عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 05:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({من يطع الرّسول فقد أطاع اللّه ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظًا (80) ويقولون طاعةٌ فإذا برزوا من عندك بيّت طائفةٌ منهم غير الّذي تقول واللّه يكتب ما يبيّتون فأعرض عنهم وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلا (81)}
يخبر تعالى عن عبده ورسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّه من أطاعه فقد أطاع اللّه، ومن عصاه فقد عصى اللّه، وما ذاك إلّا لأنّه ما ينطق عن الهوى، إن هو إلّا وحيٌ يوحى.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنان، حدّثنا أبو معاوية حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من أطاعني فقد أطاع اللّه، ومن عصاني فقد عصى اللّه ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني".
وهذا الحديث ثابتٌ في الصّحيحين، عن الأعمش به
وقوله: {ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظًا} أي: لا عليك منه، إن عليك إلّا البلاغ فمن تبعك سعد ونجا، وكان لك من الأجر نظير ما حصل له، ومن تولّى عنك خاب وخسر، وليس عليك من أمره شيءٌ، كما جاء في الحديث: "من يطع اللّه ورسوله فقد رشد، ومن يعص اللّه ورسوله فإنّه لا يضرّ إلّا نفسه"). [تفسير القرآن العظيم: 2/363-364]


تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ويقولون طاعةٌ} يخبر تعالى عن المنافقين بأنّهم يظهرون الموافقة والطّاعة {فإذا برزوا من عندك} أي: خرجوا وتواروا عنك {بيّت طائفةٌ منهم غير الّذي تقول} أي: استسرّوا ليلًا فيما بينهم بغير ما أظهروه. فقال تعالى: {واللّه يكتب ما يبيّتون} أي: يعلمه ويكتبه عليهم بما يأمر به حفظته الكاتبين، الّذين هم موكّلون بالعباد. يعلمون ما يفعلون. والمعنى في هذا التّهديد، أنّه تعالى أخبر بأنّه عالمٌ بما يضمرونه ويسرّونه فيما بينهم، وما يتّفقون عليه ليلًا من مخالفة الرّسول وعصيانه، وإن كانوا قد أظهروا له الطّاعة والموافقة، وسيجزيهم على ذلك. كما قال تعالى: {ويقولون آمنّا بالله وبالرّسول وأطعنا [ثمّ يتولّى فريقٌ منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين]} [النّور: 47].
وقوله: {فأعرض عنهم} أي: اصفح عنهم واحلم عليهم ولا تؤاخذهم، ولا تكشف أمورهم للنّاس، ولا تخف منهم أيضًا {وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلا} أي: كفى به وليًّا وناصرًا ومعينًا لمن توكّل عليه وأناب إليه). [تفسير القرآن العظيم: 2/364]

تفسير قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا (82) وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتّبعتم الشّيطان إلا قليلا (83)}
يقول تعالى آمرًا عباده بتدبّر القرآن، وناهيًا لهم عن الإعراض عنه، وعن تفهّم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، ومخبرًا لهم أنّه لا اختلاف فيه ولا اضطراب، ولا تضادّ ولا تعارض؛ لأنّه تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ، فهو حقٌّ من حقٍّ؛ ولهذا قال تعالى: {أفلا يتدبّرون القرآن [أم على قلوبٍ أقفالها]} [محمّدٍ: 24] ثمّ قال: {ولو كان من عند غير اللّه} أي: لو كان مفتعلًا مختلقًا، كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم {لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا} أي: اضطرابًا وتضادًّا كثيرًا. أي: وهذا سالمٌ من الاختلاف، فهو من عند اللّه. كما قال تعالى مخبرا عن الراسخين في العلم حيث قالوا: {آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا} [آل عمران:7] أي: محكمه ومتشابهه حقٌّ؛ فلهذا ردّوا المتشابه إلى المحكم فاهتدوا، والّذين في قلوبهم زيغٌ ردّوا المحكم إلى المتشابه فغووا؛ ولهذا مدح تعالى الرّاسخين وذمّ الزّائغين.
قال الإمام أحمد: حدّثنا أنس بن عياضٍ، حدّثنا أبو حازمٍ عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسًا ما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم، أقبلت أنا وأخي وإذا مشيخةٌ من صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على بابٍ من أبوابه، فكرهنا أن نفرّق بينهم، فجلسنا حجرة، إذ ذكروا آيةً من القرآن، فتماروا فيها حتّى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مغضبًا حتّى احمرّ وجهه، يرميهم بالتّراب، ويقول: "مهلًا يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضًا، بل يصدّق بعضه بعضًا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه".
وهكذا رواه أيضًا عن أبي معاوية، عن داود بن أبي هندٍ، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جده قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات يومٍ، والنّاس يتكلّمون في القدر، فكأنّما يفقأ في وجهه حبّ الرّمان من الغضب، فقال لهم: "ما لكم تضربون كتاب اللّه بعضه ببعضٍ؟ بهذا هلك من كان قبلكم". قال: فما غبطت نفسي بمجلسٍ فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم أشهده ما غبطت نفسي بذلك المجلس، أنّي لم أشهده.
ورواه ابن ماجه من حديث داود بن أبي هندٍ، به نحوه.
وقال أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن أبي عمران الجوني قال: كتب إليّ عبد اللّه بن رباح، يحدّث عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: هجّرت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا، فإنّا لجلوسٌ إذ اختلف اثنان في آيةٍ، فارتفعت أصواتهما فقال: "إنّما هلكت الأمم قبلكم باختلافهم في الكتاب" ورواه مسلمٌ والنّسائيّ، من حديث حمّاد بن زيدٍ، به). [تفسير القرآن العظيم: 2/364-365]

رد مع اقتباس