَلَنَّ} [آية/ 46] بفتح اللام والنون جميعًا مشددة:
قرأها ابن كثير وحده.
والوجه أن النون نون التأكيد الشديدة، وهي مفتوحة في فعل الواحد، والسؤال ههنا معدى إلى مفعول واحد، فإن سألت يتعدى إلى مفعولين، ويجوز الاقتصار على أحدهما، فاقتصر ههنا على أحد المفعولين.
وقرأ نافع وابن عامر بفتح اللام وكسر النون مشددة، لكن ش- و-يل- رويا عنه بإثبات الياء في حالة الوصل دون الوقف، وروى ن- عنه بغير ياء في الحالين.
والوجه أنه يجوز أن يكون أصله تسألنني بنون التأكيد الشديدة مع النون المتصلة بياء الإضافة، فحذف النون المتصلة بياء الإضافة لاجتماع النونات، كما حُذفت من إني، فبقي تسألني، ثم حُذفت الياء أيضًا في رواية ن- وبقيت الكسرة تدل عليها.
ويجوز أن يكون أصله تسألن بنون التأكيد الخفيفة دخلت عليها النون المتصلة بياء الإضافة، فبقي تسألني، ثم حُذفت الياء في رواية ن- وبقيت
[الموضح: 649]
الكسرة تدل عليها، وفعل السؤال ههنا يتعدى إلى مفعولين: أحدهما اسم المتكلم، والآخر اسم الموصول وهو قوله {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.
وأما ما في رواية ش- من حذف الياء وإسكان النون في حالة الوقف فهو على حذف الكسرة التي أُبقيت للدلالة على الياء، وإنما ذلك في حال الوقف، كما قال الأعشى:
53- إذا ما انتسبت له أنكرن
وقرأ أهل البصرة والكوفة {فَلَا تَسْأَلْنِ} بسكون اللام وكسر النون.
وأثبت أبو عمرو الياء في الوصل دون الوقف، وأثبتها يعقوب في الحالين، وحذفها الكوفيون في الحالين.
والوجه أن النون في هذه القراءة هي التي تصحب ياء الإضافة، وليس في الفعل على هذه القراءة نون تأكيد، والفعل يتعدى إلى مفعولين: أحدهما الياء التي تتصل بها النون، والثاني قوله {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.
وأما إثبات الياء في الوصل فهو الأصل، وكذلك إثباتها في الوقف، وأما حذفها في الوصل، فلأنه أخف، وفي الوقف لأنه موضع تغييرٍ، وللخفة أيضًا). [الموضح: 650]

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)}

قوله تعالى: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)}

قوله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس