عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 07:55 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل من ربّ السّماوات والأرض قل اللّه قل أفاتّخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنّور أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل اللّه خالق كلّ شيءٍ وهو الواحد القهّار (16)}
يقرّر تعالى أنّه لا إله إلّا هو؛ لأنّهم معترفون أنّه هو الّذي خلق السّموات والأرض، وهو ربّها ومدبّرها، وهم مع هذا قد اتّخذوا من دونه أولياء يعبدونهم، وأولئك الآلهة لا تملك لنفسها ولا لعابديها بطريق الأولى {نفعًا ولا ضرًّا} أي: لا تحصّل منفعةً، ولا تدفع مضرّةً. فهل يستوي من عبد هذه الآلهة مع اللّه، ومن عبد اللّه وحده لا شريك له، وهو على نورٍ من ربّه؟ ولهذا قال: {قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنّور أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} أي: أجعل هؤلاء المشركون مع اللّه آلهةً تناظر الرّبّ وتماثله في الخلق، فخلقوا كخلقه، فتشابه الخلق عليهم، فلا يدرون أنّها مخلوقةٌ من مخلوقٍ غيره؟ أي: ليس الأمر كذلك، فإنّه لا يشابهه شيءٌ ولا يماثله، ولا ندّ له ولا عدل له، ولا وزير له، ولا ولد ولا صاحبة، تعالى اللّه عن ذلك علوًّا كبيرًا. وإنّما عبد هؤلاء المشركون معه آلهةً هم يعترفون أنّها مخلوقةٌ له عبيدٌ له، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبّيك لا شريك لك، إلّا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك. وكما أخبر تعالى عنهم في قوله: {ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى} [الزّمر: 3] فأنكر تعالى ذلك عليهم، حيث اعتقدوا ذلك، وهو تعالى لا يشفع عنده أحدإلا بإذنه، {ولا تنفع الشّفاعة عنده إلا لمن أذن له} [سبأٍ: 23]، {وكم من ملكٍ في السّماوات لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن اللّه لمن يشاء ويرضى} [النّجم: 26] وقال: {إن كلّ من في السّماوات والأرض إلا آتي الرّحمن عبدًا لقد أحصاهم وعدّهم عدًّا وكلّهم آتيه يوم القيامة فردًا} [مريم: 93 -95] فإذا كان الجميع عبيدًا، فلم يعبد بعضهم بعضًا بلا دليلٍ ولا برهانٍ، بل بمجرّد الرّأي والاختراع والابتداع؟ ثمّ قد أرسل رسله من أوّلهم إلى آخرهم تزجرهم عن ذلك، وتنهاهم عن عبادة من سوى اللّه، فكذّبوهم وخالفوهم، فحقّت عليهم كلمة العذاب لا محالة، {ولا يظلم ربّك أحدًا} [الكهف: 49]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 446-447]

