الموضوع: سورة البقرة
عرض مشاركة واحدة
  #43  
قديم 26 جمادى الآخرة 1434هـ/6-05-2013م, 09:53 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّـهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّـهَ رَ‌بَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّ‌جَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَ‌جُلَيْنِ فَرَ‌جُلٌ وَامْرَ‌أَتَانِ مِمَّن تَرْ‌ضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ‌ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَ‌ىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرً‌ا أَوْ كَبِيرً‌ا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْ‌تَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَ‌ةً حَاضِرَ‌ةً تُدِيرُ‌ونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ‌ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّـهُ ۗ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(282)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الخامسة والعشرون: قوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم...} الآية [282 / البقرة] منسوخة وناسخها قوله تعالى: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته} [283 مدنية / البقرة / 2].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمًّى فاكتبوه}[البقرة: 282] الآية فافترق العلماء فيها على ثلاثة أقوالٍ فمنهم من قال: لا يسع مؤمنًا إذا باع بيعًا إلى أجلٍ أو اشترى إلّا أن يكتب كتابًا ويشهد إذا وجد كاتبًا ولا يسع مؤمنًا إذا اشترى شيئًا أو باعه إلّا أن يشهد ولا يكتب إذا لم يكن إلى أجلٍ واحتجّوا بظاهر القرآن
وقال بعضهم: هذا على النّدب والإرشاد لا على الحتم وقال بعضهم هو منسوخٌ
فممّن قال هو واجبٌ من الصّحابة ابن عمر وأبو موسى الأشعريّ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/109]
ومن التّابعين محمّد بن سيرين، وأبو قلابة، والضّحّاك، وجابر بن زيدٍ، ومجاهدٌ ومن أشدّهم في ذلك عطاءٌ قال:
" أشهد إذا بعت وإذا اشتريت بدرهمٍ أو نصف درهمٍ أو ثلث درهمٍ أو أقلّ من ذلك فإنّ اللّه تعالى يقول: {وأشهدوا إذا تبايعتم} [البقرة: 282] "
وحدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال حدّثنا شجاعٌ، قال حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: «أشهد إذا بعت وإذا اشتريت ولو دستجة بقلٍ»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/110]
وممّن كان يذهب إلى هذا محمّد بن جريرٍ وأنّه لا يحلّ لمسلمٍ إذا باع أو اشترى إلّا أن يشهد وإلّا كان مخالفًا كتاب اللّه جلّ وعزّ وكذا إن كان إلى أجلٍ فعليه أن يكتب ويشهد إن وجد كاتبًا واحتجّ بحججٍ سنذكرها في آخر الأقوال في الآية
فممّن قال إنّها منسوخةٌ من الصّحابة أبو سعيدٍ الخدريّ
كما حدّثنا محمّد بن جعفرٍ بالأنبار، قال حدّثنا إبراهيم بن ديسمٍ الخراسانيّ، قال حدّثنا عبيد اللّه بن عمر، قال حدّثنا محمّد بن مروان، قال حدّثنا عبد الملك بن أبي نضرة، عن أبيه، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، " أنّه تلا: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمًّى فاكتبوه} [البقرة: 282] إلى {فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته} [البقرة: 283]، قال: «نسخت هذه ما قبلها»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/111]
قال أبو جعفرٍ: وهذا قول الحسن، والحكم، وعبد الرّحمن بن زيدٍ
وممّن قال إنّها على النّدب والإرشاد لا على الحتم الشّعبيّ ويحكى أنّ هذا قول مالكٍ والشّافعيّ وأصحاب الرّأي
واحتجّ محمّد بن جريرٍ في أنّها أمرٌ لازمٌ وأنّه واجبٌ على كلّ من اشترى شيئًا إلى أجلٍ أن يكتب ويشهد وإن اشتراه بغير أجلٍ أن يشهد بظاهر الآية وأنّه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/112]
فرضٌ لا يسع تضييعه لأنّ اللّه تبارك وتعالى أمر به وأمر اللّه سبحانه لازمٌ لا يحمل على النّدب والإرشاد إلّا بدليلٍ، ولا دليل يدلّ على ذلك ولا يجوز عنده أن يكون هذا نسخًا؛ لأنّ معنى النّاسخ أن ينفي حكم المنسوخ ولم تأت آيةٌ فيها لا تكتبوا ولا تشهدوا فيكون هذا ناسخًا واحتجّ بأنّه لا معنى لقول من قال: {فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته} [البقرة: 283] ناسخٌ للأوّل، لا معنى له لأنّ هذا حكمٌ غير ذاك وإنّما هذا حكم من لم يجد كاتبًا أو كتابًا قال جلّ وعزّ: {ولم تجدوا كاتبًا فرهانٌ مقبوضةٌ فإن أمن بعضكم بعضًا} [البقرة: 283] أي فلم يطالبه برهنٍ فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته
قال: ولو جاز أن يكون هذا ناسخًا للأوّل لجاز أن يكون قوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط} [النساء: 43] الآية ناسخًا لقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة} [المائدة: 6] الآية ولجاز أن يكون قوله: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} [النساء: 92] ناسخًا لقوله تعالى: {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} [النساء: 92]
قال أبو جعفرٍ: فهذا كلامٌ بيّنٌ غير أنّ الفقهاء الّذين تدور عليهم الفتيا وأكثر النّاس على أنّ هذا ليس بواجبٍ وممّا يحتجّون فيه أنّ المسلمين
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/113]
مجمعون على أنّ رجلًا لو خاصم رجلًا إلى الحاكم فقال باعني كذا فقال ما بعته ولم تكن بيّنةٌ أنّ الحاكم يستحلفه
ويحتجّون أيضًا بحديث الزّهريّ عن عمارة بن خزيمة بن ثابتٍ عن عمّه وكان من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
" أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ابتاع فرسًا من أعرابيٍّ ثمّ استتبعه ليدفع إليه ثمنه فأسرع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المشي فساوم قوم الأعرابيّ بالفرس ولم يعلموا فصاح الأعرابيّ بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتبتاعه منّي أم أبيعه فقال: «أليس قد ابتعته منك؟» قال: لا واللّه ما ابتعته منّي فأقبل النّاس يقولون له ويحك إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لا يقول إلّا حقًّا، فقال: هل من شاهدٍ فقال: خزيمة أنا أشهد فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بم تشهد؟» قال: أشهد بتصديقك، فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شهادة خزيمة شهادة رجلين "
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/114]
فاحتجّوا بهذا الحديث أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ابتاع بغير إشهادٍ
فأمّا ما احتجّ به محمّد بن جريرٍ فصحيحٌ غير أنّ ثمّ وجهًا يخرّج منه لم يذكره وهو:
أنّ عليّ بن أبي طلحة روى عن، ابن عبّاسٍ، في قوله تعالى {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها} [البقرة: 106] قال ننسها نتركها، هكذا يقول المحدثون والصّواب نتركها
قال أبو جعفرٍ: وفي هذا معنًى لطيفٌ شرحه سهل بن محمّدٍ على مذهب ابن عبّاسٍ وبيّن معنى ذلك
قال ننسخها نزيل حكمها بآيةٍ غيرها و {ننسها} [البقرة: 106] نزيل حكمها بأن نطلق لكم تركها كما قال تعالى: {يا أيّها النّبيّ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن باللّه شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين} [الممتحنة: 12] الآية ثمّ أطلق للمسلمين ترك ذلك من غير آيةٍ نسختها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/115]
فكذا {إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمًّى فاكتبوه} [البقرة: 282] وكذا {وأشهدوا إذا تبايعتم} [البقرة: 282]
قال أبو جعفرٍ: فأمّا النّسخ فكما قال محمّد بن جريرٍ، وأمّا النّدب فلا يحمل عليه الأمر إلّا بدليلٍ قاطعٍ
