عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:12 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (54) إلى الآية (56) ]

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)}

قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يغشي اللّيل النّهار... (54).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم (يغشي اللّيل النّهار) خفيفا، وكذلك في الرعد، وقرأ الباقون بالتشديد.
قال أبو منصور: معنى يغشي ويغشّي، وكلاهما يتعدى إلى مفعولين، ومعناهما يجلل. وقد تغشّاه، إذا تجلله). [معاني القراءات وعللها: 1/408]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره... (54).
قرأ ابن عامر وحده (والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٌ) رفعا كله، وقرأ الباقون بالنصب.
قال أبو منصور: من نصبها عطفها على ما قبلها، ونصب (مسخراتٍ) على الحال، وجائز أن نصبها على إضمار فعل، كأنه قال: وتجري الشّمس والقمر والنّجوم في حال تسخيرها، أي: تذليلها.
ومن رفع فعلى الابتداء، وخبره (مسخّراتٌ) ). [معاني القراءات وعللها: 1/408]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {يغشى الليل النهار} [54].
قرأ أهل الكوفة وعاصم في رواية أبي بكر {يغشى} مشددًا من غشى يغشى تغشية، ومعناه: التغطية والستر، وشاهده: {فغشاها ما غشى}.
وقرأ الباقون: {يغشى} خفيفًا من أغشى يغشى إغشاء وشاهده قوله تعالى: {فأغشيناهم فهم لا يبصرون}. وأما قوله في الأنفال {إذ يغشيكم النعاس أمنة} فقرأها نافع بالتخفيف يغشى.
وقرأ أهل الكوفة وابن عامر: {يغشيكم} مشددًا {والنعاس} منصوب مفعول ثان والأول: الكاف والميم، والفاعل: الله عز وجل، وغشى وأغشى بمعنى مثل نزل وأنزل وكرم وأكرم، غير أن كرم أبلغ في الكرمة.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {إذ يغشاكم النعاس} فجعلا الفعل للنعاس، لأن الله تعالى لما أغشاهم النعاس غشيهم النعاس. ومعنى قوله {يغشى الليل النهار} يعني: جعلهما كذلك، فلذلك نصب قوله:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/185]
{والشمس والقمر والنجوم مسخرات} على معنى جعل الله الشمس والقمر عطفا على معنى يغشى إلا ابن عامر فإنه جعل الواو واو الحال وابتدأ كما تقول: لقيت زيدًا وأبو خارج، أي: أبوه هذه حاله، فقرأ ابن عامر {والشمس والقمر والنجوم مسخرات} رفع كلهن.
وقوله: {يكور الليل على النهار} مثل قوله {يغشى الليل النهار} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/186]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في تشديد الشين وتخفيفها في قوله جلّ وعزّ: يغشي الليل النهار [الأعراف/ 54].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر يغشى ساكنة الغين خفيفة، وكذلك في الرعد [3].
[الحجة للقراء السبعة: 4/26]
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ (يغشّي) مفتوحة الغين مشددة، وكذلك في الرّعد.
وروى حفص عن عاصم يغشي ساكنة الغين خفيفة فيهما.
وأمّا قوله: (إذ يغشاكم النّعاس) [الأنفال/ 11]، فقرأ ابن كثير وأبو عمرو إذ يغشاكم النّعاس رفعا، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي يغشيكم بضم الياء وفتح الغين وتشديد الشين، النعاس نصبا.
وقرأ نافع: (إذ يغشيكم) من أغشى (النعاس) نصبا.
قولهم: غشي، فعل متعدّ إلى مفعول واحد يدلّ على ذلك قوله: وتغشى وجوههم النار [إبراهيم/ 50]، وغشيهم من اليم ما غشيهم [طه/ 78]، فإذا نقلت الفعل المتعدي إلى المفعول الواحد بالهمزة أو بتضعيف العين تعدى إلى مفعولين.