تفسير قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها فاحتمل السّيل زبدًا رابيًا وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللّه الأمثال (17)}
اشتملت هذه الآية الكريمة على مثلين مضروبين للحقّ في ثباته وبقائه، والباطل في اضمحلاله وفنائه، فقال تعالى: {أنزل من السّماء ماءً} أي: مطرًا، {فسالت أوديةٌ بقدرها} أي: أخذ كلّ وادٍ بحسبه، فهذا كبيرٌ وسع كثيرًا من الماء، وهذا صغيرٌ فوسع بقدره، وهو إشارةٌ إلى القلوب وتفاوتها، فمنها ما يسع علمًا كثيرًا، ومنها ما لا يتّسع لكثيرٍ من العلوم بل يضيق عنها، {فاحتمل السّيل زبدًا رابيًا} أي: فجاء على وجه الماء الّذي سال في هذه الأودية زبدٌ عالٍ عليه، هذا مثلٌ، وقوله: {وممّا يوقدون عليه في النّار} هذا هو المثل الثّاني، وهو ما يسبك في النّار من ذهبٍ أو فضّةٍ {ابتغاء حليةٍ} أي: ليجعل حليةً أو نحاسًا أو حديدًا، فيجعل متاعًا فإنّه يعلوه زبدٌ منه، كما يعلو ذلك زبدٌ منه. {كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل} أي: إذا اجتمعا لا ثبات للباطل ولا دوام له، كما أنّ الزّبد لا يثبت مع الماء، ولا مع الذّهب ونحوه ممّا يسبك في النّار، بل يذهب ويضمحلّ؛ ولهذا قال: {فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً} أي: لا ينتفع به، بل يتفرّق ويتمزّق ويذهب في جانبي الوادي، ويعلق بالشّجر وتنسفه الرّياح. وكذلك خبث الذّهب والفضّة والحديد والنّحاس يذهب، لا يرجع منه شيءٌ، ولا يبقى إلّا الماء وذلك الذّهب ونحوه ينتفع به؛ ولهذا قال: {وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللّه الأمثال} كما قال تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للنّاس وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت: 43].
قال بعض السّلف: كنت إذا قرأت مثلًا من القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي؛ لأنّ اللّه تعالى يقول: {وما يعقلها إلا العالمون}
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله تعالى: {أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها} هذا مثلٌ ضربه اللّه، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكّها، فأمّا الشّكّ فلا ينفع معه العمل، وأمّا اليقين فينفع اللّه به أهله. وهو قوله: {فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً} [وهو الشّكّ] {وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} وهو اليقين، وكما يجعل الحليّ في النّار فيؤخذ خالصه ويترك خبثه في النّار؛ فكذلك يقبل اللّه اليقين ويترك الشّكّ.
وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ قوله: {أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها فاحتمل السّيل زبدًا رابيًا} يقول: احتمل السّيل ما في الوادي من عودٍ ودمنة {وممّا يوقدون عليه في النّار} فهو الذّهب والفضّة والحلية والمتاع والنّحاس والحديد، فللنّحاس والحديد خبثٌ، فجعل اللّه مثل خبثه كزبد الماء، فأمّا ما ينفع النّاس فالذّهب والفضّة، وأمّا ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت. فجعل ذاك مثل العمل الصّالح يبقى لأهله، والعمل السّيّئ يضمحلّ عن أهله، كما يذهب هذا الزّبد، فكذلك الهدى والحقّ جاءا من عند اللّه، فمن عمل بالحقّ كان له، ويبقى كما يبقى ما ينفع النّاس في الأرض. وكذلك الحديد لا يستطاع أن يعمل منه سكّينٌ ولا سيفٌ حتّى يدخل في النّار فتأكل خبثه، ويخرج جيّده فينتفع به. كذلك يضمحلّ الباطل إذا كان يوم القيامة، وأقيم النّاس، وعرضت الأعمال، فيزيغ الباطل ويهلك، وينتفع أهل الحقّ بالحقّ.
وكذلك روي في تفسيرها عن مجاهدٍ، والحسن البصريّ، وعطاءٍ، وقتادة، وغير واحدٍ من السّلف والخلف.
وقد ضرب اللّه، سبحانه وتعالى، في أوّل سورة البقرة للمنافقين مثلين ناريًّا ومائيًّا، وهما قوله: {مثلهم كمثل الّذي استوقد نارًا فلمّا أضاءت ما حوله} الآية [البقرة: 17]، ثمّ قال: {أو كصيّبٍ من السّماء فيه ظلماتٌ ورعدٌ وبرقٌ} الآية [البقرة: 19]. وهكذا ضرب للكافرين في سورة النّور مثلين، أحدهما: قوله: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظّمآن ماءً} [النّور: 39] الآية، والسّراب إنّما يكون في شدّة الحرّ؛ ولهذا جاء في الصّحيحين: "فيقال لليهود يوم القيامة: فما تريدون؟ فيقولون: أي ربّنا، عطشنا فاسقنا. فيقال: ألا تردون؟ فيردون النّار فإذا هي كالسّراب يحطم بعضها بعضًا".
ثمّ قال في المثل الآخر: {أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ} الآية [النّور: 40]. وفي الصّحيحين عن أبي موسى الأشعريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ مثل ما بعثني اللّه به من الهدى والعلم، كمثل غيثٍ أصاب أرضًا، فكان منها طائفةٌ قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع اللّه بها النّاس، فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا، وأصابت طائفةً منها [أخرى] إنّما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين اللّه ونفعه اللّه بما بعثني ونفع به، فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى اللّه الّذي أرسلت به".
فهذا مثل مائيٌّ، وقال في الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد:
حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمر، عن همّام بن منبّه قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "مثلي ومثلكم، كمثل رجلٍ استوقد نارًا، فلمّا أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدّوابّ الّتي يقعن في النّار يقعن فيها، وجعل يحجزهنّ ويغلبنه فيقتحمن فيها". قال: "فذلكم مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النّار، هلمّ عن النّار [هلمّ عن النّار، هلمّ] فتغلبوني فتقتحمون فيها". وأخرجاه في الصّحيحين أيضًا فهذا مثلٌ ناريٌّ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 447-449]


تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({للّذين استجابوا لربّهم الحسنى والّذين لم يستجيبوا له لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنّم وبئس المهاد (18)}
يخبر تعالى عن مآل السّعداء والأشقياء فقال: {للّذين استجابوا لربّهم} أي: أطاعوا اللّه ورسوله، وانقادوا لأوامره، وصدّقوا أخباره الماضية والآتية، فلهم {الحسنى} وهو الجزاء الحسن كما قال تعالى مخبرًا عن ذي القرنين أنّه قال: {قال أمّا من ظلم فسوف نعذّبه ثمّ يردّ إلى ربّه فيعذّبه عذابًا نكرًا وأمّا من آمن وعمل صالحًا فله جزاءً الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرًا} [الكهف: 87، 88] وقال تعالى: {للّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ} [يونس: 26].
وقوله: {والّذين لم يستجيبوا له} أي لم: يطيعوا اللّه {لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا} أي: في الدّار الآخرة، لو أن يمكنهم أن يفتدوا من عذاب اللّه بملء الأرض ذهبًا ومثله معه لافتدوا به، ولكن لا يتقبّل منهم؛ لأنّه تعالى لا يقبل منهم يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا {أولئك لهم سوء الحساب} أي: في الدّار الآخرة، أي: يناقشون على النّقير والقطمير، والجليل والحقير، ومن نوقش الحساب عذّب؛ ولهذا قال: {ومأواهم جهنّم وبئس المهاد}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 449]

رد مع اقتباس