عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:06 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللّه ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون (41) لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتّبعوك ولكن بعدت عليهم الشّقّة وسيحلفون باللّه لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم واللّه يعلم إنّهم لكاذبون (42)
هذا أمر من الله عز وجل أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالنفر إلى الغزو فقال بعض الناس هذا أمر عام لجميع المؤمنين تعين به الفرض على الأعيان في تلك المدة، ثم نسخه الله عز وجل، بقوله: وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً [التوبة: 122]، روي ذلك عن الحسن وعكرمة، وقال جل الناس: بل هذا حض والأمر في نفسه موقوف على فرض الكفاية ولم يقصد بالآية فرضه على الأعيان، وأما قوله خفافاً وثقالًا فنصب على الحال من الضمير في قوله انفروا، ومعنى الخفة والثقل هنا مستعار لمن يمكنه السفر بسهولة ومن يمكنه بصعوبة، وأما من لا يمكنه كالعمي ونحوهم فخارج عن هذا.
وروي أن ابن أم مكتوم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعليّ أن أنفر؟ فقال له نعم، حتى نزلت ليس على الأعمى حرجٌ [النور: 61]، وذكر الناس من معاني الخفة والثقل أشياء لا وجه لتخصيص بعضها دون بعض، بل هي وجوه متفقة، فقيل «الخفيف» الغني «والثقيل» الفقير: قاله مجاهد، وقيل الخفيف الشاب والثقيل الشيخ قاله الحسن وجماعة، وقيل الخفيف النشيط والثقيل الكاسل، قاله ابن عباس وقتادة، وقيل المشغول ومن لا شغل له قاله الحكم بن عيينة وزيد بن علي، وقيل الذي له ضيعة هو الثقيل ومن لا ضيعة له هو الخفيف قاله ابن زيد: وقيل الشجاع هو الخفيف والجبان هو الثقيل حكاه النقاش، وقيل الرجل هو الثقيل والفارس هو الخفيف قاله الأوزاعي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذان الوجهان الآخران ينعكسان وقد قيل ذلك ولكنه بحسب وطأتهم على العدو فالشجاع هو الثقيل وكذلك الفارس والجبان هو الخفيف وكذلك الراجل وكذلك ينعكس الفقير والغني فيكون الغني هو الثقيل بمعنى صاحب الشغل ومعنى هذا أن الناس أمروا جملة.
وهذه الأقوال إنما هي على معنى المثال في الثقل والخفة، وقال أبو طلحة: ما أسمع الله عذرا أحدا وخرج إلى الشام فجاهد حتى مات.
وقال أبو أيوب: ما أجدني أبدا إلا ثقيلا أو خفيفا، وروي أن بعض الناس رأى في غزوات الشام رجلا سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فقال له يا عم إن الله قد عذرك، فقال يا ابن أخي إنّا قد أمرنا بالنفر خفافا وثقالا، وأسند الطبري عمن رأى المقداد بن الأسود بحمص وهو على تابوت صراف وقد فضل على التابوت من سمنه وهو يتجهز للغزو فقال له لقد عذرك الله، فقال أتت علينا سورة البعوث انفروا خفافاً وثقالًا، وروي سورة البحوث، وقوله تعالى: بأموالكم وأنفسكم وصف لأكمل ما يكون من الجهاد وأنفسه عند الله تعالى: فحض على كمال الأوصاف، وقدمت الأموال في الذكر إذ هي أول مصرف وقت التجهيز فرتب الأمر كما هو في نفسه، ثم أخبر أن ذلك لهم خير للفوز برضى الله وغلبة العدو ووراثة الأرض، وفي قوله: إن كنتم تعلمون تنبيه وهز للنفوس). [المحرر الوجيز: 4/ 318-320]

تفسير قوله تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: لو كان عرضاً قريباً الآية، ظاهر هذه الآية وما يحفظ من قصة تبوك أن الله لما أمر رسوله بغزو الروم نذب الناس وكان ذلك في شدة من الحر وطيب من الثمار والظلال، فنفر المؤمنون، واعتذر منهم لا محالة فريق لا سيما من القبائل المجاورة للمدينة، ويدل على ذلك قوله في أول هذه الآية يا أيّها الّذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثّاقلتم إلى الأرض [التوبة: 38]، لأن هذا الخطاب ليس للمنافقين خاصة بل هو عام، واعتذر المنافقون بأعذار كاذبة، وكانوا بسبيل كسل مفرط وقصد للتخلف وكانت أعذار المؤمنين خفيفة ولكنهم تركوا الأولى من التحامل، فنزل ما سلف من الآيات في عتاب المؤمنين، ثم ابتدأ من هذه الآية ذكر المنافقين وكشف ضمائرهم، فيقول لو كان هذا الغزو لعرض أي لمال وغنيمة تنال قريبا بسفر قاصد يسير لبادروا إليه، لا لوجه الله ولا لظهور كلمته، ولكن بعدت عليهم الشقة في غزو الروم أي المسافة الطويلة، وذكر أبو عبيدة أن أعرابيا قدم البصرة وكان قد حمل حمالة فعجز عنها، وكان معه ابن له يسمى الأحوص فبادر الأحوص أباه بالقول، فقال إنا من تعلمون وابنا سبيل وجئنا من شقة ونطلب في حق وتنطوننا ويجزيكم الله فتهيأ أبوه ليخطب فقال له يا إياك إني قد كفيتك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يا تنبيه وإياك نهي، وقرأ عيسى ابن عمر «الشّقة» بكسر الشين، وقرأ الأعرج «بعدت» بكسر العين، وحكى أبو حاتم أنها لغة بني تميم في اللفظتين، وقوله: سيحلفون باللّه يريد المنافقين، وهذا إخبار بغيب، وقوله يهلكون أنفسهم يريد عند تخلفهم مجاهرة وكفرهم، فكأنهم يوجبون على أنفسهم الحتم بعذاب الله.
ثم أخبر أن الله الذي هو أعدل الشاهدين يعلم كذبهم وأنهم كانوا يستطيعون الخروج ولكنهم تركوه كفرا ونفاقا، وهذا كله في الجملة لا بتعيين شخص ولو عين لقتل بالشرع، وقرأ الأعمش على جهة التشبيه بواو ضمير الجماعة «لو استطعنا» بضم الواو، ذكره ابن جني، ومثله بقوله تعالى: لقد ابتغوا الفتنة [التوبة: 48] فتمنّوا الموت [البقرة: 94] واشتروا الضّلالة [البقرة 16- 175]).[المحرر الوجيز: 4/ 320-321]

تفسير قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: عفا اللّه عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين (43) لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم واللّه عليمٌ بالمتّقين (44)
هذه الآية في صنف مبالغ في النفاق واستأذنوا دون اعتذار، منهم عبد الله بن أبيّ والجد بن قيس ورفاعة بن التابوت ومن اتبعهم فقال بعضهم إيذن لي ولا تفتني وقال بعضهم إيذن لنا في الإقامة فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم استيفاء منه صلى الله عليه وسلم، وأخذا بالأسهل من الأمور وتوكلا على الله، وقال مجاهد إن بعضهم قال نستأذنه فإن أذن في القعود قعدنا وإلا قعدنا فنزلت الآية في ذلك.
وقالت فرقة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أذن لهم دون أن يؤمر بذلك فعفي عنه ما يلحق من هذا، وقدم له ذكر العفو قبل العتاب إكراما له صلى الله عليه وسلم، وقال عمرو بن ميمون الأودي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صدع برأيه في قصتين دون أن يؤمر فيهما بشيء.
هذه، وأمر أسارى بدر، فعاتبه الله فيهما، وقالت فرقة بل قوله في هذه الآية عفا اللّه عنك استفتاح كلام، كما تقول أصلحك الله وأعزك الله، ولم يكن منه صلى الله عليه وسلم، ذنب يعفى عنه لأن صورة الاستنفار قبول الإعذار مصروفة إلى اجتهاده، وأما قوله لم أذنت فهي على معنى التقرير، وقوله الّذين صدقوا يريد استئذانك وأنك لو لم تأذن لهم خرجوا معك وقوله وتعلم الكاذبين يريد في أنهم استأذنوك يظهرون لك أنهم يقفون عند حدك وهم كذبة قد عزموا على العصيان أذنت لهم أو لم تأذن، وقال الطبري معناه حتى تعلم الصادقين في أن لهم عذرا والكاذبين في أن لا عذر لهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى هذا التأويل يختلط المتعذرون وقد قدمنا أن فيهم مؤمنين كالمستأذنين وهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر والأول أصوب والله أعلم.
وأدخل الطبري أيضا في تفسير هذه الآية عن قتادة أن هذه الآية نزلت بعدها الآية الأخرى في سورة النور فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم [الآية: 62].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا غلط لأن آية النور نزلت سنة أربع من الهجرة في غزوة الخندق في استئذان بعض المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض شأنهم في بيوتهم في بعض الأوقات، فأباح الله له أن يأذن فتباينت الآيتان في الوقت والمعنى). [المحرر الوجيز: 4/ 321-323]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله لا يستأذنك الآية، نفي عن المؤمنين أن يستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في التخلف دون عذر كما فعل الصنف المذكور من المنافقين، وقوله أن يجاهدوا يحتمل أن تكون أن في موضع نصب على معنى لا يستأذنون في التخلف كراهية أن يجاهدوا، قال سيبويه ويحتمل أن تكون في موضع خفض.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: على معنى لا يحتاجون إلى أن يستأذنوا في أن يجاهدوا بل يمضون قدما، أي فهم أحرى ألا يستأذنوا في التخلف، ثم أخبر بعلمه تعالى بالمتّقين وفي ذلك تعيير للمنافقين وطعن عليهم بين).[المحرر الوجيز: 4/ 323]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إنّما يستأذنك الّذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون (45) ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّةً ولكن كره اللّه انبعاثهم فثبّطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين (46) لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلاّ خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم واللّه عليمٌ بالظّالمين (47)
هذه الآية تنص على أن المسأذنين إنما هم مخلصون للنفاق، وارتابت قلوبهم معناه شكّت، والريب نحو الشك، ويتردّدون أي يتحيرون لا يتجه لهم هدى، ومن هذه الآية نزع أهل الكلام في حد الشك أنه تردد بين أمرين، والصواب في حده أنه توقف بين أمرين، والتردد في الآية إنما هو في ريب هؤلاء المنافقين إذ كانوا تخطر لهم صحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا، وأنه غير صحيح أحيانا، ولم يكونوا شاكين طالبين للحق لأنه كان يتضح لهم لو طلبوه، بل كانوا مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كالشاة الحائرة بين الغنمين، وأيضا فبين الشك والريب فرق ما، وحقيقة الريب إنما هو الأمر يستريب به الناظر فيخلط عليه عقيدته فربما أدى إلى شك وحيرة وربما أدى إلى علم ما في النازلة التي هو فيها، ألا ترى أن قول الهذلي: كأني أريته بريب لا يتجه أن يفسر بشك قال الطبري: وكان جماعة من أهل العلم يرون أن هاتين الآيتين منسوختان بالآية التي ذكرنا في سورة النور، وأسند عن الحسن وعكرمة أنهما قالا في قول لا يستأذنك الّذين يؤمنون [التوبة: 44] إلى قوله فهم في ريبهم يتردّدون نسختها الآية التي في النور،، إنّما المؤمنون الّذين آمنوا باللّه ورسوله [الآية: 62] إلى إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ [النور: 62].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا غلط وقد تقدم ذكره). [المحرر الوجيز: 4/ 323-324]


رد مع اقتباس