عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 08:00 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم} أي: فارقوا الإيمان ورجعوا إلى الكفر، {من بعد ما تبيّن لهم الهدى الشّيطان سوّل لهم} أي: زيّن لهم ذلك وحسّنه، {وأملى لهم} أي: غرهم وخدعهم.
{ذلك بأنّهم قالوا للّذين كرهوا ما نزل اللّه سنطيعكم في بعض الأمر} أي: مالئوهم وناصحوهم في الباطن على الباطل، وهذا شأن المنافقين يظهرون خلاف ما يبطنون؛ ولهذا قال اللّه عزّ وجلّ: {واللّه يعلم إسرارهم} أي: [يعلم] ما يسرّون وما يخفون، اللّه مطّلعٌ عليه وعالمٌ به، كقوله: {واللّه يكتب ما يبيّتون} [النّساء: 81]). [تفسير ابن كثير: 7/ 320-321]

تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {فكيف إذا توفّتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} أي: كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم وتعصّت الأرواح في أجسادهم، واستخرجتها الملائكة بالعنف والقهر والضّرب، كما قال: {ولو ترى إذ يتوفّى الّذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} الآية [الأنفال: 50]، وقال: {ولو ترى إذ الظّالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم} أي: بالضّرب {أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على اللّه غير الحقّ وكنتم عن آياته تستكبرون} [الأنعام: 93]؛ ولهذا قال هاهنا: {ذلك بأنّهم اتّبعوا ما أسخط اللّه وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم}). [تفسير ابن كثير: 7/ 321]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أم حسب الّذين في قلوبهم مرضٌ أن لن يخرج اللّه أضغانهم (29) ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنّهم في لحن القول واللّه يعلم أعمالكم (30) ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم (31)}.
يقول تعالى: {أم حسب الّذين في قلوبهم مرضٌ أن لن يخرج اللّه أضغانهم} أي: اعتقد المنافقون أنّ اللّه لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين؟ بل سيوضّح أمرهم ويجلّيه حتّى يفهمهم ذوو البصائر، وقد أنزل تعالى في ذلك سورة "براءة"، فبيّن فيها فضائحهم وما يعتمدونه من الأفعال الدّالّة على نفاقهم؛ ولهذا إنّما كانت تسمّى الفاضحة. والأضغان: جمع ضغنٍ، وهو ما في النّفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله والقائمين بنصره). [تفسير ابن كثير: 7/ 321]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم} يقول تعالى: ولو نشاء يا محمّد لأريناك أشخاصهم، فعرفتهم عيانًا، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين سترًا منه على خلقه، وحملًا للأمور على ظاهر السّلامة، وردّ السّرائر إلى عالمها، {ولتعرفنّهم في لحن القول} أي: فيما يبدو من كلامهم الدّالّ على مقاصدهم، يفهم المتكلّم من أيّ الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه، وهو المراد من لحن القول، كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفّان، رضي اللّه عنه: ما أسرّ أحدٌ سريرةً إلّا أبداها اللّه على صفحات وجهه، وفلتات لسانه. وفي الحديث: "ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ". وقد ذكرنا ما يستدلّ به على نفاق الرّجل، وتكلّمنا على نفاق العمل والاعتقاد في أوّل "شرح البخاريّ"، بما أغنى عن إعادته ها هنا. وقد ورد في الحديث تعيين جماعةٍ من المنافقين. قال الإمام أحمد:
حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا سفيان، عن سلمة، عن عياض بن عياضٍ، عن أبيه، عن أبي مسعودٍ عقبة بن عمرٍو، رضي اللّه عنه، قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطبةً فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: "إنّ منكم منافقين، فمن سمّيت فليقم". ثمّ قال: "قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان". حتّى سمّى ستّةً وثلاثين رجلًا ثمّ قال: "إنّ فيكم -أو: منكم- فاتّقوا اللّه". قال: فمرّ عمر برجلٍ ممّن سمّى مقنّعٌ قد كان يعرفه، فقال: ما لك؟ فحدّثه بما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: بعدًا لك سائر اليوم). [تفسير ابن كثير: 7/ 321-322]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولنبلونّكم} أي: ولنختبرنّكم بالأوامر والنّواهي، {حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم}. وليس في تقدّم علم اللّه تعالى بما هو كائنٌ أنّه سيكون شكٌّ ولا ريبٌ، فالمراد: حتّى نعلم وقوعه؛ ولهذا يقول ابن عبّاسٍ في مثل هذا: إلّا لنعلم، أي: لنرى). [تفسير ابن كثير: 7/ 322]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه وشاقّوا الرّسول من بعد ما تبيّن لهم الهدى لن يضرّوا اللّه شيئًا وسيحبط أعمالهم (32) يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول ولا تبطلوا أعمالكم (33) إنّ الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه ثمّ ماتوا وهم كفّارٌ فلن يغفر اللّه لهم (34) فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون واللّه معكم ولن يتركم أعمالكم (35)}.
يخبر تعالى عمّن كفر وصدّ عن سبيل اللّه، وخالف الرّسول وشاقّه، وارتدّ عن الإيمان من بعد ما تبيّن له الهدى: أنّه لن يضرّ اللّه شيئًا، وإنّما يضرّ نفسه ويخسرها يوم معادها، وسيحبط اللّه عمله فلا يثيبه على سالف ما تقدّم من عمله الّذي عقّبه بردّته مثقال بعوضةٍ من خيرٍ، بل يحبطه ويمحقه بالكلّيّة، كما أنّ الحسنات يذهبن السّيّئات.
وقد قال الإمام محمّد بن نصرٍ المروزيّ في كتاب الصّلاة: حدّثنا أبو قدامة، حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية قال: كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يظنّون أنّه لا يضرّ مع "لا إله إلّا اللّه" ذنبٌ، كما لا ينفع مع الشّرك عملٌ، فنزلت: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول ولا تبطلوا أعمالكم} فخافوا أن يبطل الذنب العمل.
ثمّ روي من طريق عبد اللّه بن المبارك: أخبرني بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: كنّا معشر أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نرى أنّه ليس شيءٌ من الحسنات إلّا مقبولٌ، حتّى نزلت: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول ولا تبطلوا أعمالكم}، فقلنا: ما هذا الّذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر الموجبات والفواحش، حتّى نزلت: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النّساء: 48]، فلمّا نزلت كففنا عن القول في ذلك، فكنّا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش، ونرجو لمن لم يصيبها.
ثمّ أمر تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله الّتي هي سعادتهم في الدّنيا والآخرة، ونهاهم عن الارتداد الّذي هو مبطلٌ للأعمال؛ ولهذا قال: {ولا تبطلوا أعمالكم} أي: بالرّدّة؛ ولهذا قال بعدها: {إنّ الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه ثمّ ماتوا وهم كفّارٌ فلن يغفر اللّه لهم}، كقوله {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} الآية). [تفسير ابن كثير: 7/ 322-323]

رد مع اقتباس