عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 06:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) }.
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ فأولئك يتوب اللّه عليهم وكان اللّه عليمًا حكيمًا (17) وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا (18) }.
يقول تعالى: {إنّما يتقبّل اللّه التّوبة ممّن عمل السّوء بجهالةٍ}، ثمّ يتوب ولو قبل معاينة الملك لقبض روحه قبل الغرغرة.
قال مجاهدٌ وغير واحدٍ:
«كلّ من عصى اللّه خطأً أو عمدًا فهو جاهلٌ حتّى ينزع عن الذّنب».
وقال قتادة عن أبي العالية:
«أنّه كان يحدّث أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: كلّ ذنبٍ أصابه عبدٌ فهو بجهالةٍ». رواه ابن جريرٍ.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن قتادة قال:
« اجتمع أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فرأوا أنّ كلّ شيءٍ عصي به فهو جهالةٌ، عمدًا كان أو غيره ».
وقال ابن جريج: أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ قال:
«كلّ عاملٍ بمعصية اللّه فهو جاهلٌ حين عملها ». قال ابن جريجٍ: وقال لي عطاء بن أبي رباح نحوه.
وقال أبو صالحٍ عن ابن عبّاسٍ:
« من جهالته عمل السّوء».
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ {ثمّ يتوبون من قريبٍ} قال:
« ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت»، وقال الضّحّاك: «ما كان دون الموت فهو قريبٌ ». وقال قتادة والسّدّيّ: «ما دام في صحّته ». وهو مرويٌ عن ابن عبّاسٍ. وقال الحسن البصريّ: {ثمّ يتوبون من قريبٍ} «ما لم يغرغر». وقال عكرمة: «الدّنيا كلّها قريبٌ ».
ذكر الأحاديث في ذلك:
قال الإمام أحمد: حدّثنا عليّ بن عيّاش وعصام بن خالدٍ، قالا حدّثنا ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحولٍ، عن جبير بن نفير عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«إنّ اللّه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ».
و رواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث عبد الرّحمن بن ثابت بن ثوبان، به وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ. ووقع في سنن ابن ماجه: عن عبد اللّه بن عمرو. وهو وهم، إنّما هو عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب.
حديثٌ آخر عن ابن عمر: قال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا محمّد بن معمرٍ حدّثنا عبد اللّه بن الحسن الخراسانيّ، حدّثنا يحيى بن عبد اللّه البابلتّيّ حدّثنا أيّوب بن نهيك الحلبيّ قال: سمعت عطاء بن أبي رباحٍ قال: سمعت عبد اللّه بن عمر، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول:
«ما من عبدٍ مؤمن يتوب قبل الموت بشهرٍ إلّا قبل اللّه منه، وأدنى من ذلك، وقبل موته بيومٍ وساعةٍ، يعلم اللّه منه التّوبة والإخلاص إليه إلّا قبل منه ».
حديثٌ آخر: قال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا شعبة، أخبرنا إبراهيم بن ميمونٍ، أخبرني رجلٌ من ملحان يقال له: أيّوب -قال: سمعت عبد اللّه بن عمر يقول:
« من تاب قبل موته بعامٍ تيب عليه، ومن تاب قبل موته بشهرٍ تيب عليه، ومن تاب قبل موته بجمعةٍ تيب عليه، ومن تاب قبل موته بيومٍ تيب عليه، ومن تاب قبل موته بساعةٍ تيب عليه. فقلت له: إنّما قال اللّه: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ} فقال: إنّما أحدّثك ما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ».
وهكذا رواه أبو داود الطّيالسيّ، وأبو عمر الحوضي، وأبو عامرٍ العقدي، عن شعبة.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا حسين بن محمّدٍ، حدّثنا محمّد بن مطرّف، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرّحمن بن البيلماني قال:
«اجتمع أربعةٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال أحدهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إنّ اللّه يقبل توبة العبد قبل أن يموت بيومٍ ». فقال الآخر: أنت سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعم. قال: وأنا سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بنصف يومٍ»فقال الثّالث: أنت سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعم. قال: وأنا سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إنّ اللّه يقبل توبة العبد قبل أن يموت بضحو ». قال الرّابع: أنت سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعم. قال وأنا سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إنّ اللّه تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر بنفسه ». وقد رواه سعيد بن منصورٍ عن الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرّحمن بن البيلمانيّ فذكر قريبًا منه.
حديثٌ آخر: قال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيدٍ، حدّثنا عمران بن عبد الرّحيم، حدّثنا عثمان بن الهيثم، حدّثنا عوف، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«إنّ اللّه يقبل توبة عبده ما لم يغرغر ».
أحاديث في ذلك مرسلةٌ:
قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن عوف، عن الحسن قال:بلغني أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال:
« إنّ اللّه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر » هذا مرسلٌ حسنٌ. عن الحسن البصريّ، رحمه اللّه.
آخر: قال ابن جريرٍ أيضًا، رحمه اللّه: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا معاذ بن هشامٍ، حدّثني أبي، عن قتادة، عن العلاء بن زيادٍ، عن أبي أيّوب بشير بن كعبٍ؛ أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«إنّ اللّه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ».
وحدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا عبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن عبادة بن الصّامت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال، فذكر مثله.
أثرٌ آخر: قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا أبو داود، حدّثنا عمران، عن قتادة قال: كنا عند أنس بن مالكٍ وثمّ أبو قلابة، فحدّث أبو قلابة فقال: إنّ اللّه تعالى لمّا لعن إبليس سأله النّظرة فقال: وعزّتك وجلالك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الرّوح. فقال اللّه:
«وعزّتي لا أمنعه التّوبة ما دام فيه الرّوح».
وقد ورد هذا في حديثٍ مرفوعٍ، رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرٍو وأبي الهيثم العتواري كلاهما عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«قال إبليس: وعزّتك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال اللّه عزّ وجلّ: «وعزّتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني »».
فقد دلّت هذه الأحاديث على أنّ من تاب إلى اللّه عزّ وجلّ وهو يرجو الحياة، فإنّ توبته مقبولةٌ منه ؛ ولهذا قال تعالى: {فأولئك يتوب اللّه عليهم وكان اللّه عليمًا حكيمًا} فأمّا متى وقع الإياس من الحياة، وعاين الملك، وحشرجت الرّوح في الحلق، وضاق بها الصّدر، وبلغت الحلقوم، وغرغرت النّفس صاعدةً في الغلاصم -فلا توبة متقبّلةٌ حينئذٍ، ولات حين مناصٍ؛ ولهذا قال تعالى {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/235-238]

تفسير قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) }.
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن} وهذا كما قال تعالى: {فلمّا رأوا بأسنا قالوا آمنّا باللّه وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين. فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا} الآيتين، وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشّمس طالعةً من مغربها كما قال تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا}.
وقوله: {ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ} الآية يعني: أنّ الكافر إذا مات على كفره وشركه لا ينفعه ندمه ولا توبته، ولا يقبل منه فديةٌ ولو بملء الأرض ذهبًا.
قال ابن عبّاسٍ، وأبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ: {ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ} قالوا:
«نزلت في أهل الشّرك».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا سليمان بن داود، حدّثنا عبد الرّحمن بن ثابت بن ثوبان، قال: حدّثني أبي، عن مكحولٍ: أنّ عمر بن نعيمٍ حدّثه عن أسامة بن سلمان: أنّ أبا ذرٍّ حدّثهم: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:«إنّ اللّه يقبل توبة عبده -أو يغفر لعبده-ما لم يقع الحجاب
»
. قيل: وما وقوع الحجاب؟ قال:
«أن تخرج النّفس وهي مشركة » ؛ ولهذا قال تعالى: {أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا} أي: « موجعا شديدا مقيما »).[تفسير القرآن العظيم: 2/238]


رد مع اقتباس