عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:29 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن قال: سألت زيد بن أسلم عن قول الله: {لا إكراه في الدين}، قال: كان رسول الله بمكة عشر سنين لا يكره أحدا في الدين، فأبى المشركون إلا أن يقاتلوهم، فاستأذن الله في قتالهم فأذن له). [الجامع في علوم القرآن: 2/123]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى لا إكراه في الدين قال كانت العرب ليس لها دين فأكرهوا على الدين بالسيف قال ولا يكره اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي إذا أعطوا الجزية). [تفسير عبد الرزاق: 1/102]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح قال سمعت مجاهدا
[تفسير عبد الرزاق: 1/102]
يقول لغلام له نصراني يا جرير أسلم ثم قال هكذا كان يقال لهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/103]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (... الإسلام يعني ظورتهم فنزلت: {لا إكراه في الدّين} [الآية: 256]). [تفسير الثوري: 71]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {لا إكراه في الدّين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير - في قوله عزّ وجلّ: {لا إكراه في الدّين} -، قال: نزلت في الأنصار. قال: قلت: خاصّةً؟ قال: خاصّةً؛ كانت المرأة منهم إذا كانت نزرةً أو مقلاتا تنذر: لئن ولدت ولدًا لتجعلنّه في اليهود؛ تلتمس بذلك طول بقائه. (فجاء) الإسلام وفيهم منهم، فلمّا أجليت النّضير قالت الأنصار:
[سنن سعيد بن منصور: 3/957]
يا رسول اللّه، أبناؤنا وإخواننا فيهم؟ فسكت عنهم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت: {لا إكراه في الدّين}، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((قد خيّر أصحابكم، فإن اختاروكم فهم منكم، (وإن) اختاروهم فأجلوهم معهم)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/958]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: كان له غلامٌ يقال له: جريرٌ، وكان يقول له: أسلم، فقال: كذا كان يقال لهم، وإنّ ناسًا من (الأنصار) قد أرضعوا في قريظة، وكانوا (يقولون) لهم: أسلموا، فنزلت: {لا إكراه في الدّين}.
[سنن سعيد بن منصور: 3/960]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن وائل بن داود، عن الحسن - في قوله عزّ وجلّ: {لا إكراه في الدّين}، - قال: لا يكره أهل الكتاب على الإسلام.
[سنن سعيد بن منصور: 3/961]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا شريكٌ بن عبد اللّه، عن أبي هلالٍ، عن وسق، قال: كنت مملوكًا لعمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، وكنت نصرانيًّا، فكان يقول لي: يا وسق أسلم، فإنّك لو أسلمت لولّيتك بعض أعمال المسلمين، فإنّه لا يصلح أن يلي أمرهم من ليس على دينهم، فأبيت عليه، فقال لي: {لا إكراه في الدّين} فلما مات عمر أعتقني.
[سنن سعيد بن منصور: 3/962]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، عن عبد الملك بن وهيب مولى زيد بن ثابتٍ، قال: أعتق زيد بن ثابتٍ غلامًا له مجوسيًّا، يقال له: مابورا، فرأيته عند أبي يقطع الشّواء). [سنن سعيد بن منصور: 3/964]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {قد تبيّن الرّشد من الغيّ} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن حميدٍ الأعرج، أنّه كان يقرأ: {قد تبيّن الرّشد من الغيّ}، وكان يقول: قراءتي على قراءة مجاهدٍ). [سنن سعيد بن منصور: 3/965]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {لا إكراه في الدين} قال: كان ناسٌ من قريظة والنّضير قد أرضعوا قال: لأناسٍ من المسلمين. قال: فلمّا أمر بإجلائهم بكى أولئك الصّبيان من المسلمين على آبائهم وأمّهاتهم الّذين أرضعوهم، فجعل آباؤهم من المسلمين يضربونهم قال: فنزل: {لا إكراه في الدين}). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 70-71]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {لا إكراه في الدّين}
- أخبرنا إبراهيم بن يونس بن محمّدٍ، أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كانت المرأة من الأنصار لا يكون لها ولدٌ تجعل على نفسها لئن كان لها ولدٌ لتهوّدنّه، فلمّا أسلمت الأنصار قالوا: كيف نصنع بأبنائنا؟ فنزلت هذه الآية {لا إكراه في الدّين} [البقرة: 256]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/36]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {قد تبيّن الرّشد من الغيّ}
- أخبرنا محمّد بن بشّارٍ، في حديثه، عن ابن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كانت المرأة تجعل على نفسها إن عاش لها ولدٌ أن تهوّده، فلمّا أجليت بنو النّضير كان فيهم من أبناء الأنصار قالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله عزّ وجلّ {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ} [البقرة: 256]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/36]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها واللّه سميعٌ عليمٌ}.
اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: نزلت هذه الآية في قومٍ من الأنصار، أو في رجلٍ منهم كان لهم أولادٌ قد هوّدوهم أو نصّروهم فلمّا جاء اللّه بالإسلام أرادوا إكراههم عليه، فنهاهم اللّه عن ذلك، حتّى يكونوا هم يختارون الدّخول في الإسلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانت المرأة تكون مقلاتًا، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولدٌ أن تهوّده، فلمّا أجليت بنو النّضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل اللّه تعالى ذكره: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ}.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبه، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس، قال: كانت المرأة تكون مقلًى ولا يعيش لها ولدٌ - قال شعبة: وإنّما هو مقلاتٌ - فتجعل عليها إن بقي لها ولدٌ لتهوّدنّه، قال: فلمّا أجليت بنو النّضير كان فيهم منهم، فقالت الأنصار: كيف نصنع بأبنائنا؟ فنزلت هذه الآية: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ} قال: من شاء أن يقيم أقام ومن شاء أن يذهب ذهب.
