عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 28 ربيع الثاني 1434هـ/10-03-2013م, 03:45 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى انفروا خفافا وثقالا قال نشاطا وغير نشاط). [تفسير عبد الرزاق: 1/276]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أبيه عن أبي الضّحى قال: أوّل ما نزل من براءة {انفروا خفافا وثقالا} [الآية: 41]). [تفسير الثوري: 126-127]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (41) : قوله تعالى: {انفروا خفافًا وثقالًا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن حصين، عن أبي مالكٍ، قال: أوّل شيءٍ نزل من براءة: الّتي بعد الأربعين: {انفروا خفافًا وثقالاً... } إلى قوله: {إن كنتم تعلمون}). [سنن سعيد بن منصور: 5/251]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {انفروا خفافًا وثقالاً}.
واختلف أهل التّأويل في معنى الخفّة والثّقل اللّذين أمر اللّه من كان به أحدهما بالنّفر معه فقال بعضهم: معنى الخفّة الّتي عناها اللّه في هذا الموضع الشّباب، ومعنى الثّقل الشّيخوخة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن رجلٍ، عن الحسن، في قوله: {انفروا خفافًا وثقالاً} قال: شيبًا وشبّانًا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفصٌ، عن عمرٍو، عن الحسن، قال: شيوخًا وشبّانًا.
- قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عليّ بن زيدٍ، عن أنسٍ، عن أبي طلحة: {انفروا خفافًا وثقالاً} قال: كهولاً وشبّانًا، ما أسمع اللّه عذر أحدًا فخرج إلى الشّام فجاهد حتّى مات.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن المغيرة بن النّعمان، قال: كان رجلٌ من النّخع وكان شيخًا بادنًا، فأراد الغزو فمنعه سعد بن أبي وقّاصٍ، فقال: إنّ اللّه يقول: {انفروا خفافًا وثقالاً} فأذن له سعدٌ، فقتل الشّيخ، فسأل عنه بعد عمر، فقال: ما فعل الشّيخ الّذي كان من بني هاشمٍ؟ فقالوا قتل يا أمير المؤمنين.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ، قال: الشّابّ والشّيخ.
- قال: حدّثنا أبو أسامة، عن مالك بن مغولٍ، عن إسماعيل، عن عكرمة، قال: الشّابّ والشّيخ.
- قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: كهولاً وشبّانًا.
- قال: حدّثنا حيوة أبو يزيد، عن يعقوب القمّيّ، عن حفص بن حميدٍ، عن شمر بن عطيّة: كهولاً وشبّانًا.
- حدّثنا الوليد، قال: حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان في قوله: {انفروا خفافًا وثقالاً} قال: شبّانًا وكهولاً.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {انفروا خفافًا وثقالاً} قال: شبابًا وشيوخًا، وأغنياء ومساكين.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: قال الحسن: شيوخًا وشبّانًا.
- حدّثني سعيد بن عمرٍو، قال: حدّثنا بقيّة، قال: حدّثنا حريزٌ، قال: حدّثني حبّان بن زيدٍ الشّرعبيّ، قال: نفرنا مع صفوان بن عمرٍو وكان واليًا على حمص قبل الأفسوس إلى الجراجمة، فلقيت شيخًا كبيرًا همًّا، قد سقط حاجباه على عينيه من أهل دمشق على راحلته فيمن أغار، فأقبلت عليه فقلت: يا عمّ لقد أعذر اللّه إليك، قال: فرفع حاجبيه فقال: يا ابن أخي استنفرنا اللّه خفافًا وثقالاً، من يحبّه اللّه يبتليه ثمّ يعيده فيبقيه، وإنّما يبتلي اللّه من عباده من شكر وصبر وذكر ولم يعبد إلاّ اللّه.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسماعيل، عن أبي صالحٍ: {انفروا خفافًا وثقالاً} قال: كلّ شيخٍ وشابٍّ.
وقال آخرون: معنى ذلك مشاغيل وغير مشاغيل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن الحكم، في قوله: {انفروا خفافًا وثقالاً} قال: مشاغيل وغير مشاغيل.
وقال آخرون: معناه: انفروا أغنياء وفقراء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عمّن ذكره عن أبي صالحٍ: {انفروا خفافًا وثقالاً} قال: أغنياء وفقراء.
وقال آخرون: معناه: نشاطًا وغير نشاطٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {انفروا خفافًا وثقالاً} يقول: انفروا نشاطًا وغير نشاطٍ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {خفافًا وثقالاً} قال: نشاطًا وغير نشاطٍ.
وقال آخرون: معناه: ركبانًا ومشاةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد، قال: قال أبو عمرٍو: إذا كان النّفر إلى دروب الشّأم نفر النّاس إليها خفافًا ركبانًا، وإذا كان النّفر إلى هذه السّواحل ونفروا إليها خفافًا وثقالاً ركبانًا ومشاةً.
وقال آخرون: معنى ذلك: ذا ضيعةٍ، وغير ذي ضيعةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {انفروا خفافًا وثقالاً} قال: الثّقيل الّذي له الضّيعة، فهو ثقيلٌ يكره أن يضيّع ضيعته ويخرج، والخفيف الّذي لا ضيعة له، فقال اللّه: {انفروا خفافًا وثقالاً}.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، عن أبيه، قال: زعم حضرميّ أنّه ذكر له أنّ ناسًا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلاً أو كبيرًا، فيقول: إنّي أحسبه قال: أنا لا آثم، فأنزل اللّه: {انفروا خفافًا وثقالاً}.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا أيّوب، عن محمّدٍ، قال: شهد أبو أيّوب مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بدرًا، ثمّ لم يتخلّف عن غزاةٍ للمسلمين إلاّ وهو في أخرى إلاّ عامًا واحدًا، وكان أبو أيّوب يقول: {انفروا خفافًا وثقالاً} فلا أجدني إلاّ خفيفًا أو ثقيلاً.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عثمان، عن راشد بن سعدٍ، عمّن رأى المقداد بن الأسود فارس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على تابوتٍ من توابيت الصّيارفة بحمص، وقد فضل عنه من عظمه، فقلت له: لقد أعذر اللّه إليك، فقال: أتت علينا سورة البحوث {انفروا خفافًا وثقالاً}.
- حدّثنا سعيد بن عمرٍو السّكونيّ، قال: حدّثنا بقيّة بن الوليد، قال: حدّثنا جريرٌ، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن ميسرة، قال: حدّثني أبو راشدٍ الحبرانيّ، قال: وافيت المقداد بن الأسود فارس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسًا على تابوتٍ من توابيت الصّيارفة بحمص، قد فضل عنه من عظمه، يريد الغزو، فقلت له: لقد أعذر اللّه إليك، فقال: أتت علينا سورة البحوث: {انفروا خفافًا وثقالاً}.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره أمر المؤمنين بالنّفر لجهاد أعدائه في سبيله خفافًا وثقالاً، وقد يدخل في الخفاف كلّ من كان سهلاً عليه النّفر لقوّة بدنه على ذلك وصحّة جسمه وشبابه، ومن كان ذا تيسّرٍ بمالٍ وفراغٍ من الاشتغال وقادرًا على الظّهر والرّكاب. ويدخل في الثّقال كلّ من كان بخلاف ذلك من ضعيف الجسم وعليله وسقيمه، ومن معمّرٍ من المال ومشتغلٍ بضيعةٍ ومعاشٍ، ومن كان لا ظهر له ولا ركاب، والشّيخ وذو السّنّ والعيال.
فإذ كان قد يدخل في الخفّاف والثّقال من وصفنا من أهل الصّفات الّتي ذكرنا ولم يكن اللّه جلّ ثناؤه خصّ من ذلك صنفًا دون صنفٍ في الكتاب، ولا على لسان الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا نصب على خصوصه دليلاً، وجب أن يقال: إنّ اللّه جلّ ثناؤه أمر المؤمنين من أصحاب رسوله بالنّفر للجهاد في سبيله خفافًا وثقالاً مع رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم على كلّ حالٍ من أحوال الخفّة والثّقل.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن سعيد بن مسروقٍ، عن مسلم بن صبيحٍ، قال: أوّل ما نزل من براءة: {انفروا خفافًا وثقالاً}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضّحى، مثله.
- حدّثنا الحارث، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: إنّ أوّل ما نزل من براءة: {لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرةٍ} قال: يعرّفهم نصره، ويوطّنهم لغزوة تبوك.
القول في تأويل قوله تعالى: {وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللّه ذلكم خيرٌ لّكم إن كنتم تعلمون}.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: جاهدوا أيّها المؤمنون الكفّار بأموالكم، فأنفقوها في مجاهدتهم على دين اللّه الّذي شرعه لكم، حتّى ينقادوا لكم فيدخلوا فيه طوعًا أو كرهًا، أو يعطوكم الجزية عن يدٍ صغارًا إن كانوا أهل كتابٍ، أو تقتلوهم. {وأنفسكم} يقول: وبأنفسكم فقاتلوهم بأيديكم يخزهم اللّه وينصركم عليهم. {ذلكم خيرٌ لكم} يقول: هذا الّذي آمركم به من النّفر في سبيل اللّه تعالى خفافًا وثقالاً وجهاد أعدائه بأموالكم وأنفسكم خيرٌ لكم من التّثاقل إلى الأرض إذا استنفرتم والخلود إليها والرّضا بالقليل من متاع الحياة الدّنيا عوضًا من الآخرة، إن كنتم من أهل العلم بحقيقة ما بيّن لكم من فضل الجهاد في سبيل اللّه على القعود عنه). [جامع البيان: 11/678-475]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (انفروا خفافًا وثقالًا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللّه ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون (41)
قوله تعالى: انفروا خفافا وثقالا.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حمّاد بن سلمة، ثنا ثابتٌ وعليّ بن زيدٍ عن أنس بن مالكٍ: أنّ أبا طلحة قرأ سورة براءة فأتى على هذه الآية انفروا خفافًا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللّه قال: أرى ربّنا يستنفرنا شيوخًا وشبّانًا، جهّزوني بنيّ، قال بنوه: يرحمك اللّه، قد غزوت مع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- حتّى مات، وغزوت مع أبو بكرٍ حتّى مات وغزوت مع عمر حتّى مات، فنحن نغزو عنك، فأبى فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرةً يدفنوه فيها إلا بعد تسعة أيّامٍ فلم يتغيّر فدفنوه فيها.
- حدّثنا أبي ثنا أبو اليمان الحكم بن نافعٍ ثنا حريز بن عثمان عن عبد الرّحمن بن ميسرة حدّثنا أبو راشدٍ الحبرانيّ قال: وافيت المقداد بن الأسود جالسًا على تابوتٍ من توابيت الصّيارفة يريد الغزو، فقلت: لقد أعذر اللّه إليك فقال: أبت علينا سورة البحوث انفروا خفافًا وثقالا يعني سورة التّوبة
- وروي عن ابن عبّاسٍ وعكرمة وأبي صالحٍ والحسن وشمّر بن عطيّة ومقاتل بن حيّان والشّعبيّ وزيد بن أسلم، قالوا: شبّانًا وكهولا.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا نصر بن عليٍّ قال: أخبرني أبي ثنا قرّة بن خالدٍ عن أبي يزيد المدنيّ قال: كان المقداد ابن الأسود وأبو أيّوب الأنصاريّ يقولان: أمرنا أن ننفر على كلّ حالٍ، ويتأوّلان انفروا خفافًا وثقالا.
والوجه الثّاني:
- أخبرني محمّد بن سعدٍ فيما كتاب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: انفروا خفافًا وثقالا يقول: انفروا نشاطًا وغير نشاطٍ.
وروي عن قتادة: نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا ابن مهديٍّ عن سفيان عن منصورٍ عن الحكم انفروا خفافًا وثقالا قال: مشاغيلٌ وغير مشاغيل.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا نصر بن عليٍّ، ثنا أبي عن شعبة عن منصور بن زاذان عن الحسن انفروا خفافًا وثقالا قال: في العسر واليسر.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ انفروا خفافًا وثقالا قالوا: فإنّ فينا الثّقيل، وذا الحاجة والضّيعة والشّغل والمنتشر به أمره في ذلك، فأنزل اللّه تعالى، وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافًا وثقالا وعلى ما كان منهم.
من فسّر الآية على أنّها منسوخةٌ:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا حجّاج بن محمّدٍ أنبأ ابن جريجٍ وعثمان بن عطاءٍ الخراسانيّ عن ابن عبّاسٍ في قوله: انفروا خفافًا وثقالا فنسخ هذه الآية وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً إلى قوله: لعلّهم يحذرون يقول: لتنفر طائفةٌ ولتمكث طائفةٌ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فالماكثون مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- هم الّذين يتفقّهون في الدّين، وروي عن عطاء الخراسانيّ ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ: مثل ذلك.
ووجهٌ آخر من المنسوخ:
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله تعالى: انفروا خفافًا وثقالا يقول: غنيًّا وفقيرًا، وقويًا وضعيفًا، فجاءه رجلٌ يومئذٍ زعموا أنّه المقداد وكان عظيمًا مسنًّا فشكى إليه وسأله أن يأذن له فأبى، فنزلت يومئذٍ انفروا خفافًا وثقالا، فلمّا نزلت هذه الآية اشتدّ على النّاس شأنها، فنسخها اللّه فقال: ليس على الضّعفاء ولا على المرضى ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا للّه ورسوله.
قوله تعالى: وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللّه.
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ ثنا أبو داود ثنا أبان العطّار عن يحيى بن أبي كثيرٍ عن زيد بن سلامٍ عن أبي سلامٍ عن الحارث يعني: أبا مالكٍ الأشعريّ قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-: «أنا آمركم بخمسٍ أمرني اللّه بهنّ،: الجهاد في سبيل اللّه، والجماعة، والسّمع، والطّاعة، والهجرة».
قوله تعالى: ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون.
- حدّثنا موسى بن أبي موسى الأنصاريّ ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ ذلكم يعني: هذا). [تفسير القرآن العظيم: 6/1802-1804]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لما استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى تبوك قالوا فينا الثقيل وذو الحاجة والضيعة والمنتشر أمره والشغل فأنزل الله عز وجل انفروا خفافا وثقالا). [تفسير مجاهد: 279]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني الحسن بن حليمٍ المروزيّ، ثنا أبو الموجّه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد اللّه، أنبأ صفوان بن عمرٍو، أخبرني عبد الرّحمن بن جبير بن نفيرٍ، عن أبيه، قال: جلسنا إلى المقداد بن الأسود بدمشق وهو على تابوتٍ ما به عنه فضلٌ، فقال له رجلٌ: لو قعدت العام عن الغزو. قال: " أتت علينا البعوث يعني سورة التّوبة قال اللّه عزّ وجلّ {انفروا خفافًا وثقالًا} [التوبة: 41] ولا أجدني إلّا خفيفًا «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/363]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {انفروا خفافًا وثقالًا} [التوبة: 41].
- عن أبي راشدٍ قال: رأيت المقداد فارس رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - جالسًا على تابوتٍ من توابيت الصّيارفة بحمص، قد فضل عليها من عظمه يريد الغزو، فقلت له: لقد أعذر اللّه إليك، قال: أتت علينا سورة البعوث {انفروا خفافًا وثقالًا} [التوبة: 41].
رواه الطّبرانيّ، وفيه بقيّة بن الوليد، وفيه ضعفٌ، وقد وثّق، وبقيّة رجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/30]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال محمّد بن يحيى بن أبي عمر: ثنا سفيان، عن ابن جدعان، عن أنسٍ- رضي اللّه عنه- قال: "قرأ أبو طلحة هذه الآية: (انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا ... ) الآية فقال: ما أسمع اللّه عذر أحدًا. ثمّ خرج إلى الشّام فلم يزل بها مجاهدًا حتّى مات بها". هذا إسنادٌ ضعيفٌ، لضعف عليّ بن زيد بن جدعان). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/216]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال ابن أبي عمر: حدثنا سفيان، عن ابن جدعان، عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قرأ أبو طلحة رضي الله عنه هذه الآية: {انفروا خفافًا وثقالًا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله} فقال: ما أسمع اللّه (تعالى) (عذرا لأحد)، ثمّ خرج إلى الشّام، فلم يزل بها مجاهدًا حتّى مات بها). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/714]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 41
وأخرج الفريابي وأبو الشيخ عن أبي الضحى رضي الله عنه قال: أول ما نزل من براءة {انفروا خفافا وثقالا} ثم نزل أولها وآخرها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن أبي مالك رضي الله عنه قال: أول شيء نزل من براءة {انفروا خفافا وثقالا} ثم نزل أولها وآخرها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن أبي مالك رضي الله عنه قال: أول شيء نزل من براءة {انفروا خفافا وثقالا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {انفروا خفافا وثقالا} قال: نشاطا وغير نشاط.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحكم في قوله {انفروا خفافا وثقالا} قال: مشاغيل وغير مشاغيل.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله {انفروا خفافا وثقالا} قال: في العسر واليسر.
وأخرج ابن المنذر عن زيد بن أسلم رضي الله عنه في قوله {خفافا وثقالا} قال: فتيانا وكهولا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن عكرمة في قوله {خفافا وثقالا} قال: شبابا وشيوخا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال: قالوا: إن فينا الثقيل وذا الحاجة والصنعة والشغل والمنتشر به أمره في ذلك فأنزل الله {انفروا خفافا وثقالا} وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافا وثقالا وعلى ما كان منهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه قال: جاء رجل زعموا أنه المقداد وكان عظيما سمينا فشكا إليه وسأله أن يأذن له فأبى فنزلت يومئذ فيه {انفروا خفافا وثقالا} فلما نزلت هذه الآية اشتد على الناس شأنها فنسخها الله فقال (ليس على الضعفاء ولا على المرضى) (التوبة آية 91) الآية.
وأخرج ابن جرير عن حضرمي قال: ذكر لنا أن أناسا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلا أو كبير فيقول: إني لا آثم فأنزل الله {انفروا خفافا وثقالا} الآية.
وأخرج ابن سعد، وابن أبي عمر العدني في مسنده وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس بن مالك، أنا أبا طلحة قرأ سورة براءة فأتى على هذه الآية {انفروا خفافا وثقالا} قال: أرى ربنا يستنفرنا شيوخا وشبابا، وفي لفظ فقال: ما أسمع الله عذر أحد أجهزوني، قال بنوه: يرحمك الله تعالى قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات وغزوت مع أبي بكر حتى مات وغزوت مع عمر رضي الله عنه حتى مات فنحن نغزو عنك، فأبى فركب البحر فمات فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد تسعة أيام فلم يتغير فدفنوه فيها.
وأخرج ابن سعد والحاكم عن ابن سيرين رضي الله عنه قال: شهد أبو أيوب رضي الله عنه بدرا ثم لم يتخلف عن غزوة للمسلمين إلا عاما واحدا وكان يقول: قال الله {انفروا خفافا وثقالا} فلا أجدني إلا خفيفا وثقيلا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أبي راشد الحبراني قال: رأيت المقداد فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص يريد الغزو فقلت: لقد أعذر الله تعالى إليك، قال: أبت علينا سورة التحوب {انفروا خفافا وثقالا} يعني سورة التوبة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي يزيد المديني قال: كان أبو أيوب الأنصاري والمقداد بن الأسود يقولان: أمرنا أن تنفر على كل حال ويتأولان قوله تعالى {انفروا خفافا وثقالا}). [الدر المنثور: 7/386-389]

تفسير قوله تعالى: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى لو كان عرضا قريبا قال هي غزوة تبوك). [تفسير عبد الرزاق: 1/276]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({الشّقّة} [التوبة: 42] : " السّفر). [صحيح البخاري: 6/63]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله الشّقّة السّفر هو كلام أبي عبيدة وزاد البعيد وقيل الشّقّة الأرض الّتي يشقّ سلوكها). [فتح الباري: 8/314]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الشّقّة السّفر
أشار به إلى قوله عز وجل: {لو كان عرضا قريبا وسفرا فاسدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة} (براءة: 42) وفسّر الشقة بالسّفر. وروي كذلك عن ابن عبّاس، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا منجاب أخبرنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضّحّاك عنه، وفي التّفسير {لو كان عرضا قريبا} أي: الغنيمة قريبة {وسقرا قاصدا لاتبعوك} أي: لكانوا معك لذلك {ولكن بعدت عليهم الشقة} أي: المسافة إلى الشّام). [عمدة القاري: 18/254]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({الشّقّة}) في قوله: {بعدت عليهم الشقة} [التوبة: 42] هي (السفر) وقيل هي المسافة التي تقطع بمشقة يقال شقة شاقة أي بعدت عليهم الشاقة البعيدة أي يشق على الإنسان سلوكها). [إرشاد الساري: 7/139]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لو كان عرضًا قريبًا وسفرًا قاصدًا لاتّبعوك ولكن بعدت عليهم الشّقّة وسيحلفون باللّه لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم واللّه يعلم إنّهم لكاذبون}.
يقول جلّ ثناؤه للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وكانت جماعةٌ من أصحابه قد استأذنوه في التّخلّف عنه حين خرج إلى تبوك فأذن لهم: لو كان ما تدعو إليه المتخلّفين عنك والمستأذنيك في ترك الخروج معك إلى مغزاك الّذي استنفرتهم إليه {عرضًا قريبًا} يقول: غنيمةً حاضرةً {وسفرًا قاصدًا} يقول: وموضعًا قريبًا سهلاً. {لاتّبعوك} ونفروا معك إليهما، ولكنّك استنفرتهم إلى موضعٍ بعيدٍ، وكلّفتهم سفرًا شاقًّا عليهم؛ لأنّك استنهضتهم في وقت الحرّ وزمان القيظ وحين الحاجة إلى الكنّ.
{وسيحلفون باللّه لو استطعنا لخرجنا معكم} يقول تعالى ذكره: وسيحلف لك يا محمّد هؤلاء المستأذنوك في ترك الخروج معك اعتذارًا منهم إليك بالباطل، لتقبل منهم عذرهم، وتأذن لهم في التّخلّف عنك باللّه كاذبين: لو استطعنا لخرجنا معكم، يقول: لو أطقنا الخروج معكم بوجود السّعة والمراكب والظّهور وما لا بدّ للمسافر والغازي منه، وصحّة البدن والقوى، لخرجنا معكم إلى عدوّكم. {يهلكون أنفسهم} يقول: يوجبون لأنفسهم بحلفهم باللّه كاذبين الهلاك والعطب؛ لأنّهم يورّثونها سخط اللّه ويكسبونها أليم عقابه. {واللّه يعلم إنّهم لكاذبون} في حلفهم باللّه لو استطعنا لخرجنا معكم؛ لأنّهم كانوا للخروج مطيقين بوجود السّبيل إلى ذلك بالّذي كان عندهم من الأموال ممّا يحتاج إليه الغازي في غزوه والمسافر في سفره وصحّة الأبدان وقوى الأجسام.
وبنحو الّذي قلنا ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لو كان عرضًا قريبًا} إلى قوله {لكاذبون} إنّهم يستطيعون الخروج، ولكن كان تبطئةً من عند أنفسهم والشّيطان وزهادةً في الخير.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {لو كان عرضًا قريبًا} قال هي غزوة تبوك.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {واللّه يعلم إنّهم لكاذبون} أي: إنّهم يستطيعون). [جامع البيان: 11/476-477]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لو كان عرضًا قريبًا وسفرًا قاصدًا لاتّبعوك ولكن بعدت عليهم الشّقّة وسيحلفون باللّه لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم واللّه يعلم إنّهم لكاذبون (42)
قوله تعالى: لو كان عرضًا قريبًا
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: لو كان عرضًا قريبًا يقول: غنيمةٌ قريبةٌ.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: لو كان عرضًا قريبًا يقول: دنيا يطلبونها.
قوله تعالى: وسفرًا قاصدًا لاتّبعوك.
- وبه عن السّدّيّ قوله: وسفرًا قاصدًا لاتّبعوك يقول: سفرًا قريبًا لاتّبعوك.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة لو كان عرضًا قريبًا وسفرًا قاصدًا لاتّبعوك قال: في غزوة تبوك.
قوله تعالى: ولكن بعدت عليهم الشّقّة.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ، أنبأ بشرٌ بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: ولكن بعدت عليهم الشّقّة قال: المسير.
قوله تعالى: وسيحلفون باللّه لو استطعنا لخرجنا معكم الآية.
- ذكره ابن أبي أسلم ثنا إسحاق بن راهويه، أنبأ محمّد بن إسحاق الواسطيّ عن جويبرٍ عن الضّحّاك: وسيحلفون باللّه لو استطعنا لخرجنا معكم قال: لحلفهم باللّه وهم كاذبون.
قوله تعالى: واللّه يعلم إنّهم لكاذبون.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن ابن إسحاق واللّه يعلم إنّهم لكاذبون: أي أنّهم يستطيعون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1804-1805]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 42
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ألا تغزو بني الأصفر لعلك أن تصيب ابنة عظيم الروم فقال رجلان: قد علمت يا رسول الله أن النساء فتنة فلا تفتنا بهن فأذن لنا، فأذن لهما فلما انطلقا قال أحدهما: إن هو الأشحمة لأول آكل فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل عليه في ذلك شيء فلما كان ببعض الطريق نزل عليه وهو على بعض المياه {لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك} ونزل عليه (عفا الله عنك لم أذنت لهم) (التوبة 43) ونزل عليه (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر) (التوبة 43) ونزل عليهم (إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون) (التوبة 95).
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما {لو كان عرضا قريبا} قال: غنيمة قريبة {ولكن بعدت عليهم الشقة} قال: المسير، وأخرجه ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله {لو كان عرضا قريبا} يقول: دنيا يطلبونها {وسفرا قاصدا} يقول: قريبا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {والله يعلم إنهم لكاذبون} قال: لقد كانوا يستطيعون الخروج ولكن كان تبطئة من عند أنفسهم وزهادة في الجهاد). [الدر المنثور: 7/390-391]

تفسير قوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (43) : قوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت عمرو بن ميمونٍ الأودي يقول: اثنتان فعلهما رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ولم يؤمر (بهما) : إذنه للمنافقين، وأخذه من الأسارى، حتّى أنزل اللّه عزّ وجلّ: {عفا الله عنك لم أذنت لهم}، و: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى} .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن مسعر أو غيره، عن عون، قال: أخبره بالعفو قبل أن يعرّفه بالذّنب.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن حميد أنه (كان) يقرأ: (أسرى) ). [سنن سعيد بن منصور: 5/252-253]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا سفيان بن عيينة، عن مسعرٍ، عن عونٍ، قال: أخبره بالعفو قبل الذّنب {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 299]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله: {عفا الله عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين}.
وهذا عتّابٌ من اللّه تعالى ذكره عاتب به نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم في إذنه لمن أذن له في التّخلّف عنه حين شخص إلى تبوك لغزو الرّوم من المنافقين.
يقول جلّ ثناؤه: {عفا اللّه عنك} يا محمّد ما كان منك في إذنك لهؤلاء المنافقين الّذي استأذنوك في ترك الخروج معك، وفي التّخلّف عنك من قبل أن تعلم صدقه من كذبه. {لم أذنت لهم} لأيّ شيءٍ أذنت لهم. {حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين} يقول: ما كان ينبغي لك أن تأذن لهم في التّخلّف عنك؛ إذ قالوا لك: لو استطعنا لخرجنا معك، حتّى تعرف من له العذر منهم في تخلّفه ومن لا عذر له منهم، فيكون إذنك لمن أذنت له منهم على علمٍ منك بعذره، وتعلم من الكاذب منهم المتخلّف نفاقًا وشكًّا في دين اللّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم} قال: ناسٌ قالوا: استأذنوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا} الآية، عاتبه كما تسمعون، ثمّ أنزل اللّه الّتي في سورة النّور، فرخّص له في أن يأذن لهم إن شاء، فقال: {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم} فجعله اللّه رخصةً في ذلك من ذلك.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عمرو بن ميمونٍ الأوديّ، قال: اثنتان فعلهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يؤمر فيهما بشيءٍ: إذنه للمنافقين، وأخذه من الأسارى، فأنزل اللّه: {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم} الآية.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: قرأت على سعيد بن أبي عروبة، قال: هكذا سمعته من قتادة قوله: {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم} الآية، ثمّ أنزل اللّه بعد ذلك في سورة النّور: {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم} الآية.
- حدّثنا صالح بن مسمارٍ، قال: حدّثنا النّضر بن شميلٍ، قال: أخبرنا موسى بن مروان، قال: سألت مورّقًا عن قوله: {عفا اللّه عنك} قال: عاتبه ربّه). [جامع البيان: 11/477-479]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (عفا اللّه عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين (43)
قوله تعالى: عفا اللّه عنك لم أذنت لهم
- حدّثنا الحسين بن عبد اللّه الواسطيّ، أنبأ النّضر بن شميلٍ، أنبأ موسى بن سروان عن مورّق العجليّ في قوله: عفا اللّه عنك لم أذنت لهم قال: عاتبه ربّه عزّ وجلّ.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن أبي عمر العدنيّ، ثنا سفيان عن مسعد قال:
قال عون: أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذّنب، فقال: عفا اللّه عنك لم أذنت لهم.
- حدّثنا أبي ثنا أبو حصين بن سليمان الرّازيّ ثنا سفيان بن عيينة عن مسعد عن عونٍ قال: سمعتم بمعاتبةٍ أحسن من هذا؟! بدأ بالعفو قبل المعاتبة فقال: عفا اللّه عنك لم أذنت لهم.
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ ثنا سعيد بن عامرٍ عن همّامٍ عن قتادة قوله: عفا اللّه عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين ثمّ أنزل اللّه بعد في سورة النّور: فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: عفا اللّه عنك لم أذنت لهم ناسٌ قالوا: استأذنوا الرّسول، فإن أذن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فأقعدوا.
قوله تعالى: حتّى يتبيّن لك.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر ابن الفرات ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: عفا اللّه عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا استأذنه يومئذٍ ناسٌ فأذن لهم، فقال اللّه: لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا معرفة الّذين صدقوا بالخروج.
قوله تعالى: وتعلم الكاذبين
- وبه عن السّدّيّ قوله وتعلم الكاذبين قال: معرفة الّذين كذّبوا بالقعود). [تفسير القرآن العظيم: 6/1805-1806]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين وذلك أنه قال ناس استأذنوا الرسول فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فانفروا قال مجاهد في قوله عفا الله عنك لم أذنت لهم إلى قوله ما على المحسنين من سبيل ما بينهما في المنافقين). [تفسير مجاهد: 280]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 43.
أخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن جرير عن عمرو بن ميمون الأودي رضي الله عنه قال: اثنتان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمر فيهما بشيء أذنه للمنافقين وأخذه من الأسارى فأنزل الله {عفا الله عنك لم أذنت لهم} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مورق العجلي رضي الله عنه قال: سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا بدأ بالعفو قبل المعاتبة فقال {عفا الله عنك لم أذنت لهم}.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {عفا الله عنك لم أذنت لهم}
قال: ناس قالوا: استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا.
وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {عفا الله عنك لم أذنت لهم} الآيات الثلاث، قال: نسختها (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم) (سورة النور 62).
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {عفا الله عنك لم أذنت لهم} الآية، قال: ثم أنزل الله بعد ذلك في سورة النور (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم) ). [الدر المنثور: 7/391-392]

تفسير قوله تعالى: (لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): ({لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم واللّه عليمٌ بالمتّقين (44) إنّما يستأذنك الّذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون}؛
فنسختها الآية التي في النور: {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم اللّه إنّ الله غفورٌ رحيمٌ}). [الجامع في علوم القرآن: 3/75]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم واللّه عليم بالمتّقين}.
وهذا إعلامٌ من اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم سيما المنافقين أنّ من علاماتهم الّتي يعرفون بها تخلّفهم عن الجهاد في سبيل اللّه باستئذانهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في تركهم الخروج معه إذا استنفروا بالمعاذير الكاذبة.
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد لا تأذننّ في التّخلّف عنك إذا خرجت لغزو عدوّك لمن استأذنك في التّخلّف من غير عذرٍ، فإنّه لا يستأذنك في ذلك إلاّ منافقٌ لا يؤمن باللّه واليوم الآخر، فأمّا الّذي يصدّق باللّه ويقرّ بوحدانيّته وبالبعث والدّار الآخرة والثّواب والعقاب، فإنّه لا يستأذنك في ترك الغزو وجهاد أعداء اللّه بماله ونفسه. {واللّه عليمٌ بالمتّقين} يقول: واللّه ذو علمٍ بمن خافه فاتّقاه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه والمسارعة إلى طاعته في غزو عدوّه وجهادهم بماله ونفسه، وغير ذلك من أمره ونهيه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه} فهذا تعييرٌ للمنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد من غير عذرٍ، وعذر اللّه المؤمنين، فقال: لم يذهبوا حتّى يستأذنوه). [جامع البيان: 11/479-480]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم واللّه عليمٌ بالمتّقين (44)
قوله تعالى: لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم واللّه عليمٌ بالمتّقين.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر فهذا تعيير للمنافقين حيث استأذنوا في القعود عن الجهاد من غير عذرٍ، وعذر اللّه المؤمنين فقال: لم يذهبوا حتى يستأذنوه.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً، ثنا محمّد بن شعيبٍ، أخبرني عثمان بن عطاءٍ عن أبيه عطاءٍ قال: لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر الآيتين إلى قوله: يتردّدون فنسخت في سورة النّور إنّما المؤمنون الّذين آمنوا باللّه ورسوله إلى إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ فجعل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- بأعلى النّظرين من غزا في فضيلةٍ من قعد قعد في غير حرجٍ.
قوله تعالى: واللّه عليمٌ بالمتّقين.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق عليمٌ أي: عليمٌ بما يخفون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1806]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: {لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليمٌ بالمتّقين} [التوبة: 44]، نسختها التي في النّور: {إنما المؤمنون الذين آمنوا باللّه ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون باللّه ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فائذن لمن شئت منهم واستغفر لهم اللّه إن اللّه غفور رحيم} [النور: 62]. أخرجه أبو داود). [جامع الأصول: 2/165]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 44 - 45.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر} الآيتين، قال: هذا تفسير للمنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد بغير عذر وعذر الله المؤمنين فقال (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم).
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله} الآيتين، قال: نسختها الآية التي في سورة النور (إنما المؤمنون الذي آمنوا بالله ورسوله) (سورة النور 62) إلى (إن الله غفور رحيم) فجعل الله النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأعلى النظرين في ذلك من غزا غزا في فضيلة ومن قعد قعد في غير حرج إن شاء الله). [الدر المنثور: 7/392-393]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): ({لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم واللّه عليمٌ بالمتّقين (44) إنّما يستأذنك الّذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون}؛
فنسختها الآية التي في النور: {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم اللّه إنّ الله غفورٌ رحيمٌ}). [الجامع في علوم القرآن: 3/75] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّما يستأذنك الّذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّما يستأذنك يا محمّد في التّخلّف خلافك، وترك الجهاد معك من غير عذرٍ بيّنٍ الّذين لا يصدّقون باللّه، ولا يقرّون بتوحيده.
{وارتابت قلوبهم} يقول: وشكّت قلوبهم في حقيقة وحدانيّة اللّه، وفي ثواب أهل طاعته، وعقابه أهل معاصيه. {فهم في ريبهم يتردّدون} يقول: في شكّهم متحيّرون، وفي ظلمة الحيرة متردّدون، لا يعرفون حقًّا من باطلٍ، فيعملون على بصيرةٍ. وهذه صفة المنافقين.
وكان جماعةٌ من أهل العلم يرون أنّ هاتين الآيتين منسوختان بالآية الّتي ذكرت في سورة النّور.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، والحسن البصريّ، قالا: قوله: {لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه} إلى قوله: {فهم في ريبهم يتردّدون} نسختهما الآية الّتي في النّور: {إنّما المؤمنون الّذين آمنوا باللّه} إلى {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
وقد بيّنّا النّاسخ والمنسوخ بما أغنى عن إعادته هاهنا). [جامع البيان: 11/480-481]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّما يستأذنك الّذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون (45)
قوله تعالى: وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون.
- حدّثنا أبي ثنا أبو اليمان ثنا حريزٌ يعني ابن عثمان عن عبد الله بن أبي عوفٍ عن عبد الرّحمن بن مسعودٍ الفزاريّ عن أبي الدّرداء قال: الرّيب: الشّكّ والكفر.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات ثنا أسباط عن السدي قوله: ارتابت قلوبهم يقول: شكّت قلوبهم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1806-1807]


رد مع اقتباس