عرض مشاركة واحدة
  #59  
قديم 6 صفر 1440هـ/16-10-2018م, 08:56 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النساء
[ من الآية (153) إلى الآية (154) ]

{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا (153) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154)}

قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا (153)}

قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا تعدوا في السّبت... (154).
[معاني القراءات وعللها: 1/321]
قرأ نافع وحده (لا تعدّوا في السّبت) بسكون العين، وتشديد الدال، وروى ورش عنه (لا تعدّوا في السّبت) بفتح العين وتشديد الدال، وقرأ الباقون (لا تعدوا في السّبت) ساكنة العين خفيفة الدال.
قال أبو منصور: القراءة التي رويت عن نافع بسكون العين وتشديد الدال ضعيفة عند النحويين، لاجتماع الساكنين، وهي في الأصل: لا تعتدوا، فأدغمت التاء في الدال وشددت، وعدا واعتدى، إذا جاوز الحدّ وظلم، ولو قرئت (ولا تعدّوا) بفتح العين وتشديد الدال فالأصل فيها: تعتدوا أيضًا، يقال: أعدّى يعدي إعداء، الأصل فيها: اعتدى يعتدي اعتداء.
وأجود القراءة (لا تعدوا) من عدا يعدو، إذا جاوز الحد وجار). [معاني القراءات وعللها: 1/322]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (37- وقوله تعالى: {لا تعدوا في السبت} [154].
قرأ نافع في رواية ورش {تعدوا} بفتح العين وتشديد الدال، والأصل: تعتدوا تفتعلوا من العدوان، فنقل فتحة التاء إلى العين وأدغم التاء في الدال، ومنه {تخطف أبصارهم} و{أمن لا يهدي}.
وروى قالون عن نافع {لا تعدوا} بإسكان العين وتشديد الدال فجمع بين ساكنين، وهو قبيح جدًا؛ لأن العرب لا تجمع بين ساكنين إلا إذا كان أحدهما حرف لين، وكأنه أراد الحركة فأسكن؛ لأن الفراء حكى عن عبد القيس أنها تقول: أسل زيدًا فتدخل الألف الوصل على متحرك؛ لأنهم أرادوا الإسكان.
وقرأ الباقون {لا تعدوا} على وزن لا تفعوا.
والأصل في القراءات كلها: لا تعدووا بواوين فاستثقلوا الضمة على الواو الأولى فخزلوها، ثم حذفوا الواو لسكونها، وسكون واو الجمع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/139]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله [جلّ وعز] لا تعدوا في السبت. [النساء/ 154].
فقرأ نافع: تعدوا بتسكين العين وتشديد الدال.
وروى عنه ورش: تعدوا بفتح العين وتشديد الدال.
وكلهم ضمّ الدال، وقرأ الباقون: لا تعدو خفيفة.
قال أبو زيد: عدا عليّ اللص أشدّ العدوّ، والعدو والعداء والعدوان، أي: سرقك وظلمك، وعدا الرجل يعدو عدوا في الحضر، وقد عدت عينه عن ذاك أشدّ العدوّ فهي تعدو.
قال أبو علي [ومن قرأ]: لا تعدوا حجته قوله تعالى: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت [البقرة/ 65] فجاء في هذه القصّة بعينها: افتعلوا، وقال: ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين [البقرة/ 190].
وأمّا من قال: لا تعدوا على: لا تفعلوا، فحجّتهم قوله تعالى: إذ يعدون في السبت [الأعراف/ 163] في هذه القصة، وقال: فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون [المؤمنون/ 7] وقال: فمن اضطر غير باغ ولا عاد [البقرة/ 173] [النمل/ 115] [الأنعام/ 145] فقوله: ولا عاد يحتمل أمرين: أحدهما أنّه فاعل من عدا يعدو: إذا جاوز، وقد تقول: ما عدوت أن زرتك، أي: ما جاوزت ذلك. وروي عن الحسن: ولا عاد أي: ولا عائد فقلب؛ من عاد إلى الشيء. ويقوي تفسير الحسن ما أثر من قوله [عليه السلام]: «يجزئ في الضارورة
[الحجة للقراء السبعة: 3/190]
صبوح أو غبوق»
أي: لا يعود إليه لأنّه إذا أكله مرة واحدة لا يخشى معها على نفسه. ومن حجتهم قوله: فلا عدوان إلا على الظالمين [البقرة/ 193] وقوله: فلا عدوان علي [القصص/ 28] فهذا مصدر كالشكران والغفران ومصدر افتعل: الاعتداء.
