عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 11:30 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {كان النّاس أمّةً واحدةً فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغيًا بينهم فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ (213)}
قال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا أبو داود، أخبرنا همّام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «كان بين نوحٍ وآدم عشرة قرونٍ، كلّهم على شريعةٍ من الحقّ. فاختلفوا، فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين». قال: وكذلك هي في قراءة عبد اللّه: "كان النّاس أمّةً واحدةً فاختلفوا". ورواه الحاكم في مستدركه، من حديث بندار عن محمّد بن بشّارٍ. ثمّ قال: صحيحٌ ولم يخرّجاه.
وكذا روى أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: أنّه كان يقرؤها: "كان النّاس أمّةً واحدةً فاختلفوا فبعث اللّه النّبيّيّن مبشّرين ومنذرين".
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: {كان النّاس أمّةً واحدةً} قال: «كانوا على الهدى جميعًا، "فاختلفوا فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين منذرين" فكان أوّل نبي بعث نوحًا». وهكذا قال مجاهدٌ، كما قال ابن عبّاسٍ أوّلًا.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {كان النّاس أمّةً واحدةً} يقول: «كانوا كفّارًا {فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين}»
والقول الأوّل عن ابن عبّاسٍ أصحّ سندًا ومعنًى؛ لأنّ النّاس كانوا على ملّة آدم، عليه السّلام، حتّى عبدوا الأصنام، فبعث اللّه إليهم نوحًا، عليه السّلام، فكان أوّل رسولٍ بعثه اللّه إلى أهل الأرض.
ولهذا قال: {وأنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغيًا بينهم} أي: من بعد ما قامت عليهم الحجج وما حملهم على ذلك إلّا البغي من بعضهم على بعضٍ، {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}
وقال عبد الرّزّاق: حدّثنا معمر، عن سليمان الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة في قوله: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه} قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «نحن الآخرون الأوّلون يوم القيامة، نحن أوّل النّاس دخولًا الجنّة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهدانا اللّه لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فهدانا له فالنّاس لنا فيه تبعٌ، فغدًا لليهود، وبعد غدٍ للنّصارى». ثمّ رواه عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة.
وقال ابن وهبٍ، عن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه في قوله: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه} «فاختلفوا في يوم الجمعة، فاتّخذ اليهود يوم السّبت، والنّصارى يوم الأحد. فهدى اللّه أمّة محمّدٍ ليوم الجمعة. واختلفوا في القبلة؛ فاستقبلت النّصارى المشرق، واليهود بيت المقدس، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ للقبلة. واختلفوا في الصّلاة؛ فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلّي وهو يتكلّم، ومنهم من يصلّي وهو يمشي، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ للحقّ من ذلك. واختلفوا في الصّيام، فمنهم من يصوم بعض النّهار، ومنهم من يصوم عن بعض الطّعام، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ للحقّ من ذلك. واختلفوا في إبراهيم، عليه السّلام، فقالت اليهود: كان يهوديًّا، وقالت النّصارى: كان نصرانيًّا، وجعله اللّه حنيفًا مسلمًا، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ للحقّ من ذلك. واختلفوا في عيسى، عليه السّلام، فكذّبت به اليهود، وقالوا لأمّه بهتانًا عظيمًا، وجعلته النّصارى إلهًا وولدًا، وجعله اللّه روحه، وكلمته، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم للحقّ من ذلك».
وقال الرّبيع بن أنسٍ في قوله:«{فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه} أي: عند الاختلاف أنّهم كانوا على ما جاءت به الرّسل قبل الاختلاف، أقاموا على الإخلاص للّه عزّ وجلّ وحده، وعبادته لا شريك له، وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة، فأقاموا على الأمر الأوّل الذي كان قبل الاختلاف، واعتزلوا الاختلاف، وكانوا شهداء على النّاس يوم القيامة شهودًا على قوم نوحٍ، وقوم هودٍ، وقوم صالحٍ، وقوم شعيبٍ، وآل فرعون، أنّ رسلهم قد بلّغوهم، وأنّهم قد كذّبوا رسلهم».
وفي قراءة أبيّ بن كعبٍ: "وليكونوا شهداء على النّاس يوم القيامة، واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ"، وكان أبو العالية يقول: «في هذه الآية المخرج من الشّبهات والضّلالات والفتن».
وقوله: {بإذنه} أي: بعلمه، بما هداهم له. قاله ابن جريرٍ: {واللّه يهدي من يشاء} أي: من خلقه {إلى صراطٍ مستقيمٍ} أي: وله الحكم والحجّة البالغة. وفي صحيح البخاريّ ومسلمٍ عن عائشة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا قام من اللّيل يصلّي يقول: «اللّهمّ، ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشّهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك، إنّك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ». وفي الدّعاء المأثور: «اللّهمّ، أرنا الحقّ حقّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا ووفّقنا لاجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضلّ، واجعلنا للمتّقين إمامًا» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 569-571]


تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ (214)}
يقول تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة} قبل أن تبتلوا وتختبروا وتمتحنوا، كما فعل بالّذين من قبلكم من الأمم؛ ولهذا قال: {ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء} وهي: الأمراض؛ والأسقام، والآلام، والمصائب والنّوائب.
قال ابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، وأبو العالية، ومجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، ومرّة الهمداني، والحسن، وقتادة، والضّحّاك، والرّبيع، والسّدّيّ، ومقاتل بن حيّان: «{البأساء} الفقر». قال ابن عبّاسٍ:«{والضّرّاء} السّقم».
{وزلزلوا} خوفًا من الأعداء زلزالا شديدًا، وامتحنوا امتحانًا عظيمًا، كما جاء في الحديث الصّحيح عن خبّاب بن الأرتّ قال:« قلنا: يا رسول اللّه، ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو اللّه لنا؟ فقال: «إنّ من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه، لا يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، لا يصرفه ذلك عن دينه». ثمّ قال: «واللّه ليتمّنّ اللّه هذا الأمر حتّى يسير الرّاكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلّا اللّه والذّئب على غنمه، ولكنّكم قومٌ تستعجلون».
وقال اللّه تعالى: {الم* أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون* ولقد فتنّا الّذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الّذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين} [العنكبوت: 1 -3].
وقد حصل من هذا جانبٌ عظيمٌ للصّحابة، رضي اللّه عنهم، في يوم الأحزاب، كما قال اللّه تعالى: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون باللّه الظّنونا* هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدًا* وإذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ ما وعدنا اللّه ورسوله إلا غرورًا} الآيات [الأحزاب: 10 -12].
ولمّا سأل هرقل أبا سفيان: هل قاتلتموه؟ قال: نعم. قال: فكيف كان الحرب بينكم؟ قال: سجالا يدال علينا وندال عليه. قال: كذلك الرّسل تبتلى، ثمّ تكون لها العاقبة .
وقوله: {مثل الّذين خلوا من قبلكم} أي: سنّتهم. كما قال تعالى: {فأهلكنا أشدّ منهم بطشًا ومضى مثل الأوّلين} [الزّخرف: 8].
وقوله: {وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه} أي: يستفتحون على أعدائهم، ويدعون بقرب الفرج والمخرج، عند ضيق الحال والشّدّة. قال اللّه تعالى: {ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ} كما قال: {فإنّ مع العسر يسرًا إنّ مع العسر يسرًا} [الشّرح: 5، 6].
وكما تكون الشّدّة ينزل من النّصر مثلها؛ ولهذا قال تعالى: {ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ} وفي حديث أبي رزين: «عجب ربّك من قنوط عباده، وقرب غيثه فينظر إليهم قنطين، فيظلّ يضحك، يعلم أنّ فرجهم قريبٌ» الحديث). [تفسير ابن كثير: 1/ 571-572]

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل وما تفعلوا من خيرٍ فإنّ اللّه به عليمٌ (215)}
قال مقاتل بن حيّان: «هذه الآية في نفقة التّطوّع». وقال السّدّيّ: «نسختها الزّكاة». وفيه نظرٌ. ومعنى الآية: يسألونك كيف ينفقون؟ قاله ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ، فبيّن لهم تعالى ذلك، فقال: {قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل} أي: اصرفوها في هذه الوجوه. كما جاء في الحديث: «أمّك وأباك، وأختك وأخاك، ثمّ أدناك أدناك». وتلا ميمون بن مهران هذه الآية، ثمّ قال: «هذه مواضع النّفقة ما ذكر فيها طبلًا ولا مزمارًا، ولا تصاوير الخشب، ولا كسوة الحيطان».
ثمّ قال تعالى: {وما تفعلوا من خيرٍ فإنّ اللّه به عليمٌ} أي: مهما صدر منكم من فعل معروفٍ، فإنّ اللّه يعلمه، وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء؛ فإنّه لا يظلم أحدًا مثقال ذرّة). [تفسير ابن كثير: 1/ 572]


رد مع اقتباس