عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) )

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرّسول لوجدوا الله توّابًا رحيمًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن مسعر، عن معن بن عبد الرّحمن، عن أبيه قال: قال عبد اللّه: إنّ في النّساء لخمس آياتٍ ما يسرّني بهنّ الدّنيا وما فيها، وقد علمت أنّ العلماء إذا مرّوا بها يعرفونها: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلًا كريمًا}، وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا}، و {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء...} الآية، {ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا}، {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد الله غفورًا رحيمًا}). [سنن سعيد بن منصور: 4/1297]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع بإذن الله} قال: لا يطيعهم أحدٌ إلا بإذن اللّه). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 86]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما أرسلنا من رسولٍ إلاّ ليطاع بإذن اللّه ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: لم نرسل يا محمّد رسولاً إلاّ فرضت طاعته على من أرسلته إليه، يقول تعالى ذكره: فأنت يا محمّد من الرّسل الّذين فرضت طاعتهم على من أرسلته إليه.
وإنّما هذا من اللّه توبيخٌ للمحتكمين من المنافقين الّذين كانوا يزعمون أنّهم يؤمنون بما أنزل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيما اختصموا فيه إلى الطّاغوت، صدودًا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. يقول لهم تعالى ذكره: ما أرسلت رسولاً إلاّ فرضت طاعته على من أرسلته إليه، فمحمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم من أولئك الرّسل، فمن ترك طاعته والرّضا بحكمه واحتكم إلى الطّاغوت، فقد خالف أمري وضيّع فرضي. ثمّ أخبر جلّ ثناؤه أنّ من أطاع رسله فإنّما يطيعهم بإذنه، يعني بتقديره ذلك وقضائه السّابق في علمه ومشيئته. كما:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شبلٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله, في قول اللّه: {إلاّ ليطاع بإذن اللّه} واجبٌ لهم أن يطيعه من شاء اللّه، ولا يطيعهم أحدٌ إلا بإذن اللّه.
وإنّما هذا تعريضٌ من اللّه تعالى ذكره لهؤلاء المنافقين بأنّ تركهم طاعة اللّه وطاعة رسوله والرّضا بحكمه، إنّما هو للسّابق لهم من خذلانه وغلبة الشّقاء عليهم، ولولا ذلك لكانوا ممّن أذن له في الرّضا بحكمه والمسارعة إلى طاعته). [جامع البيان: 7/197-198]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ولو أنّ هؤلاء المنافقين الّذين وصف صفتهم في هاتين الآيتين، الّذين إذا دعوا إلى حكم اللّه وحكم رسوله صدّوا صدودًا، إذ ظلموا أنفسهم باكتسابهم إيّاها العظيم من الإثم في احتكامهم إلى الطّاغوت وصدودهم عن كتاب اللّه وسنّة رسوله، إذا دعوا إليها جاءوك يا محمّد حين فعلو ما فعلوا من مصيرهم إلى الطّاغوت راضين بحكمه دون حكمك جاءوك تائبين منيبين، فسألوا اللّه أن يصفح لهم عن عقوبة ذنبهم بتغطيته عليهم، وسأل لهم اللّه رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم مثل ذلك. وذلك هو معنى قوله: {فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول}.
وأمّا قوله: {لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا} فإنّه يقول: لو كانوا فعلوا ذلك فتابوا من ذنوبهم لوجدوا اللّه توّابًا، يقول: راجعًا لهم ممّا يكرهون إلى ما يحبّون، رحيمًا بهم في تركه عقوبتهم على ذنبهم الّذي تابوا منه.
وقال مجاهدٌ: عنى بذلك: اليهوديّ والمسلم اللّذان تحاكما إلى كعب بن الأشرف.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ظلموا أنفسهم} [آل عمران] إلى قوله: {ويسلّموا تسليمًا} قال: إنّ هذا في الرّجل اليهوديّ والرّجل المسلم اللّذين تحاكما إلى كعب بن الأشرف). [جامع البيان: 7/199]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وما أرسلنا من رسولٍ إلّا ليطاع بإذن اللّه ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا (64)
قوله تعالى: ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك إلى قوله: توابا رحيما
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم إلى قوله: رحيماً هذا في الرجل اليهودي والرجل المسلم الذين تحاكما إلى كعب بن الأشرف.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا يزيد بن عبد العزيز ثنا أبو عبد اللّه سليمان بن حسّان، عن ابن لهيعة عن عطاء بن دينارٍ سئل سعيد بن جبيرٍ عن الاستغفار فقال: الاستغفار، على نحوين: أحدهما بالقول، والآخر بالفعل، فأمّا الاستغفار بالقول فقول اللّه تعالى ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول). [تفسير القرآن العظيم: 3/993]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله إلى قوله ويسلموا تسليما قال هذا في المنافقين واليهود الذين تحاكموا إلى كعب بن الأشرف
وقال ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم كما أمر موسى قومه ما فعلوه إلا قليل منهم). [تفسير مجاهد: 164]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله قال أوجب الله لهم أن يطيعهم من شاء الله من الناس ثم أخبر أنه لا يطيعهم أحد إلا بإذن الله). [تفسير مجاهد: 164-165]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} قال: واجب لهم أن يطيعهم من شاء الله لا يطيعهم أحد إلا بإذن الله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} الآية قال: هذا في الرجل اليهودي والرجل المسلم اللذين تحاكما إلى كعب بن الأشرف.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: الاستغفار على نحوين: أحدهما في القول والآخر في العمل، فأما استغفار القول فإن الله يقول {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول} وأما
استغفار العمل فإن الله يقول (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) (الأنفال الآية 33) فعنى بذلك أن يعملوا عمل الغفران ولقد علمت أن أناسا سيدخلون النار وهم يستغفرون الله بألسنتهم ممن يدعي بالإسلام ومن سائر الملل). [الدر المنثور: 4/519-520]

تفسير قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقضى بينهما، فقال الّذي قضي عليه: ردّنا إلى عمر بن الخطّاب، فقال رسول اللّه: نعم، انطلقا إليه؛ فلمّا أتيا عمر قال الرجل: يا ابن الخطّاب، قضى لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على هذا، فقال: ردّنا إلى عمر، فردّنا إليك؛ قال: كذلك، قال: نعم، قال عمر: مكانكما حتّى أخرج إليكما فأقضي بينكما، فخرج إليهما مشتملا على سيفه فضرب الّذي قال: (ردّنا إلى عمر)، فقتله؛ وأدبر الآخر فارًّا إلى رسول اللّه، فقال: يا رسول اللّه، قتل، واللّه، عمر صاحبي، ولو ما أنّي أعجزته لقتلني، فقال رسول اللّه: ما كنت أظنّ أن يجترئ عمر على قتل مؤمنٍ، فأنزل اللّه: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلموا تسليماً}، فهدر دم ذلك الرّجل وبرّئ عمر من قتله، وكره اللّه أن يسنّ ذلك بعد، فقال: {ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلٌ منهم ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشدّ تثبيتًا}). [الجامع في علوم القرآن: 1/71-72]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن سلمة - من ولد أمّ سلمة -، قال: خاصم رجلٌ الزّبير إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للزّبير، فقال: إنّما قضى له لأنّه ابن عمّته، فنزلت {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا}). [سنن سعيد بن منصور: 4/1300]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} [النساء: 65]
- حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عروة، قال: خاصم الزّبير رجلًا من الأنصار في شريجٍ من الحرّة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اسق يا زبير، ثمّ أرسل الماء إلى جارك» ، فقال الأنصاريّ: يا رسول اللّه، أن كان ابن عمّتك، فتلوّن وجه رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: «اسق يا زبير، ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر، ثمّ أرسل الماء إلى جارك» ، واستوعى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للزّبير حقّه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاريّ، كان أشار عليهما بأمرٍ لهما فيه سعةٌ، قال الزّبير: فما أحسب هذه الآيات إلّا نزلت في ذلك: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} [النساء: 65] ). [صحيح البخاري: 6/46]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم)
سقط باب لغير أبي ذرٍّ وذكر فيه قصّة الزّبير مع الأنصاريّ الّذي خاصمه في شراج الحرّة وقد تقدّم شرحه مستوفًى في كتاب الشّرب وبينت هناك الاختلاف على عروة في وصله وإرساله بحمد اللّه تعالى وقوله هنا أن كان بن عمّتك بفتح أن للجميع أي من أجل ووقع عند أبي ذرٍّ وأن بزيادة واوٍ وفي روايته عن الكشميهنيّ آن بزيادة همزةٍ ممدودة وهي للاستفهام). [فتح الباري: 8/254-255]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} (النّساء: 65)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون} ولم يوجد لفظ باب إلاّ في رواية أبي ذر ولقد أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن من أحد حتّى يحكم الرّسول صلى الله عليه وسلم، في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الّذي يجب الانقياد له ظاهرا وباطنا.

- حدّثنا عليّ بن عبد الله حدّثنا محمّد بن جعفرٍ أخبرنا معمرٌ عن الزّهريّ عن عروة قال خاصم الزّبير رجلاً من الأنصار في شريجٍ من الحرّة فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم اسق يا زبير ثمّ أرسل الماء إلى جارك فقال الأنصاريّ يا رسول اللهأن كان ابن عمتّك فتلوّن وجهه ثمّ قال اسق يا زبير ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر ثمّ أرسل الماء إلى جارك واستوعى النبيّ صلى الله عليه وسلم للزّبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاريّ وكان أشار عليهما بأمرٍ لهما فيه سعةٌ قال الزّبير فما أحسب هذه الآيات إلاّ نزلت في ذلك {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} .

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. والحديث قد مر في كتاب الشّرب في ثلاثة أبواب متوالية: أولها: باب كرى الأنهار. ومر الكلام فيه هناك مستوفي.
قوله: (في شريج) ، بفتح الشين المعجمة وكسر الرّاء وبالجيم، وهو مسيل الماء. قوله: (إن كان ابن عمّتك)، بفتح الهمزة وكسرها. والجزاء محذوف والتّقدير: لئن كان ابن عمّتك حكمت له، وكان الزبير، رضي الله تعالى عنه، ابن صفيّة بنت عبد المطلب عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (فتلّون وجهه) ، أي: تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام الأنصاريّ. قوله: (إلى الجدر) ، بفتح الجيم، وهو أصل الحائط. قوله: (واستوعى) ، أي: استوعب واستوفى، وهذا الكلام للزهريّ ذكره إدراجا قوله: (حين أحفظه) أي: حين أغضبه. وهو بالحاء المهملة. قوله: (وكان أشار عليهما) أي: كان النّبي صلى الله عليه وسلم أشار على الزبير والأنصاري في أول الأمر بأمر لهما فيه سعة. أي: توسع على سبيل المصالحة. فلمّا لم يقبل الأنصاريّ الصّلح حكم للزبير بما هو حقه فيه). [عمدة القاري: 18/177]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم}
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({فلا وربك}) أي فوربك ولا مزيدة لتأكيد القسم لا لتظاهر لا في قوله: ({لا يؤمنون}) لأنها تزاد أيضًا في الإثبات كقوله تعالى: {لا أقسم بهذا البلد} [البلد: 1] قاله في الأنوار كالكشاف وعبارته بعد ذكره نحو ما سبق.
فإن قلت: هلا زعمت أنها زيدت لتظاهر لا في لا يؤمنون قلت: يأبى ذلك استواء النفي والإثبات فيه وذلك قوله تعالى: {فلا أقسم بما تبصرون قومًا لا تبصرون إنه لقول رسول كريم} [الحاقة: 38 - 40] انتهى.
قال في الانتصاف: أراد الزمخشري أنها لما زيدت حيث لا يكون القسم نفيًا دلت على أنها إنما تزاد لتأكيد القسم فجعلت كذلك في النفي والظاهر عندي أنها هنا لتوطئة القسم وهو لم يذكر مانعًا منه إنما ذكر محملًا لغير هذا وذلك لا يأبى مجيئها في النفي على الوجه الآخر من التوطئة على أن دخولها على المثبت فيه نظر فلم تأت في الكتاب العزيز إلا مع القسم بالفعل {لا أقسم بهذا البلد} [البلد: 1] {لا أقسم بيوم القيامة} [القيامة: 1] {فلا أقسم بمواقع النجوم} [الواقعة: 75] {فلا أقسم بما تبصرون} [الحاقة: 38] ولم يأت إلا في القسم بغير الله وله سرّ يأبى أن يكون هاهنا لتأكيد القسم، وذلك أن المراد بها تعظيم المقسم به في الآيات المذكورة فكأنه بدخولها يقول إعظامي لهذه الأشياء المقسم بها كلا إعظام إذ هي تستوجب فوق ذلك وإنما يذكر هذا لتوهم وقوع عدم تعظيمها فيؤكد بذلك وبفعل القسم
ظاهرًا، وفي القسم بالله الوهم زائل فلا يحتاج إلى تأكيد فتعين حملها على التوطئة ولا تكاد تجدها في غير الكتاب العزيز داخلة على قسم مثبت أما في النفي فكثير اهـ.
وقيل: إن لا الثانية زائدة والقسم معترض بين حرف النفي والمنفي، وكان التقدير فلا يؤمنون وربك ({حتى يحكموك فيما شجر بينهم}) [النساء: 65] أي فيما اختلف بينهم واختلط وحتى غاية متعلقة بقوله لا يؤمنون أي ينتفي عنهم الإيمان إلى هذه الغاية وهي تحكيمك وعدم وجدانهم الحرج وتسليمهم لأمرك.
- حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ عن عروة قال: خاصم الزّبير رجلًا من الأنصار في شريجٍ من الحرّة فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «اسق يا زبير ثمّ أرسل الماء إلى جارك» فقال الأنصاريّ: يا رسول اللّه أن كان ابن عمّتك فتلوّن وجهه ثمّ قال: «اسق يا زبير ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر، ثمّ أرسل الماء إلى جارك» واستوعى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للزّبير حقّه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاريّ كان أشار عليهما بأمرٍ لهما فيه سعةٌ قال الزّبير: فما أحسب هذه الآيات إلاّ نزلت في ذلك {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم}.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) هو غندر قال: (أخبرنا معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير أنه (قال: خاصم الزبير) بن العوّام (رجلًا من الأنصار) هو ثابت بن قيس بن شماس وقيل حميد وقيل حاطب بن أبي بلتعة (في شريج) بفتح الشين المعجمة وكسر الراء آخره جيم مسيل الماء يكون في الجبل وينزل إلى السهل (من الحرة) بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين خارج المدينة زاد في باب سكر الأنهار من الشرب، فقال الأنصاري سرّح الماء فأبى عليه فاختصما عند النبي صلّى اللّه عليه وسلّم (فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: اسق يا زبير ثم أرسل الماء) بهمزة قطع مفتوحة في أرسل (إلى جارك) الأنصاري (فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان) بفتح الهمزة أي حكمت له بالتقديم والترجيح لأن كان (ابن عمتك) صفية بنت عبد المطلب، ولأبي ذر عن الكشميهني: آن كان بهمزة مفتوحة ممدودة استفهام إنكاري وله عن الحموي والمستملي وأن كان بواو وفتح الهمزة، ووقع عند الطبري فقال: اعدل يا رسول الله وأن كان ابن عمتك أي من أجل هذا حكمت له عليّ (فتلون وجهه) عليه الصلاة والسلام أي تغيّر من الغضب لانتهاك حرمة النبوّة، ولأبوي ذر والوقت: فتلون وجه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم (ثم قال: اسق يا زيير ثم احبس الماء) بهمزة وصل فيهما (حتى يرجع) يصير الماء (إلى الجدر) بفتح الجيم وسكون المهملة ما وضع بين شربات النخل كالجدار والمراد به جدران الشربات وهي الحفر التي تحفر في أصول النخل (ثم أرسل الماء إلى جارك) بهمزة قطع في أرسل (واستوعى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم للزبير حقه) أي استوفاه كله كاملًا حتى كأنه جمعه في وعاء بحيث لم يترك منه شيئًا (في صريح الحكم حين أحفظه) بالحاء المهملة والفاء والظاء المعجمة أي أغضبه (الأنصاري وكان) صلّى اللّه عليه وسلّم (أشار عليهما) في أوّل الأمر (بأمر لهما) ولأبي ذر عن الكشميهني له أي للأنصاري (فيه سعة) وهو الصلح على ترك بعض حق الزبير، فلما لم يرض الأنصاري استقصى عليه الصلاة والسلام للزبير حقه وحكم له به على الأنصاري.
(قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت) وفي باب شرب الأعلى من الأسفل من كتاب الشرب فقال الزبير: والله إن هذه الآية أنزلت (في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}) قيل: وكان هذا الرجل يهوديًّا. وعورض بأنه وصف بكونه أنصاريًّا ولو كان يهوديًا لم يوصف بذلك إذ هو وصف مدح ولا يبعد أن يبتلي غير المعصوم بمثل ذلك عند الغضب مما هو من الصفات البشرية.
وفي المفاتح كالبغوي في معالم التنزيل، وروي أنه لما خرجا مرّا على المقداد فقال: لمن كان القضاء؟ قال الأنصاري لابن عمته ولوى شدقيه ففطن له يهودي كان مع المقداد فقال: قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ثم يتهمونه في قضاء يقضي بينهم، وايم الله لقد أذنبنا ذنبًا مرة في حياة موسى عليه الصلاة والسلام فدعانا إلى التوبة فقال: اقتلوا أنفسكم فبلغ قتلانا سبعين ألفًا في طاعة ربنا حتى رضي عنا، فقال ثابت بن قيس بن شماس: إن الله ليعلم مني الصدق ولو أمرني محمد أن أقتل نفسي لفعل). [إرشاد الساري: 7/85-87]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا قتيبة، قال: حدّثنا اللّيث بن سعدٍ، عن ابن شهابٍ، عن عروة بن الزّبير، أنّه حدّثه أنّ عبد الله بن الزّبير، حدّثه أنّ رجلاً من الأنصار خاصم الزّبير في شراج الحرّة الّتي يسقون بها النّخل فقال الأنصاريّ: سرّح الماء يمرّ، فأبى عليه، فاختصموا إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم للزّبير: اسق يا زبير وأرسل الماء إلى جارك. فغضب الأنصاريّ وقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمّتك؟ فتغيّر وجه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ قال: يا زبير اسق واحبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر فقال الزّبير: واللّه إنّي لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} الآية.
سمعت محمّدًا، يقول: قد روى ابن وهبٍ، هذا الحديث عن اللّيث بن سعدٍ، ويونس، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عبد الله بن الزّبير، نحو هذا الحديث، وروى شعيب بن أبي حمزة، عن الزّهريّ، عن عروة، عن الزّبير، ولم يذكر عن عبد الله بن الزّبير). [سنن الترمذي: 5/89]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم}
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا اللّيث، عن ابن شهابٍ، عن عروة، أنّه حدّثه: أنّ عبد الله بن الزّبير، حدّثه، أنّ رجلًا خاصم الزّبير عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شراج الحرّة الّتي كانوا يسقون بها النّخل، فقال الأنصاريّ: سرّح الماء يمرّ، فأبى عليهم، فاختصموا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للزّبير: " اسق يا زبير، ثمّ أرسل إلى جارك، فغضب الأنصاريّ فقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمّتك، فتلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «يا زبير اسق ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر» قال الزّبير: والله إنّي أحسب هذه الآية نزلت في ذلك {فلا وربّك لا يؤمنون} [النساء: 65]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/67]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فلا} فليس الأمر كما يزعمون أنّهم يؤمنون بما أنزل إليك، وهم يتحاكمون إلى الطّاغوت، ويصدّون عنك إذا دعوا إليك يا محمّد ثم. واستأنف القسم جلّ ذكره، فقال: {وربّك} يا محمّد {لا يؤمنون} أي لا يصدّقون بي وبك، وبما أنزل إليك {حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} يقول: حتّى يجعلوك حكمًا بينهم فيما اختلط بينهم من أمورهم، فالتبس عليهم حكمه
يقال:منه شجر يشجر شجورًا وشجرًا، وتشاجر القوم إذا اختلفوا في الكلام والأمر مشاجرةً وشجارًا.
{ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت} يقول: لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا ممّا قضيت، وإنّما معناه: ثمّ لا تحرّج أنفسهم ممّا قضيت: أي لا تأثم بإنكارها ما قضيت وشكّها في طاعتك وأنّ الّذي قضيت به بينهم حقٌّ لا يجوز لهم خلافه.
كما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {حرجًا ممّا قضيت} قال: شكًّا.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ في قوله: {حرجًا ممّا قضيت} يقول: شكًّا.
حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك في قوله: {ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت} قال: إثمًا {ويسلّموا تسليمًا} وقوله: ويسلّموا لقضائك وحكمك، إذعانًا منهم لك بالطّاعة، وإقرارًا لك بالنّبوّة تسليمًا.
واختلف أهل التّأويل فيمن عني بهذه الآية وفيمن نزلت، فقال بعضهم: نزلت في الزّبير بن العوّام وخصمٌ له من الأنصار، اختصما إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في بعض الأمور.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، واللّيث بن سعدٍ، عن ابن شهابٍ، أنّ عروة بن الزّبير، حدّثه أنّ عبد اللّه بن الزّبير حدّثه، عن الزّبير بن العوّام: أنّه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدرًا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في شراجٍ من الحرّة كانا يسقيان به كلاهما النّخل، فقال الأنصاريّ: سرّح الماء يمرّ. فأبى عليه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اسق يا زبير ثمّ أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاريّ وقال: يا رسول اللّه، إن كان ابن عمّتك؟ فتلوّن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ قال: اسق يا زبير ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر ثمّ أرسل الماء إلى جارك واستوعى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للزّبير حقّه قال أبو جعفرٍ: والصّواب: استوعب. وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل ذلك أشار على الزّبير برأي أراد فيه الشّفقة له وللأنصاريّ، فلمّا أحفظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الأنصاريّ استوعب للزّبير حقّه في صريح الحكم. قال: فقال الزّبير: ما أحسب هذه الآية نزلت إلاّ في ذلك: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} الآية.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن عبد الرّحمن بن إسحاق، عن الزّهريّ، عن عروة، قال: خاصم الزّبير رجلٌ من الأنصار في شرجٍ من شراج الحرّة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا زبير، اشرب ثمّ خلّ سبيل الماء فقال الّذي من الأنصار: من بني أمية اعدل يا نبيّ اللّه وإن كان ابن عمّتك. قال: فتغيّر وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى عرف أن قد ساءه ما قال، ثمّ قال: يا زبير، احبس الماء إلى الجدر أو إلى الكعبين ثمّ خلّ سبيل الماء قال: ونزلت: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم}.
- حدّثني عبد اللّه بن عميرٍ الرّازيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا عمرو بن دينارٍ، عن سلمة، رجلٍ من ولد أمّ سلمة، عن أمّ سلمة: أنّ الزّبير، خاصم رجلاً إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقضى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للزّبير، فقال الرّجل لمّا قضى للزّبير: إن كان ابن عمّتك؟ فأنزل اللّه: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا}.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في المنافق واليهوديّ اللّذين وصف اللّه صفتهما في قوله: {ألم تر إلى الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا} قال: هذا الرّجل اليهوديّ والرّجل المسلم اللّذان تحاكما إلى كعب بن الأشرف.
حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن داود، عن الشّعبيّ، بنحوه، إلاّ أنّه قال احتكم: إلى الكاهن
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول، أعني قول من قال: عني به المحتكمان إلى الطّاغوت اللّذان وصف اللّه شأنهما في قوله: {ألم تر إلى الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} أولى بالصّواب، لأنّ قوله: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} في سياق قصّة الّذين ابتدأ اللّه الخبر عنهم بقوله: {ألم تر إلى الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك} ولا دلالة تدلّ على انقطاع قصّتهم، فإلحاق بعض ذلك ببعضٍ ما لم تأت دلالةٌ على انقطاعه أولى.
فإن ظنّ ظانٌّ في الخبر الّذي روي عن الزّبير وابن الزّبير من قصّته وقصّة الأنصاريّ في شراج الحرّة، وقول من قال في خبرهما، فنزلت: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} ما ينبئ عن انقطاع حكم هذه الآية وقصّتها من قصّة الآيات قبلها، فإنّه غير مستحيلٍ أن تكون الآية نزلت في قصّة المحتكمين إلى الطّاغوت، ويكون فيها بيان حكم ما اختصم فيه الزّبير وصاحبه الأنصاريّ، إذ كان الآية دالّةً على ذلك. وإذ كان ذلك غير مستحيلٍ، كان إلحاق معنى بعض ذلك ببعضٍ أولى ما دام الكلام متّسقةٌ معانيه على سياقٍ واحدٍ إلاّ أن تأتي دلالةٌ على انقطاع بعض ذلك من بعضٍ، فيعدل به عن معنى ما قبله.
وأمّا قوله: {ويسلّموا} فإنّه منصوبٌ عطفًا على قوله: {ثمّ لا يجدوا في أنفسهم} وقوله: {ثمّ لا يجدوا في أنفسهم} نصب عطفًا على قوله: {حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم}). [جامع البيان: 7/200-205]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (65)
قوله تعالى: فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهبٍ حدّثني اللّيث ويونس عن ابن شهابٍ أنّ عروة بن الزّبير حدّثه، أنّ عبد اللّه بن الزّبير حدّثه، عن الزّبير بن العوّام أنّه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدراً مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في شراجٍ من الحرّة كانا يسقيان به كلاهما النّخل، فقال الأنصاريّ: سرّح الماء يمرّ، فأبى عليه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اسق يا زبير، ثمّ أرسل إلى جارك، فغضب الأنصاريّ وقال: يا رسول اللّه أن كان ابن عمّتك، فتلوّن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ قال: اسق يا زبير ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر واسترعى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الزّبير حقّه، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل ذلك أشار على الزّبير أي أراد فيه السّعة له وللأنصاريّ، فلمّا أحفظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الأنصاريّ استرعى للزّبير حقّه في صريح الحكم، فقال الزّبير: وما أحسب هذه الآية إلا في نزلت فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً أحدهما يريد على صاحبه بذلك.
- حدّثنا أبي ثنا عمرو بن عثمان ثنا أبو حيوة ثنا سعيد بن عبد العزيز عن الزّهريّ عن سعيد بن المسيّب في قوله: فلا وربّك لا يؤمنون الآية: قال: أنزلت في الزّبير بن العوّام وحاطب بن أبي بلتعة اختصما في ماءٍ، فقضى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يسقي الأعلى ثمّ الأسفل.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني عبد اللّه بن لهيعة عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقضى بينهما، فقال الّذي قضى عليه: ردّنا إلى عمر بن الخطّاب، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: نعم، انطلقا إلى عمر، فلمّا أتيا عمر قال الرّجل: يا ابن الخطّاب قضى لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على هذا، فقال: ردّنا إلى عمر حتّى أخرج إليكما فأقضي بينكما، فخرج إليهما، مشتملا على سيفه فضرب الّذي قال: ردّنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر فارّاً إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللّه، قتل عمر واللّه صاحبي ولو ما أنّي أعجزته لقتلني، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمنين، فأنزل اللّه تعالى فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً فهدر دم ذلك الرّجل وبرئ عمر من قتله، فكره اللّه أن يسنّ ذلك بعد، فقال: «ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلٌ منهم» إلى قوله: وأشدّ تثبيتاً
والوجه الثّالث:
- ذكر عن المقدّميّ، ثنا أشعث، عن شعبة عن خالدٍ الحذّاء عن عكرمة في قوله: فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم قال: نزلت في اليهود.
قوله تعالى: ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلموا تسليما
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت قال: شكّاً). [تفسير القرآن العظيم: 3/993-995]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله حرجا ما قضيت يعني شكا). [تفسير مجاهد: 164]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} [النساء: 65])
- عن أمّ سلمة - رضي اللّه عنها - قالت: «خاصم الزّبير رجلًا إلى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقضى للزّبير، فقال الرّجل: إنّما قضى له لأنّه ابن عمّته. فنزلت: {فلا وربّك لا يؤمنون} [النساء: 65]- الآية».
رواه الطّبرانيّ، وفيه يعقوب بن حميدٍ، وثّقه ابن حبّان وضعّفه غيره). [مجمع الزوائد: 7/6]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال الحميديّ: حدثنا سفيان، نا عمرو بن دينارٍ، أخبرني سلمة - رجلٌ من ولد أمّ سلمة - (عن أمّ سلمة رضي الله عنها) قالت: إنّ الزّبير بن العوّام رضي الله عنه، خاصم رجلًا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال الرّجل: إنّما قضى له، لأنّه ابن عمّته، فأنزل اللّه تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} الآية). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/582]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد الرزاق وأحمد، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان والبيهقي من طريق الزهري أن عروة بن الزبير حدث عن الزبير بن العوام: أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرة كانا يسقيان به كلاهما النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله إن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك، واسترعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه السعة له وللأنصاري فلما أحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصاري استرعى للزبير حقه في صريح الحكم فقال الزبير: ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} الآية.
وأخرج الحميدي في مسنده وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني في الكبير عن أم سلمة قالت: خاصم الزبير رجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى للزبير، فقال الرجل: إنما قضى له لأنه ابن عمته، فأنزل الله {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك} الآية
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله {فلا وربك لا يؤمنون} الآية، قال: أنزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة اختصما في ماء فقضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يسقي الأعلى ثم الأسفل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {فلا وربك لا يؤمنون} قال: نزلت في اليهود.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {فلا وربك} الآية، قال: هذا في الرجل اليهودي والرجل المسلم اللذين تحاكما إلى كعب بن الأشرف.
وأخرج ابن جرير عن الشعبي مثله إلا أنه قال: إلى الكاهن.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى بينهما فقال الذي قضي عليه: ردنا إلى عمر بن الخطاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم انطلقا إلى عمر، فلما أتيا عمر قال الرجل: يا ابن الخطاب قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا فقال: ردنا إلى عمر فردنا إليك، فقال: أكذلك قال: نعم، فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما فخرج إليهما مشتملا على سيفه فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر فقتله وأدبر الآخر فارا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قتل عمر - والله - صاحبي ولولا أني أعجزته لقتلني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كنت اظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمنين فأنزل الله {فلا وربك لا يؤمنون} الآية، فهدر دم ذلك الرجل وبرأ عمر من قتله فكره الله أن يسن ذلك بعد فقال (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم) (النساء الآية 66) إلى قوله (وأشد تثبيتا).
وأخرج الحافظ دحيم في تفسيره عن عتبة بن ضمرة عن أبيه أن رجلين اختصما إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقضى للمحق على المبطل، فقال المقضي عليه: لا أرضى، فقال صاحبه: فما تريد قال: أن تذهب إلى أبي بكر الصديق، فذهبا إليه فقال: أنتما على ما قضى به النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأبى أن يرضى قال: نأتي عمر، فأتياه فدخل عمر منزله وخرج والسيف في يده فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى فقتله وأنزل الله {فلا وربك} الآية.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن مكحول قال: كان بين رجل من المنافقين ورجل من المسلمين منازعة في شيء فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى على المنافق فانطلقا إلى أبي بكر فقال: ما كنت لأقضي بين من يرغب عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقا إلى عمر فقصا عليه فقال عمر: لا تعجلا حتى أخرج إليكما فدخل فاشتمل على السيف وخرج فقتل المنافق ثم قال: هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء رسول الله، فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن عمر قد قتل الرجل وفرق الله بين الحق والباطل على لسان عمر، فسمي الفاروق.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {فيما شجر بينهم} قال: فيما أشكل عليهم، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت زهيرا وهو يقول:
متى تشتجر قوم تقل سراتهم = هم بيننا فهم رضا وهو عدل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {حرجا} قال: شكا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر في قوله {حرجا} قال: إثما.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: لما نزلت هذه الآية قال الرجل الذي خاصم الزبير وكان من الأنصار: سلمت
وأخرج ابن المنذر عن أبي سعيد الخدري أنه نازع الأنصار في الماء من الماء فقال لهم: أرأيت لو أني علمت أن ما تقولون كما تقولون وأغتسل أنا فقالوا له: لا والله حتى لا يكون في صدرك حرج مما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم). [الدر المنثور: 4/520-525]


رد مع اقتباس