فأما قراءة نافع: لا تعدوا فإنه يريد: لا تفتعلوا، فأدغم التاء في الدال لتقاربهما، ولأنّ الدال تزيد على التاء بالجهر. وكثير من النحويين ينكرون الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني منهما مدغما، ولم يكن الأول حرف لين، نحو: دابّة، وشابّة، وثمودّ الثوب، وقيلّ لهم، ويقولون: إنّ المدّ يصير عوضا من الحركة. وقد قالوا: ثوب بكر، وجيب بكر فأدغموا، والمدّ الذي فيهما أقلّ من المد الذي يكون فيهما إذا كان حركة ما قبلهما منهما. وساغ فيه وفي نحو: أصيمّ ومديقّ ودويبّة، فإذا جاز ما ذكرنا مع نقصان المدّ الذي فيه، لم يمتنع أن يجمع بين الساكنين في نحو تعدوا، وتخطف، وقد جاء في القراءة، وجاز ذلك لأنّ الساكن الثاني لما كان يرتفع اللسان عنه وعن المدغم فيه ارتفاعة واحدة؛ صار بمنزلة حرف متحرك، يقوي ذلك: أن من العلماء بالعربية من جعل المدغم مع المدغم فيه بمنزلة حرف واحد، وذلك قول يونس في النسب إلى مثنّى:
[الحجة للقراء السبعة: 3/191]
مثنويّ، جعله بمنزلة ملهويّ، ويقوي ذلك جواز نحو أصيمّ وأنّه قول العرب جميعا مع نقصان المدّ فيه. ويقوّي ذلك أنّهم قد وضعوا موضع حرف لين غيره. وذلك نحو قوله: تعفّف ولا تبتئس فما يقض يأتيكا فحرف المدّ الذي قبل حركة ما قبله منه. وقال:
خليليّ عوجا على رسم دار... خلت من سليمى ومن ميّه
فحركة ما قبل حرف اللين ليس منه. وقال:
صفيّة قومي ولا تعجزي... وبكّي النساء على حمزة
فجعل مكان حرف اللين غيره. وقال:
لقد ساءني سعد وصاحب سعد... وما طلباني دونها بغرامه
[وما كل موت نصحه بلبيب
[الحجة للقراء السبعة: 3/192]
مخالف للبيت الأول، لأنّ حرف اللين فيه أطول من البيت الأول.. ].
فإذا كانوا قد جعلوا مواضع حرف اللين غيره في هذه الأشياء التي ذكرنا؛ جاز أن يجعل موضع حرف اللين غيره في هذه المواضع التي قرأت بها القراء، ولم يكن ذلك لحنا وإن كان الوجه الآخر أكثر في الاستعمال، ويقوي ذلك أنّ ما بين حرف اللين وغيره يسير، فلا يتفاوت ذلك من حيث كان الجميع في الوزن واحدا، ألا ترى أنّ الضاد وإن شغلت في خروجها مواضع لتفشّيها واستطالتها بمنزلة النون التي تخرج من الخياشيم في الوزن، فكذلك ما بين حرف اللين الذي ليس ما قبله من جنسه، وبين سائر الحروف التي ليست بليّنة، يسير يحتمل ذلك ولا يتفاوت. ويقوي ذلك ما أنشده سيبويه:
كأنّه بعد كلال الزّاجر... ومسّح مرّ عقاب كاسر). [الحجة للقراء السبعة: 3/193]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وقلنا لهم لا تعدوا في السبت}
قرأ نافع {لا تعدوا} ساكنة العين مشدّدة الدّال وحجته قوله {وكانوا يعتدون} والأصل لا تعتدوا ثمّ سكن التّاء وأدغم في الدّال فصار تعدوا
وقرأ ورش {لا تعدوا} بفتح العين نقل فتحة التّاء إلى العين مثل يهدي
وقرأ الباقون {لا تعدوا} خفيفة الدّال من قولك عدا يعدو إذا جاوز في الحدر وحجتهم قوله {إذ يعدون في السبت} ). [حجة القراءات: 218]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (79- قوله: {لا تعدوا} قرأ قالون باختلاس حركة العين، لأنها حركة عارضة عليها، لأن أصلها «تعتدوا»، فأصلها السكون، ثم أدغمت التاء في الدال، بعد أن ألقيت حركتها على العين، فاختلس حركة العين، ليخبر أنها حركة غير لازمة، ولم يمكنه أن يسكن العين، لئلا يلتقي ساكنان: العين، وأول المدغم، وكره تمكين الحركة، إذ ليست بأصل فيها، وحسن ذلك للتشديد الذي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/401]
في الكلمة، ولطولها، وقد قيل: إنه إنما أخفى الحركة؛ إذ هي غير أصلية، وأتى هذا في هذه الكلمة سماعًا، وليس بأصل يقاس عليه في كل ما كان قد ألقي عليه حكرة ما بعده، وقد روي عنه غسكان العين، وهو غير جائز؛ لأنه يجتمع ساكنان: الأول غير حرف مد ولين، ولا حرف لين، وقرأ ذلك ورش بفتح العين، والتشديد على الأصل، وأصله «تعتدوا» في قراءته، ثم ألقى حركة التاء على العين، وأدغمها في الدال، وقرأ الباقون بإسكان العين والتخفيف على أنه على وزن «تفعلوا» وأصله «تعتدووا» بواوين، لأنه عدا يعدو، ثم أعل فصار «تعدوا»، مثل قولك: لا تدعوا ولا تعدوا، إذا نهيت الجماعة، وشاهده قوله: {إذ يعدون في السبت} «الأعراف 163» وقال: {فأولك هم العادون} «المؤمنون 7» وقال: {غير باغٍ ولا عادٍ} «البقرة 173» فكل هذا من: عدا يعدو، فهو شاهد للإسكان في الآية، وهو الاختيار لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/402]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43- {لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} [آية/ 154]:-
بفتح العين وتشديد الدال، قرأها نافع ش.
والمراد لا تعتدوا، فأدغم التاء في الدال لتقاربهما ونقل حركتها إلى العين، ومثله {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا} فجاء على افتعلوا، وهي هذه القصة بعينها.
وقرأ نافع في رواية ن- و- يل- {لا تَعْدُّوا} بتسكين العين وتشديد
[الموضح: 431]
الدال، فإن المراد أيضًا لا تعتدوا، فأدغم التاء في الدال لتقاربهما، ولم تنقل حركة التاء إلى العين، بل ترك العين ساكنةً، فاجتمع ساكنان الثاني منهما مدغم، وأكثر النحويين ينكرون جوازه، إلا أن يكون الأول منهما ألفًا نحو: دابةٍ وشابة، وقد شبه بالألف الواو والياء لاجتماعهما معه في كونهما حرف علةٍ نحو: مديق ودويبةٍ، فلما جوزوا ذلك في الواو والياء في نحو ما ذكرنا من نقصان المد فيهما لم يمتنع أن يجوز في نحو {تَعْدّوا} و{يَخْطِّف} مع عدم المد.
وقرأ الباقون {لا تَعْدُوا} بسكون العين وتخفيف الدال. وهو الأشهر، كقوله {إذْ يَعْدُونَ فِي السَبْتِ}، وهو من عَدا يَعْدُوا، فقوله {لا تَعْدُوا} لا تفعلوا. وحجته {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}). [الموضح: 432]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس