عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 01:42 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (25) إلى الآية (31) ]

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30) وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) }

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {إني لكم نذير مبين} [25].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي {أني} بفتح الهمزة على تقدير: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه بأني لكم.
وقرأ الباقون بالكسر على الاستئناف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/278]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله: إني لكم نذير مبين [25].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائيّ: أني لكم* بفتح الألف.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة: إني بكسر الألف.
وجه قول من فتح: أنّهم يحملونها على أرسلنا، أي:
أرسلنا بأني لكم نذير، فإن قيل: لو كان محمولا على الأول لكان أنّه، لأنّ نوحا اسم للغيبة فالراجع إليه ينبغي أن يكون على لفظ الغيبة دون لفظ الخطاب؛ قيل: هذا لا يمنع من حمله على أرسلنا وذلك أن الخطاب بعد الغيبة في نحو هذا سائغ، ألا ترى أن قوله: وكتبنا له في الألواح من كل شيء [الأعراف/ 145] ثم قال: فخذها بقوة، فكذلك الآية التي اختلف في قراءتها.
[الحجة للقراء السبعة: 4/315]
قال أبو علي: ووجه قول من كسر إني أنه حمله على القول المضمر، لأنه مما قد أضمر كثيرا في القرآن، وسائر الكلام كقوله: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [الرعد/ 23] أي: يقولون، وقوله: والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله [الزمر/ 3]، فهو على: قالوا ما نعبدهم. فكذلك قوله: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال لهم إني لكم نذير مبين. فالكلام في هذا على وجهه، ولم يرجع إلى الخطاب بعد الغيبة، كما كان ذلك في قول من فتح أن*.
فإن قلت: فهلّا رجّحت قراءة من فتح أنّ على قراءة من كسرها، لأنّ قوله: أن لا تعبدوا [هود/ 26] محمول على الإرسال، فإذا فتحت أنّ كان أشكل بما بعدها لحملها جميعا على الإرسال؟ قيل: لا يرجّح ما ذكرت الفتح وذلك أن قوله:
إني* من قوله: إني لكم في قول من كسر، يجوز أن يكون محمولا وما بعده على الاعتراض بين المفعول، وما يتصل به ممّا بعده، كما كان قوله: قل إن الهدى هدى الله اعتراضا بينهما في قوله: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم [آل عمران/ 73]، فكذلك قوله: إني لكم نذير مبين). [الحجة للقراء السبعة: 4/316]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه إنّي لكم نذير مبين * أن لا تعبدوا إلّا الله}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائيّ {إنّي لكم نذير} بفتح الألف المعنى ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه بالإنذار أن لا تعبدوا إلّا الله أي أرسلنا بهذا الأمر
وقرأ الباقون بالكسر المعنى قال لهم إنّي لكم نذير وحجتهم قوله {قال يا قوم إنّي لكم نذير مبين * أن اعبدوا الله} لما أظهر القول ها هنا كان إضماره هناك أولى لأن القصّة واحدة). [حجة القراءات: 337]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {إلى قومه إني} قرأه ابن كثير وأبو عمرو الكسائي بفتح {إني} على تقدير حذف حرف الجر؛ لأن {أرسل} يتعدّى إلى مفعولين، الثاني بحرف جر، فـ «أن» على قول الخليل في موضع خض، وعلى قول غيره في موضع نصب، وكان حقه أن يكون «أنه» لأن «نوحًا» لفظه لفظ غيبة، فالراجع إليه ينبغي أن يكون على لفظ الغيبة دون لفظ الإخبار، لكنه من باب الخروج من الغيبة إلى الإخبار، وقد مضى ذكره، وقرأه الباقون بكسر الهمزة، على إضمار القول، فقال: إني لكم نذير، وحذف القول كثير مستعمل في القرآن والكلام، كما قال تعالى ذكره: {والملائكة يدخلون عليهم من كل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/525]
باب. سلام عليكم} «الرعد 23- 24» أي: يقولون سلام عليكم، وقال: {فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم} «آل عمران 106» أي: يقال لهم أكفرتم. وهو كثير، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، ولأن {إني} في الإخبار جرى على الأصل في وقوعه بعد القول المضاف إلى القائل؛ لأنه مخبر عن نفسه، تقول: قال زيد إني نذير لكم، ولا تقول إنه نذير). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/526]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {أَنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ} [آية/ 25] بفتح الألف:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب.
