عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 05:51 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الفصل الرابع: في حروف المعجم ووصف مخارجها
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الفصل الرابع: في حروف المعجم ووصف مخارجها

اعلم أن حروف التهجي يقال لها حروف المعجم، والمراد بذلك أنها الحروف التي أزيل عنها الخفاء بعلامات خصت بها، إما بنقط أو تركه.
والإعجام هو سلب الخفاء، يقال أعجمت الكتاب إذا سلبته الخفاء وبيته، وقد يأتي أفعل بمعنى السلب، نحو قولك: أشكيته إذا سلبت شكايته. فالمعجم مفعل بمعنى المصدر، فهو بمعنى الإعجام، كما تقول: أكرمته إكرامًا ومكرمًا، فالمراد حروف الإعجام أي حروف سلب الخفاء، يعني من شأنها أن تجم ويزال خفاؤها، كما تقول: مطية ركوب، أي من شأنها أن تركب، ولا يجوز أن يكون المعجم صفة الحروف؛ لأن الحروف مضافة إلى المعجم، ولا يجوز إضافة الموصوف إلى صفته؛ لأن الصفة هي الموصوف بعينه عند النحويين، ومحالٌ إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن الإضافة تفيد
[الموضح: 161]
تعريفًا وتخصيصًا، والشيء لا يعرف نفسه إنما يعرف غيره، وأيضًا فليس في المعجم تاء تأنيث ولو كان صفة لقيل المعجمة. وأما قوله: صلاة الأولى، ومسجد الجامع، فليس الإضافة فيهما إضافة الشيء إلى نفسه، إنما الأولى والجامع صفتان حذف موصوفاهما وأقيمتا مقامهما، والتقدير: صلاة الساعة الأولى ومسجد الوقت الجامع، وقولنا حروف المعجم ليس من هذا القبيل أيضًا؛ لأن المراد أن الحروف نفسها هي المعجمة، فلا يتخرج إلا على ما ذكرنا.
وحروف المعجم عند جميع النحويين تسعة وعشرون حرفًا، إلا عند أبي العباس محمد بن يزيد المبرد، فإنها عنده ثمانية وعشرون حرفًا، وذلك لأنه كان لا يعد الهمزة حرفًا منها، وكان يقول: إن الهمزة ليس لها صورة؛ لأنها لا تثبت على صفة، فإنها تخفف تارة بالحذف وتارة بالقلب وتارة بالتليين، ولم يرتض ذلك أصحاب سيبويه، وذهبوا إلى أن الألف هي صورة الهمزة، يدل على ذلك أنها إذا وقعت موقعًا لا سبيل فيها إلى التخفيف لم تكتب إلا ألفًا، وذلك إذا وقعت أولًا نحو: أخذ وأكل وأمر، فإنها في هذه الحالة
[الموضح: 162]
أعني كونها أولًا لا تخفف ألبتة، فلما لم يتطرق إليها التخفيف في هذا الموضع لم تكتب إلا على أصلها وهو الألف، فدل على أن أصل صورتها الألف، ودليلٌ آخر، أن كل حرف من حروف التهجي يكون أول حروف تسميته لفظه بعينه، ألا ترى أن أول حروف الباء باء، وأول حروف الجيم جيم، وأول حروف الدال دال، وكذلك كل حرف منها يبدأ تسميته بما هو الحرف المقصود، وكذلك الألف بدئ فيه بالهمزة، فعلمنا أن الألف هو صورة الهمزة.
وأما المدة التي في قام وسار فصورتها مشاركة لصورة الهمزة من حيث إنها تسمى ألفًا إلا أنه ينبغي أن تقيد باللين، فيقال الألف اللينة، وإنما يقال لها لينة؛ لأنها مدّة فلا تكون إلا ساكنة.
فحروف التهجي إذًا تسعة وعشرون حرفًا، ولها ستة عشر مخرجًا، وهي في مخارجها على هذا الترتيب:
الهمزة والألف والهاء والعين والحاء والغين والخاء والقاف والكاف والجيم والشين والياء والضاد واللام والراء والنون والطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين والظاء والذال والثاء والفاء والباء والميم والواو.
فأقصى الحروف مخرجًا الهمزة والألف والهاء، كذا ذكر سيبويه، وإنما رتب هذه الثلاثة على هذا الترتيب وقدم الألف على الهاء؛ لأن الألف إذا حركت انقلبت همزة، فكلاهما شيء واحد، والهمزة أقصى الحروف مخرجًا؛ لأنها تخرج من الصدر، فهذه الثلاثة إذًا من أقصى حروف الحلق مخرجًا.
ومن وسط الحلق مخرج العين والحاء.
[الموضح: 163]
وفوق ذلك من أول الفم مخرج الغين والخاء.
وفوق ذلك من أقصى اللسان وما حاذاه من الحنك مخرج القاف.
وفوق ذلك قليلًا مما هو أدنى إلى مقدم الفم مخرج الكاف.
ومن وسط اللسان بينه وبين الحنك الأعلى مخرج الجيم والشين والياء.
ومن مبدأ حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد، وبعضهم يجعل مخرج الضاد قبل مخرج الجيم والشين والياء، وأنت في إخراج الضاد مخير فمن أي حافتي اللسان شئت أخرجته، وإخراجه من اليسرى أيسر.
ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى مما فوق الضاحك والناب والرباعية والثنيتين مخرج اللام.
ومن طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا مخرج النون إلا أنها تخرج في غنة.
ومن مخرج النون لكنه أكثر دخولًا في ظهر اللسان؛ لانحرافه إلى جهة
[الموضح: 164]
اللام مخرج الراء، إلا أن فيها تكريرًا.
ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا مخرج الطاء والدال والتاء.
ومما بين الثنايا وطرف اللسان مخرج الصاد والسين والزاي لكنها متجافية قليلًا عن مخرج الطاء بحيث لا يلصق اللسان بالثنايا عند إخراجها.
ومما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا مخرج الظاء والذال والثاء.
ومن باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العلى مخرج الفاء.
ومما بين الشفتين مخرج الباء والميم والواو.
ومن الخياشيم مخرج النون الخفية، وأعني بالخفية الساكنة، ويدل على أنها من الخياشيم أنها تختل إذا أمسكت بأنفك عند النطق بها، ويقال لها الخفيفة أيضًا.
وأما النون المتحركة فقد بينا مخرجها، وأنها أيضًا لا تخلو من غنية، لكنها إذا كانت متحركة فهي من الفم، وإذا كانت ساكنة فهي من الخياشيم.
ولها أعني إذا كانت ساكنة أربعة أحوال:-
أحدها: أن تدغم، والثاني: أن تخفى، والثالث: أن تقلب، والرابع أن تبين.
أما الإدغام: فاعلم أن النون قد تدغم في خمسة أحرف: الراء واللام والميم والواو والياء، ويجمعها قولك: ليروم.
[الموضح: 165]
وإدغامها في هذه الحروف على وجهين:
أحدهما: أن يكون بغنة، والاخر: بغير غنة.
فأما الذي بغير غنة فهو أن تدغمها في اللام والراء، هذا مذهب أبي عمرو فيه، وهو الصواب؛ لأن الحرف عند الإدغام ينقلب إلى حيز ما أدغم فيه، وكل واحد من الراء واللام بعيد من الغنة، فإنهما يتميزان عن النون بعدم الغنة فيهما.
وأما الذي يكون بالغنة فهو أن تدغم النون في الواو والياء والميم، فالنون عند إدغامها في هذه الحروف تكون معها غنة، إلا أنها عند إدغامها في الميم فالغنة مختلف في أنها للنون أو الميم، فالميم أيضًا فيها غنة، فمثال إدغامها
[الموضح: 166]
في الراء: "من راق"، وفي اللام: "أن لم" وفي الواو: "من واق"، وفي الياء: "من يقول" وفي الميم: "مم".
وأما إخفاء النون فهو مع حروف الفم، وذلك أن تخفى مع حروف الفم جميعًا ولا تبين، ويكون مخرجها معها من الخياشيم، كما هو الأصل في النون الساكنة، نحو: "من قتل" "ومن كفر".
قال أبو عثمان: وبيانها مع حروف الفم لحن.
[الموضح: 167]
وأما قلب النون: فهو أن تقلب قبل الباء ميمًا، وذلك نحو: شمباء وعمبر، والأصل: سنباء وعنبر، وإنما قلبتها ميمًا مع الباء؛ لأن النون مقاربة للميم في الغنة، والميم يشارك الباء في المخرج من جهة أنهما جميعًا من وسط الشفتين، وإذا اجتمعت النون مع الباء حصل منهما ما هو مشارك لهما وهو الميم.
وأما تبيين النون فإنما هو مع حخروف الحلق، فإذا وقعت هذه النون الساكنة قبل حرف من حروف الحلق وجب تبيين النون ولم يجز إخفاؤها، وذلك نحو {مِنْ آيَاتِهِ} و{مَّنْ هُوَ} و{مِنْ عَيْنٍ} و{مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} و{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله}.
والنون الساكنة لا تقع قبل الألف أعني الألف اللينة؛ لأن الألف لا يكون ما قبلها ساكنًا.
وهذه الحروف التسعة والعشرون قد يلحقها ستة أحرف أخر هي متفرعة عنها حتى تبلغ خمسة وثلاثين حرفًا، وهذه الستة مستحسنة، يقع أكثرها في القرآن، ويجيء كلها في الفصيح من كلام العرب:
[الموضح: 168]
أحدها: النون الخفية، وقد تقدم ذكرها.
والثاني: الهمزة المخففة، وسيجيء حكمها.
والثالث: الألف الممالة، وسيجيء أيضًا.
والرابع: الصاد التي هي كالزاي، وهي التي تسمى المضارعة بين الزاي والصاد نحو "الزراط" إذا لم تجعلها زايًا خالصة ولا صادًا خالصة.
والخامس: ألف التفخيم، وهي التي ينحى بها نحو الواو كالصلوة والزكوة.
والسادس: الشين التي هي كالجيم.
وهذان الحرفان أعني ألف التفخيم والشين التي هي كالجيم قل ما يقرأ بهما في القرآن؛ لأنه لم يرد بهما أثر يعتمد عليه.
وقد تلحق بها بعد ذلك ثمانية أحرف، هي فروعٌ مأخوذة من الحروف المذكورة غير مستحسنة، لا يجيء واحد منها في القرآن ولا في الشعر ولا في الفصيح من الكلام، ولا تكاد توجد إلا في لغة لا يعتد بها، كذا ذكره سيبويه وهي: الكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم التي هي كالكاف،
[الموضح: 169]
(والجيم التي كالشين)، والضاد الضعيفة وهي التي تقرب من الذال، والصاد التي هي كالسين، والطاء التي هي كالتاء، والظاء التي هي كالثاء، والباء التي هي كالميم.
وهذه ثمانية أحرف قد بلغت بها الحروف ثلاثة وأربعين، وإن كانت هذه الثمانية غير معتد بها). [الموضح: 170]


رد مع اقتباس