عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 4 محرم 1440هـ/14-09-2018م, 05:50 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فاختلف الأحزاب من بينهم} أي: اختلفت أقوال أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله، وأنّه عبده ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، فصمّمت طائفةٌ -وهم جمهور اليهود، عليهم لعائن اللّه -على أنّه ولد زنية، وقالوا: كلامه هذا سحرٌ. وقالت طائفةٌ أخرى: إنّما تكلّم اللّه. وقال آخرون: هو ابن اللّه، وقال آخرون: ثالث ثلاثةٍ. وقال آخرون: بل هو عبد اللّه ورسوله. وهذا هو قول الحقّ، الّذي أرشد اللّه إليه المؤمنين. وقد روي [نحو هذا] عن عمرو بن ميمونٍ، وابن جريجٍ، وقتادة، وغير واحدٍ من السّلف والخلف.
قال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحقّ الّذي فيه يمترون}، قال: اجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا منهم أربعة نفرٍ، أخرج كلّ قومٍ عالمهم، فامتروا في عيسى حين رفع، فقال أحدهم: هو اللّه هبط إلى الأرض فأحيا من أحيا، وأمات من أمات، ثمّ صعد إلى السّماء -وهم اليعقوبيّة. فقال الثّلاثة: كذبت. ثمّ قال اثنان منهم للثّالث: قل أنت فيه، قال: هو ابن اللّه -وهم النسطوريّة. فقال الاثنان: كذبت. ثمّ قال أحد الاثنين للآخر: قل فيه. قال: هو ثالث ثلاثةٍ: اللّه إلهٌ، وهو إلهٌ، وأمّه إلهٌ -وهم الإسرائيليّة ملوك النّصارى، عليهم لعائن اللّه. قال الرّابع: كذبت، بل هو عبد اللّه ورسوله وروحه، وكلمته، وهم المسلمون. فكان لكلّ رجلٍ منهم أتباعٌ على ما قالوا، فاقتتلوا فظهر على المسلمين، وذلك قول اللّه تعالى: {ويقتلون الّذين يأمرون بالقسط من النّاس} [آل عمران: 21] وقال قتادة: وهم الّذين قال اللّه: {فاختلف الأحزاب من بينهم} قال: اختلفوا فيه فصاروا أحزابًا
وقد روى ابن أبي حاتمٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن عروة بن الزّبير، وعن بعض أهل العلم، قريبًا من ذلك. وقد ذكر غير واحدٍ من علماء التّاريخ من أهل الكتاب وغيرهم: أنّ قسطنطين جمعهم في محفلٍ كبيرٍ من مجامعهم الثّلاثة المشهورة عندهم، فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائةً وسبعين أسقفًا، فاختلفوا في عيسى ابن مريم، عليه السّلام، اختلافًا متباينًا، فقالت كلّ شرذمةٍ فيه قولًا فمائةٌ تقول فيه قولًا وسبعون تقول فيه قولًا آخر، وخمسون تقول فيه شيئًا آخر، ومائةٌ وستّون تقول شيئًا، ولم يجتمع على مقالةٍ واحدةٍ أكثر من ثلاثمائةٍ وثمانيةٍ منهم، اتّفقوا على قولٍ وصمّموا عليه ومال إليهم الملك، وكان فيلسوفًا، فقدّمهم ونصرهم وطرد من عداهم، فوضعوا له الأمانة الكبيرة، بل هي الخيانة العظيمة، ووضعوا له كتب القوانين، وشرّعوا له أشياء وابتدعوا بدعًا كثيرةً، وحرّفوا دين المسيح، وغيّروه، فابتنى حينئذٍ لهم الكنائس الكبار في مملكته كلّها: بلاد الشّام، والجزيرة، والرّوم، فكان مبلغ الكنائس في أيّامه ما يقارب اثنتي عشرة ألف كنيسةٍ، وبنت أمّه هيلانة قمامة على المكان الّذي صلب فيه المصلوب الّذي تزعم اليهود والنّصارى أنّه المسيح، وقد كذبوا، بل رفعه اللّه إلى السّماء.
وقوله: {فويلٌ للّذين كفروا من مشهد يومٍ عظيمٍ} تهديدٌ ووعيدٌ شديدٌ لمن كذب على اللّه، وافترى، وزعم أنّ له ولدًا. ولكن أنظرهم تعالى إلى يوم القيامة وأجّلهم حلمًا وثقةً بقدرته عليهم؛ فإنّه الّذي لا يعجل على من عصاه، كما جاء في الصّحيحين: "إنّ اللّه ليملي للظّالم حتّى إذا أخذه لم يفلته" ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمةٌ إنّ أخذه أليمٌ شديدٌ} [هودٍ: 102] وفي الصّحيحين أيضًا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "لا أحد أصبر على أذًى سمعه من اللّه، إنّهم يجعلون له ولدًا، وهو يرزقهم ويعافيهم". وقد قال اللّه تعالى: {وكأيّن من قريةٍ أمليت لها وهي ظالمةٌ ثمّ أخذتها وإليّ المصير} [الحجّ: 48] وقال تعالى: {ولا تحسبنّ اللّه غافلا عمّا يعمل الظّالمون إنّما يؤخّرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار} [إبراهيم: 42] ولهذا قال هاهنا: {فويلٌ للّذين كفروا من مشهد يومٍ عظيمٍ} أي: يوم القيامة، وقد جاء في الحديث الصّحيح المتّفق على صحّته، عن عبادة بن الصّامت، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من شهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأنّ محمّدًا عبده ورسوله وأنّ عيسى عبد اللّه [ورسوله] وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، وأنّ الجنّة حقٌّ، والنّار حقٌّ، أدخله اللّه الجنّة على ما كان من العمل"). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 231-232]

تفسير قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظّالمون اليوم في ضلالٍ مبينٍ (38) وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلةٍ وهم لا يؤمنون (39) إنّا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون (40)}.
يقول تعالى مخبرًا عن الكفّار [يوم القيامة] أنّهم أسمع شيءٍ وأبصره كما قال تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا إنّا موقنون} [السّجدة:12] أي: يقولون ذلك حين لا ينفعهم ولا يجدي عنهم شيئًا، ولو كان هذا قبل معاينة العذاب، لكان نافعًا لهم ومنقذًا من عذاب اللّه، ولهذا قال: {أسمع بهم وأبصر} أي: ما أسمعهم وأبصرهم {يوم يأتوننا} يعني: يوم القيامة {لكن الظّالمون اليوم} أي: في الدّنيا {في ضلالٍ مبينٍ} أي: لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون، فحيث يطلب منهم الهدى لا يهتدون، ويكونون مطيعين حيث لا ينفعهم ذلك).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 232]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {وأنذرهم يوم الحسرة} أي: أنذر الخلائق يوم الحسرة، {إذ قضي الأمر} أي: فصل بين أهل الجنّة وأهل النّار، ودخل كلٌّ إلى ما صار إليه مخلّدًا فيه، {وهم} أي: اليوم {في غفلةٍ} عمّا أنذروا به {وهم لا يؤمنون} أي: لا يصدقون به.
قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ [الخدريّ] قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا دخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، يجاء بالموت كأنّه كبشٌ أملح، فيوقف بين الجنّة والنّار، فيقال: يا أهل الجنّة، هل تعرفون هذا؟ قال: "فيشرئبّون [فينظرون] ويقولون: نعم هذا الموت". قال: "فيقال: يا أهل النّار، هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبّون فينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت" قال: "فيؤمر به فيذبح" قال: "ويقال: يا أهل الجنّة، خلودٌ ولا موت، ويا أهل النّار خلودٌ ولا موت" قال: ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلةٍ} وأشار بيده قال: "أهل الدّنيا في غفلة الدّنيا".
هكذا رواه الإمام أحمد وقد أخرجه البخاريّ ومسلمٌ في صحيحيهما، من حديث الأعمش، به. ولفظهما قريبٌ من ذلك. وقد روى هذا الحديث الحسن بن عرفة: حدّثني أسباط بن محمّدٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة مرفوعا، مثله. وفي سنن ابن ماجه وغيره، من حديث محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة بنحوه وهو في الصّحيحين عن ابن عمر. ورواه ابن جريج قال: قال ابن عبّاسٍ: فذكر من قبله نحوه. ورواه أيضًا عن أبيه أنّه سمع عبيد بن عميرٍ يقول في قصصه: يؤتى بالموت كأنّه دابّةٌ، فيذبح والنّاس ينظرون وقال سفيان الثّوريّ، عن سلمة بن كهيل، حدّثنا أبو الزّعراء، عن عبد اللّه -هو ابن مسعودٍ-في قصّةٍ ذكرها، قال: فليس نفسٌ إلّا وهي تنظر إلى بيتٍ في الجنّة وبيتٍ في النّار، وهو يوم الحسرة. [فيرى أهل النار البيت الذي الّذي كان قد أعدّه اللّه لهم لو آمنوا، فيقال لهم: لو آمنتم وعملتم صالحًا، كان لكم هذا الّذي ترونه في الجنّة، فتأخذهم الحسرة] قال: ويرى أهل الجنّة البيت الّذي في النّار، فيقال: لولا أن منّ اللّه عليكم =
وقال السّدّيّ، عن زيادٍ، عن زرّ بن حبيش، عن ابن مسعودٍ في قوله: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر} قال: إذا دخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، أتي بالموت في صورة كبشٍ أملح، حتّى يوقف بين الجنّة والنّار، ثمّ ينادي منادٍ: يا أهل الجنّة، هذا الموت الّذي كان يميت النّاس في الدّنيا، فلا يبقى أحدٌ في أهل علّيّين ولا في أسفل درجةٍ في الجنّة إلّا نظر إليه، ثم ينادى: يا أهل النّار، هذا الموت الّذي كان يميت النّاس في الدّنيا، فلا يبقى أحدٌ في ضحضاحٍ من نارٍ ولا في أسفل دركٍ من جهنّم، إلّا نظر إليه، ثمّ يذبح بين الجنّة والنّار، ثمّ ينادى: يا أهل الجنّة، هو الخلود أبد الآبدين، ويا أهل النّار، هو الخلود أبد الآبدين، فيفرح أهل الجنّة فرحةً لو كان أحدٌ ميّتًا من فرحٍ ماتوا، ويشهق أهل النّار شهقةً لو كان أحدٌ ميّتًا من شهقةٍ ماتوا فذلك قوله: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر} يقول: إذا ذبح الموت. رواه ابن أبي حاتمٍ في تفسيره.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وأنذرهم يوم الحسرة} من أسماء يوم القيامة عظّمه اللّه وحذّره عباده.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {وأنذرهم يوم الحسرة} قال: يوم القيامة، وقرأ: {أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه} [الزّمر: 56]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 233-234]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إنّا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون} يخبر تعالى أنّه الخالق المالك المتصرّف، وأنّ الخلق كلّهم يهلكون ويبقى هو، تعالى وتقدّس ولا أحد يدّعي ملكا ولا تصرّفًا، بل هو الوارث لجميع خلقه، الباقي بعدهم، الحاكم فيهم، فلا تظلم نفسٌ شيئًا ولا جناح بعوضةٍ ولا مثقال ذرّةٍ.
قال ابن أبي حاتمٍ: ذكر هدبة بن خالدٍ القيسيّ: حدّثنا حزم بن أبي حزمٍ القطعي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرّحمن صاحب الكوفة: أمّا بعد، فإنّ اللّه كتب على خلقه حين خلقهم الموت، فجعل مصيرهم إليه، وقال فيما أنزل من كتابه الصّادق الّذي حفظه بعلمه، وأشهد ملائكته على خلقه: أنّه يرث الأرض ومن عليها، وإليه يرجعون).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 234]

رد مع اقتباس