والوجه أنه محمول على {أَرْسَلْنَا} أي أرسلناه بأني لكم نذير، فحذف الباء، وكان ينبغي أن يكون على الغيبة فيقول إنه لكم نذير؛ لأن نوحًا اسم الغيبة، إلا أنه جاء على الخطاب بعد الغيبة كقوله تعالى {وكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ} ثم قال {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ومثل هذا أعني الرجوع من الغيبة إلى الخطاب شائع في كلامهم.
وقرأ الباقون {إنِّي} بكسر الألف.
والوجه أنه محمول على إضمار القول، والتقدير: ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فقال لهم إني لكم نذير مبين، وإضمار القول كثير في التنزيل كقوله تعالى {والْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُم} أي يقولون {سَلامٌ وكقوله تعالى {والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ} أي يقولون {مَا نَعْبُدُهُمْ} ). [الموضح: 642]

قوله تعالى: {أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)}

قوله تعالى: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {بادي الرأي} [27].
قرأ أبو عمرو وحده بالهمز على تقدير في ابتداء الرأي.
وقرأ الباقون {بادي} بغير همز جعلوا فاعلاً من بدا يبدو: إذا ظهر، كقوله تعالى: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}.
فإن سأل سائل: كيف تقف على {بادي} بقراءة أبي عمرو؟ فقل: بغير همز؛ لأنك إذا وقفت سكنت الهمزة وقبلها كسرة صارت ياء؛ لانكسار ما قبله مثل إيت فلانًا، إيبق يا غلام، والأصل: إإت وإإبق فجعلت الهمزة ياء. فأجاز الكسائي أن تقف بادئ بالهمز، وكذلك {من شاطئ الوادي} أجاز من {شاطئ} بالهمز.
وقرأ أبو عمرو وحده {الراي} بترك الهمز تخفيفًا مثل «الكاس» و«الباس» و«الراس».
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/278]
والباقون يهمزون على الأصل؛ لأنه مصدر لرأيت في العلم والدين رأيا، ورأيت في عيني رؤية، ورأيت في المنام رؤيًا حسنة، والأمر من هؤلاء الثلاثة ريا هذا، براء واحدة، غير أنك تقف: رِهْ بالهاء، ولغة تميم: إرأ يا هذا، ومنه قوله: {إن كنتم للرؤيا تعبرون} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/279]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الهمز وتركه من قوله عزّ وجلّ: بادي الراي [هود/ 27].
فقرأ أبو عمرو وحده: بادئ الراي. فهمز بعد الدال الراي لا يهمزه، وكلّهم قرأ: الرأي مهموزة غيره.
[الحجة للقراء السبعة: 4/316]
وقرأ الباقون: بادي بغير همز، وروى علي بن نصر عن أبي عمرو أنّه لا يهمز الرأي. اليزيدي عن أبي عمرو لا يهمز الراي إذا أدرج القراءة، أو قرأ في الصلاة ويهمز إذا حقّق.
قال أبو علي: حدثنا محمد بن السري أن اللحياني قال: يقال: أنت بادي الرأي تريد ظلمنا، لا يهمز، وبادئ الرأي مهموز، فمن لم يهمز أراد: أنت فيما أنت فيما بدا في الرأي وظهر، أي: ظاهر الرأي، ومن همز أراد: أنت أول الرأي ومبتدأه، وهما في القرآن: أراذلنا بادئ الرأي وبادي الرأي بهمز وبغير همز.
قال أبو علي: المعنى فيمن قال: بادي الرأي فجعله من بدا الشيء إذا ظهر، وما اتبعك إلا الأراذل فيما ظهر لهم من الرأي، أي لم يتعقّبوه بنظر فيه ولا تبيّن له. ومن همز أراد:
اتبعوك في أول الأمر من غير أن يتبعوا الرأي بفكر ورويّة فيه، وهاتان الكلمتان تتقاربان في المعنى، لأن الهمز في اللام فيها ابتداء للشيء وأوّله، واللام إذا كانت واوا كان المعنى الظّهور قال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/317]
يقرّبه النّهض النّجيح لصيده... فمنه بدوّ مرّة ومثول
أي: يظهر مرة ويخفى أخرى، وابتداء الشيء يكون ظهورا، وإن كان الظهور قد يكون ابتداء وغير ابتداء، فلذلك تستعمل كل واحد من الكلمتين في موضع الأخرى كقولهم:
أما بادي بد فإني أحمد الله، وأما بادئ بدء فإني أحمد الله، وقيل في واحد الأبداء التي هي المفاصل من الإنسان وغيره: بدء وبدا مقصور غير مهموز. وجاز في اسم الفاعل أن يكون ظرفا كما جاز في فعيل، نحو: قريب، ومليّ، لأن فاعلا وفعيلا يتعاقبان على المعنى، نحو: عالم وعليم، وشاهد وشهيد، ووال ووليّ، وحسّن ذلك أيضا إضافته إلى الرأي.