[جامع البيان: 4/546]
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا داود، وحدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن داود، عن عامرٍ، قال: كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاتًا لا يعيش لها ولدٌ، فتنذر إن عاش ولدها أن تجعله مع أهل الكتاب على دينهم، فجاء الإسلام وطوائف من أبناء الأنصار على دينهم، فقالوا: إنّما جعلناهم على دينهم، ونحن نرى أنّ دينهم أفضل من ديننا، وإذ جاء اللّه بالإسلام فلنكرهنّهم فنزلت: {لا إكراه في الدّين} فكان فصل ما بين من اختار اليهوديّة والإسلام، فمن لحق بهم اختار اليهوديّة، ومن أقام اختار الإسلام والفظ لحديث حميدٍ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت داود، عن عامرٍ، بنحو معناه، إلاّ أنّه قال: فكان فصل ما بينهم إجلاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بني النّضير، فلحق بهم من كان يهوديًّا ولم يسلم منهم، وبقي من أسلم.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ بنحوه، إلاّ أنّه قال: إجلاء النّضير إلى خيبر، فمن اختار الإسلام أقام، ومن كره لحق بخيبر.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق،
[جامع البيان: 4/547]
عن محمّد بن أبي محمّدٍ الحرشيّ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ} قال: نزلت في رجلٍ من الأنصار من بني سالم بن عوفٍ يقال له الحصين؛ كان له ابنان نصرانيّان، وكان هو رجلاً مسلمًا، فقال للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ألا أستكرههما فإنّهما قد أبيا إلاّ النّصرانيّة؟ فأنزل اللّه فيه ذلك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ، قال: سألت سعيد بن جبيرٍ عن قوله: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ} قال: نزلت هذه في الأنصار قال: قلت خاصّةً؟ قال: خاصّةٌ، قال: كانت المرأة في الجاهليّة تنذر إن ولدت ولدًا أن تجعله في اليهود تلتمس بذلك طول بقائه، قال: فجاء الإسلام وفيهم منهم؛ فلمّا أجليت النّضير، قالوا: يا رسول اللّه، أبناؤنا وإخواننا فيهم، قال: فسكت عنهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه تعالى ذكره: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ} قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قد خيّر أصحابكم، فإن اختاروكم فهم منكم، وإن اختاروهم فهم منهم قال: فأجلوهم معهم.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ،
[جامع البيان: 4/548]
عن السّدّيّ، قوله: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ} إلى: {لا انفصام لها} قال: نزلت في رجلٍ من الأنصار يقال له أبو الحصين: كان له ابنان، فقدم تجّارٌ من الشّام إلى المدينة يحملون الزّيت، فلمّا باعوا وأرادوا أن يرجعوا أتاهم ابنا أبي الحصين، فدعوهما إلى النّصرانيّة ف تنصّرا، فرجعا إلى الشّام معهم، فأتى أبوهما إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: إنّ ابنيّ تنصّرا وخرجا، فأطلبهما؟ فقال: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ} ولم يؤمر يومئذٍ بقتال أهل الكتاب، وقال: أبعدهما اللّه، هما أوّل من كفر، فوجد أبو الحصين في نفسه على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حين لم يبعث في طلبهما، فنزلت: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر} بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا ثمّ إنّه نسخ: {لا إكراه في الدّين} فأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {لا إكراه في الدّين} قال: كانت النضير يهودا أرضعوا رجالاً من الأوس، فلمّا أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بإجلائهم، قال أبناؤهم من الأوس: لنذهبنّ معهم، ولنديننّ بدينهم، فمنعهم أهلوهم، وأكرهوهم على الإسلام ففيهم نزلت هذه الآية.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، وحدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، جميعًا، عن سفيان، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: {لا إكراه في الدّين} قال: كان ناسٌ من الأنصار مسترضعين في بني قريظة، فأرادوا أن يكرهوهم على الإسلام، فنزلت: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ}.
[جامع البيان: 4/549]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني الحجّاج، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: كانت النّضير يهودًا فأرضعوا ثمّ ذكر نحو حديث محمّد بن عمرٍو، عن أبي عاصمٍ، قال ابن جريجٍ: وأخبرني عبد الكريم، عن مجاهدٍ أنّهم كانوا قد دانوا بدينهم أبناء الأوس، دانوا بدين النّضير.
- حدّثني المثنّى، قال حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن الشّعبيّ: أنّ المرأة من الأنصار كانت تنذر إن عاش ولدها لتجعلنّه في أهل الكتاب، فلمّا جاء الإسلام قالت الأنصار: يا رسول اللّه، ألا نكره أولادنا الّذين هم في يهود على الإسلام، فإنّا إنّما جعلناهم فيها ونحن نرى أنّ اليهوديّة أفضل الأديان؟ فأمّا إذ جاء اللّه بالإسلام، أفلا نكرههم على الإسلام؟ فأنزل اللّه تعالى ذكره: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ}.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن داود، عن الشّعبيّ مثله، وزاد قال: كان فصل ما بين من اختار اليهود منهم وبين من اختار الإسلام، إجلاء بني النّضير، فمن خرج مع بني النّضير كان منهم، ومن تركهم اختار الإسلام.
[جامع البيان: 4/550]
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {لا إكراه في الدّين} إلى قوله: العروة الوثقى قال: قال منسوخٌ.
- حدّثني سعيد بن الرّبيع الرّازيّ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، ووائلٍ، عن الحسن: أنّ أناسًا، من الأنصار كانوا مسترضعين في بني النّضير، فلمّا أجلوا أراد أهلوهم أن يلحقوهم بدينهم، فنزلت: {لا إكراه في الدّين}.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يكره أهل الكتاب على الدّين إذا بذلوا الجزية، ولكنّهم يقرّون على دينهم، وقالوا: الآية في خاصٍّ من الكفّار، ولم ينسخ منها شيءٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ} قال: أكره عليه هذا الحيّ من العرب؛ لأنّهم كانوا أمّةً أمّيّةً، ليس لهم كتابٌ يعرفونه، فلم يقبل منهم غير الإسلام، ولا يكره عليه أهل الكتاب إذا أقرّوا بالجزية أو بالخراج، ولم يفتنوا عن دينهم، فخلّى عنهم.
[جامع البيان: 4/551]
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا سليمان قال: حدّثنا أبو هلالٍ، قال: حدّثنا قتادة في قوله، {لا إكراه في الدّين} قال: هو هذا الحيّ من العرب أكرهوا على الدّين، لم يقبل منهم إلاّ القتل أو الإسلام، وأهل الكتاب قبلت منهم الجزية ولم يقتلوا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشيرٍ، قال: حدّثنا عمرو بن قيسٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {لا إكراه في الدّين} قال: أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقاتل جزيرة العرب من أهل الأوثان، فلم يقبل منهم إلاّ لا إله إلاّ اللّه أو السّيف، ثمّ أمر فيمن سواهم بأن يقبل منهم الجزية؛ فقال: {لا إكراه في الدّين}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {لا إكراه في الدّين} قال: كانت العرب ليس لها دينٌ، فأكرهوا على الدّين بالسّيف، قال: ولا يكره اليهود ولا النّصارى والمجوس إذا أعطوا الجزية.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيحٍ، قال: سمعت مجاهدًا، يقول لغلامٍ له نصرانيٍّ: يا جرير، أسلم ثمّ قال: هكذا كان يقال لهم.
