عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 28 ربيع الثاني 1434هـ/10-03-2013م, 03:25 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {منها أربعةٌ حرمٌ ذلك الدّين القيّم فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم...}
جاء التفسير: في الاثني عشر. وجاء {فيهن}: في الأشهر الحرم؛ وهو أشبه بالصواب - والله أعلم - ليتبين بالنهي فيها عظم حرمتها؛ كما قال: {حافظوا على الصّلوات} ثم قال: {والصّلاة الوسطى} فعظّمت، ولم يرخص في غيرها بترك المحافظة. ويدلّك على أنه للأربعة - والله أعلم - قوله: (فيهن) ولم يقل (فيها). وكذلك كلام العرب لما بين الثلاثة إلى العشرة تقول: لثلاث ليال خلون، وثلاثة أيام خلون إلى العشرة، فإذا جزت العشرة قالوا: خلت، ومضت. ويقولون لما بين الثلاثة إلى العشرة (هنّ) و(هؤلاء) فإذا جزت العشرة قالوا (هي، وهذه) إرادة أن تعرف سمة القليل من الكثير. ويجوز في كل واحد ما جاز في صاحبه؛ أنشدني أبو القمقام الفقعسيّ:
أصبحن في قرحٍ وفي داراتها = سبع ليال غير معلوفاتها
ولم يقل: معلوفاتهن وهي سبع، وكل ذلك صواب، إلا أن المؤثر ما فسّرت لك. ومثله: {وقال نسوةٌ في المدينة} فذكّر الفعل لقلّة النسوة ووقوع (هؤلاء) عليهن كما يقع على الرجال. ومنه قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} ولم يقل: انسلخت، وكلٌّ صواب. وقال الله تبارك وتعالى: {إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك} لقلّتهن ولم يقل (تلك) ولو قيلت كان صوابا). [معاني القرآن: 1/435]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {المشركين كافّةً...}
يقول: جميعا. والكافّة لا تكون مذكّرة ولا مجموعة على عدد الرجال فتقول: كافّين، أو كافّات للنسوة، ولكنها {كافّة} بالهاء والتوحيد في كل جهة؛ لأنها وإن كانت على لفظ (فاعلة) فإنها في مذهب مصدر؛ مثل الخاصّة، والعاقبة، والعافية. ولذلك لم تدخل فيها العرب الألف واللام لأنها آخر الكلام مع معنى المصدر. وهي في مذهب قولك: قاموا معا وقاموا جميعا؛ ألا ترى أن الألف واللام قد رفضت في قولك: قاموا معا، وقاموا جميعا، كما رفضوها في أجمعين وأكتعين وكلهم إذ كانت في ذلك المعنى. فإن قلت: فإن العرب قد تدخل الألف واللام في الجميع، فينبغي لها أن تدخل في كافة وما أشبهها، قلت: لأن الجميع على مذهبين، أحدهما مصدر، والآخر اسم، فهو الذي شبّه عليك. فإذا أردت الجميع الذي في معنى الاسم جمعته وأدخلت فيه الألف واللام؛ مثل قوله: {وإنا لجميعٌ حاذرون}، وقوله: {سيهزم الجمع ويولّون الدّبر} وأما الذي في معنى معا وكافّة فقولك للرجلين: قاما جميعا، وللقوم: قاموا جميعا، وللنسوة: قمن جميعا، فهذا في معنى كلّ وأجمعين، فلا تدخله ألفا ولاما كما لم تدخل في أجمعين). [معاني القرآن: 1/436]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الدّين القيّم} مجازه: القائم أي المستقيم، خرج مخرج سيّد، وهو من ساد يسود بمنزلة قام يقوم.
{وقاتلوا المشركين كافّةً} أي عامة، يقال: جاءوني كافة، أي جميعاً). [مجاز القرآن: 1/258]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {منها أربعة حرم} فقد فسرنا الحرام في المائدة، وهو هذا). [معاني القرآن لقطرب: 641]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهراً في كتاب اللّه يوم
خلق السّماوات والأرض منها أربعةٌ حرمٌ} ثم قال: {ذلك الدّين القيّم} أي الحساب الصحيح والعدد المستوي. والأربعة الحرم: ذو القعدة وذو الحجة، والمحرم، ورجب الشهر الأصم.
وقال قوم: هي الأربعة الأشهر التي أجلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وعلى آله وسلم، المشركين فقال: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ}. وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. واحتجوا بقوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [سورة التوبة آية: 5]، وأنكروا أن يكون رجب منها. وكانت العرب تعظم رجب، وتسمّيه منصل الأسنّة ومنصل الألّ، لأنهم كانوا ينزعون الأسنة فيه والألّ وهي الحراب. ويسمونه أيضا: شهر اللّه الأصم، لأنهم كانوا لا يحاربون فيه لأنه محرم عليه. ولا يسمع فيه تداعي القبائل أو قعقعة السلاح. قال الأعشى:
تداركه في منصل الألّ بعد ما مضى غير دأداء وقد كاد يذهب
وقال حميد بن ثور يصف إبلا:
رعينا المرار الجون من كلّ مذنب شهور جمادي كلها والمحرّما
يريد بالمحرم رجبا.
وأما قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} فإنما عني الثلاثة منها، لأنها متوالية، لا أنّه جعل فيها شوّالا وأخرج رجبا.
ويقال: إن الأربعة الأشهر التي أجّلها رسول اللّه المشركين من عشر ذي الحجة إلى عشر ربيع الآخر، وسماها حرما لأن اللّه حرم فيها قتالهم وقتلهم). [تفسير غريب القرآن: 184-186]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهرا في كتاب اللّه يوم خلق السّماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدّين القيّم فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
أعلم اللّه جلّ وعزّ: أن عدة شهور المسلمين، الذين تعبّدوا بأن يجعلوا لسنتهم - اثنا عشر شهرا، على منازل القمر، فجعل حجهم وأعيادهم
وصلاتهم في أعبادهم هذا العدد، فالحج والصوم يكون مرة في الشتاء ومرة في الصيف، وفي فصول الأزمان على قدر الشهور ودوران السنين، وكانت أعياد أهل الكتاب ومتعبّداتهم في سنتهم يعملون فيها على أن السنة ثلاثمائة يوم وخمسة وستون يوما وبعض يوم، على هذا يجري أمر النصارى واليهود.
فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن سني المسلمين على الأهلّة.
وقوله: {منها أربعة حرم}
الأربعة الحرم: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة.
{فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم}.
قيل في الأربعة، وقيل في الاثني عشر. فمن قال في الأربعة قال: أراد تعظيم شأن المعاصي - كما قال جلّ وعزّ: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ}
فالفسوق لا يجوز في حج ولا غيره، ولكنه عزّ وجلّ عرف الأيام التي تكون فيها المعاصي أكثر إثما وعقابا.
وقوله: {وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة}.
فـ " كافّة " منصوب على الحال، وهو مصدر على فاعله كما قالوا العاقبة والعافية. وهو في موضع قاتلوا المشركين محيطين بهم باعتقاد مقاتلتهم.
وهذا مشتق من كفّة الشيء، وهي حرفه، وإنما أخذ من أن الشيء إذا انتهى إلى ذلك كفّ عن الزيادة، ولا يجوز أن يثنّى ولا يجمع، ولا يقال قاتلوهم كافّات ولا كافّين، كما أنك إذا قلت: قاتلوهم عامّة لم تثنّ ولم تجمع، وكذلك خاصّة.
هذا مذهب النحويين.
وقوله عزّ وجلّ: {واعلموا أنّ اللّه مع المتقين}.
تأويله أنه ضامن لهم النصر). [معاني القرآن: 2/445-447]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم}
الأربعة الحرم المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة
ثم قال جل وعز: {ذلك الدين القيم}
الدين ههنا الحساب أي ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوفى
وعن ابن عباس {ذلك الدين القيم} قال القضاء القيم
وقال أبو عبيدة أي القائم: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} [آية: 36]
أكثر أهل التفسير على أن المعنى فلا تظلموا في الأربعة أنفسكم وخصها تعظيما كما قال فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران
عن ابن عباس فلا تظلموا فيهن أنفسكم في الاثني عشر
وروى قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال فيهن كلهن). [معاني القرآن: 3/205-207]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والأربعة الحُرمُ} ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب. وجعل قوم شوالا منها، وأخرجوا رجبا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر...}
كانت العرب في الجاهلية إذا أرادوا الصدر عن منىً قام رجل من بني كنانة يقال له (نعيم بن ثعلبة) وكان رئيس الموسم، فيقول: أنا الذي لا أعاب ولا أجاب ولا يردّ لي قضاء. فيقولون: صدقت، أنسئنا شهرا، يريدون: أخّر عنّا حرمة المحرم
واجعلها في صفر، وأحلّ المحرم، فيفعل ذلك. وإنما دعاهم إلى ذاك توالى ثلاثة أشهر حرم لا يغيرون فيها، وإنما كان معاشهم من الإغارة، فيفعل ذلك عاما، ثم يرجع إلى المحرم فيحرّمه ويحلّ صفرا، فذلك الإنساء. تقول إذا أخرت الرجل بدينه: أنسأته، فإذا زدت في الأجل زيادة يقع عليها تأخير قلت: قد نسأت في أيامك وفي أجلك، وكذلك تقول للرجل: نسأ الله في أجلك؛ لأن الأجل مزيد فيه. ولذلك قيل للّبن (نسأته) لزيادة الماء فيه، ونسئت المرأة إذا حبلت أي جعل زيادة الولد فيها كزيادة الماء في اللبن، وللناقة: نسأتها، أي زجرتها ليزداد سيرها. والنسيء المصدر، ويكون المنسوء مثل القتيل والمقتول.
وقوله: {يضلّ به الّذين كفروا} قرأها ابن مسعود {يضلّ به الذين كفروا} وقرأها زيد بن ثابت {يضلّ} يجعل الفعل لهم، وقرأ الحسن البصري (يضلّ به الذين كفروا)، كأنه جعل الفعل لهم يضلّون به الناس وينسئونه لهم.
وقوله: {لّيواطئوا عدّة} يقول: لا يخرجون من تحريم أربعة). [معاني القرآن: 1/436-437]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر} كانت النسأة في الجاهلية، وهم بنو فقيم من كنانة اجتبروا لدينهم ولشدتهم في دينهم في الجاهلية، إذا اجتمعت العرب
في ذي الحجة للموسم وأرادوا أن يؤخروا ذا الحجة في قابل لحاجة أو لحرب، نادى مناد: إن المحرم في صفر وكانوا يسمون المحرّم وصفر الصفرين، والمحرّم صفر الأكبر، وصفر المحرم الأصغر فيحلون المحرم ويحّرمون صفر، فلا يفعلون ذلك كل عام، حتى إذا حج النبي صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة الذي يكون فيه الحج قال: " إن الزمان قد استدار وعاد كهيئته، فاحفظوا العدد) فينصرف الناس بذلك إلى منازلهم.
{ليواطوا} مجازه: ليوافقوا من وطئت، قال ابن مقبل:

ومنهلٍ دعس آثار المطيّ به.=.. يأتي المخارم عرنينا فعرنينا
واطأته بالسّرى حتى تركت به=ليل التمّام ترى أعلامه جونا).
[مجاز القرآن: 1/258-260]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر يضلّ به الّذين كفروا يحلّونه عاماً ويحرّمونه عاماً لّيواطئوا عدّة ما حرّم الله فيحلّوا ما حرّم الله زيّن لهم سوء أعمالهم واللّه لا يهدي القوم الكافرين}
وقال: {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر} وهو التأخير. وتقول "أنسأته الدّين" إذا جعلته إليه يؤخره هو. و:"نسأت عنه دينه" أي: أخرته عنه. وإنما قلت: "أنسأته الدّين" لأنك تقول: "جعلته له يؤخّره" و"نسأت عنه دينه" "فأنا أنّسؤه" أي: أؤخّره. وكذلك "النّساء في العمر" يقال: "من سرّه النّساء في العمر"، ويقال "عرق النّسا" غير مهموز.
وقال: {لّيواطئوا} لأنها من "واطأت" ومثله {هي أشدّ وطاءً} أي: مواطأة، وهي المواتاة وبعضهم قال {وطءا} أي: قياما). [معاني القرآن: 2/30]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أبي جعفر ونافع وشيبة {إنما النسي زيادة في الكفر} على فعيل وهي قراءة القراء.
وقد حكي عن بعضهم "إنما النسء زيادة" على فعل بإسكان العين؛ فسنخبر عنها في الغريب إن شاء الله.
زيد بن ثابت وأبو عمرو {يضل به الذين}.
والحسن {يضل} من أضله.
ابن مسعود والأعمش {يضل} لا يذكر فاعلاً). [معاني القرآن لقطرب: 629]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {إنما النسيء زيادة} فهو من أنسأته الدين إنساءً؛ أي أخرته، وقالوا: نسأت الناقة أخرت ظمأها؛ والمعنى التأخير؛ وقد فسرنا ذلك في سورة البقرة.
وقالوا في معنى النسيء: كانت، العرب في الجاهلية (إذا اجتمعت في ذي الحجة للموسم، فأرادوا أن يؤخروا ذا الحجة من قابل، لحاجة أو لحرب، نادى مناد: إن المحرم صفر؛ وكانوا يسمون المحرم وصفرا الصفرين، والمحرم: صفر الأكبر، وصفر الأصغر، فيحلون المحرم ويحرمون صفرًا؛ ولا يفعلون ذلك كل عام، حتى إذا حج النبي صلى الله عليه وسلم حج في ذي الحجة، الذي يكون فيه الحج؛ فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الزمان قد دار كهيئته فاحفظوا العدد" فينصرف الحاج بذلك إلى منازلهم).
وقالوا: أيضًا كانوا يقدمون ويؤخرون، عاما صفرا، وعاما المحرم.
وأما {النسيء} في قول ابن عباس، فإن ابن عباس كان يقول: كان الناس لهم رجل من بني كنانة يقال: له نعيم بن ثعلبة بن عوف؛ وكان يكون على الناس في الموسم، فإذا هم بالعام، وفرغوا من حجهم؛ قام فخطب فقال: أيها الناس أنا الذي لا أعاب ولا أجاب؛
[معاني القرآن لقطرب: 641]
ولا مرد لما قضيت؛ فيقول المشركون: لبينا ربنا، فيسألونه أن ينسئهم شهرا يغبرون فيه للإصابة من الحروب، قال فيقول: فإن صفرا العام حرام، فيحلون الأوتار وينزعون الرججة والقطب وخرجوا فأغاروا على الناس.
قال محمد بن مروان السدي: قلت للكلبي: أرأيت إذا كان يحله عامًا ويحرمه عامًا، كيف كانوا لا يحذرون الناس من قابل، فيأخذون حذرهم؟ قال: إنما كان يفعل في السنين وهو أغر، ما كانوا؛ وإنما حرم صفرًا لكي يواطئ عدة توافق عدة اثنتي عشر شهرًا، من صفر إلى صفر؛ فكان هذا الكناني أول من فعل ذلك؛ يحل المحرم فيغيرون، ويحرم صفرًا؛ ثم يحرم المحرم سنة أخرى ويحل صفرًا؛ فسنة يفعل هذا وسنة هذا؛ وإنما فعل ذلك لأنهم كانوا يصيبون على ظهور دوابهم من الغارة، فكانت معيشتهم فيها؛ فشق ذلك عليهم توالي أربعة أشهر حرم وجهدوا فيها، فلذلك أنسأهم منها شهرًا، لكي يغيروا فيه.
ثم فعله من بعد نعيم بن ثعلبة رجل من هوازن، وقالوا: لئن توالت علينا أربعة حرم لا نصيب شيئًا لنهلكن، وإنما نصيب على ظهور دوابنا؛ فكانت العرب تسمى المحرم صفرًا، قال: فكان من بعد هوازن وسليم رجل يقال: له جنادة بن عوف بن أمية؛ فكان يحل المحرم سنة، ويحرم صفرًا سنةً؛ ويحل صفرًا سنةً ويحرم المحرم سنةً؛ وهو الذي أدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {إنما النسيء زيادة في الكفر} يقول: الترك للمحرم، زيادة في الكفر إلى كفرهم {يحلونه عاما} فيقاتلون فيه {ويحرمونه عاما} فلا يقاتلون فيه {ليواطئوا} أي ليوافقوا {عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله}
[معاني القرآن لقطرب: 642]
عليهم {زين لهم سوء أعمالهم} أي قبيح أعمالهم {والله لا يهدي القوم الكافرين}.
وقوله {ليواطئوا} فهو من واطأته مواطأة على الأمر؛ إذا عاونته عليه ولم تختلفا). [معاني القرآن لقطرب: 643]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {إنما النسيء}: النسيء التأخير والنسأة قوم من كنانة كانوا يؤخرون الشهور الحرم.
{ليواطئوا}: الموافقة، يقال واطأ في الشعر إذا جعل بيتين على قافية واحدة). [غريب القرآن وتفسيره:163- 164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( والنّسيء نسء الشهور وهو تأخيرها. وكانوا يؤخرون تحريم المحرم منها سنة ويحرمون غيره مكانه لحاجتهم إلى القتال فيه ثم يردونه إلى التحريم في سنة أخرى. كأنهم يستنسئون ذلك ويستقرضونه.
{ليواطؤا} أي ليوافقوا {عدّة ما حرّم اللّه} يقول: إذا حرموا من الشهور عدد الشهور المحرمة لم [يبالوا] أن يحلّوا الحرام ويحرّموا الحلال). [تفسير غريب القرآن: 186]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما النّسيء زيادة في الكفر يضلّ به الّذين كفروا يحلّونه عاما ويحرّمونه عاما ليواطئوا عدّة ما حرّم اللّه فيحلّوا ما حرّم اللّه زيّن لهم سوء أعمالهم واللّه لا يهدي القوم الكافرين}
النسيء - هذا - تأخير الشيء، وكانوا يحرمون القتال في المحرم فإذا عزموا على أن يقاتلوا فيه جعلوا صفرا كالمحرم، وقاتلوا في المحرم وأبدلوا صفرا منه، فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن ذلك زيادة في الكفر.
{ليواطئوا عدّة ما حرّم اللّه}.
فيجعلوا صفرا كالمحرم في العدة، ويقولوا: إن هذه أربعة بمنزلة أربعة.
والمواطأة المماثلة والاتفاق على الشيء). [معاني القرآن: 2/447]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنما النسيء زيادة في الكفر}
النسيء التأخير ومنه نسأ الله في أجلك
ثم قال جل وعز: {يضل به الذين كفروا}
قال الزهري وقتادة والضحاك وأبو وائل والشعبي كانوا ربما أخروا تحريم المحرم إلى صفر
قال قتادة وكانوا يسمونها الصفرين
وقال مجاهد كان لهم حساب يحسبون فربما قالوا لهم الحج في هذه السنة في المحرم فيقبلون منهم
ودل على هذا قوله: {ولا جدال في الحج} أي إنه في ذي الحجة
قال أبو جعفر وأبين ما في هذا ما حدثناه بكر بن سهل قال نا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {إنما النسيء زيادة في الكفر} قال كان جنادة بن
أمية يوافي الموسم كل عام وكان يكنى أبا ثمامة فينادي ألا إن أبا ثمامة لا يخاب ولا يعاب ألا وإن صفر العام الأول العام حلال فيحله للناس ويحرم صفرا عاما ويحرم المحرم عاما فذلك قول الله جل وعز: {إنما النسيء زيادة في الكفر} الآية قال والنسيء تركهم المحرم عاما وعاما يحرمونه
وقرأ الحسن يضل به الذين كفروا يعني بالذين كفروا الحساب الذين يقولون لهم هذا
ويروى عن عبد الله بن مسعود يضل به الذين كفروا أي يضل به الذين يقبلون من الحساب
ويحتج لمن قال بالقول الأول بقوله جل وعز: {يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله} أي ليوافقوا فيحرموا أربعة كما حرم الله جل وعز أربعة). [معاني القرآن: 3/207-209]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ):{النَّسِيءُ} التأخير، كانوا يؤخرون تحريم المحرم من أشهر المحرم سنة، ويحرمون غيره لحاجتهم إلى القتال فيه، ثم يردونه إلى المحرم في سنة أخرى كأنه استقراض.
{لِيُوَاطِئُوا} أي ليوافقوا العدة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 97]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {النَّسِيء}: التأخير
{المواطأة}: الموافقة). [العمدة في غريب القرآن: 147]


رد مع اقتباس