عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 24 ربيع الثاني 1442هـ/9-12-2020م, 12:05 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

الطبقة الخامسة عشرة: طبقة المفسرين في القرن الرابع عشر الهجري
1: أبو الطيب محمد صديق بن حسن خان القنَّوجي (ت: 1307هـ)
من أعيان الهند، كان على نظارة المعارف في بهوبال، ثمّ تزوّج ملكة بهوبال سنة 1287هـ، فأضحى كالملك في الهند؛ على حال عظيمة من الرخاء والتمكّن في البلاد، وكان فاضلاً كثير التأليف محباً للعلماء مكرماً لهم، ثم ابتلي في آخر حياته، وحيكت له المؤامرات والسعايات من قبل الحكومة البريطانية في الهند لتحريضه على الجهاد، ونشره الدعوة السلفية في الهند، وانتزعت منه ألقاب الإمارة ومنعته الحكومة الإنجليزية من التدخّل في إدارة شؤون البلاد سنة 1302هـ، فتنكّرت له الوجوه وتغيّرت عليه الأمور غير زوجته بقيت له على الوفاء والمؤازرة جهدها، ثم مرض بالاستسقاء، واستمر به المرض إلى أن توفي رحمه الله.
له مؤلفات كثيرة، اعتمد في أكثرها على مؤلفات القاضي الشوكاني رحمه الله، ومن مؤلفاته في التفسير:
(أ) فتح البيان في مقاصد القرآن.
(ب) نيل المرام من تفسير آيات الأحكام.
وهما مطبوعان.

2: محمد نووي بن عمر بن عربي الجاوي (ت: 1316هـ)
فقيه شافعي، ومفسّر متصوّف، نزيل مكّة، وأصله من جزيرة جاوة بأندونيسيا.
له تفسير سمّاه "مراح لبيد لكشف معنى قرآن مجيد" وهذا الاسم يوافق بحروف الجُمَّل 1304 ولعله تاريخ شروعه في تأليفه، فإنه ذكر في خاتمة تفسيره أنه فرغ من تأليفه في شهر ربيع الآخر من عام 1305هـ.
وقد اعتمد فيه على حاشية الجمل على الجلالين المسماة بالفتوحات الإلهية، وعلى تفسير الرازي وتفسير الخطيب الشربيني وتنوير المقباس للفيروزآبادي وتفسير أبي السعود.

3: محمد بن عبده بن حسن بن خير الله المصري(ت: 1323هـ)
زعيم ما يسمّى بالمدرسة العقلية الاجتماعية في مصر، ومفتي الديار المصرية وشيخ الأزهر في عهد الخديوي عباس حلمي.
وهو رجل مثير للجدل، انقسم فيه العلماء بين مؤيد معجب، ومغلّب لحسن الظنّ مع إنكار لبعض ما كان منه، وذامّ له محذّر منه يعدّه من أخطر عملاء الاستعمار.
ولد محمد عبده سنة 1254هـ، ونشأ نشأة صوفية، ثم تتلمذ على جمال الدين الأفغاني لما زار مصر سنة 1287هـ، وأخذ عنه الفلسفة والمنطق، وفرح به جداً حتى عدّه بمنزلة خيرٍ من منزلة أبيه، وكان له أثر في تمكنه وتصدّره، واتصالاته المريبة بالماسونية والإنجليز، وأسس معه صحيفة "العروة الوثقى" في باريس ثم صحفاً في مصر، قرّب فيها نصارى العرب، ولم يزل محمد عبده يبالغ في تبجيل جمال الدين الأفغاني وتعظيمه إلى أن خرج إلى درجة منكرة من الغلو أشبه ما تكون بكلام أصحاب وحدة الوجود.
وحظي بسبب صلته به بتمكن كبير، وصلات كثيرة في البلدان التي يحلّ فيها، ثم إن محمد عبده تولّى القضاء مدة ثمّ مشيخة الأزهر، ولقّب بالشيخ الإمام، وكتبه طافحة بتقديم العقل والإعراض عن السنة وأقوال السلف وليس فيها كبير علم بل هي مما لا ينبغي أن يُقرأ إلا على حذر، وفي كتبه ومراسلاته بواقع وطوام، نسأل الله العافية.
واتصاله بالماسونية أمر قد شهر عنه واعترف به، ولم يعد خفيّاً، بل تقوّى به على السلطان وكان مما كتب به إلى تلميذه رشيد رضا: (إن السلطان لا يستطيع حبسي لو أراده، وهو يعلم عجزه عن ذلك حق العلم، ولذلك أسباب لا أحبّ ذكرها الآن).
وكان أمره خفيّاً على بعض العلماء في زمانه، فكان منهم من يعتذر له، ويزعم أنه قد غرّر به وأنه انخدع بدعاوى الماسونية.
ولمحمد عبده كلام في دعوى التجديد ونبذ التقليد والحرية والعدل والإصلاح ونحوها من العبارات التي ظاهرها حسن مطلوب يكسب به تأييد العامة وبعض العلماء، لكن يقع الخطأ والخطر في تعيين المراد بها وطريقته في تحقيقها.
ولذلك حرص على الاعتماد على العقل والإعراض عن أقوال السلف، بل نفّر منها أشدّ التنفير، وردّ بعض الأحاديث الصحيحة، فوقع في مزالق، تورّط فيها تلاميذه والمتأثرون به فكانوا على أصناف:
- صنف تأثروا بطريقته وسلكوا مسلكه وأمعنوا فيه إلى غاية أسفرت عن انحراف شديد ومحاربة للدين؛ فكان منهم قاسم أمين الذي دعا إلى خلع الحجاب تحت اسم تحرير المرأة، وعلي عبد الرازق صاحب كتاب "الإسلام وأصول الحكم" الذي دعا فيه إلى فصل الدين عن الحكم، وسعد زغلول، وطه حسين، وغيرهم كثير ممن كان لهم أثر كبير في الانحراف الفكري والانحلال الاجتماعي في مصر.
- وصنف حملهم الإعجاب بأسلوبه العلمي وشعاراته التي يرفعها وعباراته الرنانة التي يرددها في دروسه وكتبه على محاكاته والاقتباس منه في كتبهم وغلب عليهم التوجه العلمي، والتغيير الثقافي، ولم يكن لهم كبير أثر في التغيير الاجتماعي، ومنهم: أحمد مصطفى المراغي، ثم من بعده رشيد الموصلي، وأمين الخولي.
- وصنف لم يخفوا إعجابهم بعلمه وعقله وأسلوبه ودعوته، لكنّهم لم يقرّوه على بعض ما وقع فيه من أخطاء ومستبشعات؛ فانتقوا أحسن ما لديه، وهذبوا طريقته، وحاولوا التوفيق بينها وبين المنهج السلفي، وكان منهم: محمد رشيد رضا، وجمال الدين القاسمي.

ولمحمد عبده تفسير جزء عمّ، وتفسير سورة الفاتحة، وتفسير سورة العصر، وله دروس في التفسير في الجامع الأزهر استمرّ فيها ستّ سنين، وصل فيها إلى تفسير قول الله تعالى: {ولله ما في السموات وما في الأرض وكان الله بكلّ شيء محيطاً} من سورة النساء، جمع مادّتها تلميذه محمد رشيد رضا وحررها وأضاف إليها الاستدلال ببعض الأحاديث والآثار ونقول عن بعض المفسرين، مما كان محمد عبده معرضاً عنه، ونشرها في تفسير سماه "تفسير المنار" ثم شرع في إتمامه سنة 1330هـ بعد سبع سنوات من وفاة شيخه ووصل إلى نهاية تفسير الجزء الثاني عشر في أواخر تفسير سورة يوسف عام 1353هـ.

4: أبو الفرج محمد جمال الدين بن محمد سعيد القاسمي(ت: 1332هـ)
من علماء دمشق، كان أشعرياً صوفياً نقشبندياً إلى أن بلغ الثلاثين من عمره، وكان يكتب ذلك في كتبه، وكان ينتدب من الدولة السورية للدعوة في المدن والقرى، وزار محمد عبده في مصر وأعجب به، وهو الذي اقترح عليه تلخيص "إحياء علوم الدين".
ثم إنه قرأ كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم فانتفع بها، وتحوّل إلى مذهب السلف، ومدحه ودعا إليه، وأكثر في تفسيره من النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وتقرير اعتقاد السلف في آيات الصفات، لكنه لم يخل من مؤاخذات أخذت عليه، ورواسب بقيت لديه، منها نقله عن محمد عبده وابن عربي والطوسي، والثناء على المعتزلة والجهمية في كتابه "تاريخ الجهمية والمعتزلة"، ودعوته للمقاربة بين السنة والشيعة.

5: حميد الدين أبو أحمد عبد الحميد بن عبد الكريم بن قربان قنبر الأنصاري الفراهي(ت:1349هـ)
ولد سنة 1280هـ في قرية "فَرِيها" من قرى منطقة "أعظم كره" شمال الهند شرقي لكناو، وكان أبوه من أعيان تلك البلاد غنيّاً سريّاً؛ فنشأ عبد الحميد في رخاء ورفاهية، وعيّن له أبوه مؤدّباً ومعلّماً؛ فحفظ القرآن وهو ابن عشر سنين، ثم تعلّم الفارسيّة وحذقها حتى نظم الشعر بالفارسية.
ولما بلغ الرابعة عشرة تعلّم العربية ومبادئ علوم الشريعة على ابن عمّته العلامة شبلي النعماني(ت:1332هـ) ثم انتقل إلى لكناو فدرس على العلامة الكبير عبد الحيّ اللكنوي(ت:1304هـ).
ودرس على فيض الحسن السهارنفوري(ت:1304هـ) المدرّس في الكليّة الشرقية بلاهور علوم العربية وغيرها
ثمّ لما بلغ العشرين درس في المدارس النظامية فالتحق بثانوية "كرنل غنج" ثم حصل على الشهادة الجامعية من كلية عليكرة، وطلبت منه إدارة الجامعة ترجمة كتابين من العربية إلى الفارسية لإدخالهما في المقررات الدراسية في الجامعة التي هو من طلابها.
وتعلّم اللغة الإنجليزية ومهر فيها حتى ألّف فيها وحاضر، وأشرف على ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الإنجليزية.
ودرس الفلسفة على المستشرق الإنجليزي توماس أرنولد(ت:1349هـ) ثم كان يحذّر من الفلسفة بعد ذلك ويبيّن ضررها.
وقرأ كتب العهد القديم والعهد الجديد من كتب أهل الكتاب.
وكان لعبد الحميد مكتبة غنيّة بالكتب؛ فاتسع اطلاعه، مع ذكاء حادّ، ونَهَم في القراءة والبحث والنظر، وتضلّع في علوم العربية.
ودرّس في مدرسة الإسلام بكراتشي زمناً، ثمّ تنقّل في مدارس عدة إلى أن تصدّر للتدريس في كلية عليكرة سنة 1324هـ وبقي فيها سنوات عدة، وكان أستاذ العربية فيها المستشرق اليهودي الألماني جوزف هوروفيتس، فدرس عليه العبرانية.
- قال الأستاذ محمد أجمل الإصلاحي: (والذي دعاه إلى ذلك انتشار جمعيات التنصير في عهده في الهند، والردُّ على اليهود والنصارى من خلال كتبهم يقتضي دراستها الدقيقة وبصورة مباشرة)ا.هـ.
وقد ظهر أثر ذلك جليّا في تفسيره وفي مؤلفاته في علوم القرآن.
ثم انتقل إلى كلية دار العلوم بحيدر آباد سنة 1332ه وتولّى عمادتها وتدريس الصفوف العليا في الكلية.
وبعد وفاة شيخه العلامة شبلي النعماني(ت:1332هـ) اجتمع مع بقية تلامذته لتنفيذ فكرة شيخهم في تأسيس مؤسسة دار المصنفين في مدينة "أعظم كره" واختير الفراهي رئيساً لها.
وأسند إليه الإشراف العلمي على مدرسة "إصلاح المسلمين" وهي مدرسة أنشاتها جمعية "إصلاح المسلمين" لتخريج دعاة وعلماء يعملون في إصلاح عقائد المسلمين وإزالة البدع المنتشرة وفض المنازعات بين المسلمين؛ فأقام مناهجها، ورسم خطّتها، وحسّن طريقة تعليم العربية، واعتنى فيها بعلوم القرآن، وكان يشرف عليها وهو في حيدر آباد.
وكان له درس أسبوعي في تفسير القرآن في حيدر آباد، وبقي فيها إلى سنة 1337هـ، حيث استقال من العمل النظامي ليتفرّغ لمطالعة القرآن والاجتهاد في فهم نظامه.
وعاد إلى بلده "أعظم كره" وباشر إدارة المدرسة الإصلاحية التي وضع خطّتها العلمية، وكان يلقي فيها دروساً في التفسير يحضرها الأساتذة وكبار الطلاب.
وتوافر على دراسة معاني القرآن دراسة عميقة مفصّلة، وتراءى له أن للقرآن نظاماً عامّاً في جميع سوره، سمّاه عمود السورة، وهو ما يسمّيه بعض المعاصرين "الوحدة الموضوعية" للسورة.
- قال محمد أجمل الإصلاحي: (وكان يعكف كل يوم بعد قيام الليل على تدبّر القرآن الكريم، ثم يشتغل بالبحث والنظر والتأليف، ويستمرّ على ذلك بعد صلاة الفجر إلى الساعة التاسعة صباحاً، وظلّ ذلك دأبه أكثر من ثلاثين سنة، ولما استقال من عمادة دار العلوم بحيدر آباد صار يقضي معظم وقته في تدبّر القرآن والتأليف فيه).
أنهكته الأمراض في آخر حياته حتى توفي رحمه الله وهو يتلو القرآن، في شهر جمادى الآخرة من عام 1349هـ، بعد عملية جراحية أجريت له.
له مؤلفات منها:
1- نظام الفرقان وتأويل القرآن بالقرآن، وهو تفسيره المشهور، صدر منه تفسير الفاتحة، والذاريات، والتحريم، والقيامة، والمرسلات، وعبس، والشمس، والتين، والعصر، والفيل، والكوثر، والكافرون، والمسد، وهذه الأجزاء مطبوعة.
وفسّر اثنتين وستين آية من أوّل سورة البقرة، وإحدى وثلاثين آية من أوّل سورة آل عمران، ولم يقدّر له إكمال تفسيره.
2- ودلائل النظام، وغرضه التدليل على العمود الذي بنى عليه تفسيره، وقد نشرته الدائرة الحميدية سنة 1388ه.
3- فاتحة نظام القرآن، وهو مقدّمة تفسيره، وقد نشرته الدائرة الحميدية سنة 1357هـ.
4- وإمعان في أقسام القرآن، وقد طبع مرتين في حياته، والطبعة الثانية فيها زيادات كثيرة.
5- والتكميل في أصول التأويل، لم يكمله، وقد نشرته الدائرة الحميدية سنة 1388هـ.
6- والرأي الصحيح فيمن هو الذبيح، طبع في حياته، ثم أعيد طبعه مراراً.
7- ومفردات القرآن، لم يكمله، لكنه له مسودة أخرجها تلميذه أختر أحسن الإصلاحي، ثم عثر الأستاذ محمد أجمل الإصلاحي سبط أختر أحسن على ورقات فيها تفسير خمس وثلاثين مفردة بخطّ المؤلّف عند بعض تلاميذه فجمعها، ونشرت الكتاب دار الغرب سنة 1420هـ.
8- وحجج القرآن، لم يكمله، ولم يبيّضه، وقد نشرته الدائرة الحميدية اعتماداً على المسودة.
9: وحكمة القرآن، كتاب لم يكمله ، وقد نشر فصلاً منه بعنوان "النظام في الديانة الإسلامية".
10- وأساليب القرآن، وهو كتاب في ذكر وجوه الأساليب في القرآن وبيان دلالاتها ومواقع استعمالها، وقد طبع.
وله كتب في العربية منها: جمهرة البلاغة، ورسالتان في النحو والصرف، وديوان شعر، وغيرها.
وكانت طريقته في التأليف أنه يحقق المسائل في الموضوعات التي يرى التأليف فيها مسألة مسألة، ثم يلحق كل مسألة بالكتاب الذي تتبعه، ولذلك كان اشتغاله بالتأليف متفرّقاً بين كتب متعددة متزامنة، فمنها ما قدّر له إتمامه؛ فنضّده وأخرجه في حياته، ومنها وهو أكثرها ما لم يتمّه، وهو على صنفين:
- صِنْفٌ كتب منه جملة صالحة في مسوّدات فاجتهد بعض تلاميذه في إخراجها ونشرها.
- وصنف كانت كتابته فيه إنما هي نتف متفرقة لا يجتمع منها ما يقوم به عمود الكتاب.

ويؤخذ عليها المغالاة فيما سمّاه نظام القرآن وعمود السورة، حتى يخرج بأقوال غريبة، يخطّئ كلّ ما يخالفه من الأقوال، ويزري على المفسرين بأنهم لم يفهموا ما استخرجه وفهمه، ويذكر الأحاديث والآثار من غير عزو ولا تمييز بين صحيحها وضعيفها، ويعتمد في الانتقاء من متونها على ما يراه موافقاً لما استخرجه من عمود السورة كما سمّاه، ويردّ ما يخالف ذلك أو يؤوّله بأنواع من التأويلات.
وتقع منه جراءة عجيبة في ردّ أقوال المفسرين وتخطئتها ولو كان القول لجمهورهم، ويعوّل كثيراً على فهمه لنصوص منتقاة من كتب أهل الكتاب، ويكثر من إيرادها ويطيل جداً في محاولات تقرير ما يذهب إليه حتى ربما فسّر الآية الواحدة في فصول عديدة يزعم أنها ضرورية لفهم نظام السورة، ويقع منه تكلّف ظاهر وأخطاء وأوهام ليست قليلة في أثناء ذلك بسبب اعتماده على دلالات رمزية إشارية تترقى عنده حتى يراها دلائل قاطعة إذا وافقت ما استخرجه من عمود السورة، ثم يزري على المفسرين بأنهم لم يفهموا من الآيات ما فهم.
ومن تلك الأخطاء ما يبطل بنيانه الذي يريد أن يتوصّل به لإقامة عمود السورة ونظامها، وللشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلّمي(ت:1386هـ) تعقيب عليه في تفسير سورة الفيل طبع في مجلّد؛ بيّن فيه كثيراً من الأخطاء المنهجية والتفصيلية التي وقع فيها الفراهي، مع أدب جمّ وإنصاف وحسن بيان.
فمن الأخطاء الظاهرة التي وقع فيها الفراهي أنّه زعم أن الرمي في قوله تعالى: {ترميهم} كان من قريش، وأنهم دفعوا أبرهة وجيشه عن البيت الحرام، وأن الطير لم ترمهم، وإنما كانت تأكل جثث القتلى، وبنى استنتاجاته على أخطاء متسلسلة تراها مبيّنة مع الردّ عليها في تعقيب المعلّمي.
والرجل لذكائه وسعة اطلاعه ودقّة ملاحظاته يستخرج فوائد يعزّ وجود مثلها في كثير من التفاسير، وهو من أهل الصدق والفضل، قد أجهد نفسه في البحث والتحرير إجهاداً كبيراً، لكن لا ينبغي أن يُؤخذ كلامه على علاته، بل يُمرّ على مشرح التمحيص.

6: محمد رشيد بن علي رضا الحسيني(ت: 1354هـ)، المعروف بمحمد رشيد رضا، صاحب مؤسسة المنار.
ولد في القلمون قرب طرابلس الشام عام 1282هـ، ونشأ بها نشأة صوفية، ودرس في المدارس الدينية حتى نال ما سماه شهادة العالِميّة.
وكان يتابع ما يكتبه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في صحيفة العروة الوثقى بإعجاب وانبهار، وأعجبه ما فيها من دعوى التجديد ونبذ التقليد، وعبارات الإصلاح، وكانت غايتها دعوة العرب للتخلص من الهيمنة العثمانية، ثم رحل إلى مصر سنة 1315هـ، والتقى محمد عبده ولازمه ملازمة شديدة، وهو الذي حثّه على إقامة دروس في التفسير.
وباشر إصدار مجلة المنار في شهر شوال من سنة 1315ه، وكان لها انتشار واسع في العالم الإسلامي، وبثّ فيها آراءه في الإصلاح الديني والاجتماعي، واستكتب فيها بعض العلماء والدعاة.
وبعد وفاة شيخه محمد عبده أنشأ مدرسة لتخريج الدعاة بعد إعانة مالية حصل عليها من الهند.
وأظهر العمل السياسي بعد أن كان اشتغاله به سراً، وقد اضطربت مواقفه السياسية فمجّد الخلافة العثمانية في أوائل أعداد مجلة المنار، وأظهر الحرص على بقائها وإصلاح شؤون الحكم.
وفي مسار آخر أسس جمعية سياسية سرية في القاهرة في أواخر سنة 1315هـ، سماها "جمعية الشورى العثمانية" لتنظيم العمل في إصلاح شؤون الحكم في السلطنة العثمانية، وتقديم مقترحات لهذه الإصلاحات، وكان منها أعضاء من وجهاء الشعوب العثمانية وفي مقدمتهم الترك والجركس والأرمن ومندوبان من جمعية الاتحاد والترقي هما أحمد مختار باشا الغازي وعبد الله جودت بك.
وكان عملها سرياً حتى أظهرت نشاطها وأسست جريدة باسمها سنة 1325هـ.

ثم تحوّل موقف محمد رشيد رضا في عام 1326هـ إلى الانتقاد الصريح للسلطان، والتأليب عليه، واعتماد أسلوب التهييج وتضخيم الأخطاء، وتأييد الاتحاديين الأتراك، حتى عُزل السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1327هـ عقب انقلاب جمعية الاتحاد والترقي بزعامة مصطفى كمال أتاتورك، ونصّب بدلاً منه أخوه محمد السادس، الذي سُلب كثيراً من صلاحيات الحُكم، ولم يزل أتاتورك يعمل على تقويض صلاحيات السلطان، وإذكاء القومية التركية، وإقصاء العرب، وتمكين أشياعه حتى توصّل إلى إلغاء الخلافة الإسلامية سنة 1342هـ وإعلان علمانية الدولة التركية.
وناصَرَ رشيد رضا الشريفَ حسيناً في أوّل الثورة العربية الكبرى وخطب في "منى" في حجّ سنة 1334هـ خطبة حثّ فيها على مبايعته ومناصرته، ثم إنه انقلب عليه بعد ذلك وحذّر منه.
ولم يزل يشتغل بالسياسة والدعوة لما يراه من التجديد، لكنه كان أقرب إلى السلفية من شيخه محمد عبده؛ فأضاف إلى تفسير شيخه الاستدلال ببعض الأحاديث والآثار، ونقل أقوال بعض السلف، مع بقاء اعتماده على علم شيخه وتمجيده ومحاولة تقريبه للسلفية.
وكان ربما شنّع على بعض السلف في تفسير بعض الآيات، ولا يتحاشى أن يجاهر بردّ قول جمهور السلف أحياناً مع اعتداد كبير بما يراه صواباً، وإن كان قولاً لبعض المعتزلة مخالفاً للسلف، على ضعف منه في المعرفة الحديثية وأحكام المرويات، واتّهم كعب الأحبار أنه كان يغشّ المسلمين بخرافات يحكيها عن بني إسرائيل، وكعب الأحبار من أفاضل التابعين لكنّ كثيراً مما ينسب إليه لا يصحّ عنه، ولم يكن لديه تمييز بين ما يصحّ عنه وما لا يصحّ.

وقد وقع بسبب مغالاته في نبذ الخرافات والبدع إلى الوقوع في بدع وأخطاء؛ فأنكر أحاديث الدجال ونزول عيسى ابن مريم وتأوّلها بما يقتضي نفيها حقيقة.
وأفتى فتاوى غريبة في مسائل عصرية في زمانه منها إباحة بعض أنواع الربا، وتسويغ التعامل به، بحجة الحاجة إلى استثمار رؤوس الأموال التي لدى البنوك، وجواز التشبه بالكفار في اللباس وقيل إنه رجع عنه، لكن يكون الرجوع منه أحيانا بعد أن يمضي زمن على الدعوة لما فيه مخالفة.

وقد حاول أن ينحى في تفسيره منحى الإصلاح الاجتماعي والنهوض بالأمة الإسلامية ونبذ الخرافات والاهتداء بهدايات القرآن مما يظهر له لكنّه توسّع في هذا الأمر ولم ينضبط فيه اجتهاده.
وهو في مجمل الأمر أقرب إلى السلفية من شيخه محمد عبده، وله جهود كبيرة في نشر الدعوة السلفية لانتشار مجلته في بلدان العالم الإسلامي.
وقد وُصم بالانضمام إلى الماسونية، فمن أهل العلم من شنّع عليه بذلك واتّهمه في قصده ونصحه للأمة وأنه متمالئ مع أعداء الدين، وأن مواقفه السياسية نابعة مما يمليه عليه المحفل الماسوني، ومنهم من اعتذر له وعدّ ما بدر منه اجتهاداً أخطأ فيه، واغتفر ما كان منه من أخطاء في جانب ما أحسن فيه من نشر الدعوة السلفية والحماية عنها على اجتهاده ورأيه.
أكمل محمد رشيد رضا تفسير المنار إلى نهاية تفسير الجزء الثاني عشر من القرآن، كما تقدّم، وقد طبعته مؤسسة المنار في مصر، ثمّ طبعته بعد ذلك دور نشر أخرى.
- وقد اختصره القاضي محمد كنعان في كتاب بعنوان "التفسير المختصر المفيد للقرآن المجيد"، وراجعه الشيخ زهير الشاويش، وطبعه المكتب الإسلامي.