وأمّا قول مجاهدٍ: لا يجوز الرّهن إلّا في السّفر لأنّه في الآية كذلك، فقولٌ شاذٌّ، الجماعة على خلافه
قال أبو جعفرٍ وقرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن يوسف بن حمّادٍ، قال: حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، عن هشامٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال «توفّي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ودرعه مرهونةٌ عند يهوديٍّ بثلاثين صاعًا من شعيرٍ لأهله»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/116]
قال أبو جعفرٍ: وليس كون الرّهن في الآية في السّفر ممّا يحظر غيره
وأمّا {إذا تداينتم بدينٍ} [البقرة: 282] والفائدة في {بدينٍ} [البقرة: 282] وقد تقدّم {تداينتم} [البقرة: 282] فالجواب عنه أنّ العرب تقول تداينّا أي تجازينا وتعاطينا الأخذ بيننا فأبان اللّه جلّ وعزّ بقوله {بدينٍ} [البقرة: 282] المعنى الّذي قصد له
واختلف العلماء في الآية الّتي هي تتمّة ثلاثين آيةً من هذه السّورة فمنهم من قال: هي منسوخةٌ ومنهم من قال: هي محكمةٌ عامّةٌ ومنهم من قال: هي محكمةٌ خاصّةٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/117]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّامنة والعشرون قوله تعالى {وأشهدوا إذا تبايعتم} فأمر الله بالشّهادة وقد كان جماعة من التّابعين يرون أن يشهدوا في كل بيع وابتياع منهم الشّعبيّ
وإبراهيم النّخعيّ كانوا يقولون إنّا نرى أن نشهد ولو على جرزة بقل ويروي حزمة ثمّ نسخت الشّهادة بقوله تعالى {فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤدّ الّذي أؤتمن أمانته}
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمّىً فاكتبوه}.أمر الله جلّ ذكره في هذه الآية بكتاب الدّين للتّوثّق من الذي عليه الدّين لئلا يجحد أو يموت.
وقال بعد ذلك: {وأشهدوا إذا تبايعتم}، فأمر بالإشهاد أمرًا عامًا.
وقال: {ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرًا أو كبيرًا إلى أجله}، فأكّد إيجاب ذلك عليهم.
ثم نسخ ذلك وخفّفه بقوله: {فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤدّ الذي أؤتمن أمانته} [البقرة: 283] - وهذا قول أبي سعيد الخدري والحسن وابن زيد والحكم والشعبي ومالك وجماعةٍ من العلماء -.
فيكون هذا - على هذا القول - ممّا نسخ فرضه بغير فرض. بل نحن مخيّرون في فعل الأوّل وتركه، من شاء كتب ومن شاء لم يكتب ومن شاء أشهد، ومن شاء لم يشهد.
وقال مالكٌ وغيره: هو ندبٌ وإرشادٌ لا فرضٌ. فلا نسخ فيه على هذا القول.
لكن يحتاج هذا القول إلى دليلٍ يخرج لفظ الأمر إلى معنى الإرشاد والنّدب، وإلاّ فالكلام على ظاهره أمر حتم. والذي يدل على أنه ندبٌ غير حتم، قوله: {فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤدّ} [البقرة: 283] الآية، وقوله: {وأحلّ الله البيع وحرّم الرّبا} [البقرة: 275] - ولم يقل أحلّه ببيّنة -. وحمله على الإرشاد والنّدب
قول أكثر العلماء وهو الصواب إن شاء الله.
قال ابن شعبان. الأمر بالإشهاد منسوخ بقوله: {وأحلّ الله البيع}، ولم يذكر معه إشهادًا.
ويدلّ على أن الإشهاد ليس بفرضٍ إجماع العلماء أنّ من ادّعى على رجلٍ دينًا وقال لم أشهد عليه، أنه يحكم له عليه باليمين إذا أنكر. فلو كان الإشهاد فرضًا لم يحكم له عليه باليمين؛ لأنه ترك الفرض الذي لزمه وأتى بدعوى فدلّ ذلك على إجازة البيع بغير إشهاد.
ولو كان البيع لا يجوز إلاّ بإشهاد لانفسخت كلّ صفقةٍ تعقد بلا إشهاد، لأنهما عقدا على ما لا يحلّ إن كان الإشهاد فرضًا.
فدلّ ذلك على أنّه ندبٌ غير حتم.
وقالت طائفةٌ من العلماء: الآية محكمةٌ. والإشهاد والكتاب فرضٌ وعلى من له دينٌ أن يكتبه إذا وجد كاتبًا، قالوا: وقوله: {فإن أمن بعضكم بعضًا} الآية إنما ذلك عند عدم الكاتب والشّهود في السّفر - وهو قولٌ روي عن ابن عمر وابن عبّاس وأبي موسى الأشعري وابن
سيرين وأبي قلابة والضّحاك وجابر بن زيد ومجاهد.
