عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 18 محرم 1439هـ/8-10-2017م, 02:00 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

أقسام أمثال القرآن:

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وقد قسّم أهل العلم أمثال القرآن إلى أمثال صريحة وأمثال كامنة.
- فالأمثال الصريحة
هي التي يصرّح فيها بلفظ المثل، كقول الله تعالى: {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون} فهذه الآية صُرِّحَ فيها بلفظ المثل؛ فهو مثل صريح.

- والأمثال الكامنة هي التي تفيد معنى المثل من غير تصريح بلفظه.
فليس كل مثل في القرآن يصرح فيه بلفظ المثل؛ فإذا ذكر الله عزّ وجلّ
خبراً من الأخبار أو قصة من القصص أو المشتملة على مقصد ووصف لعمل وبيان لجزائه؛ فإنَّ هذا مَثَلٌ قد اكتملت أركانُه، فمن فعَل فعْل أولئك فإنَّه ينالُ من جنس جزائهم؛ ولو لم يصرَّح فيه بلفظ المثل، ومما يدلّ على ذلك قول الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)} فسمّى ما ذكره في صدر الآية مَثَلاً مع عدم ورود لفظ المثل فيه.
ومن أكثر من أفاض في ذكر الأمثال الكامنة في القرآن الزركشيُّ في كتابه «البرهان في علوم القرآن»، وفقه أمثال القرآن من العلوم المهمة لطالب علم التفسير.
والمقصود هنا التنبيه إلى أنّ من أصول الاهتداء بالقرآن عقلُ أمثاله، وأن أمثال القرآن كثيرة كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)}
وأنّ أمثال القرآن تفيد المؤمن بأنواع من البصائر والبيّنات، والتنبيهات على العلل والنظائر، والإرشاد إلى أحسن السبل وأيسرها؛ والتبصير بالعواقب والمآلات فوائد جليلة عظيمة النفع لمن عقلها وفقه مقاصدها واتّبع الهدى.
وضرب الأمثال من أحسن من وسائل التعليم؛ لأنّ المثل يقرِّب المعانيَ الكثيرة بألفاظ وجيزة؛ يسهل تصوّرها واعتبارها؛ وتظهر كثيراً من حِكَم الأمرِ والتقدير؛ ويتبصّر بها المؤمن فيفقه مقاصدها؛ ويعرف إرشادها؛ فتثمر في قلبه ما تثمر من المعرفة الحسنة والتصديق الحسن والخشية والإنابة والرغبة والرهبة واليقين؛ وكل ذلك يورثه زكاة نفسه وطهارة قلبه وصلاح عمله وحسن عاقبته بإذن الله تعالى.

فإذا قرأ مثلا قول الله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)}
فهذا المثل من تدبّره وتفكّر فيه تبيّن له من دلائل توحيد الله عزّ وجلّ وبطلان الشرك ما يزداد به إيمانه ويعظم يقينه، وتبيّن له أن سبب الشرك ضعف المعرفة بالله تعالى وسوء الظنّ به جلّ وعلا، فيثمر له هذا التبيّن صلاحاً يجد أثره في قلبه، ويظهر على جوارحه، ويزداد به يقيناً بالله تعالى، وبصيرة في دينه.

والمقصود أن عقل الأمثال من أعظم أسباب الاهتداء بالقرآن؛ وهو معنى واسع جداً؛ لأن الله قد ضرب في القرآن من كلّ مثل؛ فما من أمر من أمور الدين يحتاجها المؤمن إلا وفي القرآن من الأمثال المضروبة المبيّنة للهدى فيها ما يكفي ويشفي.
وقد قيل: (ما كسب أحد شيئاً أفضل من عقل يهديه إلى هدى أو يردّه عن رَدَى).
وهذا المعنى مستغنى عنه بما بيّنه الله تعالى في كتابه عن الكفار بقوله: {وقالوا لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السعير}.
وهم قد أتتهم البيّنات، وعرفوا الحجّة وتبيّنوها واستيقنتها أنفسهم، ومع ذلك لم يعقلوا؛ فتبين بذلك أن عقل الأمثال ليس مجرد معرفة معانيها، وقد قال الله عز وجل: {وما يعقلها إلا العالمون} وفرق بين كلمة يعقلها وبين يفهمها.

أما الأصلان الثالث والرابع فهما فعل الأوامر واجتناب النواهي، وبهما يتحقق معنى التقوى، وتحصل الاستقامة؛ فإنّ الله تعالى قد أمر بما فيه الخير والصلاح ، ونهى عمّا فيه الشرّ والفساد؛ فمن أطاع الله بأن امتثل ما أمر الله به في كتابه واجتنب ما نهى عنه؛ فإنّه يُهدى بطاعته وإيمانه؛ ولا يزال يزداد من الهداية كلما ازداد طاعة لله تعالى وإيماناً به حتى يكتبه الله من المهتدين، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)}
وكثيراً ما يقرن الله تعالى في القرآن الكريم الإيمانَ بعمل الصالحات، {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ}، {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} إلى غير ذلك من الآيات التي تبيّن للمسلم أنه لا بدّ من الجمع بين الإيمان وعمل الصالحات.
وعمل الصالحات يشمل فعل المأمور به ، وترك المنهيّ عنه؛ وهما قوام الموعظة؛ فإنّ الموعظة ترغيب وترهيب يتضمّنان أمراً ونهياً؛ وقد قال الله تعالى في المنافقين:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)}.
وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)}
والطاعة تشمل فعل المأمور به وترك المنهي عنه، والكفّ عن المحرّمات من أعظم أسباب وقاية العذاب والسلامة من الضلال؛ كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}
وقال تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}

والاهتداء بالقرآن واجبٌ لأنّ تركه يوقع العبد في الضلال وما يترتّب عليه من سخط الله وعقابه، وقد قال الله تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}
وأمر الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يقول: { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)}.
ومعرفةُ طالب العلم بما يتحقق به الاهتداء بالقرآن وتقرير ذلك بأدلَّتِه أمرٌ مهم جداً.

سؤال: هل صلاح الباطن شرط في الانتفاع بالقرآن؟
جواب: الإيمان شرط في الانتفاع بالقرآن، وكلما كان الإنسان أعظم إيماناً كان انتفاعه أعظم؛ لأن صلاح الباطن إذا كان المراد به مرتبة ما يسمى به المرء صالحاً من الصالحين؛ واشترط هذا الوصف للانتفاع بالقرآن لحُرم من الانتفاع بالقرآن كثير من المسلمين؛ والصواب أن يقال بما دلّت عليه النصوص من أن شرط الانتفاع بالقرآن هو الإيمان، فإذا كان الإيمان صحيحاً انتفع صاحبه بالقرآن، ثم كلما ازداد العبد إيمانا كان انتفاعه بالقرآن أعظم كما قال الله تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}). [الإيمان بالقرآن:24 - 28]


رد مع اقتباس