وقد أجروا المصدر أيضا في إضافته إليه في قولهم: إما جهد رأي فإنك منطلق، فهذا لا يكون إلا ظرفا وفعل إذا كان مصدرا، وفاعل قد يتفقان في أشياء، وقد يجوز في قول من همز فقال: بادئ الرأي إذا خفف الهمز أن يقول: بادي فيقلب الهمزة ياء لانكسار ما قبلها، فيكون كقولهم: مير في جمع مئرة، وذيب في جمع ذئبة، والعامل في هذا الظرف هو قوله: اتبعك من قوله: ما نراك اتبعك [هود/ 27]، التقدير: ما اتّبعك في أول رأيهم، أو فيما ظهر من رأيهم، إلّا
[الحجة للقراء السبعة: 4/318]
أراذلنا، فأخّر الظرف وأوقع بعد إلّا، ولو كان بدل الظرف غيره لم يجز، ألا ترى أنك لو قلت: ما أعطيت أحدا إلا زيدا درهما، فأوقعت بعد إلا اسمين لم يجز، لأن الفعل أو معنى الفعل في الاستثناء يصل إلى ما انتصب به بتوسط الحرف، ولا يصل الفعل بتوسط الحرف إلى أكثر من مفعول، ألا ترى أنك لو قلت: استوى الماء والخشبة، فنصبت الخشبة؛ لم يجز أن تتبعه اسما آخر فتنصبه: فكذلك المستثنى إذا ألحقته إلّا، وأوقعت بعدها اسما مفردا، لم يجز أن تتبعه آخر، وقد جاز ذلك في الظرف، لأن الظرف قد اتّسع فيه في مواضع، ألا ترى أنهم قد قالوا: كم في الدار رجلا، ففصلوا بينهما في الكلام، وقالوا: إن بالزعفران ثوبك مصبوغ، ولو قلت: إن زيدا عمرا ضارب، تريد: إن عمرا ضارب زيدا، لم يجز، وقال الشاعر:
فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها... أخاك مصاب القلب جمّ بلابله
وقياس الحال في هذا قياس الظرف في الجواز، وإن لم يجز غيرهما في ذلك. فإن قلت: فهلّا يجوز أن يكون قوله:
ما نراك من قوله: وما نراك اتبعك اعتراضا، بمنزلتها في قول الأعشى:
[الحجة للقراء السبعة: 4/319]
وما خلت أبقى بيننا من مودّة... عراض المذاكي المسنفات القلائصا
والمعنى: وما أبقى بيننا من مودّة، ألا ترى أن قوله:
أبقى، لا يجوز أن يكون مفعول خلت، وإنما المعنى: وما أبقى بيننا من مودة، فكذلك يكون قوله: وما نراك اتبعك كأنه: وما اتبعك ويكون: نراك اعتراضا؛ فالقول: إن الآية لا تكون كالبيت، لأنّ الفعل قد تعدّى إلى المفعول، ولم يتعدّ في البيت إلى المفعول، فحسن الاعتراض به لمّا لم يتعدّ، كما جاز إلغاؤه في قولهم: زيد ظننت منطلق، ولو ألغيته وقد عدّيته إلى مفعول، لم يجز، وكذلك إذا اعترضت به، فلا يكون قوله اتبعك بمنزلة خلت في بيت الأعشى. فإن قلت: فقد قال آخر:
وما أراها تزال ظالمة... تحدث لي قرحة وتنكؤها
فعدّى أرى إلى الضمير، وجعل أراها اعتراضا، قيل: لا يكون قوله: نراك بمنزلة قوله: وما أراها، وذلك أن الضمير في أراها يكون كناية عن المصدر فلا يقتضي مفعولا ثانيا، وفي قوله: وما نراك المفعول فيه للخطاب، والخطاب لا يكون كناية عن المصدر فلا تكون الآية في قياس البيت، فلو قلت:
[الحجة للقراء السبعة: 4/320]
ما ضرب القوم إلا بعضهم بعضا، لم يجز، وتصحيحها: ما ضرب القوم أحدا إلا بعضهم بعضا، تبدل الاسمين بعد إلا من الاسمين قبلها، فإن قلت: فكيف تقدير قول الأعشى:
وليس مجيرا إن أتى الحيّ خائفا... ولا قائلا إلا هو المتعيّبا
فإن المتعيّب يكون على مضمر تقديره: يقول المتعيّبا، تحمل: «إلا هو» على المعنى لأن المعنى: ولا يقول أحد إلا هو، فحملته في هذا على المعنى، كما حملته عليه في قولهم:
ما قام إلا هند. فإن قلت: أحمل المتعيّب على المعنى، لأن المعنى يقول: هو المتعيّبا، فهو قول.