وقد قال عطاء: أشهد إذا بعت أو اشتريت بدرهم أو بنصف درهم، أو بثلث درهم ومثله عن الشعبي، وإلى هذا القول ذهب داود، وبه قال الطّبري يريدون إذا كان التّبايع بدينٍ في الثمن أو في المثمن واستدلّوا على ذلك بأنّ الله تعالى قد جعل عوض الشّهود أخذ الرهن إذا عدم الكاتب والشهود، أو الكتاب والشاهد.
ثم ذكر الأمانة بعد عدم الشاهد والكاتب، فيترك أخذ الرّهن ويأتمنه على ماله عليه. وإنّما الأمانة عند عدم الكاتب والشّاهد.
والعفو عن أخذ الرّهن إذ لا يجد معه رهنًا.
والإشهاد واجبٌ إذا وجد الكاتب والشهود أو الشهود فقط.
وقال بعضهم: الآية على الأمر حتى يأتي ما يدلّ على أنها ندبٌ وإرشادٌ. وقد ذكرنا ما يدلّ على ذلك.
قال أبو محمد: وهذا المذهب فيه حرجٌ عظيم وضيقٌ يحتاج
الشيخ الكبير والعجوز الضعيفة القليلة الحيلة وغيرهم إذا اشتروا أو باعوا في النهار عشر مرات فأكثر بثلث درهم وبنصف درهم أن يشهدوا في كل مرّة إذا لم يقبضوا ما اشتروا في الوقت أو باعوا، وقد قال الله جلّ ذكره: {وما جعل عليكم في الدّين من حرج} [الحج: 78] فنفى فرض ما فيه الحرج، وهذا من أعظم الحرج.
وقد قال قومٌ: إنّ هذه الآية تدلّ على جواز التّبايع إلى أجل عامّةً فتدلّ على جواز السّلم في كل شيءٍ فهي ناسخة لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك، إذ السّلم: هو بيع ما ليس عندك.
وقال آخرون: الحديث مخصوصٌ في غير السّلم بإجازة النبي صلى الله عليه وسلم السّلم في الشيء المعلوم إلى أجلٍ معلوم. فالمعنى: أنه نهى عن بيع ما ليس عندك مما ليس بسلم في شيءٍ معلومٍ إلى أجلٍ معلوم. فالحديث مخصوصٌ محكم والآية محكمةٌ على النّدب
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الخامسة والثّلاثين: قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمّىً فاكتبوه}.
هذه الآية تتضمّن الأمر بإثبات الدّين في كتابٍ وإثبات الشّهادة في البيع والدّين.
واختلف العلماء هل هذا أمر وجوبٍ أم استحبابٍ، فذهب الجمهور إلى أنّه أمر ندبٍ واستحبابٍ.
أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهرٍ، قال: أبنا أبو محمّدٍ الجوهريّ، قال: أبنا
محمّد بن المظفّر، قال: أبنا عليّ بن إسماعيل، قال: أبنا أبو حفص عمر وابن علي قال: بنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي يقول: سألت الحسن عن الرّجل يبيع ولا يشهد فقال: أليس قد قال الله عز وجل: {فإن أمن بعضكم بعضاً}.
قال أبو حفصٍ: وحدّثنا يزيد بن (زريع) قال: بنا داود بن أبي هندٍ عن الشّعبيّ قال: "إن شاء أشهد".
وأخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا أبو طالب بن غيلان، قال: أبنا أبو بكرٍ الشّافعيّ، قال: أبنا إسحاق بن ميمون، قال: بنا موسى بن مسعود،
قال: بنا الثّوريّ عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن الشّعبيّ قال: إن شاء أشهد وإن شاء لم يشهد ثمّ قرأ {فإن أمن بعضكم بعضاً} فعلى هذا القول (الآية محكمةٌ).
وذهب آخرون) إلى أنّ الكتابة والإشهاد واجبان وهو مرويٌّ عن ابن عمر وأبي موسى ومجاهدٍ وعطاءٍ وابن سيرين والضّحّاك وأبي قلابة
والحكم وابن زيدٍ في آخرين.
ثمّ اختلف أرباب هذا القول هل نسخ أم لا؟
فذهب قومٌ منهم عطاءٌ وإبراهيم إلى أنه لم ينسخ.
وذهب آخرون منهم أبو سعيدٍ الخدريّ والشّعبيّ وابن زيدٍ إلى أنّه نسخ بقوله: {فإن أمن بعضكم بعضاً}.
أخبرنا محمّد بن عبد الباقي البزّاز قال: أبنا أبو محمّدٍ الجوهريّ، قال: أبنا محمّد بن المظفر، قال: بنا عليّ بن إسماعيل بن حمّادٍ، قال: أبنا أبو حفصٍ عمرو بن علي قال: بنا محمد بن مروان، قال: بنا عبد الملك بن أبي (نضرة) عن أبيه عن أبي سعيدٍ، أنه قرأ هذه الآية {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمّىً فاكتبوه} حتى بلغ {فإن أمن بعضكم بعضاً} قال: "هذه نسخت ما قبلها".
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه البقّال، قال:
أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق الكاذيّ، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ قال: حدّثني أبي قال: بنا عفان، قال: بنا عبد الوارث.
وأخبرنا محمّد بن أبي القاسم، قال: بنا أحمد بن أحمد، قال: بنا أبو نعيمٍ الحافظ، قال: أبنا أحمد بن إسحاق قال: بنا أبو يحيى الرازي، قال: بنا عبد الرّحمن بن عمر، قال: بنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ قال بنا محمّد بن دينارٍ كلاهما عن يؤنس عن الحسن {وأشهدوا إذا تبايعتم} قال: نسختها {فإن أمن بعضكم بعضاً}.
قلت: وهذا ليس بنسخٍ، لأنّ النّاسخ (ينافي) المنسوخ ولم يقل ههنا فلا تكتبوا، ولا تشهدوا، وإنّما بيّن التّسهيل في ذلك ولو كان مثل هذا ناسخًا لكان قوله: {فلم تجدوا ماءً فتيمّموا} ناسخًا للوضوء بالماء، وقوله: {فمن لم يجد فصيام شهرين} ناسخاً قوله: {فتحرير رقبةٍ} والصّحيح أنّه ليس ههنا نسخٌ وأنّه أمر ندبٍ.
وقد اشترى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الفرس الّذي شهد فيه خزيمة (بلا) إشهاد.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا أبو إسحق البرمكيّ، قال: أبنا محمّد بن إسماعيل بن العبّاس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا محمد بن بشار، قال: بنا محمد، قال: بنا شعبة، عن فراسٍ، عن الشّعبيّ، عن أبي بردة عن أبي موسى. قال: "ثلاثةٌ يدعون اللّه فلا يستجاب لهم... "
أحدهم: رجلٌ كان له على رجلٍ دينٌ فلم يشهد عليه.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قوله عز وجل: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} إلى قوله عز وجل: {..... ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله} الآية [البقرة: 282] فأمر بالكتابة والإشهاد، قالوا: ثم نسخ جميع ذلك بقوله سبحانه وتعالى: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذين أؤتمن أمانته} الآية [البقرة: 283] وليس هذا بنسخ، وفيه بيان كون الأمر بالكتابة والإشهاد ليس على الوجوب.
وذهب ابن عمر وابن عباس وأبو موسى الأشعري وجابر بن زيد وابن سيرين والضحاك وأبو قلابة وعطاء والشعبي وداود إلى وجوب الكتابة والإشهاد، وأوجبوا على رب الدين أن يكتب وأن يشهد إذا قدر على ذلك.
قالوا: وأما قوله عز وجل: {فإن أمن بعضكم بعضا} الآية [البقرة: 283] فإنما ذلك عند عدم القدرة على الكتابة والإشهاد، وإذا عفا عن الرهن أو لم يجده.
وقال الشعبي وعطاء: أشهد إذا بعت أو اشتريت بدرهم أو بنصف درهم أو بثلث درهم، وبهذا يقول الطبري، وعلى الجملة فالآية محكمة على كل حال.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس