عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 10 محرم 1436هـ/2-11-2014م, 10:57 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق * خلق الإنسان من علقٍ * اقرأ وربّك الأكرم * الّذي علّم بالقلم * علّم الإنسان ما لم يعلم * كلّا إنّ الإنسان ليطغى * أن رّآه استغنى * إنّ إلى ربّك الرّجعى * أرأيت الّذي ينهى * عبدًا إذا صلّى * أرأيت إن كان على الهدى * أو أمر بالتّقوى * أرأيت إن كذّب وتولّى * ألم يعلم بأنّ اللّه يرى * كلّا لئن لّم ينته لنسفعًا بالنّاصية * ناصيةٍ كاذبةٍ خاطئةٍ * فليدع ناديه * سندع الزّبانية * كلّا لا تطعه واسجد واقترب}
في صحيح البخاريّ من حديث عائشة رضي اللّه عنها قالت: (أوّل ما بدئ به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصّبح، ثمّ حبّب إليه التّحنّث في غار حراء، فكان يخلو فيه فيتحنّث فيه الليالي ذوات العدد، ثمّ ينصرف، حتّى جاءه الملك وهو في غار حراءٍ، فقال له: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئٍ». قال: فأخذني فغطّني، ثمّ كذلك ثلاث مرّاتٍ، فقال له في الثالثة: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق * خلق الإنسان من علقٍ}… إلى قوله تعالى: {ما لم يعلم}. قالت: فرجع بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ترجف بوادره) الحديث بطوله.
ومعنى هذه الآية: اقرأ هذا القرآن باسم ربّك، أي: ابدأ فعلك بذكر اسم اللّه، كما قال تعالى: {وقال اركبوا فيها باسم اللّه}. هذا وجهٌ.
ووجهٌ آخر في كتاب الثعلبيّ، أن المعنى: اقرأ في أول كلّ سورةٍ وقراءةٍ: (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم). ووجهٌ آخر أن يكون المقروء الذي أمر بقراءته هو {باسم ربّك الّذي خلق}، كأنه قال له: اقرأ هذه اللفظة.
ولمّا ذكر تعالى (الرّبّ)، وكانت العرب في الجاهلية تسمّي الأصنام أربابًا - جاء بالصفة التي لا شركة للأصنام فيها، وهي قوله تعالى: {الّذي خلق}). [المحرر الوجيز: 8/ 651-652]

تفسير قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثمّ مثّل لهم من المخلوقات ما لا مدافعة فيه، وما يجده كلّ مفطورٍ في نفسه، فقال تعالى: {خلق الإنسان من علقٍ}. وخلقة الإنسان من أعظم العبر، حتى إنه ليس في المخلوقات التي لدينا أكثر عبرًا منه؛ في عقله، وإدراكه، ورباطات بدنه وعظمه.
و(العلق) جمع علقةٍ، وهي القطعة اليسيرة من الدّم.
و(الإنسان) ـ هنا ـ اسم الجنس، ويمشي الذّهن معه إلى جميع الحيوان، وليست الإشارة إلى آدم عليه السلام؛ لأنه مخلوقٌ من طينٍ، ولم يكن ذلك مقرّرًا عند المخاطبين بهذه الآية، فلذلك ترك أصل الخلقة وسيق لهم الفرع الذي هم به مقرّون؛ تقريبًا لأفهامهم). [المحرر الوجيز: 8/ 652]

تفسير قوله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم قال تعالى له: {اقرأ وربّك الأكرم} على جهة التأنيس، كأنه تعالى يقول: امض لما أمرت به، وربّك ليس كهذه الأرباب، بل هو الأكرم الذي لا يلحقه نقصٌ، فهو ينصرك ويظهرك). [المحرر الوجيز: 8/ 653]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثمّ عدّد تعالى نعمة الكتاب بالقلم على الناس، وهي موضع عبرةٍ، وأعظم منفعةٍ في المخاطبات وتخليد المعارف). [المحرر الوجيز: 8/ 653]

تفسير قوله تعالى: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {علّم الإنسان ما لم يعلم} قيل: المراد محمّدٌ عليه الصلاة والسلام. وقيل: اسم الجنس. وهو الأظهر. وعدّد تعالى نعمة اكتساب المعارف للإنسان بعد جهله بها). [المحرر الوجيز: 8/ 653]

تفسير قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {كلاّ إنّ الإنسان ليطغى} الآية، نزل بعد مدّةٍ في شأن أبي جهل بن هشامٍ؛ وذلك أنه طغى؛ لغناه، ولكثرة من يغشى ناديه من الناس، فناصب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم العداوة، ونهاه عن الصلاة في المسجد، ويروى أنه قال: لئن رأيت محمّدًا يسجد عند الكعبة لأطأنّ على عنقه. فيروى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ردّ عليه القول وانتهره، فقال أبو جهلٍ: أيتوعّدني محمّدٌ! وواللّه ما بالوادي أعظم ناديًا منّي.
وروي أيضًا أنه جاء والنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي، وهمّ بأن يصل إليه ويمنعه من الصلاة، ثمّ كعّ عنه وانصرف، فقيل له: ما هذا؟! فقال: لقد اعترض بيني وبينه خندقٌ من نارٍ وهولٌ وأجنحةٌ.
ويروى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لو دنا منّي لأخذته الملائكة عيانًا».
فهذه السورة من قوله تعالى: {كلاّ} إلى آخرها نزلت في أبي جهلٍ.
و{كلاّ} هي ردٌّ على أقوال أبي جهلٍ وأفعاله، ويتّجه أن تكون بمعنى (حقًّا)، فهي تثبيتٌ لما بعدها من القول.
و(الطّغيان) تجاوز الحدود الجميلة.
و(الغنى) مطغٍ، إلاّ من عصم اللّه تعالى.
والضمير في {رآه} للإنسان المذكور، كأنه قال: أن رأى نفسه غنيًّا، وهي رؤية قلبٍ تقرب من العلم، وكذلك جاز أن يعمل فيها فعل الفاعل في نفسه، كما تقول: وجدتّني وظننتني. ولا يجوز أن تقول: ضربتني.
وقرأ الجمهور: {أن رآه} بالمدّ على وزن (رعاه)، واختلفوا في الإمالة وتركها، وقرأ ابن كثيرٍ - من طريق قنبلٍ -: (أن رأه) دون مدٍّ، على وزن (رعه) على حذف لام الفعل، وذلك تخفيفٌ). [المحرر الوجيز: 8/ 653-654]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثمّ حقّر تعالى غنى هذا الإنسان وحاله بقوله تعالى: {إنّ إلى ربّك الرّجعى} أي: الحشر والبعث يوم القيامة.
و(الرّجعى) مصدرٌ كالرجوع، وهو على وزن العقبى، ونحوه، وفي هذا الخبر وعيدٌ للطاغين من الناس). [المحرر الوجيز: 8/ 654]


رد مع اقتباس