7: طنطاوي جوهري المصري (ت:1358هـ)
ولد سنة 1287هـ، في كفر عوض الله حجازي في المحافظة الشرقية بمصر، واشتغل بالزراعة في صباه، وحفظ القرآن قبل الثانية عشرة، ثم التحق بالأزهر لكنه قطع الدراسة فيه ولم يتمها بسبب ثورة العرابيين، ثم التحق بمدرسة دار العلوم حتى تخرج بها، ثمّ عيّن مدرّساً في مدرسة ابتدائية، وتنقّل في مدارس عدة حتى درّس في المدرسة الخديوية.
وتعلّم اللغة الإنجليزية حتى حذقها، وترجم أعمالاً لبعض الشعراء الإنجليز، ومؤلفات لبعض أعيان الإنجليز، ثم اختير لتدريس الفلسفة العربية في جامعة لندن، لكنّ لم يتمّ له الأمر.
وكان يكتب مقالات في الصحف المصرية عن القومية والتحرر واستعباد الأمم ونحو تلك الموضوعات التي عُني فيها بما كان يراه للإصلاح الاجتماعي في مصر.
وفي سنة 1329هـ عيّن مدرساً للتفسير والحديث في مدرسة دار العلوم، ثم عضواً لهيئة التدريس بالجامعة المصرية الأهلية، مع مواصلته كتابة المقالات في الصحف المصرية.
وقد أخذت بلبّه عجائب العلوم النظرية والتجريبية، ورأى أنها هي سبب تفوّق الغرب وازدهار حضارتهم المادّية، واستعبادهم للأمم، وأنّ الأخذ بها هو السبيل إلى نهضة الأمة وتحررها، فكتب كتابات كثيرة في التشويق إلى تلك العلوم من طريق الدين بفتاوى يفتي بها وبمقالات ينطلق فيها من تفسير آية وغير ذلك ، حتى أخرج كتبا منها "نظام العالم والأمم" و"جواهر العلوم" و"التاج المرصّع" و "جمال العالم" و"النظام والإسلام" و"نهضة الأمة وحياتها".
ثم لمّا تقاعد سنة 1340هـ توافر على استكمال كتابة تفسيره الكبير الذي سماه "الجواهر في تفسير القرآن المشتمل على عجائب بدائع المكونات وغرائب الآيات الباهرات"، وهو تفسير مرتب على سور القرآن، سار فيه على النهج الذي شغل به حياته وملأ به مقالاته وكتبه.
وتوسّع توسعاً كبيراً في ذكر العلوم التجريبية حتى خرج بعيداً عن حدّ التفسير، مع ما في بعض ما يذكره من أخطاء، وما وقع فيه من تكلّف الربط بين تلك النظريات وبين الآيات القرآنية، وزعم أنّ للآيات دلالات رمزية على كثير مما ذكره أصحاب العلوم النظرية والتجريبية وغلا في ذلك حتى دخل في نوع من التفسير الباطني؛ فزعم أن الماء في قول الله تعالى: {وكان عرشه على الماء} رمزاً للعلم، وأن الكوثر وما ذكر في صفاته رموز لعجائب يتوصل إليها بالعلوم التجريبية والنظرية مع بقاء دلالة الألفاظ على المعنى الأصلي.
وأدخل في تفسيره كلاماً في الروحانيات والأحلام التي يراها، والخيالات التي يتخيلها، والقصص والأساطير، والخرافات التي لا يتحاشى من ذكرها.
وذكر في تفسير قصة البقرة وما ذكر الله من إحياء الميت ببعضها أنها أصل في تحضير الأرواح، ثم أطال الكلام في ما سماه علم الروحانيات وتحضير الأرواح، وذكر أنه علم يُدرّس في الغرب، وله جمعيات وشركات وعلماء مختصون به، ذكر أسماء عدد منهم، وإحصاء لتلك الجميعات والشركات، وذكر بعض أخبارها، ثم زعم أنّ تحضير الأرواح أمر ممكن، وكان قد ذكر من قبل أنه نجح في تحضير روح هارون الرشيد، وأنه شكره على تأليف كتاب "براءة العباسة"، وهو إن صدق إنما تمثّل له شيطان فاغترّ به.

وتمادى به الأمر إلى أن قال: (يجب أن يكون في المسلمين جماعة صادقون مخلصون قاصدون وجه الله والدار الآخر لا عرض الدنيا، ينقطعون لهذا العلم، ويحضّرون الأرواح لأجل العلم والمعرفة، ولا يتكلون على أوروبا وأمريكا ويميزون الخبيث من الطيب)ا.هـ.
وفي تفسيره من هذا وشبهه شيء كثير مع تمجيد لأصحاب العلوم الظاهرة من الغربيين وانبهار شديد بعلومهم ونظرياتهم، ومحاولة لتشويق المسلمين لهذه العلوم من طريق التفسير.

ومدح الموسيقى وربطها بالفكر الإسلامي، وبثّ كلاماً كثيراً للفلاسفة، وأوّل كثيراً من آيات الصفات، واعتمد على التفسير الإشاري في مواضع كثيرة مع إقراره في بعضها بالمعنى المدلول عليه بظاهر النص، لكنّه يزعم أنّ له دلالة رمزية على علوم حديثة من نحو ما ذكر في تحضير الأرواح.
وحمل على العلماء الذين عنوا بشرح مسائل الفقه وأحكام الآيات، وأن انصرافهم عن دعوة المسلمين للأخذ بالعلوم النظرية والتجريبية من أسباب انحطاط الأمة.

فرغ طنطاوي من كتابة تفسيره سنة 1925م، وكان في 11 جزءاً، ثم لم يزل يهذبه ويضيف إليه حتى بلغ 26 جزءا طُبع في 13 مجلداً.
وقد انتقده جماعة من علماء عصره بسبب منهجه في التفسير منهم محمد رشيد رضا، ومحمد أمين الخولي، وكتب الشيخ عبد الرحمن السعدي رسالة إلى محمد رشيد رضا فيها تحذير من هذا التفسير وشبّهه بكلام أهل وحدة الوجود والفلاسفة الإسلاميين، وكان مما قال في رسالته: (قد ذكر في مواضع كثيرة في تفسير سورة البقرة شيئًا من ذلك ككلامه على استخلاف آدم وعلى قصة البقرة والطيور ونحوها بكلام ذكر فيه من أصول وحدة الوجود وأصول الفلسفة المبنية على أن الشرائع إنما هي تخيلات وضرب أمثال لا حقيقة لها، وأنه يمكن لآحاد الخلق ما يحصل للأنبياء ما يجزم المؤمن البصير أنه مناقض لدين الإسلام وتكذيب لله ورسوله، وذهاب إلى معانٍ يُعلم بالضرورة أن الله ما أرادها، وأن الله بريء منها ورسوله، ثم مع ذلك يحث الناس والمسلمين على تعلمها وفهمها، ويلومهم على إهمالها، وينسب ما حصل للمسلمين من الوهن والضعف بسبب إهمال علمها وعملها.
وَيْح من قال ذلك، لقد علم كل من عرف الحقائق أن هذه العلوم هي التي أوهنت قوى المسلمين وسلطت عليهم الأعداء وأضعفتهم لزنادقة الفرنج وملاحدة الفلاسفة)ا.ه.

وفي مقابل تحذير العلماء من تفسير طنطاوي جوهري كانت الصحافة الغربية تمجّده وتبالغ في الثناء عليه وتصفه بأنه حكيم الإسلام، وأنتج له فيلم يعرض صوراً من حياته، وقد رُشّح لجائز نوبل للسلام، لكنّه مات قبل أن يتقرر منحها له.
ورأيت للشيعة عناية بتفسيره في بعض جامعاتهم وبرامجهم العلمية.
وقد ذُكر في سيرته أن حسن البنا لما أسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1347هـ عرض على طنطاوي جوهري أن يكون مرشداً لجماعة الإخوان فاعتذر عن ذلك وبايع حسن البنا، لكنه رضي أن يكون ممثلاً عن إخوان القاهرة في مجلس شورى الإخوان، وتولّى رئاسة تحرير صحيفة الإخوان المسلمين، وخُصِّص له درسٌ في التفسير في المركز العام للإخوان المسلمين؛ فكان يفسر القرآن بالعلوم الحديثة على المنهج المتقدّم وصفه.
وقد توفي صبيحة يوم الجمعة الثالث من شهر ذي الحجة عام 1358هـ.

8: عبد الحميد بن محمد بن المصطفى ابن باديس الصنهاجي(ت: 1359هـ)
مؤسس النهضة العلمية الإصلاحية في الجزائر في القرن الرابع عشر، ومهندس خطتها، ومعدّ رجالها، يتصل نسبه بالمعزّ بن باديس بن منصور الصنهاجي البربري، وكان للمعزّ دولة في أفريقيا في القرن الخامس الهجري.
ولد عبد الحميد ابن باديس في القسنطينة بالجزائر عام 1308هـ، ثم التحق بجامع الزيتونة بتونس، ودرس على جماعة من العلماء منهم الشيخ الخضر بن الحسين والشيخ محمد النخلي والشيخ محمد الطاهر بن عاشور(ت:1393هـ) وتوفي قبله بزمن، وابن عاشور أسنّ منه بنحو اثني عشر عاماً.
ثم اجتهد في الدعوة إلى الكتاب والسنة، وتربية تلاميذه على الارتباط بالقرآن والاهتداء به، والسعي في النهوض بالأمة، ونبذ الجمود والتقليد، ومحاربة البدع والخرافات والطرق الصوفية، والمناهج الكلامية، ومقاومة الاحتلال الفرنسي بالطرق الممكنة من غير تهوّر ولا مجازفة.
ورأى أنّ بلاء الأمة الجزائرية راجع إلى سببين:
أحدهما: ما يسمى بالاستعمار الفرنسي وهو استعمار مادّي فكري أفقر الناس وأذلّهم، وفرض عليهم ثقافته ولغته.
والآخر: استعمار معنوي روحي من قبل مشايخ الطرق الصوفية، أضلّوا به الناس عن سبيل نهضتهم واستعادة حقوقهم ومقاومة المحتلّ الباغي على بلادهم وأموالهم وعلى دينهم وأخلاقهم.
وبين الاستعمارين تعاون وتخادم قديم مستمر، والسبيل إلى التحرر من سلطة الأول هو التحرر من تسلط الثاني.
ولذلك تأثر عبد الحميد بن باديس كثيراً بما رآه من حركة الإصلاح الاجتماعي التي تزعمها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا في مصر، وشكيب أرسلان والكواكبي في الشام، لأنها فطّنته لإمكان التغيير، ورأى أثر الصحافة على الناس، وإن لم يكن على نهج بعض هؤلاء في الاعتقاد ومصادر الاستدلال.
فأخذ في التخطيط لامتلاك مطبعة وإصدار صحيفة في الجزائر، لكنه قبل ذلك مكث مدة في تعليم الناس في المسجد، ورتّب دروساً للصغار، ودروساً للشيوخ والكبار، واجتزأ من العلم بما رآه كافياً لتصحيح الاعتقاد والعبادات والتبصير بما لا ينبغي الجهل به، والتنبيه على حاجة الناس للاهتداء بهدايات القرآن، حتى وجد ثلّة من تلاميذه والمتأثرين بدعوته يشدّون من أزره ويناصرونه على دعوته.
فأسس مجلة "المنتقد" لتبصير الناس بخطر الطرق الصوفية على الأمة، وضرورة قيام نهضتها على العلم والإيمان، واختار اسم "المنتقد" معارضة لشعار الصوفية في زمانه "اعتقد ولا تنتقد".
لكن هذه المجلة لم تدم طويلاً إذ أغلقتها الحكومة الفرنسية بسعاية من أعداء دعوته بعد أن أصدر منها ثمانية عشر عددا.
ثم أسس بعدها مجلة "الشهاب" فسارت على النهج نفسه مفتتحة أعداها بآيات مفسّرة وأحاديث مشروحة، وكانت أسبوعية ثمّ تحوّلت شهرية.
واجتهد في نشر الدعوة بكل وسيلة أمكنته بدءاً من دروسه في المسجد وخطبه، وتوجيه تلاميذه ورعايتهم، وبثّ المقالات العلمية والدعوية في مجلته، وتواصله مع أهل العلم والرأي من أعيان بلده.
ثم توّج ذلك بتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1351هـ وتولّى رئاستها، فازداد أثر دعوته، وتوسّع نشاطه، وتقوّى بإخوانه العلماء حتى كان لهم أثر ظاهر في انتشار الدعوة السلفية والنهضة العلمية في الجزائر، وتحرير الناس من أضاليل الطرق الصوفية والمناهج الكلامية والبدع والشركيات.
ولما رأوا أثر الصحافة وتقبّل الناس للدعوة الصحيحة توسعوا في إصدار الصحف؛ فأسست صحيفة أسبوعية أغلقتها الحكومة الفرنسية بعد ذلك بنحو عام، فلم يهنوا ولم يكلوا بل أسسوا صحيفة أخرى خلفتها باسم آخر، ثم أخرى بعد منع الثانية.
ثم أسس جريدة البصائر سنة 1354هـ وجعلها خاصة له مستقلة عن جمعية العلماء الجزائريين لينأى بالجمعية عن أيّ أثر لإغلاقها، لكنها استمرت بفضل الله حتى بعد وفاته إلى سنة 1376هـ.
وله جهود كبير في مقاومة الهيمنة الفرنسية على الجزائر، والسعي في تحرير الجزائريين من تسلطها وبغيها.
فكان بين أمرين:
أحدهما: تجييش الشباب وإعلان الجهاد في مواجهة غير متكافئة مع الفرنسيين مع انتشار الجهل والبدع والخرافات.
وهذا فيه وأد لدعوته في مهدها كما حصل لثورات سابقة.
والأمر الآخر: مداراة الفرنسيين ومشاغلتهم لإنقاذ مشروعه الإصلاحي ليتوافر على التربية والتعليم، وليسعى في تخليص الجزائريين من سلطة فرنسا في أكبر ما يمكنه من المجالات؛ فأحرز نجاحاً حسناً في مجالات مهمّة.

شغل ابن باديس عن تأليف الكتب بقيادة ورعاية مشروعه الإصلاحي، والإعداد للجهاد بنفس طويل وتؤدة وروية، ولذلك أثر عنه أنه قال: (شَغَلَنا تأليفُ الرجال عن تأليف الكتب).

جُمعت مجالسه في التفسير التي كان ينشرها في افتتاحيات أعداد مجلة الشهاب وأصدرت في كتاب بعنوان "مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير"، ولم يجتمع منها تفسير كامل لسور القرآن.
وقد اعتمد فيه الأسلوب المقاصدي، فقرأ أقوال السلف واللغويين ثمّ تحدث عن معاني الآيات بما يبرز مقاصدها ويجلّي هداياتها، وهذا أقرب الأساليب لما يريده من الإصلاح الاجتماعي وتبصير الناس بهدايات القرآن.

9: أبو الوفاء ثناء الله بن خضرجو الآمرتسري الهندي (ت:1367 هـ)
أصله من كشمير، وولد سنة 1287هـ بآمرتسر وهي من بلاد البنجاب شمال الهند؛ فنشأ بها، وطلب العلم على علماء بلده، ثمّ انتقل إلى ديوبند للدراسة في جامعتها، فدرس المنطق والعقيدة والأصول والفقه، وفي أثناء دراسته في ديوبند ارتحل إلى دهلي فدرس على المحدث الكبير نذير حسين الدهلوي وقرأ عليه بعض كتب الحديث.
وأكمل دراسته في جامعة ديوبند سنة 1309هـ، لكن جرت عليه مظلمة فطرد من الجامعة وحرم الشهادة.
ثم انتقل إلى كانفور فدرس على الشيخ أحمد حسن الكانفوري العلوم النقلية والعقلية.
ثم رجع عام 1311هـ إلى بلده آمرتسر، فعيّنه الشيخ أحمد الله الآمرتسري رئيساً لهيئة التدريس في مدرسته "تأييد الإسلام"، ودرّس بها ست سنوات، ثم انتقل إلى مدينة "ماليركوتله" فدرّس بها بضع سنين ثمّ اعتزل التدريس وانقطع للتأليف والدعوة والإرشاد والمناظرات والردود، فناظرَ القاديانية والآرية من الهندوس وطوائف من الملاحدة ومنكري السنة، وبرع في الردود والمناظرات وذاع صيته فيها.
وفي عام 1321هـ أسس داراً للطباعة، وأصدر صحيفة أسبوعية سماها "أهل الحديث"، وطبع كتابه في التفسير الذي سماه "تفسير القرآن بكلام الرحمن"
وتأثر بالشيخ المحدّث ولي الله الدهلوي وذهب مذهبه في العقيدة ورجع عن كثير مما كان قد نشأ عليه من أخطاء في الاعتقاد.
وفي سنة 1324هـ سعى مع جماعة من علماء الهند لتأسيس جمعية علماء الحديث في الهند، واختير أبو الوفاء الآمرتسري أمين عاماً للجمعية.
وقد مثّل الجمعية في المؤتمر الإسلامي الذي أقيم في مكة في حجّ سنة 1349هـ، واقترح على الملك عبد العزيز إنشاء إدارة للحجّ؛ فأجيب طلبه.
وكان المسلمون في الهند في ذلك الوقت قد اشتدّت عليهم هجمات الفرق والطوائف بغية صرفهم عن التمسّك بدين الإسلام بعدما احتلّ الإنجليز بلادهم، واستثاروا تلك الفرق والطوائف؛ فنشطت المنظمات التنصيرية، والجمعيات الهندوسية، وطوائف الشيعة والصوفية وغيرهم في الكيد للإسلام وأهله، وقذف الشبهات، وتشكيك المسلمين في دينهم، وجرت فتن كثيرة؛ فكان العلماء في الهند في جهاد عظيم ومصابرة في مجال الدعوة والتعليم، وكان أبو الوفاء الآمرتسري من أشهر القائمين بهذا الجهاد العلمي في بلاد الهند.
وفي زمانه خرج الدجال الكبير الميرزا غلام أحمد القادياني الذي تنتسب إليه الطائفة الأحمدية في الهند، وعظمت فتنته في الهند، وادّعى أنه المسيح ثم ادّعى أنه المهدي، ثمّ ادّعى النبوة، ثمّ ادّعى لنفسه شيئاً من خصائص الألوهية، وكلما ازداد تمكنه وتعاظمت فتنته على أتباعه زاد في دعواه؛ وانتشرت دعوته في الهند انتشار النار في الهشيم لانتشار الجهل وضعف العلم، وكان العلماء يحذرون الناس من دعوته وفتنته.
وفي سنة 1325هـ تحدّى الميرزا غلام أحمد القادياني مشايخ جامعة ديوبند أن يناظروه في مسالة ختم النبوة، وكان القادياني يزعم أن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويؤوّل الختم بمعنى الأفضلية.
فاجتمعوا لمناظرته وجمع معه طائفة من أتباعه؛ فانتهى المجلس الأول من غير حسم لأنه كلما أورد عليه نصّ أوّله أو طعن فيه؛ فتحيّروا في أمره وتشاوروا فيمن يمكنه مناظرته فلم يروا أقوى على مناظرته من الطالب الذي طردوه من الجامعة وحرموه شهادته؛ فذهبوا إليه وأخبروه خبر المناظرة؛ فأجابهم على شرط أن يعطوه شهادته التي حرمها بغير حق؛ فأجابوه لذلك، وعقدت المناظرة فأفحم القادياني وأضحك الناس عليه حتى خرج مغضباً.
وكان مما أورد عليه حديث روته عائشة رضي الله عنها؛ فزعم القادياني أنه خبر من امرأة واحدة، ولا يقبل في الأحكام الشرعية؛ فقال أبو الوفاء: ائتني بدليل يثبت أنّك ابن أبيك فلان؛ فغضب القادياني، وقال: أمّي تقول ذلك.
فقال له أبو الوفاء: أمّك امرأة واحدة وشهادتها لا تقبل شرعاً، فكيف تقبل خبر أمّك وتردّ خبر أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها؟!!
وكان القادياني من قبلُ قد ضاق ذرعاً من كثرة ما يحذّر منه أبو الوفاء في جريدته "أهل الحديث" ويبيّن للناس أنه دجال مفسد فتّان.
فكتب القادياني في جريدة تابعة للقاديانية خطاباً مفتوحاً يستفتح فيه على أبي الوفاء ثناء الله، هذا نصّه:
(حضرة المولوي ثناء الله.
السلام على من اتبع الهدى.
إن سلسة تكذيبي جارية في جريدتكم "أهل الحديث" من مدة طويلة، أنتم تشهدون فيها أني كاذب دجال مفسد مفترٍ، ودعواي للمسيحية الموعودة كذب وافتراء على الله.
إنّي أوذيت فيكم إيذاءً، وصبرت عليكم صبراً جميلاً، لكن لمّا كنت مأموراً بتبليغ الحق من الله وأنتم تصدّون الناس عنّي فأنا أدعو الله قائلاً:
"يا مالكي البصير القدير العليم الخبير، تعلم ما في نفسي إن كان دعواي للمسيحية الموعودة افتراء منّي وأنا قي نظرك مفسد كذّاب، والافتراء في الليل والنهار شغلي، فيا مالكي أنا أدعوك بالتضرع والإلحاح أن تميتي قبل المولوي ثناء الله، واجعله وأتباعه مسرورين بموتي، يا مرسلي أدعوك آخذاً بحظيرة القدس لك أن تفصل بيني وبين المولوي ثناء الله، إنه من كان مفسداً في نظرك كاذباً عندك فتميته قبل الصادق منّا. ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين").ا.هـ.
فباهله أبو الوفاء على هذا، وأصدر جريدة خصصها للرد على القاديانية، ولم يلبث القادياني أن أصيب بمرض الكوليرا، واستطلق بطنه، حتى صار كثير التردد على الخلاء، فلما أعياه ذلك صار يقضي حاجته حيث كان، وساءت حاله جداً وتقزز منه من حوله، حتى هلك في ربيع الأول سنة 1326هـ.
وعاش أبو الوفاء الآمرتسري بعد ذلك إحدى وأربعين سنة قضاها في الدعوة والتعليم والجهاد العلمي.
ترك أبو الوفاء نحو مئة وثلاثين كتاباً غير المقالات التي يصعب حصرها في الصحف والمجلات التي أصدرها وتوالت أعدادها سنوات عدة.
وأكثر مؤلفاته ومقالاته في الرد على القاديانية، والنصارى، والآريّة وهم طائفة من الهندوس، وله ردود على طوائف من القبوريين والخرافيين وغيرهم من المبتدعة.
وكان أبو الوفاء قد أسس ثلاث جرائد:
إحداها: جريدة أهل الحديث، وهي أسبوعية تصدر من آمرتسر، صدرت عام 1321هـ واستمر إصدارها إلى 13 رمضان 1366هـ ، وهي في نشر الدعوة الإسلامية ووالتفقيه في الدين، وبيان صحة منهج السلف.
والثانية: جريدة "مسلمان" وكانت شهرية ثم تحولت أسبوعية، وخصصها للردّ على الآريين، بدأ إصدارها سنة 1326هـ واستمرّت نحو ثلاث سنوات ونصف، ثم نقل حقوقها إلى رجل من أهل العلم بآمرتسر لكنه لم يتمكن من مواصلة إصدارها فتوقفت.
والثالثة: مجلة "مرقع قادياني" وهي مجلة شهرية أصدرها سنة 1325هـ وخصصها للرد على القاديانية، واستمرّت حتى أمات الله أحمد القادياني في ربيع الآخر سنة 1326هـ، ثم جدد نشرها سنة 1349هـ للرد على بقايا القاديانية وتوالت أعدادها سنتين وشهراً ثم أوقفها.
واكتفى بالجريدة الأصل وهي جريدة "أهل الحديث".
وقد لقى الشيخ أبو الوفاء إيذاء شديداً من طوائف ممن يردّ عليهم، وكان منهم طائفة من القبوريين عقدوا اجتماعاً في سنة 1356هـ لتدبير اغتياله؛ فأعدّوا خطّة انتهت بتقدّم أحدهم لضربه بحديدة جرح منها الشيخ جرحاً شديداً مرض منه شهراً ثمّ عافاه الله، وأما المهاجم فطاردته الشرطة حتى قبضت عليه ثم حكم عليه بالسجن أربع سنوات؛ فلما علم الشيخ أنّ أهل السجين ليس لهم عائل غيره خصّص لهم راتباً شهرياً للإنفاق عليهم؛ فلما أطلق سراح الرجل وعلم بذلك جاء إلى الشيخ واعتذر إليه واختار التمسّك بالكتاب والسنة ونبذ خرافات القبوريين.
وفي سنة 1366هـ عمّت الفوضى بلاد الهند وأخذت جموع السيخ والهندوس في مهاجمة قرى المسلمين ومداهمة بيوتهم؛ فقتلوا ونهبوا وأسروا، واستولوا على بعض ضياعهم؛ ففرّ جماعات من المسلمين إلى باكستان.
حتى وصل عدوانهم إلى الحارة التي كان يسكن فيها الشيخ أبو الوفاء؛ فألقوا فيها قنبلة قُتِلَ فيها الابن الوحيد للشيخ واسمه عطاء الله، فلما أظلم الليل ارتحل الشيخ بمن بقي من أهل بيته إلى باكستان؛ ثم إن المعتدين الهندوس عادوا لمهاجمة حارته فنهبوا ما وجدوا في بيت الشيخ ثم أحرقوا بيته ومكتبته ودمّروا مطبعته، وأفسدوا إفساداً كبيراً.
وأما الشيخ فوصل إلى لاهور بسلام ثم تنقّل في بعض مدن باكستان إلى توفي في شهر جمادى الأولى سنة 1367هـ. رحمه الله رحمة واسعة.

للشيخ أبي الوفاء كتاب في التفسير اسمه "تفسير القرآن بكلام الرحمن" ، وأجود طبعاته الطبعة التي صدرت سنة 1423ه بعناية الشيخ صفيّ الرحمن المباركفوري لأنها اعتمدت التصويبات التي أجراها أبو الوفاء رحمه الله، وكان قد طبع الكتاب في مطبعته في آمرتسر بالهند سنة 1321هـ، وكان إذ ذاك على طريقة الديوبندية، وأكثرهم على مذاهب المتكلّمين في العقيدة، فوقع الشيخ في تأويل بعض آيات الصفات، مع انتسابه لأهل الحديث ودعوته إلى التمسك بالكتاب والسنة، لكن بدرت منه هذه الأخطاء بسبب ما نشأ عليه من التأويل ودراسته العقيدة في جامعة ديوبند، فانتقده جماعة من أهل الحديث الغزنويين، وألّفوا كتاباً رصدوا عليه فيه أربعين خطأ؛ وكان أبو الوفاء يعتذر للعلماء بأنه يعتقد المعاني الحقيقية لنصوص الصفات ولا ينكرها، مع رؤيته صحة المعاني المتأوّلة؛ وعقد له مجلس مناقشة في الهند بعد الاجتماع السنويّ لعلماء الحديث في الهند، وحكّموا ثلاثة من العلماء، وقُرّر عليه أنه أخطأ في ستة عشر موضعاً، فرجع عنها، ثمّ في حجّ سنة 1344هـ عقد له مجلس صلح مع الغزنويين بحضرة الملك عبد العزيز وحضور جماعة من العلماء في عصره منهم القاضي عبد الله بن بليهد والشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ بهجت البيطار، وغيرهم ، وكتب القاضي ابن بليهد بأمر الملك عبد العزيز محضر الصلح ورجوع الشيخ أبي الوفاء عن كلّ ما انتقد عليه من التأويل، وتعهد الشيخ عبد الواحد الغزنوي بإتلاف الكتاب الذي ألّف في انتقاد الشيخ، وتجديد عقد الأخوة بينهما.

10: أحمد بن مصطفى بن محمد القاضي المراغي (ت: 1371هـ)
من أهل المراغة بصعيد مصر، ولد سنة 1300هـ من أسرة معروفة بتوارث القضاء، وعامتهم على المذهب الحنفي.
تولّى التدريس في المدارس الأميرية، ثم انتقل إلى السودان ودرّس بها، ثمّ عاد إلى مصر ودرّ بمدارس دار العلوم، ثمّ نُدب لتدريس البلاغة في الأزهر.
اقتصر نشاطه على الأمور العلمية فلم يُعرف عنه اشتغال بالسياسة ولا بالتغيير الاجتماعي، لكنه سار على طريقة شيخه محمد عبده في التفسير، وأضاف إليه مما لديه من علم بالبلاغة والبيان، وذكر بعض النظريات العلمية في الفلك والجيولوجيا والطب وغيرها.
وفي تفسيره تأويل لبعض الصفات، وردّ لأخبار الآحاد، واعتماد على عقله في فهم المعاني والعبارة عنها وإن كان مخالفاً لما صحّ من الأحاديث والآثار عن السلف.
وقد حاول في تفسيره تقريب ما يعتقده من معاني القرآن لطبقة القراء غير المتخصصين في التفسير.
وأخوه محمد بن مصطفى المراغي(ت:1364هـ) كان شيخ الأزهر في زمانه، وله دروس في التفسير، على نهج شيخه محمد عبده، لكنّه لم يؤلّف كتاباً في التفسير.


.. يتبع


التوقيع :

رد مع اقتباس