[جامع البيان: 4/552]
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ} قال: وذلك لمّا دخل النّاس في الإسلام، وأعطى أهل الكتاب الجزية.
وقال آخرون: هذه الآية منسوخةٌ، وإنّما نزلت قبل أن يفرض القتال.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يعقوب بن عبد الرّحمن الزّهريّ، قال: سألت زيد بن أسلم عن قول اللّه، تعالى ذكره: {لا إكراه في الدّين} قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة عشر سنين لا يكره أحدًا في الدّين، فأبى المشركون إلاّ أن يقاتلوهم، فاستأذن اللّه في قتالهم، فأذن له.
وأولى هذه الأقوال بالصّواب قول من قال: نزلت هذه الآية في خاصٍّ من النّاس، قال: عنى بقوله تعالى ذكره: {لا إكراه في الدّين} أهل الكتابين والمجوس، وكلّ من جاز إقراره على دينه المخالف دين الحقّ، وأخذ الجزية منه، وأنكر أن يكون شيءٌ منها منسوخ.
وإنّما قلنا: هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصّواب لما قد دلّلنا عليه في كتابنا كتاب اللّطيف من البيان عن أصول الأحكام من أنّ النّاسخ غير كائنٍ ناسخًا إلاّ ما نفى حكم المنسوخ، فلم يجز اجتماعهما، فيما قد كان ظاهره العموم من الأمر والنّهي وباطنه الخصوص، فهو من النّاسخ والمنسوخ بمعزلٍ،
[جامع البيان: 4/553]
وإذ كان ذلك كذلك، وكان غير مستحيلٍ أن يقال: لا إكراه لأحدٍ ممّن أخذت منه الجزية في الدّين، ولم يكن في الآية دليلٌ على أنّ تأويلها بخلاف ذلك، وكان المسلمون جميعًا قد نقلوا عن نبيّهم صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه أكره على الإسلام قومًا، فأبى أن يقبل منهم إلاّ الإسلام، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب، وكالمرتدّ عن دينه دين الحقّ إلى الكفر ومن أشبههم، وأنّه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه، وإقراره على دينه الباطل، وذلك كأهل الكتابين والمجوس، ومن أشبههم؛ كان بيّنًا بذلك أنّ معنى قوله: {لا إكراه في الدّين} إنّما هو لا إكراه في الدّين لأحدٍ ممّن حلّ قبول الجزية منه بأدائه الجزية، ورضاه بحكم الإسلام، ولا معنى لقول من زعم أنّ الآية منسوخة الحكم بالإذن بالمحاربة.
فإن قال قائلٌ: فما أنت قائلٌ فيما روي عن ابن عبّاسٍ؟ وعمّن روي عنه: من أنّها نزلت في قومٍ من الأنصار أرادوا أن يكرهوا أولادهم على الإسلام؟ قلنا: ذلك غير مدفوعةٍ صحّته، ولكنّ الآية قد تنزل في خاصٍّ من الأمر، ثمّ يكون حكمها عامًّا في كلّ ما جانس المعنى الّذي أنزلت فيه، فالّذين أنزلت فيهم هذه الآية على ما ذكر ابن عبّاسٍ وغيره، إنّما كانوا قومًا دانوا بدين أهل التّوراة قبل ثبوت عقد الإسلام لهم، فنهى اللّه تعالى ذكره عن إكراههم على الإسلام، وأنزل بالنّهي عن ذلك آيةً يعمّ حكمها كلّ من كان في مثل معناهم ممّن كان على دينٍ من الأديان الّتي يجوز أخذ الجزية من أهلها، وإقرارهم عليها على النّحو الّذي قلنا في ذلك.
[جامع البيان: 4/554]
ومعنى قوله: {لا إكراه في الدّين} لا يكره أحدٌ في دين الإسلام عليه، وإنّما أدخلت الألف واللاّم في الدّين تعريفًا للدّين الّذي عنى اللّه بقوله: لا إكراه فيه، وأنّه هو الإسلام. وقد يحتمل أن تكونا أدخلتا عقيبًا من الهاء المنويّة في الدّين، فيكون معنى الكلام حينئذٍ: وهو العليّ العظيم لا إكراه في دينه، قد تبيّن الرّشد من الغيّ، وكأنّ هذا القول أشبه بتأويل الآية عندي.
وأمّا قوله: {قد تبيّن الرّشد} فإنّه مصدرٌ من قول القائل: رشدت فأنا أرشد رشدًا ورشدًا ورشادًا، وذلك إذا أصاب الحقّ والصّواب.
وأمّا الغيّ، فإنّه مصدرٌ من قول القائل: قد غوى فلانٌ فهو ينوي غيًّا وغوايةً، وبعض العرب يقول: غوى فلانٌ يغوى والّذي عليه قراءة القرّاء: {ما ضلّ صاحبكم وما غوى} الفتح، وهي أفصح اللّغتين، وذلك إذا عدا الحقّ وتجاوزه فضلّ.
فتأويل الكلام إذًا: قد وضح الحقّ من الباطل، واستبان لطالب الحقّ والرّشاد وجه مطلبه، فتميّز من الضّلالة والغواية، فلا تكرهوا أحد من أهل الكتابين، ومن أبحت لكم أخذ الجزية منه، على دينكم دين الحقّ؛ فإنّ من حاد عن الرّشاد بعد استبانته له، فإلى ربّه أمره، وهو وليّ عقوبته في معاده). [جامع البيان: 4/555]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن باللّه}.
اختلف أهل التّأويل في معنى الطّاغوت، فقال بعضهم: هو الشّيطان.
[جامع البيان: 4/555]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن حسّان بن فائدٍ العبسيّ، قال: قال عمر بن الخطّاب: الطّاغوت: الشّيطان.
- حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثني ابن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن حسّان بن فائدٍ، عن عمر، مثله.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عبد الملك، عمّن حدّثه عن مجاهدٍ، قال: الطّاغوت: الشّيطان.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا زكريّا، عن الشّعبيّ، قال: الطّاغوت: الشّيطان.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {فمن يكفر بالطّاغوت} قال: الشّيطان.
[جامع البيان: 4/556]
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: الطّاغوت: الشّيطان.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {فمن يكفر بالطّاغوت} بالشّيطان.
وقال آخرون: الطّاغوت: هو السّاحر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن أبي العالية، أنّه قال: الطّاغوت: السّاحر.
وقد خولف عبد الأعلى في هذه الرّواية، وأنا أذكر الخلاف بعد.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا حماد بن مسعدة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن محمّدٍ، قال: الطّاغوت: السّاحر.
وقال آخرون: بل الطّاغوت: هو الكاهن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبه، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: الطّاغوت: الكاهن.
[جامع البيان: 4/557]
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن رفيعٍ، قال: الطّاغوت: الكاهن.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {فمن يكفر بالطّاغوت} قال: كهّانٌ تنزل عليها شياطين يلقون على ألسنتهم وقلوبهم، أخبرني أبو الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه أنّه سمعه يقول: وسئل عن الطّواغيت الّتي كانوا يتحاكمون إليها، فقال: كان في جهينة واحدٌ، وفي أسلم واحدٌ، وفي كلّ حيٍّ واحدٌ، وهي كهّانٌ ينزل عليها الشّيطان.
والصّواب من القول عندي في الطّاغوت أنّه كلّ ذي طغيانٍ على اللّه فعبد من دونه، إمّا بقهرٍ منه لمن عبده، وإمّا بطاعةٍ ممّن عبده له، وإنسانًا كان ذلك المعبود، أو شيطانًا، أو وثنا، أو صنمًا، أو كائنًا ما كان من شيءٍ.
وأرى أنّ أصل الطّاغوت: الطّغووت، من قول القائل: طغا فلانٌ يطغى: إذا عدا قدره فتجاوز حدّه، كالجبروت من التّجبّر، والخلبوت من الخلب، ونحو ذلك من الأسماء الّتي تأتي على تقدير فعلوتٍ بزيادة الواو والتّاء، ثمّ نقلت لامه أعني لام الطّغووت، فجعلت له عينًا، وحوّلت عينه فجعلت مكان لامه، كما قيل: جذب وجبذ وجابذ وجاذب، وصاعقةٌ وصاقعةٌ، وما أشبه ذلك من الأسماء الّتي على هذا المثال.
[جامع البيان: 4/558]
فتأويل الكلام إذًا: فمن يجحد ربوبيّة كلّ معبود من دون اللّه فيكفر به؛ {ويؤمن باللّه} يقول: ويصدّق باللّه أنّه إلهه وربّه ومعبوده، دون غيره {فقد استمسك بالعروة الوثقى} يقول: فقد تمسّك بأوثق ما يتمسّك به من طلب الخلاص لنفسه من عذاب اللّه وعقابه كما؛
- حدّثني أحمد بن سعيد بن يعقوب الكنديّ، قال: حدّثنا بقيّة بن الوليد، قال: حدّثنا ابن أبي مريم، عن حميد بن عقبة، عن أبي الدّرداء: أنّه عاد مريضًا من جيرته فوجده في السّوق وهو يغرغر لا يفقهون ما يريد، فسألهم: يريد أن ينطق؟ قالوا: نعم يريد أن يقول: آمنت باللّه وكفرت بالطّاغوت، قال أبو الدّرداء: وما علمكم بذلك؟ قالوا: لم يزل يردّدها حتّى انكسر لسانه، فنحن نعلم أنّه إنّما يريد أن ينطق بها، فقال أبو الدّرداء: أفلح صاحبكم، إنّ اللّه يقول: {فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها واللّه سميعٌ عليمٌ}). [جامع البيان: 4/559]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فقد استمسك بالعروة الوثقى}.
والعروة في هذا المكان مثلٌ للإيمان الّذي اعتصم به المؤمن، فشبّهه في تعلّقه به وتمسّكه به بالمتمسّك بعروة الشّيء الّذي له عروةٌ يتمسّك بها، إذ كان كلّ ذي عروةٍ فإنّما يتعلّق من أراده بعروته.
[جامع البيان: 4/559]
وجعل تعالى ذكره الإيمان الّذي تمسّك به الكافر بالطّاغوت المؤمن باللّه ومن أوثق عرى الأشياء بقوله: {الوثقى}.
والوثقى: فعلى من الوثاقة، يقال في الذّكر: هو الأوثق، وفي الأنثى: هي الوثقى، كما يقال: فلانٌ الأفضل وفلانة الفضلى.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل فى قوله: {فقد استمسك بالعروة الوثقى}.
ذكر من قال ذلك:
- حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:{بالعروة الوثقى}، قال: الإيمان.
- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
- حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال:"العروة الوثقى"، هو الإسلام.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي السّوداء، عن جعفرٍ يعني ابن أبي المغيرة عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: فقد استمسك بالعروة الوثقى قال: لا إله إلاّ اللّه.
[جامع البيان: 4/560]
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي السّوداء النّهديّ، عن سعيد بن جبيرٍ مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: فقد استمسك بالعروة الوثقى مثله). [جامع البيان: 4/561]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا انفصام لها}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {لا انفصام لها} لا انكسار لها، والهاء والألف في قوله {لها} عائدٌ على العروة.
ومعنى الكلام: فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن باللّه، فقد اعتصم من طاعة اللّه بما لا يخشى مع اعتصامه خذلانه إيّاه وإسلامه عند حاجته إليه في أهوال الآخرة، كالمتمسّك بالوثيق من عرى الأشياء الّتي لا يخشى انكسار عراها.
وأصل الفصم: الكسر ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
ومبسمها عن شتيت النّبا = ت غير أكسّ ولا منفصم
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
[جامع البيان: 4/561]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله {لا انفصام لها} قال: لا يغيّر اللّه ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لا انفصام لها} قال: لا انقطاع لها). [جامع البيان: 4/562]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه سميعٌ عليمٌ}.
يعني تعالى ذكره: واللّه سميعٌ إيمان المؤمن باللّه وحده، الكافر بالطّاغوت عند إقراره بوحدانيّة اللّه، وتبرئته من الأنداد والأوثان الّتي تعبد من دون اللّه، {عليمٌ} بما عزم عليه من توحيد اللّه وإخلاص ربوبيّته قلبه، وما انطوى عليه من البراءة من الآلهة والأصنام والطّواغيت ضميره، وبغير ذلك ممّا أخفته نفس كلّ أحدٍ من خلقه لا ينكتم عنه سرٌّ، ولا يخفى عليه أمرٌ، حتّى يجازي كلاّ يوم القيامة بما نطق به لسانه، وأضمرته نفسه، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ). [جامع البيان: 4/562]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها واللّه سميعٌ عليمٌ (256)
قوله: لا إكراه في الدين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، ثنا وهب بن جريرٍ، ثنا شعبة عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ، في قوله: لا إكراه في الدّين قال كانت المرأة من الأنصار، لا يكاد يعيش لها ولدٌ فتحلف-: لئن عاش لها ولدٌ، لتهوّدنّه. قال الأنصار: يا رسول اللّه: أبناؤنا. فأنزل اللّه هذه الآية لا إكراه في الدّين قال سعيد بن جبيرٍ: فمن شاء لحق بهم، ومن شاء دخل في الإسلام.
والوجه الثاني:
- حدثنا أبي عمرو بن عون ابنا شريك عن أبي هلال عن إسحاق قال:
كنت مملوكًا نصرانيًّا لعمر بن الخطّاب فكان يعرض عليّ الإسلام فآبى. فيقول:
لا إكراه في الدّين ويقول: يا إسق لو أسلمت، لاستعنّا بك على بعض أمور المسلمين.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا الحسين يعني: ابن حفصٍ ثنا سفيان، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، قال: كانت الأنصار يكرهون اليهود على إرضاع أولادهم، فأنزل اللّه لا إكراه في الدّين
الوجه الرابع:
- حدثنا بن أبي الرّبيع، أبنا عبد الرّزّاق، أبنا معمر، عن قتادة
في قوله:
[تفسير القرآن العظيم: 2/493]
لا إكراه في الدّين قال: كانت العرب ليس لهم دينٌ، فأكرهوا على الدّين بالسّيف، قال: ولا تكره اليهود ولا النّصارى ولا المجوس، إذا أعطوا الجزية.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو الوليد، ثنا أبو سعيدٍ السّرّاج، قال: سمعت الحسن وسأله رجلٌ فقال: مملوكي، لا يصلّي أضربه؟ قال لا إكراه في الدّين.
والوجه السّادس:
قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن ابن شقيقٍ، أبنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان في قوله: لا إكراه في الدّين يقول: لا تكرهوا أحدًا على الإسلام، من شاء أسلم، ومن شاء أعطى الجزية.
والوجه السّابع
: أنّها منسوخةٌ.
- حدّثنا عليّ بن الحسن، ثنا مسدّدٌ، ثنا خالدٌ، ثنا حسين بن قيسٍ عن عكرمة في قوله: لا إكراه في الدّين يقول: لا تكرهوا أحدًا على الإسلام، من شاء أسلم، ومن شاء أعطى الجزية.
- حدّثنا عليّ بن الحسن، ثنا مسدّدٌ، ثنا خالدٌ، ثنا حسين بن قيسٍ عن عكرمة، في قوله: لا إكراه في الدّين قال: نسختها الّتي بعدها وقالوا سمعنا وأطعنا
وروي عن السّدّيّ أنّها منسوخةٌ، فأمر بالقتال، في سورة براءةٌ
- حدّثنا أبي، ثنا الحارث بن لبيدٍ، ثنا بقيّة عن عتبة بن أبي حكيمٍ قال: غزونا أرض الرّوم، ومعنا رجاء بن حيوة، وسليمان بن موسى، ومع رجاءٍ غلامٌ له نصرانيّ، قد زاهق الحلم، فقال له سليمان بن موسى: يا أبا المقدام، أمسلمٌ هو؟ قال: لا قلت: أفلا تكرهه؟ فقال: أليس يقول اللّه: لا إكراه في الدّين فقال له: إنّها منسوخةٌ. فقال له: ما الذي نسخها؟ قال قوله: يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار). [تفسير القرآن العظيم: 1/494]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قد تبيّن الرّشد من الغيّ
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، ثنا أبي، ثنا عمّي الحسين عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ قال:
وذلك لمّا دخل النّاس في الإسلام، وأعطاهم أهل الكتاب الجزية). [تفسير القرآن العظيم: 1/495]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ عن سفيان عن أبي إسحاق عن حسّان بن فائد، عن عمر بن الخطّاب، الطّاغوت: الشّيطان.
وروي عن ابن عبّاسٍ وأبي العالية ومجاهدٍ والحسن وسعيد بن جبيرٍ والضّحّاك وعكرمة وعطاءٍ والسّدّيّ، نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، ثنا أبي، حدّثنا عمّي، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: بالطّاغوت قال: الطّاغوت الّذي يكون بين يدي الأصنام، يعبرون عنها الكذب، ليضلوا الناس.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عقبة، عن حنش بن الحارث، سمعت الشّعبيّ يقول: الطاغوت: الساحر.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: بالطّاغوت قال: الشّيطان في صورة الإنسان يتحاكمون إليه، وهو صاحب أمرهم.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهبٍ، قال: وقال لي مالكٌ: الطّاغوت: ما يعبدون من دون اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/495]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ويؤمن باللّه
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، يعني قوله: ويؤمن باللّه يعني: يصدّقون بتوحيد اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/496]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فقد استمسك بالعروة الوثقى
[الوجه الأول]
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن أبي السّوداء النّهديّ، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ فقد استمسك بالعروة الوثقى قال: لا إله إلا اللّه. وروي عن مجاهدٍ وسعيد بن جبيرٍ، مثله.
والوجه الثّاني:
- ذكر مغيرة بن حسّان، قال: سمعت أنس بن مالكٍ، يذكر في قوله فقد استمسك بالعروة الوثقى قال القرآن.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن عمران، ثنا عبد الرّحمن بن مغراء أبو زهيرٍ، ثنا الحسن بن سالم بن أبي الجعد، قال: سمعت مخارق بن ثعلبة، قال: سمعت سالم بن أبي الجعد يقول: العروة الوثقى: الحبّ في اللّه والبغض في اللّه.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
في قوله: بالعروة الوثقى: الإيمان.
وروي عن السّدّيّ: الإسلام). [تفسير القرآن العظيم: 1/496]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: لا انفصام لها
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا سريح بن النّعمان، ثنا ابن الرّمّاح، يعني عمرو بن ميمونٍ، ثنا حميد بن أبي الخزامى قال: سئل معاذ بن جبل عن قول الله:
[تفسير القرآن العظيم: 2/496]
فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها قال: لا انفصام لها يعني: لا انقطاع لها- مرّتين- دون دخول الجنّة.
وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قوله: لا انفصام لها لا يغيّر اللّه ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم، وروي عن سعيد بن جبيرٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/497]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله استمسك بالعروة الوثقى قال يعني الإيمان). [تفسير مجاهد: 115]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله استمسك بالعروة الوثقى قال يعني الإيمان). [تفسير مجاهد: 115]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزل قوله تعالى: {لا إكراه في الدّين} في الأنصار، كانت تكون المرأة مقلاة، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولدٌ أن تهوّده، فلما أجليت بنو النّضير، كان فيهم كثير من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله تعالى: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ}. أخرجه أبو داود، وقال: المقلاة: التي لا يعيش لها ولدٌ.
[جامع الأصول: 2/53]
[شرح الغريب]
(مقلاة) المقلاة: المرأة التي لا يعيش لها ولد). [جامع الأصول: 2/54]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل ببست حدّثنا الحسن بن عليّ الحلواني حدثنا وهب بن جرير حدّثنا شعبة عن أبي بشرٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ في قوله: {لا إكراه في الدّين} قال كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولدٌ فتحلف لئن عاش لها ولد لتهودنه فلمّا أجليت بنو النّضير إذا فيهم ناسٌ من أبناء الأنصار فقالت الأنصار يا رسول اللّه أبناؤنا فأنزل اللّه هذه الآية: {لا إكراه في الدّين} قال سعيد بن جبيرٍ فمن شاء لحق بهم ومن شاء دخل في الإسلام). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/427]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج أبو داود والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه، وابن منده في غرائب شعبه، وابن حبان، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" والضياء في المختارة عن
[الدر المنثور: 3/195]
ابن عباس قال: كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاة لا يكاد يعيش لها ولد فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا لا ندع أبناءنا، فأنزل الله {لا إكراه في الدين}.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي عن سعيد بن جبير في قوله {لا إكراه في الدين} قال: نزلت في الأنصار خاصة، قلت: خاصة كانت المرأة منهم إذا كانت نزورة أو مقلاة تنذر: لئن ولدت ولدا لتجعلنه في اليهود تلتمس بذلك طول بقاءه فجاء الإسلام وفيهم منهم فلما أجليت النضير قالت الأنصار: يا رسول الله أبناؤنا وإخواننا فيهم فسكت عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت {لا إكراه في الدين} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خير أصحابكم فإن اختاروكم فهم منكم وإن اختاروهم فهم منهم فأجلوهم معهم
[الدر المنثور: 3/196]
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن الشعبي قال: كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاة لا يعيش لها ولد فتنذر إن عاش ولدها أن تجعله مع أهل الكتاب على دينهم فجاء الإسلام وطوائف من أبناء الأنصار على دينهم فقالوا: إنما جعلناهم على دينهم ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا وإن الله جاء بالاسلام فلنكرهنهم فنزلت {لا إكراه في الدين} فكان فصل ما بينهم إجلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير فلحق بهم من لم يسلم وبقي من أسلم.
وأخرج سعيد بن منمصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كان ناس من الأنصار مسترضعين في بني قريظة فثبتوا على دينهم فلما جاء الإسلام أراد أهلوهم أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت {لا إكراه في الدين}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر من وجه آخر عن مجاهد قال كانت النضيرأرضعت رجالا من الأوس فلما أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بإجلائهم قال أبناؤهم من الأوس: لنذهبن معهم ولندينن دينهم فمنعهم أهلوهم وأكرهوهم على الإسلام ففيهم نزلت هذه الآية {لا إكراه في الدين}
[الدر المنثور: 3/197]
وأخرج ابن جرير عن الحسن، أن ناسا من الأنصار كانوا مسترضعين في بني النضير فلما أجلوا أراد أهلوهم أن يلحقوهم بدينهم فنزلت {لا إكراه في الدين}.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير عن ابن عباس في قوله {لا إكراه في الدين} قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين كان له ابنان نصرانيان وكان هو رجلا مسلما فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية فأنزل الله فيه ذلك.
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن عبيدة أن رجلا من الأنصار من بني سالم بن عوف كان له ابنان تنصرا قبل أن يبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقدما المدينة في نفر من أهل دينهم يحملون الطعام فرآهما أبوهما فانتزعهما وقال: والله لا أدعهما حتى يسلما فأبيا أن يسلما فاختصموا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر فأنزل الله {لا إكراه في الدين} الآية، فخلى سبيلهما.
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر عن السدي في قوله {لا إكراه في الدين} قال: نزلت في رجل من الأنصار يقال له أبو الحصين كان له ابنان فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت فلما باعوا وأرادوا أن يرجعوا أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانية فتنصرا
[الدر المنثور: 3/198]
فرجعا إلى الشام معهم فأتى أبوهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابني تنصرا وخرجا فاطلبهما فقال {لا إكراه في الدين} ولم يؤمر يومئذ بقتال أهل الكتاب وقال: أبعدهما الله هما أول من كفر فوجد أبو الحصين في نفسه على النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين لم يبعث في طلبهما فنزلت (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) (النساء الآية 65) الآية، ثم نسخ بعد ذلك {لا إكراه في الدين} وأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} قال: وذلك لما دخل الناس في الإسلام وأعطى أهل الكتاب الجزية.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه، وابن جرير عن قتادة في الآية قال:
كانت العرب ليس لها دين فأكرهوا على الدين بالسيف قال: ولا يكره اليهود ولا النصارى والمجوس إذا أعطوا الجزية.
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن في قوله {لا إكراه في الدين} قال: لا يكره أهل الكتاب على الإسلام
[الدر المنثور: 3/199]
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن وسق الرومي قال: كنت مملوكا لعمر بن الخطاب فكان يقول لي: أسلم فإنك لو أسلمت استعنت بك على أمانة المسلمين فإني لا أستعين على أمانتهم بمن ليس منهم فأبيت عليه فقال لي: {لا إكراه في الدين}.
وأخرج النحاس عن أسلم، سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية: أسلمي تسلمي فأبت فقال عمر: اللهم اشهد ثم تلا {لا إكراه في الدين}.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سليمان بن موسى في قوله {لا إكراه في الدين} قال: نسختها (جاهد الكفار والمنافقين) (التوبة الآية 73).
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن حميد الأعرج، أنه كان يقرأ {قد تبين الرشد} وكان يقول: قراءتي على قراءة مجاهد
[الدر المنثور: 3/200]
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال {الطاغوت} الشيطان.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن جابر بن عبد الله، أنه سئل عن الطواغيت قال: هم كهان تنزل عليهم الشياطين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال {الطاغوت} الكاهن.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال {الطاغوت} الساحر.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال {الطاغوت} الشيطان في صورة الإنسان يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس قال {الطاغوت} ما يعبد من دون الله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {فقد استمسك بالعروة الوثقى} قال: لا إله إلا الله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أنس بن مالك في قوله {فقد استمسك بالعروة الوثقى} قال: لاإله إلا الله .
[الدر المنثور: 3/201]
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف "، وابن أبي حاتم عن أنس بن مالك في قوله: (فقد استمسك بالعروة الوثقى) . قال: القرآن ..
وأخرج سفيان، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {بالعروة الوثقى} قال: الإيمان، ولفظ سفيان قال: كلمة الإخلاص.
وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن سلام قال رأيت رؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت كأني في روضة خضراء وسطها عمود حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عروة فقيل لي: اصعد عليه فصعدت حتى أخذت بالعروة فقال: استمسك بالعروة فاستيقظت وهي في يدي فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أما الروضة فروضة الإسلام وأما العمود فعمود الإسلام وأما العروة فهي العروة الوثقى أنت على الإسلام حتى تموت.
وأخرج ابن عساكر عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر فإنهما حبل الله الممدود فمن استمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها
[الدر المنثور: 3/202]
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: القدر نظام التوحيد فمن كفر بالقدر كان كفره بالقدر نقصا للتوحيد فإذا وحد الله وآمن بالقدر فهي العروة الوثقى.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل، أنه سئل عن قوله {لا انفصام لها} قال: لا انقطاع لها دون دخول الجنة). [الدر المنثور: 3/203]

تفسير قوله تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات}.
[جامع البيان: 4/562]
يعني تعالى ذكره بقوله: {اللّه وليّ الّذين آمنوا} نصيرهم وظهيرهم، يتولاّهم بعونه وتوفيقه {يخرجهم من الظّلمات} يعني بذلك: يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، وإنّما عنى بالظّلمات في هذا الموضع الكفر، وإنّما جعل الظّلمات للكفر مثلاً؛ لأنّ الظّلمات حاجبةٌ للأبصار عن إدراك الأشياء وإثباتها، وكذلك الكفر حاجبٌ أبصار القلوب عن إدراك حقائق الإيمان والعلم بصحّته وصحّة أسبابه. فأخبر تعالى ذكره عباده أنّه وليّ المؤمنين ومبصّرهم حقيقة الإيمان وسبله وشرائعه وحججه، وهاديهم، فموفّقهم لأدلّته المزيلة عنهم الشّكوك بكشفه عنهم دواعي الكفر، وظلم سواتره أبصار القلوب. ثمّ أخبر تعالى ذكره عن أهل الكفر به، فقال: {والّذين كفروا} يعني الجاحدين وحدانيّته {أولياؤهم} يعني نصراءهم وظهراءهم الّذين يتولّونهم، {الطّاغوت} يعني الأنداد والأوثان الّذين يعبدونهم من دون اللّه، {يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات} يعني بالنّور الإيمان على نحو ما بيّنّا إلى الظّلمات، ويعني بالظّلمات ظلمات الكفر وشكوكه الحائلة دون أبصار القلوب ورؤية ضياء الإيمان وحقائق أدلّته وسبله.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور} يقول: من الضّلالة إلى الهدى {والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت} الشّيطان، {يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات} يقول: من الهدى إلى الضّلالة.
[جامع البيان: 4/563]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور} الظّلمات: الكفر، والنّور: الإيمان، {والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات} يخرجونهم من الإيمان إلى الكفر.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله تعالى ذكره: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور} يقول: من الكفر إلى الإيمان، {والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات} يقول: من الإيمان إلى الكفر.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن عبدة بن أبي لبابة، عن مجاهدٍ، أو مقسمٍ في قول اللّه: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات} قال: كان قومٌ آمنوا بعيسى، وقومٌ كفروا به، فلمّا بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم آمن به الّذين كفروا بعيسى، وكفر به الّذين آمنوا بعيسى، فقال الله جل ثنائه {اللّه وليّ الّذين آمنوا} يخرجهم من كفرهم بعيسى إلى الإيمان بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. {والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت} آمنوا بعيسى وكفروا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات.
[جامع البيان: 4/564]
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت منصورًا، عن رجلٍ، عن عبدة بن أبي لبابة، قال في هذه الآية: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور} إلى: {أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} قال: هم الّذين كانوا آمنوا بعيسى ابن مريم، فلمّا جاءهم محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم كفروا به، وأنزلت فيهم هذه الآية.
وهذا القول الّذي ذكرناه عن مجاهدٍ وعبدة بن أبي لبابة يدلّ على أنّ الآية معناها الخصوص، وأنّها إن كان الأمر كما وصفنا نزلت فيمن كفر من النّصارى بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وفيمن آمن بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من عبدة الأوثان الّذين لم يكونوا مقرّين بنبوّة عيسى وسائر الملل الّتي كان أهلها تكذّب بعيسى.
فإن قال قائلٌ: أو كانت النّصارى على حقٍّ قبل أن يبعث محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، فكذّبوا به؟
قيل: من كان منهم على ملّة عيسى ابن مريم صلّى اللّه عليه وسلّم فكان على حقٍّ وإيّاهم عنى اللّه تعالى ذكره بقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله}.
فإن قال قائلٌ: فهل يحتمل أن يكون قوله: {والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات} أن يكون معنيًّا به غير الّذين ذكر مجاهدٌ وعبده أنّهم عنوا به من المؤمنين بعيسى أو غير أهل الرّدّة عن الإسلام؟
[جامع البيان: 4/565]
قيل: نعم يحتمل أن يكون معنى ذلك: والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يحولون بينهم وبين الإيمان، ويضلّونهم فيكفرون، فيكون تضليلهم إيّاهم حتّى يكفروا إخراجًا منهم لهم من الإيمان، يعني صدّهم إيّاهم عنه وحرمانهم إيّاهم خيره، وإن لم يكونوا كانوا فيه قبل، كقول الرّجل: أخرجني والدي من ميراثه، إذا ملك ذلك في حياته غيره، فحرمه منه حظةٌ، ولم يملك ذلك القائل هذا الميراث قطّ فيخرج منه، ولكنّه لمّا حرمه، وحيل بينه وبين ما كان يكون له لو لم يحرمه، قيل: أخرجه منه، وكقول القائل: أخبرني فلانٌ من كتيبته، يعني لم يجعلني من أهلها، ولم يكن فيها قطّ قبل ذلك، فكذلك قوله: {يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات} محتمل أن يكون إخراجهم إيّاهم من الإيمان إلى الكفر على هذا المعنى، وإن كان الّذي قاله مجاهدٌ وعبده أشبه بتأويل الآية.
فإن قال لنا قائلٌ: وكيف قال: {والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور} فجمع خبر الطّاغوت بقوله يخرجونهم، والطّاغوت واحدٌ؟
[جامع البيان: 4/566]
قيل: إنّ الطّاغوت اسمٌ لجماعٍ وواحدٌ وقد يجمع طواغيت، وإذا جعل واحده وجمعه بلفظٍ واحدٍ كان نظير قولهم: رجلٌ عدلٌ وقومٌ عدلٌ، ورجلٌ فطرٌ وقومٌ فطرٌ، وما أشبه ذلك من الأسماء الّتي تأتي موحّدةً في اللّفظ واحدها وجمعها، وكما قال العبّاس بن مرداسٍ:
فقلنا أسلموا إنّا أخوكم = فقد برئت من الإحن الصّدور). [جامع البيان: 4/567]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}.
يعني تعالى ذكره بذلك هؤلاء الّذين كفروا أصحاب النّار، أهل النّار الّذين يخلّدون فيها، يعني في نار جهنّم دون غيرهم من أهل الإيمان إلى غير غايةٍ ولا نهايةٍ أبدًا). [جامع البيان: 4/567]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (257)
قوله: اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور
- حدثنا أبى، ثنا يحي بن المغيرة، ابنا جرير، عن منصور، عن عبدة ابن أبي لبابة، عن مقسمٍ أو مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور قال: كان قومٌ آمنوا بعيسى وقومٌ كفروا به، فلمّا بعث محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، آمن به الّذين كفروا بعيسى وكفر به الّذين آمنوا بعيسى فقال: اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور يخرجهم من كفرهم بعيسى إلى إيمانٍ بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. وروي عن أبي مالكٍ ومقاتل بن حيّان والرّبيع بن أنسٍ وقتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/497]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: والّذين كفروا
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ أبنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكيرٍ، عن مقاتل، قوله: والّذين كفروا يعني: أهل الكتاب). [تفسير القرآن العظيم: 1/497]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: أولياؤهم الطاغوت
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 1/497]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات
- وبه عن مقاتل بن حيّان قوله: والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظلمات يعني: أهل الكتاب، كانوا آمنوا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وعرفوا أنّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ويجدونه في كتبهم، وكانوا
[تفسير القرآن العظيم: 2/497]
به مؤمنين، قبل أن يبعث، فلمّا بعثه اللّه كفروا وجحدوا وأنكروا، فذلك خروجهم من النّور، يعني من إيمانهم بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل ذلك، ويعني بالظّلمات:
كفرهم بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وروي عن الرّبيع بن أنسٍ وقتادة وأبي مالكٍ، نحو ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن ميسرة، ثنا عبد العزيز بن أبي عثمان عن موسى بن عبيدة، عن أيّوب بن خالدٍ، قال: يبعث أهل الأهواء أو تبعث الفتن، فمن كان هواه الإيمان، كانت فتنته بيضاء مضيئةً، ومن كان هواه الكفر، كانت فتنته سوداء مظلمةً، ثمّ قرأ هذه الآية: اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النور). [تفسير القرآن العظيم: 1/498]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون
قد تقدم تفسيره. رقم 39). [تفسير القرآن العظيم: 1/498]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {اللّه وليّ الّذين آمنوا} [البقرة: 257].
- عن ابن عبّاسٍ: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور} [البقرة: 257] قال: هم قومٌ كانوا كفروا بعيسى وآمنوا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم {والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات} [البقرة: 257] هم قومٌ آمنوا بعيسى فلمّا بعث محمّدٌ كفروا به.
رواه الطّبرانيّ، وفيه أبو بلالٍ الأشعريّ وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 6/323]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر والطبراني عن ابن عباس في قوله {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} قال: هم قوم كانوا كفروا بعيسى فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} قال: هم قوم آمنوا بعيسى فلما بعث محمد كفروا به.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ومقسم، مثله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله {يخرجهم من الظلمات إلى النور} يقول: من الضلالة إلى الهدى، وفي قوله !
[الدر المنثور: 3/203]
{يخرجونهم من النور إلى الظلمات} يقول: من الهدى إلى الضلالة.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في الآية قال: الظلمات الكفر والنور الإيمان.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: ما كان فيه الظلمات والنور فهو الكفر والإيمان.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد قال: يبعث أهل الأهواء وتبعث الفتن فمن كان هواه الإيمان كانت فتنته بيضاء مضيئة ومن كان هواه الكفر كانت فتنته سوداء مظلمة ثم قرأ هذه الآية، والله أعلم). [الدر المنثور: 3/204]


رد مع اقتباس