عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 10 محرم 1436هـ/2-11-2014م, 10:57 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (بسم الله الرّحمن الرّحيم
{اقرأ باسم ربّك الّذي خلق * خلق الإنسان من علقٍ * اقرأ وربّك الأكرم * الّذي علّم بالقلم * علّم الإنسان ما لم يعلم}
قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة، قالت: أوّل ما بدئ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح، ثمّ حبّب إليه الخلاء.
فكان يأتي حراء فيتحنّث فيه - وهو التّعبّد الليالي ذوات العدد- ويتزوّد لذلك ثمّ يرجع إلى خديجة فتزوّده لمثلها، حتى فجأه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه فقال: اقرأ. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فقلت: ما أنا بقارئٍ».
قال: «فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئٍ، فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئٍ، فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق} حتّى بلغ {ما لم يعلم}».
قال: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: «زمّلوني زمّلوني». فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال: «يا خديجة، مالي» فأخبرها الخبر وقال: «قد خشيت على نفسي». فقالت له: كلاّ، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً؛ إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ.
ثمّ انطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى بن قصيٍّ، وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان امرأً تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ، وكتب بالعبرانيّة من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي.
فقالت خديجة: أي ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك. فقال ورقة: ابن أخي، ما ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما رأى، فقال ورقة: هذا النّاموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حيًّا حين يخرجك قومك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» فقال ورقة: نعم؛ لم يأت رجلٌ قطّ بما جئت به إلاّ عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزّراً. ثم لم ينشب ورقة أن توفّي.
وفتر الوحي فترةً حتى حزن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - فيما بلغنا - حزناً غدا منه مراراً كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلّما أوفى بذروة جبلٍ لكي يلقي نفسه منه تبدّى له جبريل فقال: يا محمد، إنّك رسول الله حقًّا. فيسكن بذلك جأشه، وتقرّ نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدّى له جبريل فقال له مثل ذلك.
وهذا الحديث مخرّجٌ في الصحيحين من حديث الزّهريّ. وقد تكلّمنا على هذا الحديث من جهة سنده ومتنه ومعانيه في أوّل شرحنا للبخاريّ مستقصًى، فمن أراده فهو هناك محرّرٌ، ولله الحمد والمنّة.
فأوّل شيءٍ نزل من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات، وهنّ أوّل رحمةٍ رحم الله بها العباد، وأوّل نعمةٍ أنعم بها عليهم، وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقةٍ، وأنّ من كرمه تعالى أن علّم الإنسان ما لم يعلم، فشرّفه وكرّمه بالعلم، وهو القدر الذي امتاز به أبو البريّة آدم على الملائكة.
والعلم تارةً يكون في الأذهان، وتارةً يكون في اللّسان، وتارةً يكون في الكتابة بالبنان، ذهنيٌّ ولفظيٌّ ورسميٌّ، والرّسميّ يستلزمهما من غير عكسٍ، فلهذا قال: {اقرأ وربّك الأكرم * الّذي علّم بالقلم * علّم الإنسان ما لم يعلم}.
وفي الأثر: قيّدوا العلم بالكتاب. وفيه أيضاً: من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يكن يعلم). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 436-437]

تفسير قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({كلّا إنّ الإنسان ليطغى * أن رّآه استغنى * إنّ إلى ربّك الرّجعى * أرأيت الّذي ينهى * عبدًا إذا صلّى * أرأيت إن كان على الهدى * أو أمر بالتّقوى * أرأيت إن كذّب وتولّى * ألم يعلم بأنّ اللّه يرى * كلّا لئن لّم ينته لنسفعًا بالنّاصية * ناصيةٍ كاذبةٍ خاطئةٍ * فليدع ناديه * سندع الزّبانية * كلّا لا تطعه واسجد واقترب}
يخبر تعالى عن الإنسان: أنه ذو فرحٍ وأشرٍ وبطرٍ وطغيانٍ إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله. ثمّ تهدّده وتوعّده ووعظه فقال: {إنّ إلى ربّك الرّجعى} أي: إلى الله المصير والمرجع، وسيحاسبك على مالك من أين جمعته؟ وفيم صرفته؟.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا زيد بن إسماعيل الصّائغ، حدّثنا جعفر بن عونٍ، حدّثنا أبو عميسٍ، عن عونٍ قال: قال عبد الله: «منهومان لا يشبعان: صاحب العلم وصاحب الدنيا، ولا يستويان، فأمّا صاحب العلم فيزداد رضى الرحمن، وأمّا صاحب الدنيا فيتمادى في الطّغيان».
قال: ثمّ قرأ عبد الله: {إنّ الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى} وقال للآخر: {إنّما يخشى الله من عباده العلماء}.
وقد روي هذا مرفوعاً إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «منهومان لا يشبعان: طالب علمٍ وطالب دنيا» ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 437-438]


رد مع اقتباس