وقد جاء التنزيل بالأمرين جميعا؛ فمما جاء بتضعيف
[الحجة للقراء السبعة: 4/27]
العين قوله: فغشاها ما غشى [النجم/ 54]، فما في موضع نصب بأنّه المفعول الثاني، ومما جاء بنقل الهمزة، قوله: فأغشيناهم فهم لا يبصرون [يس/ 9]، فهذا منقول بالهمزة، والمفعول الثاني محذوف، والمعنى: فأغشيناهم العمى عنهم أو فقد الرؤية. فإذا جاء التنزيل بالأمرين؛ فكل واحد من الفريقين ممّن قرأ: (يغشي، ويغشّي) أخذ بما جاء في التنزيل، وكذلك إن أخذ آخذ بالوجهين جميعا كما روي عن عاصم الأمران جميعا، وكذلك من قرأ: إذ يغشيكم النعاس، [الأنفال/ 11]، (ويغشيكم النعاس) [الكاف والميم مفعول أول]، وهذا كقولهم فرّحته وأفرحته، وغرّمته وأغرمته، قال: يغشي الليل النهار [الأعراف/ 54] ولم يقل: ويغشي النهار الليل، كما قال: سرابيل تقيكم الحر [النحل/ 81]، ولم يذكر تقيكم البرد للعلم بذلك من الفحوى، ومثل هذا لا يضيق، وكلّ واحد من اللّيل والنهار منتصب بأنّه مفعول به.
والفعل قبل النقل: غشي الليل النهار، فإذا نقلت قلت: أغشى الله اللّيل النّهار وغشّى الله، فصار ما كان فاعلا قبل النقل مفعولا أول). [الحجة للقراء السبعة: 4/29]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن عامر وحده: والشمس والقمر والنّجوم مسخّرات بأمره [الأعراف/ 54]. رفعا كلها، ونصب الباقون هذه الحروف كلّها.
[الحجة للقراء السبعة: 4/28]
حجّة من نصب، قوله: ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن [فصلت/ 37]، فكما أخبر في هذه أنّه خلق الشمس والقمر، كذلك يحمل على خلق في قوله: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم مسخرات [الأعراف/ 54].
وحجة ابن عامر قوله: وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض [الجاثية/ 13]، وممّا في السماء: الشمس والقمر. فإذا أخبر بتسخيرها حسن الإخبار عنها به، كما أنّك إذا قلت: ضربت زيدا، استقام أن تقول: زيد مضروب). [الحجة للقراء السبعة: 4/29]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة حُميد: [يَغْشَى] بفتح الياء والشين، ونصب [الليل] ورفع [النهار].
قال أبو الفتح: اتصال قوله تعالى: [يَغْشَى اللَّيْلَ النَّهَارُ] بقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} اتصال الحال بما قبلها، ويكون هناك عائد منها إلى صاحبها وهو الله تعالى؛ أي: يَغشَى الليلَ النهارُ بأمره أو بإذنه، وحذف العائد كما يحذف من خبر المبتدأ في نحو قولهم: السَّمْنُ مَنَوان بدرهم؛ أي: منوان منه بدرهم.
ودعانا إلى إضمار هذا العائد أن تتفق القراءتان على معنى واحد؛ ألا ترى إلى قراءة الجماعة: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ}، وأن هذه الجملة في موضع الحال؛ أي: استوى على العرش مُغْشِيًا الليل النهار؛ أي: استوى عليه في هذه الحال.
فقوله إذن: {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} بدل من قوله: [يغْشَى اللَّيْلَ النَّهَارُ] للتوكيد، وهو على قراءة الجماعة: {يُغْشِي} أو [يُغَشِّي] حال من الليل؛ أي: يُغَشِّي الليل النهار طالبًا له حثيثًا، وحثيثًا بدل من طالب أو صفة له؛ لأن طالبًا لو كان منطوقًا به حال هناك، والحال عندنا فوصف من حيث كانت في المعنى خبرًا، والأخبار توصف؛ لكن الصفات عندنا لا توصف.
وإن شئت يكون "حثيثًا" حالًا من الضمير في يطلبه، وفيه من بعد هذا ما أذكره؛ وذلك أن الفاعل في المعنى من أحد المفعولين في قراءة الجماعة هو الليل؛ لأنه المفعول الأول، كقولك: أعطيت زيدًا عمرًا، فزيد هو الآخذ وعمرو هو المأخوذ، وأغشيت جعفرًا خالدًا، فالغاشي جعفر والمغشيُّ هو خالد، والفاعل في قراءة حميد هو النهار؛ لأنه مرفوع: [يَغْشَى اللَّيْلَ النَّهَارُ]، فالفاعلان والمفعولان جميعًا مختلفان على ما ترى.
[المحتسب: 1/253]
ووجه صحة القراءتين جميعًا والتقاء معنَيَيْهما أن الليل والنهار يتعاقبان، وكل واحد منهما وإن أزال صاحبه فإن صاحبه أيضًا مُزيلٌ له، فكل واحد منهما على هذا فاعل وإن كان مفعولًا، ومفعول وإن كان فاعلًا. وعلى أن الظاهر في الاستحثاث هنا إنما هو النهار؛ لأنه بسفوره وشروقه قد أظهر أثرًا في الاستحثاث من الليل. وبعدُ، فليس النهار إلا ضوء الشمس، والشمس كائنة محدثة، ولا ضوء قبل أن يخلقها لله جل وعز، فالضوء إذن هو الهاجم على الظلمة، ويطلبه حثيثًا، على هذا حال من النهار؛ لأنه هو الأحث منهما.
ويجوز في قراءة الجماعة أن يكون يطلبه حالا من النهار وإن كان مفعولًا، كقولك: ضربتْ هندٌ زيدًا مؤلِمَة له، فقد يكون مؤلمة حالًا لزيد، كما قد يجوز أن يكون حالًا من هند؛ وذلك أن لكل واحد منهما في الحال ضميرًا. ومثله قول الله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ}، قد يجوز أن يكون "تحمله" حالًا منها، ويجوز أن يكون حالًا منه، وقد يجوز أيضًا أن يكون منهما جميعًا على قوله:
فلئن لقيتك خاليين لتعلما ... أيي وأيك فارسا الأحزاب؟
ويجوز أيي وأيك فارسُ الأحزاب؛ أي: أينا فارس الأحزاب، فكذلك يكون قوله: يطلبه حثيثًا، حالًا منهما جميعًا على ما مضى؛ لأن لهما جميعًا فيه ضميرًا. ولو كان الآية فأتت به قومها تحمله إليه لجاز أن يكون ذلك حالًا منها، ومنه ومنهم جميعًا؛ لحصول ضمير كل واحد منهم في الجملة التي هي حال، فاعرف ذلك.
ولعمري إنك إذا قلت: أغشيتُ زيدًا عمرًا، فإن العرف أن يكون زيد هو الغاشي وعمرو هو المغشيّ، إلا أنه قد يجوز فيه قلب ذلك، لكن مع قيام الدلالة عليه، ألا ترى إلى قوله:
فدع ذا ولكن من ينالُك خيرُه ... ومن كان يعطي حقَّهن القَصائدا؟
أراد: يعطي القصائد حقهن، ثم قدم المفعول الثاني فجعله قبل الأول من حيث كانت القصائد هنا هي الآخذة في المعنى، ونحوه: كسوت ثوبًا زيدًا، ساغ تقديمه لارتفاع الشك فيه، وليس
[المحتسب: 1/254]
كذلك يُغشي الليل النهار؛ من حيث كانا متساويي الحالين في الغِشْيان، وعلى كل حال فكل واحد منهما غاشٍ لصاحبه). [المحتسب: 1/255]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثا والشّمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره}
[حجة القراءات: 283]
قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر {يغشي اللّيل النّهار} بالتّشديد وفي الرّعد أيضا من غشى يغشي أي يغشي الله اللّيل النّهار وحجتهم أن هذا فعل يتردّد ويتكرر وذلك أن كل يوم وكل ليلة غير اليوم الآخر وغير اللّيلة الأخرى فالتغشية مكررة مردودة لمجيئها يومًا بعد يوم وليلة بعد ليلة وفي التّنزيل {فغشاها ما غشى}
وقرأ الباقون بالتّخفيف وحجتهم قوله {فأغشيناهم فهم لا يبصرون} وقال {كأنّما أغشيت وجوههم قطعا} ولم يقل غشيت
قرأ ابن عامر {والشّمس والقمر والنجوم مسخرات} بالرّفع جعل الواو واو حال كما تقول لقيت زيدا ويده على رأسه أي رأيته في هذه الحال فكذلك قوله {يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثا والشّمس والقمر} أي حالهما التسخير وكذلك {والنجوم مسخرات} ويجوز أن يكون {والشّمس والقمر} رفعا على الابتداء والخبر {مسخرات}
وقرأ الباقون بالنّصب على إضمار خلق لأنّه لما قال قبلها {إن ربكم الله الّذي خلق السّماوات والأرض} ثمّ قال {والشّمس والقمر} دلّ على أن المعنى وخلق الشّمس والقمر كما خلق السّموات والأرض). [حجة القراءات: 284]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (13- قوله: {يُغشي الليل النهار} قرأه أبو بكر وحمزة والكسائي بالتشديد، وخفف الباقون، ومثله في الرعد، وهما لغتان: أغشى وغشّى، وقد أجمعوا على: {فغشاها ما غشى} «النجم 54» وأجمعوا على: {فأغشيناهم}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/464]
«يس 9» فالقراءتان متساويتان، وفي التشديد معنى التكرير والتكثير). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/465]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (14- قوله: {والشمس والقمر والنجوم مسخرات} قرأ ذلك ابن عامر بالرفع، في الأربع الكلمات، ونصبهن الباقون، والتاء مكسورة في حال النصب على الأصول.
وحجة من رفع أنه استأنف الكلام وقطعه مما قبله، فرفع بالابتداء، وعطف بعض الأسماء على بعض، وجعل «مسخرات» خبرًا للابتداء، ويقوي هذا أن الله جل ذكره قد أعلمنا، في غير هذا الموضع أنه سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض، والشمس والقمر والنجوم هن مما سخره لنا، مما هو في السماء، فحسن الإخبار عنهن في هذا الموضع، فالتسخير على ذلك.
15- وحجة من نصب أنه عطف ذلك على المنصوب بـ «خلق» وقوى ذلك أن الله جل ذكره قد أنبأنا عن الشمس والقمر أنه خلقهما في قوله: {واسجدوا لله الذي خلقهن} «فصلت 37» فحمل هذا على ذلك، في الإخبار عنهن، بالخلق لهن، وكان الاشتراك بين الجملتين، واتصال بعض الكلام ببعض أقوى، وهو الاختيار، وتكون «مسخرات» حالًا على قراءة من نصب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/465]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {يُغْشِي اللَّيْلَ} [آية/ 54] بفتح العين وتشديد الشين:-
قرأها حمزة والكسائي وعاصم -ياش- ويعقوب، وكذلك في الرعد.
والوجه أنه منقول بالتضعيف لا بالهمزة؛ لأن غشي متعد إلى مفعول واحد، فإذا نقل بالتضعيف أو بالهمزة تعدى حينئذ إلى مفعولين، وهذا منقول بالتضعيف، فتقول: غشي وغشيته أنا، قال الله تعالى {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى}، فقوله {اللَّيْلَ} مفعول أول و{النَّهَارَ} مفعول ثان.
الباقون {يُغْشِي} بتسكين الغين وتخفيف الشين في السورتين.
والوجه أنه منقول بالهمزة، يقال غشي وأغشيته أنا، قال الله تعالي {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} ). [الموضح: 530]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ} [آية/ 54] رفع كلهن:
قرأها ابن عامر وحده، وكذلك في النحل، وتابعه -ص- عن عاصم في النحل في قوله {وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ} فرفعها وحده، ونصب {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}.
والوجه في الرفع أنه مقطوع مما قبله ومستأنف به، فهو على الابتداء و{مُسَخَّرَاتٍ} الخبر.
وقرأ الباقون {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ} نصبًا، و{مُسَخَّرَاتٍ} مكسورة التاء في موضع نصب.
والوجه أنه محمول على قوله تعالى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ... وَالشَّمْسَ} فقوله {الشَّمْسَ} معطوف على {السَّمَوَاتِ}، وهي نصب بأنه مفعول به، فما عطف عليه نصب، وأما {مُسَخَّرَاتٍ} فنصيبها على الحالة). [الموضح: 531]

قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {تضرعا وخفية} [55].
بضم الخاء قراءتهم كلهم إلا أبا بكر فإنه قرأ {خفية} بكسر الخاء، وقد ذكرت علته في (الأنعام).
ومعنى تضرعًا؛ أي ادعو الله خاضعين متعبدين وخفية: أي: في أنفسكم تخلصون له ذلك؛ لأنه يعلم السر وأخفى {وخائنة الأعين وما تخفي الصدور} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/186]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر (تضرّعا وخفية) [الأعراف/ 55] بكسر الخاء هاهنا وفي الأنعام [63].
وقرأ الباقون: خفية مضمومة الخاء جميعا.
وروى حفص عن عاصم خفية مضمومة الخاء فيهما.
القول في ذلك: أن خفية و (خفية) لغتان فيما حكاهما أبو الحسن.
[الحجة للقراء السبعة: 4/29]
قال: والخفية: الإخفاء، والخيفة: الخوف والرهبة.
قال أبو علي: فالهمزة في الإخفاء منقلبة عن الياء، بدلالة الخفية، كما أنّ الألف في الغنى منقلبة عن الياء بدلالة ما حكاه أبو زيد من قولهم: أدام الله لك الغنية وفي التنزيل ما نخفي وما نعلن [إبراهيم/ 38] فمقابلة الإخفاء له فيها بالإعلان، [ويدلك أنّ الإخفاء والإعلان] كالإسرار والإجهار. قال: وأسروا قولكم أو اجهروا به [الملك/ 13] قالوا: خفيت الشيء إذا أظهرته، قال:
يخفي التراب بأظلاف ثمانية... في أربع مسّهنّ الأرض تحليل
فيمكن أن يكون: أخفيت الشيء: أزلت إظهاره، وإذا
[الحجة للقراء السبعة: 4/30]
أزلت إظهاره، فقد كتمته، ومثل ذلك قولهم: أشكيته: إذا أزلت شكواه، قال وأنشد أبو زيد:
تمدّ بالأعناق أو تلويها... وتشتكي لو أنّنا نشكيها
فأما قوله: ادعوا ربكم تضرعا وخفية [الأعراف/ 55] فمما يدل على أن رفع الصوت بالدّعاء، لا يستحبّ، والخوف لله ممّا أمر به، ومدح عليه من قوله:
(وخافوني) [آل عمران/ 175] وقوله: يخافون ربهم من فوقهم [النحل/ 50]، والمعنى: خافوا عقابي، كما قال: ويرجون رحمته ويخافون عذابه [الإسراء/ 57] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/31]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [آية/ 55] بكسر الخاء:-
قرأها عاصم وحده -ياش-، الباقون {خُفْيَةً} بضم الخاء.
خفية وخفية لغتان). [الموضح: 531]

قوله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (والرحمة هاهنا: المطر. وسمى المطر رحمة، لأن الله يرحم به عباده، كما سميت الجنة رحمة، إذ كانوا يدخلونها برحمته، وذلك حيث يقول: {وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون} وإلى ذلك وجه الفراء قوله تعالى: {إنْ رحمة الله قريب} [56] ولم يقل قريبة إذا كانت الرحمة يعني بها كالمطر هاهنا.
وقال آخرون: {قريب} صفة لمكان أي: إن رحمة الله مكان قريب، كقوله: {وما يدريك لعل الساعة قريب} أي زمان قريب.
وقال آخرون: لما كانت الرحمة تأنيثها غير جائز جاز تذكيره، وقد بينا نحو ذلك فيما سلف من الكتاب.
[وقال آخرون]: إنما ذكرت الرحمة، لأنك إنما عنيت بها الغفران، وإلى هذا ذهب محمد بن القاسم الأنباري رحمه الله. وقال النحويون: إن قريبًا منك الماء وإن بعيد منك الماء فيرفعون مع البعيد وينصبون مع القريب.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/187]
وقال أبو عبيدة: قريب وبعيد لو كانتا صفتين دخلت عليهما الهاء ولكنهما ظرفان ولا يثنيان ولا يجمعان ولا يؤنثان وأنشد:
تؤرقني وقد أمست بعيدا = وأصحابي بعيهم أو تبالة
[عيهم وتبالة] موضعان. وعليهم: - في غير هذا الجَمَلُ الضخم أنشدني ابن عرفة:
ومنقوشة نقش الدنانير عوليت = على عجل فوق العتاق العياهم
[العياهم]: المنقوشة المحمل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/188] (م)

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس