عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 16 ذو القعدة 1435هـ/10-09-2014م, 09:27 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {تبارك الّذي بيده الملك وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ (1) الّذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور (2) الّذي خلق سبع سماواتٍ طباقاً ما ترى في خلق الرّحمن من تفاوتٍ فارجع البصر هل ترى من فطورٍ (3) ثمّ ارجع البصر كرّتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسيرٌ (4)}
تبارك تفاعل من البركة، وهي التزيد في الخيرات، ولم يستعمل يتبارك ولا متبارك، وقوله: بيده عبارة عن تحقيق «الملك»، وذلك أن اليد في عرف الآدميين هي آلة التملك فهي مستعرة، والملك على الإطلاق هو الذي لا يبيد ولا يختل منه شيء، وذلك هو ملك الله تعالى، وقيل المراد في هذه الآية: ملك الملوك، فهو بمنزلة قوله: {اللّهمّ مالك الملك} [آل عمران: 26]، عن ابن عباس رضي الله عنه. وقوله تعالى:{وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ} عموم، والشيء معناه في اللغة الموجود). [المحرر الوجيز: 8/ 350-351]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والموت والحياة معنيان يتعاقبان جسم الحيوان يرتفع أحدهما بحلول الآخر، وما في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح على الصراط»، فقال أهل العلم: ذلك تمثال كبش يوقع الله عليه العلم الضروري لأهل الدارين، إنه الموت الذي ذاقوه في الدنيا، ويكون ذلك التمثال حاملا للموت على أنه يحل الموت فيه، فتذهب عنه حياة، ثم يقرن الله تعالى بذبح ذلك التمثال إعدام الموت. وقوله تعالى: {خلق الموت والحياة ليبلوكم} أي ليختبركم في حال الحياة ويجازيكم بعد الموت، وقال أبو قتادة نحوه عن ابن عمر: قلت يا رسول الله: ما معنى قوله تعالى:
{ليبلوكم أيّكم أحسن عملًا} فقال: «يقول: أيكم أحسن عقلا، وأشدكم لله خوفا، وأحسنكم في أمره ونهيه، نظرا وإن كانوا أقلكم تطوعا». وقال ابن عباس وسفيان الثوري والحسن بن أبي الحسن: أيّكم أحسن عملًا أزهدكم في الدنيا. وقوله تعالى: {ليبلوكم} دال على فعل تقديره: فينظر أو فيعلم أيكم، وقال جماعة من المتأولين: الموت والحياة، عبارة عن الدنيا والآخرة، سمى هذه موتا من حيث إن فيها الموت، وسمى تلك حياة من حيث لا موت فيها، فوصفهما بالمصدرين على تقدير حذف المضاف، كعدل وزور، وقدم الموت في اللفظ، لأنه متقدم في النفس هيبة وغلظة). [المحرر الوجيز: 8/ 351-352]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وطباقاً قال الزجاج: هو مصدر، وقيل: هو جمع طبقة أو جمع طبق مثل: رحبة ورحاب، أو جمل وجمال، والمعنى بعضها فوق بعض، وقال أبان بن ثعلب: سمعت أعرابيا يذم رجلا، فقال: «شره طباق، خيره غير باق»، وما ذكر بعض المفسرين في السماوات من أن بعضها من ذهب وفضة وياقوت ونحو هذا ضعيف كله، ولم يثبت بذلك حديث، ولا يعلم أحد من البشر حقيقة لهذا. وقوله تعالى: ما ترى في خلق الرّحمن من تفاوتٍ معناه من قلة تناسب، ومن خروج عن إتقان، والأمر المتفاوت، هو الذي يجاوز الحدود التي توجب له زيادة أو نقصانا، وقرأ جمهور القراء: «من تفاوت»، وقرأ حمزة والكسائي وابن مسعود وعلقمة والأسود وابن جبير وطلحة والأعمش: «من تفوت» وهما بمعنى واحد، وقال بعض العلماء: في خلق الرّحمن يعني به السماوات فقط، وهي التي تتضمن اللفظ، وإياها أراد بقوله: هل ترى من فطورٍ، وإياها أراد بقوله:ينقلب إليك البصر الآية، قالوا وإلا ففي الأرض فطور، وقال آخرون: في خلق الرّحمن يعني به جميع ما في خلق الله تعالى من الأشياء، فإنها لا تفاوت فيها ولا فطور، جارية على غير إتقان، ومتى كانت فطور لا تفسد الشيء المخلوق من حيث هو ذلك الشيء، بل هي إتقان فيه، فليست تلك المرادة في الآية، وقال منذر بن سعيد: أمر الله تعالى بالنظر إلى السماء وخلقها ثم أمر بالتكرير في النظر، وكذلك جميع المخلوقات متى نظرها ناظر، ليرى فيها خللا أو نقصا، فإن بصره ينقلب خاسئاً حسيرا، ورجع البصر ترديده في الشيء المبصر. وقوله: {كرّتين} معناه مرتين، ونصبه على المصدر، والخاسئ المبعد بذل عن شيء أراده وحرص عليه، ومنه الكلب الخاسئ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد: «اخسأ فلن تعدو قدرك»، ومنه قوله تعالى في الكفار الحريصين على الخروج من جهنم: {اخسؤا فيها} [المؤمنون: 108]، وكذلك هنا البصر يحرص على روية فطور أو تفاوت فلا يجد ذلك، فينقلب خاسئاً، والحسير العييّ الكالّ، ومنه قول الشاعر: [الطويل]
لهن الوجا لم كن عونا على النوى ....... ولا زال منها طالح وحسير
). [المحرر الوجيز: 8/ 352-353]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولقد زيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشّياطين وأعتدنا لهم عذاب السّعير (5) وللّذين كفروا بربّهم عذاب جهنّم وبئس المصير (6) إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور (7) تكاد تميّز من الغيظ كلّما ألقي فيها فوجٌ سألهم خزنتها ألم يأتكم نذيرٌ (8) قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ فكذّبنا وقلنا ما نزّل اللّه من شيءٍ إن أنتم إلاّ في ضلالٍ كبيرٍ (9)}
أخبر تعالى أنه زين السماء الدنيا التي تلينا بمصابيح وهي النجوم، فإن كانت جميع النجوم في السماء الدنيا فهذا اللفظ عام للكواكب، وإن كان في سائر السماوات كواكب، فإما أن يريد كواكب سماء الدنيا فقط، وإما أن يريد الجميع على أن ما في غيرها لما كانت هي تشق عنه، ويظهر منها، فقد زينت به بوجه ما، ومن تكلف القول بمواضع الكواكب وفي أي سماء هي، فقوله ليس من الشريعة. وقوله تعالى: {وجعلناها رجوماً للشّياطين} معناه وجعلنا منها، وهذا كما تقول: أكرمت بني فلان وصنعت بهم وأنت إنما فعلت ذلك ببعضهم دون بعض، ويوجب هذا التأويل في الآية أن الكواكب الثابتة والبروج، وكل ما يهتدى به في البر والبحر فليست برواجم، وهذا نص في حديث السير، وقال قتادة رحمه الله: «خلق الله تعالى النجوم زينة للسماء ورجوما للشياطين وليهتدى بها في البر والبحر، فمن قال غير هذه الخصال الثلاث فقد تكلف وأذهب حظه من الآخرة. وأعتدنا معنا: أعددنا والضمير في: لهم عائد على الشياطين»). [المحرر الوجيز: 8/ 353-354]


رد مع اقتباس