عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ليس البرّ} الآية: قرأ أكثر السبعة برفع الراء، و «البرّ» اسم ليس، قال أبو علي: «ليس بمنزلة الفعل فالوجه أن يليها الفاعل ثم المفعول».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «مذهب أبي علي أن ليس حرف»، والصواب الذي عليه الجمهور أنها فعل، وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص «ليس البرّ» بنصب الراء، جعل أن تولّوا بمنزلة المضمر، إذ لا يوصف كما لا يوصف المضمر، والمضمر أولى أن يكون اسما يخبر عنه، وفي مصحف أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ليس البرّ بأن تولوا، وقال الأعمش: إن في مصحف عبد الله: لا تحسبن البر، وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: «الخطاب بهذه الآية للمؤمنين»، فالمعنى ليس البر الصلاة وحدها، وقال قتادة والربيع: «الخطاب لليهود والنصارى لأنهم اختلفوا في التوجه والتولي، فاليهود إلى بيت المقدس والنصارى إلى مطلع الشمس، وتكلموا في تحويل القبلة وفضلت كل فرقة توليها، فقيل لهم ليس البر ما أنتم فيه ولكن البر من آمن بالله». قرأ قوم «ولكنّ البرّ» بشد النون ونصب البر، وقرأ الجمهور «ولكن البر» والتقدير ولكن البر بر من، وقيل: التقدير ولكن ذو البر من، وقيل: البرّ بمنزلة اسم الفاعل تقديره ولكن البار من، والمصدر إذا أنزل منزلة اسم الفاعل فهو ولا بد محمول على حذف مضاف، كقولك رجل عدل ورضى.
والإيمان التصديق، أي صدق بالله تعالى وبهذه الأمور كلها حسب مخبرات الشرائع.
وقوله تعالى: {وآتى المال على حبّه} الآية، هذه كلها حقوق في المال سوى الزكاة، وبها كمال البر، وقيل هي الزكاة، وآتى معناه أعطى، والضمير في حبّه عائد على المال فالمصدر مضاف إلى المفعول، ويجيء قوله: {على حبّه} اعتراضا بليغا أثناء القول، ويحتمل أن يعود الضمير على الإيتاء أي في وقت حاجة من الناس وفاقة، وفإيتاء المال حبيب إليهم، ويحتمل أن يعود الضمير على اسم الله تعالى من قوله: {من آمن باللّه} أي من تصدق محبة في الله تعالى وطاعاته، ويحتمل أن يعود على الضمير المستكن في آتى أي على حبه المال، فالمصدر مضاف إلى الفاعل، والمعنى المقصود: أن يتصدق المرء في هذه الوجوه وهو شحيح صحيح يخشى الفقر ويأمل الغنى، كما قال صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والشح في هذا الحديث هو الغريزي الذي في قوله تعالى:{وأحضرت الأنفس الشّحّ}»[النساء: 128]، وليس المعنى أن يكون المتصدق متصفا بالشح الذي هو البخل، و{ذوي القربى} يراد به قرابة النسب.
واليتم في الآدميين من قبل الأب قبل البلوغ، وقال مجاهد وغيره: «ابن السّبيل المسافر لملازمته السبيل».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا كما يقال ابن ماء للطائر الملازم للماء»، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة ابن زنى» أي الملازم له، وقيل: لما كانت السبيل تبرزه شبه ذلك بالولادة فنسب إليها، وقال قتادة: «ابن السّبيل الضيف»، والأول أعم، {وفي الرّقاب}: يراد به العتق وفك الأسرى وإعطاء أواخر الكتابات، {وأقام الصّلاة} أتمها بشروطها، وذكر الزكاة هنا دليل على أن ما تقدم ليس بالزكاة المفروضة، والموفون عطف على من في قوله: {من آمن}، ويحتمل أن يقدر وهم الموفون، والصّابرين نصب على المدح أو على إضمار فعل، وهذا مهيع في تكرار النعوت، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «والموفين» على المدح أو على قطع النعوت، وقرأ يعقوب والأعمش والحسن والموفون «والصابرون»، وقرأ الجحدري بعهودهم، والبأساء الفقر والفاقة، والضّرّاء المرض ومصائب البدن، وحين البأس وقت شدة القتال.
هذا قول المفسرين في الألفاظ الثلاثة، وتقول العرب: بئس الرجل إذا افتقر، وبؤس إذا شجع.
ثم وصف تعالى أهل هذه الأفعال البرة بالصدق في أمورهم أي هم عند الظن بهم والرجاء فيهم كما تقول: صدقني المال وصدقني الربح، ومنه عود صدق، وتحتمل اللفظة أيضا صدق الإخبار، ووصفهم الله تعالى بالتقى، والمعنى هم الذين جعلوا بينهم وبين عذاب الله وقاية من العمل الصالح). [المحرر الوجيز: 1/ 419-422]


رد مع اقتباس