فأما تحقيق الهمزة وتخفيفها في الرأي، فأهل تحقيق الهمز يحققونها، وأهل التخفيف يبدلون منها الألف، وكذلك ما أشبه هذا من نحو: الباس والراس والفاس). [الحجة للقراء السبعة: 4/321]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما نراك اتبعك إلّا الّذين هم أراذلنا بادي الرّأي}
[حجة القراءات: 337]
قرأ أبو عمرو (بادئ الرّأي) بالهمز أي ابتداء الرّأي أي اتبعوك ابتداء الرّأي ولم يتدبروا ما قلت ولم يفكروا فيه ولو تفكّروا وتدبروا لم يتبعوك
وقرأ الباقون {بادي} بغير همز من بدا يبدو إذا ظهر ويكون التّفسير على نوعين في هذه القراءة أحدهما أن يكون اتبعوك في الظّاهر وباطنهم على خلاف ذلك أي أنهم أظهروا الإسلام وابطنوا الكفر ويجوز أن يكون اتبعوك في ظاهر الرأي ولم يتدبروا ما قلت ولم يفكروا فيه). [حجة القراءات: 338]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (2- قوله: {بادي الرأي} قرأ أبو عمرو بهمز {بادي} همزة مفتوحة في موضع الياء، وقرأ الباقون بغير همز.
وحجة من همز أنه جعله من الابتداء تقديره أنهم قالوا لـ «نوح»: ما نراك اتعبك إلا الذين هم الأراذل في أول الأمر، أي: ما نراك في أول الأمر، كأنه رأى ظهر لهم لم يتعقبوه بنظر وتفكر، ونصب {بادي} على الظرف، وحسن ذلك في «فاعل» لإضافته إلى «الرأي» كما نصبوا المصدر على الظرف؛ لإضافته إلى الرأي في قولهم: إما جهر رأي فإنك منطلق.
3- وحجة من لم يهمز أنه جعله من «بدا يبدو» إذا ظهر، والمعنى: ما اتبعك فيما ظهر لنا من الرأي إلا الأراذل، كأنه أمر ظهر لهم لم يتعقبوه بتفكر ونظر، وإنما هو أمر ظهر لهم من غير تيقن، ونصب {بادي} أيضًا على الظرف على ما ذكرنا، ويجوز أن يكون من قرأه بالياء أراد الهمز، ثم خفف الهمزة بالبدل لانفتاحها، وانكسار ما قبلها، فتكون القراءتان بمعنى من الابتداء، والعامل في {بادي} في القراءتين {اتبعك}، وجاز أن يعمل ما قبل {إلا} فيما
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/526]
بعدها، على الاتساع في الظرف، ولولا ذلك ما جاز، ألا ترى أنك لو قلت: ما أعطيت أحدًا إلا زيدا درهما، لم يجز لوقوع الاسمين بعد {إلا} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/527]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {بَادِئَ الرَّأْيِ} [آية/ 27] بالهمز بعد الدال من {بَادِئَ}:
قرأها أبو عمرو وحده.
والوجه أنه اسم الفاعل من بدأت الشيء أبدأه، إذا ابتدأته، أي اتبعوك في أول الأمر من غير أن يكون لهم فيه فكرٌ ولا روية، والبادئ: المبتدئ، ومبتدأ الرأي: أول الرأي؛ لأنه إذا ابتدأ في الظهور فهو الأول.
و {بَادِئَ الرَّأْيِ} منصوب على الظرف، وليس بزمان ولا مكان، ولكن في مقدر فيه، فلهذا صار ملحقًا بالظروف، والعامل فيه {اتَّبَعَكَ وقيل بل هو منصوب على المصدر، كما تقول ضربته أول الضرب، وقيل هو حال من الكاف في {اتَّبَعَكَ} وهو ضمير نوح، وقيل هو على النداء أي يا بادئ الرأي.
وقرأ الباقون {بَادِيَ الرَّأْيِ} بفتح الياء غير مهموزة.
والوجه أنه من بدا الشيء إذا ظهر، والمعنى وما يتبعك إلا الأراذل فيما ظهر لهم من الرأي من غير أن يرجعوا فيه إلى روية وفكر، والبادي هو الظاهر كأنه قال في ظاهر الرأي، والمعنيان متقاربان، ونصبه على ما سبق). [الموضح: 643]

قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {فعميت عليكم} [28].
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {فعميت} مشددًا.
وقرأ الباقون {فعميت} ومعناهما واحد؛ لأن الفراء قال: العرب تقول: عُمِّىَ علي الأمر، وعَمِىَ علي بمعنى.
وحجة من شدد: أن أبيا وابن مسعود قرآ: {فعماها عليكم}.
وحجة من خفف: اجتماع القراء على تخفيف التي في (القصص): {فعميت عليهم الأنباء يومئذ} قال أبو عبيد: ولا أعلم أحدًا قرأها بالتشديد.
قال أبو عبد الله: وقد شددها عبيد بن عمير {فعميت عليهم الأنباء يومئذ}.
وقرأ أبو عمرو وحده {أنلزمكموها} [28] باختلاس الحركة تخفيفًا واستثقالاً لاجتماع الضمات.
وقرأ الباقون {أنلزمكموها} بضم الميم على الأصل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/279]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح العين وتخفيف الميم، وضمّ العين وتشديد الميم من قوله عز وجلّ: فعميت عليكم [هود/ 28].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر فعميت* بتخفيف الميم وفتح العين.
[الحجة للقراء السبعة: 4/321]
وقرأ حمزة والكسائيّ فعميت بضم العين وتشديد الميم، وكذلك حفص عن عاصم فعميت مثل حمزة.
قال أبو علي: يدل على قوله: فعميت* اجتماعهم في قوله: فعميت عليهم الأنباء يومئذ [القصص/ 66]، وهذه مثلها، ويجوز في قوله: فعميت عليكم أمران: أحدهما أن يكون عموا هم عنها، ألا ترى أن الرحمة لا تعمى وإنّما يعمى عنها، فيكون هذا كقولهم: أدخلت القلنسوة في رأسي، ونحو ذلك مما يقلب إذا لم يكن فيه إشكال، وفي التنزيل: ولا تحسبن الله مخلف وعده رسله [إبراهيم/ 46] وقال الشاعر:
ترى الثور فيها مدخل الظلّ رأسه... وسائره باد إلى الشّمس أجمع
والآخر: أن يكون معنى عميت: خفيت. كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/322]
وماء صرى عافي الثّنايا كأنّه... من الأجن أبوال المخاض الضّوارب
عم شرك الأقطار بيني وبينه...
أي: خفي. وقال آخر:
ومهمه أطرافه في مهمه... أعمى الهدى في الحائرين العمّه
أي خفيّ الهدى، ألا ترى أنّ الهدى ليس بذي جارحة تلحقها هذه الآفة. ومن هذا قيل للسحاب: العماء، لإخفائه ما يخفيه، كما قيل له الغمام، ومن هذا قول زهير:
ولكنّني عن علم ما في غد عم وقولهم: أتانا صكّة عميّ: إذا أتى في الهاجرة وشدّة الحرّ؛ يحتمل عندنا تأويلين: أحدهما أن يكون المصدر أضيف
[الحجة للقراء السبعة: 4/323]
إلى العمى كما قالوا: ضرب التّلف، أي: الضّرب الذي يحدث عنه التلف، ويقوّي ذلك أنّه قد جاء في الشعر:
ويهجمها بارح ذو عمى أي: بارح يكون عنه العمى لشدّة حره.
ويمكن أن يكون العميّ تصغير أعمى على وجه الترخيم، وأضيف المصدر إلى المفعول به كقوله: من دعاء الخير [فصلت/ 49]، ولم يذكر الفاعل الذي هو الحر والتقدير:
صكّ الحرّ الأعمى، والمعنى: أنّ الحرّ من شدته، كأنّه يعمي من أصابه، والمصدر في الوجهين ظرف، نحو مقدم الحاج، وخفوق النجم. ومن قال: عميت اعتبر قراءة أبيّ والأعمش:
فعماها عليكم، وإسناد الفعل إلى المفعول به في عميت من عماها في المعنى). [الحجة للقراء السبعة: 4/324]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربّي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {فعميت عليكم} بضم العين وتشديد الميم أي أخفيت كما يقال عميت عليه الأمر حتّى لا يبصره وحجتهم في حرف عبد الله (فعماها عليكم) وقيل إن في مصحف أبي (فعماها عليكم) فبان بما في حرف مصحف أبي أن الفعل مسند إلى الله وأنه هو الّذي عماها فردّت في قراءتنا إلى ما لم يسم فاعله والمعنى واحد والعرب تقول عمي على الخبر وهي مع ذلك ليس الفعل لها في الحقيقة وإنّا استجازوها على مجاز كلام العرب فإذا ضممت العين كانت مفعولا بها غير مسمّى فاعلها فاستوى حينئذٍ الكلام فلم يحتج إلى مجاز كلام العرب وترك المجاز إذا أمكن تركه أحسن وأولى وأخرى وهي أن ذلك أتى عقيب قوله {وآتاني رحمة من عنده} وذلك خبر من نوح أن الله تعالى خصّه بالرّحمة الّتي
[حجة القراءات: 338]
آتاها إيّاه فكذلك قوله {فعميت} خبر عن الله أنه هو الّذي خذل من كفر به
قرأ أهل الحجاز والشّام والبصرة وأبو بكر {فعميت} بفتح العين وتخفيف الميم أي فعميت البيّنة عليكم وحجتهم أن الّتي في القصص لم يختلف فيها مفتوحة العين قال الله تعالى {فعميت عليهم الأنباء} فهذه مثلها فكما يقال خفي علينا الخبر يقال عمي عليّ الأمر وهذا ممّا حولت العرب الفعل إليه وهو لغيره كقولهم دخل الخاتم في إصبعي والخف في رجلي ولا شكّ أن الرجل هي الّتي تدخل في الخف والإصبع في الخاتم). [حجة القراءات: 339]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {فعميت عليكم} قرأه حفص وحمزة والكسائي على المعنى، لأنهم لم يعموا عن الرحمة حتى عميّت عليهم، وفي قراءة الأعمش: «فعماها عليكم» فهذا يدل على التشديد وإن هو عماها عليهم إذ لا يكون أمر إلا بإرادة الله.
5- وحجة من فتح وخفف أنه أضاف الفعل إلى «الرحمة» فضمير الرحمة في {عميت} مرفوع بفعله، وقد أجمعو على الفتح والتخفيف في القصص، وهو مثله، ومعنى الآية على الحقيقة أنهم عموا عن الرحمة، لم تعم الرحمة عليهم، فهو من باب «أدخلت القبر زيدا، وأدخلت القلنسوة رأسي»، وحسن هذا في كلام العرب لأن المعنى مفهوم لا يُشكل، وعلى ذلك أتى قوله: {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله} «إبراهيم 47» إنما حقيقته: مُخلف رسله وعده، ويجوز أن يكون معنى {عميت} خفيت، فلا يكون فيه قلب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/527]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} [آية/ 28] بضم العين وتشديد الميم:
قرأها حمزة والكسائي و- ص- عن عاصم.
والوجه أنه من عميته تعمية، وهو مبني لما لم يسم فاعله، والمنى أخفيت
[الموضح: 643]
عليكم، والتاء ضمير الرحمة من قوله {وآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ ويجوز أن يكون على القلب على ما سيجيئ بيانه من بعد بمشيئة الله.
ويؤيد هذه القراءة قراءة أبي والأعمش {فَعُمِّاهَا عَلَيْكُمْ}.
وقرأ الباقون {فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} بفتح العين وتخفيف الميم.
والوجه أن الفعل لضمير الرحمة على ما ذكرنا، وهو على القلب، والمعنى عموا عنها، كما تقول أدخلت الخاتم [في أصبعي] ). [الموضح: 644]

قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29)}

قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30)}

قوله تعالى: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس