عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:21 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه في قول الله: {كان الناس أمة واحدة}، فهذا يوم آخذ ميثاقهم، لم يكونوا أمة واحدة غير ذلك اليوم، {فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين}، {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه}، اختلفوا في يوم الجمعة، فاتخذ اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد، فهدى الله أمة محمدٍ ليوم الجمعة؛ واختلفوا في القبلة، فاستقبلت النصارى المشرق، واليهود بيت المقدس، وهدى الله أمة محمدٍ للقبلة؛ واختلفوا في الصلاة، فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلي وهو يتكلم، ومنهم من يصلي وهو يمشي، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك؛ واختلفوا في الصيام؛ فمنهم من يصوم بعض
[الجامع في علوم القرآن: 1/149]
النهار، ومنهم من يصوم من بعض الطعام، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك؛ واختلفوا في إبراهيم فقالت اليهود: كان يهوديا، وقالت النصارى: كان نصرانياً، وجعله الله حنيفاً مسلما، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك؛ واختلفوا في عيسى بن مريم، فكفرت به اليهود وقالوا لأمه {بهتانا عظيما}، وجعلته النصارى إلها وولدا، وجعله الله روحه وكلمه، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك). [الجامع في علوم القرآن: 1/150]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى كان الناس أمة وحدة قال كانوا على الهدى جميعا فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وكان أول نبي بعث نوح عليه السلام). [تفسير عبد الرزاق: 1/82]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن سليمان الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في قوله تعالى فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه قال: قال النبي نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه هدانا الله له فالناس لنا تبع فيه غدا لليهود وبعد غد للنصارى). [تفسير عبد الرزاق: 1/82]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال: قال
[تفسير عبد الرزاق: 1/82]
النبي نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فهم لنا فيه تبع غدا لليهود وبعد غد للنصارى). [تفسير عبد الرزاق: 1/83]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة في قوله تعالى فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق قال: قال النبي نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه الناس فيه لنا تبع غدا اليهود وبعد غد للنصارى
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن جريجٍ عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {كان الناس أمة واحدة} قال: آدم صلوات اللّه عليه [الآية: 213]). [تفسير الثوري: 66]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كان النّاس أمّةً واحدةً فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه}.
اختلف أهل التّأويل في معنى الأمّة في هذا الموضع، وفي النّاس الّذين وصفهم اللّه بأنّهم كانوا أمّةً واحدةً؛ فقال بعضهم: هم الّذين كانوا بين آدم، ونوحٍ، وهم عشرة قرونٍ، كلّهم كانوا على شريعة من الحقّ، فاختلفوا بعد ذلك.
[جامع البيان: 3/620]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا همّام عن قتاده، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان بين نوحٍ، وآدم، عشرة قرونٍ، كلّهم على شريعةٍ من الحقّ، فاختلفوا، {فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين}، قال: وكذلك هي في قراءة عبد اللّه كان النّاس أمّةً واحدةً فاختلفوا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {كان النّاس أمّةً واحدةً} قال: كانوا على الهدى جميعًا، فاختلفوا {فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين} فكان أوّل نبيٍّ بعث نوحٌ.
فتأويل الأمّة على هذا القول الّذي ذكرناه عن ابن عبّاسٍ الدّين كما قال النّابغة الذّبيانيّ:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً = وهل يأثمن ذو أمّةٍ وهو طائع
[جامع البيان: 3/621]
يعني ذا الدّين. فكان تأويل الآية على معنى قول هؤلاء: كان النّاس أمّةً مجتمعةً على ملّةٍ واحدةٍ ودينٍ واحدٍ، فاختلفوا، فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين.
وأصل الأمّة الجماعة، تجتمع على دينٍ واحدٍ، ثمّ يكتفى بالخبر عن الأمّة من الخبر عن الدّين لدلالتها عليه كما قال جلّ ثناؤه: {ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً} يراد به أهل دينٍ واحدٍ، وملّةٍ واحدةٍ. فوجّه ابن عبّاسٍ في تأويله قوله: {كان النّاس أمّةً واحدةً} إلى أنّ النّاس كانوا أهل دينٍ واحدٍ حتّى اختلفوا.
وقال آخرون: بل تأويل ذلك كان آدم على الحقّ إمامًا لذرّيّته فبعث اللّه النّبيّين في ولده ووجّهوا معنى الأمّة إلى الطّاعة للّه والدّعاء إلى توحيده واتّباع أمره من قول اللّه عزّ وجلّ {إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتًا للّه حنيفًا} يعني بقوله {أمّةً} إمامًا في الخير يقتدى به، ويتّ‍بع عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {كان النّاس أمّةً واحدةً} قال: آدم.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله.
[جامع البيان: 3/622]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {كان النّاس أمّةً واحدةً} قال: آدم، قال: كان بين آدم، ونوحٍ عشرة أنبياء، {فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين}، يقال: فنشر من ادم الناس فبعث النّبيّين مبشّرين ومنذرين قال مجاهدٌ: آدم أمّةٌ وحده.
وكأنّ من قال هذا القول استجاز بتسمية الواحد باسم الجماعة لاجتماع خلال الخير الّتي يكون في الجماعة المفرّقة فيمن سمّاه بالأمّة، كما يقال: فلانٌ أمّةٌ وحده، بمعنى أنه يقوم مقام الأمّة. وقد يجوز أن يكون سمّاه بذلك لأنّه سببٌ لاجتماع الأشتات من النّاس على ما دعاهم إليه من خلال الخير، فلمّا كان آدم صلّى اللّه عليه وسلّم سببًا لاجتماع من اجتمع على دينه من ولده إلى حال اختلافهم سمّاه بذلك أمّةً.
وقال آخرون: معنى ذلك كان النّاس أمّةً واحدةً على دينٍ واحدٍ يوم استخرج ذرّيّة آدم من صلبه، فعرضهم على آدم.
ذكر من قال ذلك
- حدّثت عن عمّارٍ، عن ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه،
[جامع البيان: 3/623]
عن الرّبيع، قوله: {كان النّاس أمّةً واحدةً} وعن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: كانوا أمّةً واحدةً حيث عرضوا على آدم ففطرهم الله يومئذٍ على الإسلام، وأقرّوا له بالعبوديّة، وكانوا أمّةً واحدةً مسلمين كلّهم. ثمّ اختلفوا من بعد آدم، فكان أبيّ يقرأ:: (كان النّاس أمّةً واحدةً فاختلفوا فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين) إلى فيما اختلفوا فيه وإنّ اللّه إنّما بعث الرّسل وأنزل الكتب عند الاختلاف.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {كان النّاس أمّةً واحدةً} قال: حين أخرجهم من ظهر آدم لم يكونوا أمّةً واحدةً قطّ غير ذلك اليوم، فبعث اللّه النّبيّين، قال: هذا حين تفرّقت الأمم.
وتأويل الآية على هذا القول نظير تأويل من قال بقول ابن عبّاسٍ: إنّ النّاس كانوا على دينٍ واحدٍ فيما بين آدم، ونوحٍ، وقد بيّنّا معناه هنالك؛ إلاّ أنّ الوقت الّذي كان فيه النّاس أمّةً واحدةً مخالفٌ الوقت الّذي وقّته ابن عبّاسٍ.
وقال آخرون بخلاف ذلك كلّه في ذلك، وقالوا: إنّما معنى قوله: {كان النّاس أمّةً واحدةً} كان النّاس أمّةً واحدةً على الكفر بالله، فبعث اللّه النّبيّين.
[جامع البيان: 3/624]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {كان النّاس أمّةً واحدةً} يقول: كانوا كفارا، {فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين}.
وأولى التّأويلات في هذه الآية بالصّواب أن يقال إنّ اللّه عزّ وجلّ أخبر عباده أنّ النّاس كانوا أمّةً واحدةً على دينٍ واحدٍ وملّةٍ واحدةٍ.
- كما حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {كان النّاس أمّةً واحدةً} يقول: دينًا واحدًا على دين آدم، فاختلفوا، {فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين}.
وكان الدّين الّذي كانوا عليه دين الحقّ. كما قال أبيّ بن كعبٍ.
- كما حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: هي في قراءة ابن مسعودٍ: اختلفوا عنه عن الإسلام.
قال أبو جعفرٍ: فاختلفوا في دينهم، فبعث اللّه عند اختلافهم في دينهم النّبيّين مبشّرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه رحمةً منه جلّ ذكره بخلقه واعتذارًا منه إليهم.
[جامع البيان: 3/625]
وقد يجوز أن يكون ذلك الوقت الّذي كانوا فيه أمّةً واحدةً من عهد آدم إلى عهد نوحٍ عليهما السّلام، كما روى عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، وكما قاله قتادة. وجائزٌ أن يكون عنى الله بالأمه ادم وجائزٌ أن يكون كان ذلك حين عرض على آدم خلقه. وجائزٌ أن يكون كان ذلك في وقتٍ غير ذلك. ولا دلالة من كتاب اللّه ولا خير يثبت به الحجّة على أيّ هذه الأوقات كان ذلك، فغير جائزٍ أن نقول فيه إلاّ ما قال اللّه عزّ وجلّ من أنّ النّاس كانوا أمّةً واحدةً، فبعث اللّه فيهم لمّا اختلفوا الأنبياء، والرّسل. ولا يضرّنا الجهل بوقت ذلك، كما لا ينفعنا العلم به إذا لم يكن العلم به للّه طاعةً، غير أنّه أيّ ذلك كان، فإنّ دليل القرآن واضحٌ على أنّ الّذين أخبر اللّه عنهم أنّهم كانوا أمّةً واحدةً، إنّما كانوا أمّةً واحدةً على الإيمان ودين الحقّ دون الكفر باللّه والشّرك به. وذلك أنّ اللّه جلّ وعزّ قال في السّورة الّتي يذكر فيها يونس: {وما كان النّاس إلاّ أمّةً واحدةً فاختلفوا ولولا كلمةٌ سبقت من ربّك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون} فتوعّد جلّ ذكره على الاختلاف لا على الاجتماع، ولا على كونهم أمّةً واحدةً، ولو كان اجتماعهم قبل الاختلاف كان على الكفر، ثمّ كان الاختلاف بعد ذلك، لم يكن إلاّ بانتقال بعضهم إلى الإيمان، ولو كان ذلك كذلك لكان الوعد أولى بحكمته جلّ ثناؤه في ذلك الحال من الوعيد؛ لأنّها حال إنابة بعضهم إلى طاعته، ومحالٌ أن يتوعّد في حال التّوبة، والإنابة، ويترك ذلك في حال اجتماع الجميع على الكفر والشّرك.
[جامع البيان: 3/626]
وأمّا قوله: {فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين} فإنّه يعني أنّه أرسل رسلاً يبشّرون من أطاع اللّه بجزيل الثّواب، وكريم المآب.
ويعني بقوله {ومنذرين} ينذرون من عصى اللّه فكفر به، بشدّة العقاب، وسوء الحساب والخلود في النّار {وأنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه} يعني بذلك ليحكم الكتاب وهو التّوراة بين النّاس فيما اختلف المختلفون فيه فأضاف جلّ ثناؤه الحكم إلى الكتاب، وأنّه الّذي يحكم بين النّاس دون النّبيّين، والمرسلين، إذ كان من حكم من النّبيّين، والمرسلين بحكمٍ، إنّما يحكم بما دلّهم عليه الكتاب الّذي أنزل اللّه عزّ وجلّ، فكان الكتاب بدلالته على ما دلّ على وصفه على صحّته من الحكم حاكمًا بين النّاس، وإن كان الّذي يفصل القضاء بينهم به غيره). [جامع البيان: 3/627]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما اختلف فيه إلاّ الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغيًا بينهم}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وما اختلف فيه} وما اختلف في الكتاب الّذي أنزله وهو التّوراة {إلاّ الّذين أوتوه} يعني بذلك اليهود من بني إسرائيل، وهم الّذين أوتوا التّوراة، والعلم بها. والهاء في قوله {فيه} عائدةٌ على الكتاب الّذي أنزله اللّه. {من بعد ما جاءتهم البيّنات} يعني بذلك: من بعد ما جاءتهم حجج اللّه، وأدلّته أنّ الكتاب الّذي اختلفوا فيه وفي أحكامه عند اللّه، وأنّه الحقّ الّذي لا يسعهم الاختلاف فيه، ولا العمل بخلاف ما فيه.
[جامع البيان: 3/627]
فأخبر عزّ ذكره عن اليهود من بني إسرائيل أنّهم خالفوا حكم التّوراة، واختلفوا فيه على علمٍ منهم، بخطأ ما يأتون متعمّدين الخلاف على اللّه فيما خالفوه فيه من أمره وحكم كتابه.
ثمّ أخبر جلّ ذكره أنّ تعمّدهم الخطيئة الّتي أتوها، وركوبهم المعصية الّتي ركبوها من خلافهم أمره، إنّما كان منهم بغيًا بينهم.
والبغي مصدرٌ من قول القائل: بغى فلانٌ على فلانٍ بغيًا إذا طغى، واعتدى عليه فجاوز حدّه، ومن ذلك قيل للجرح إذا اشتدّ وتورم: بغى يبغى بغيا، وللبحر إذا كثر ماؤه ففاض، وللسّحاب إذا وقع بأرضٍ فأخصبت: بغى كلّ ذلك بمعنًى واحدٍ، وهي زيادته وتجاوز حدّه. فمعنى قوله جلّ ثناؤه: {وما اختلف فيه إلاّ الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغيًا بينهم} من ذلك. يقول: لم يكن اختلاف هؤلاء المختلفين من اليهود من بني إسرائيل في كتابي الّذي أنزلته مع نبيٍّ عن جهلٍ منهم به، بل كان اختلافهم فيه، وخلاف حكمه من بعد ما ثبتت حجّته عليهم بغيًا بينهم، طلب الرّياسة من بعضهم على بعضٍ، واستذلالاً من بعضهم لبعضٍ.
- كما حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه،
[جامع البيان: 3/628]
عن الرّبيع، قال: ثمّ رجع إلى بني إسرائيل في قوله: {وما اختلف فيه إلاّ الّذين أوتوه} يقول: إلاّ الّذين أوتوا الكتاب، والعلم {من بعد ما جاءتهم البيّنات بغيًا بينهم} يقول: بغيًا على الدّنيا وطلب ملكها وزخرفها، وزينتها، أيّهم يكون له الملك، والمهابة في النّاس. فبغى بعضهم على بعضٍ، وضرب بعضهم رقاب بعضٍ.
ثمّ اختلف أهل العربيّة في من الّتي في قوله: {من بعد ما جاءتهم البيّنات} ما حكمها ومعناها؟ وما المعنى المستثنى من قوله {وما اختلف فيه إلاّ الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغيًا بينهم}؟ فقال بعضهم: المستثنى من ذلك الّذين أوتوا الكتاب وما بعده صلةٌ له. غير أنّه زعم أنّ معنى الكلام: وما اختلف فيه إلاّ الّذين أوتوه بغيًا بينهم من بعد ما جاءتهم البيّنات.
وقد أنكر ذلك بعضهم فقال: لا معنى لما قال هذا القائل، ولا لتقديم البغي قبل من لأنّ من إن كان الجالب لها البغي، فخطأٌ أن يتقدّمه لأنّ البغي مصدرٌ، ولا تتقدّم صلة المصدر عليه.
[جامع البيان: 3/629]
وزعم المنكر ذلك أنّ الّذين مستثنًى، وإنّ من بعد ما جاءتهم البيّنات مستثنًى وأن بغيا مستثنى وأن كل حرف من ذلك مستثنى باستثناءٍ غير الاستثناءٍ آخر. وأنّ تأويل الكلام: وما اختلف فيه إلاّ الّذين أوتوه، ما اختلفوا فيه إلاّ من بعد ما جاءتهم البيّنات. فكأنّه كرّر الكلام توكيدًا.
وهذا القول الثّاني أشبه بتأويل الآية، لأنّ القوم لم يختلفوا إلاّ من بعد قيام الحجّة عليهم ومجيء البيّنات من عند اللّه، وكذلك لم يختلفوا إلاّ بغيًا، فذلك أشبه بتأويل الآية). [جامع البيان: 3/630]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فهدى اللّه} فوفّق الّذي آمنوا وهم أهل الإيمان باللّه وبرسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم المصدّقين به وبما جاء به أنّه من عند اللّه لما اختلف الّذين أوتوا الكتاب فيه. وكان اختلافهم الّذي خذلهم اللّه فيه، وهدى له الّذين آمنوا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فوفّقتهم لإصابته: الجمعة، ضلّوا عنها وقد فرضت عليهم كالّذي فرض علينا، فجعلوها السّبت؛.
فقال صلّى اللّه عليه وسلّم نحن الآخرون السّابقون، بيد أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، وهذا اليوم الّذي اختلفوا فيه، فهدانا اللّه له، فلليهود غدًا وللنّصارى بعد غدٍ.
- حدّثنا بذلك ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عياض بن دينارٍ اللّيثيّ، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: قال أبو القاسم صلّى اللّه عليه وسلّم. فذكر الحديث.
[جامع البيان: 3/630]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه} قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ونحن الآخرون الأوّلون يوم القيامة، نحن أوّل النّاس دخولاً الجنّة بيد أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهدانا اللّه لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه فهذا اليوم الّذي هدانا اللّه له والنّاس لنا فيه تبعٌ، غدًا لليهود، وبعد غدٍ للنّصارى
وكان ممّا اختلفوا فيه أيضًا ما قال ابن زيدٍ وهو ما؛
- حدّثني به يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فهدى اللّه الّذين آمنوا} للإسلام، واختلفوا في الصّلاة، فمنهم من يصلّي إلى المشرق، ومنهم من يصلّي إلى بيت المقدس، فهدانا للقبلة؛ واختلفوا في الصّيام، فمنهم من يصوم بعض يومٍ، وبعضهم بعض ليلةٍ، وهدانا اللّه له. واختلفوا في يوم الجمعة، فأخذت اليهود السّبت وأخذت النّصارى الأحد، فهدانا اللّه له. واختلفوا في إبراهيم، فقالت اليهود كان يهوديًّا، وقالت النّصارى كان نصرانيًّا، فبرّأه اللّه من ذلك، وجعله حنيفًا مسلمًا،
[جامع البيان: 3/631]
فهدى الله محمد صلّى اللّه عليه وسلّم للحق من ذلك، وقال: {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مّسلمًا وما كان من المشركين} الّذين يدعونه من أهل الشّرك. واختلفوا في عيسى، فجعلته اليهود لفريةٍ، وجعلته النّصارى ربًّا، فهدانا اللّه للحقّ فيه؛ فهذا الّذي قال جلّ ثناؤه. {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه}.
قال: فكانت هداية اللّه جلّ ثناؤه الّذين آمنوا بمحمّدٍ، وبما جاء به لما اختلف هؤلاء الأحزاب من بني إسرائيل الّذين أوتوا الكتاب فيه من الحقّ بإذنه أن وفّقهم لإصابة ما كان عليه من الحقّ من كان قبل المختلفين الّذين وصف اللّه صفتهم في هذه الآية إذ كانوا أمّةً واحدةً، وذلك هو دين إبراهيم الحنيف المسلم خليل الرّحمن، فصاروا بذلك أمّةً واحدة وسطًا، كما وصفهم به ربّهم ليكونوا شهداء على النّاس.
- كما حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه} فهداهم اللّه عند الاختلاف أنّهم أقاموا على ما جاءت به الرّسل قبل الاختلاف، أقاموا على الإخلاص للّه وحده وعبادته لا شريك له، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، فأقاموا على الأمر الأوّل الّذي كان قبل الاختلاف، واعتزلوا الاختلاف فكانوا شهداء على النّاس يوم القيامة؛ كانوا شهداء على قوم نوحٍ، وقوم هودٍ، وقوم صالحٍ، وقوم شعيبٍ، وآل فرعون، أنّ رسلهم قد بلّغوهم، وأنّهم كذّبوا رسلهم
[جامع البيان: 3/632]
وهي في قراءة أبيّ بن كعبٍ: وليكونوا شهداء على النّاس يوم القيامة، واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ. فكان أبو العالية، يقول في هذه الآية المخرج من الشّبهات والضّلالات والفتن.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه} يقول: اختلف الكفّار فيه، فهدى اللّه الّذي آمنوا للحقّ من ذلك؛ وهي في قراءة ابن مسعودٍ: فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا، عنه عن الإسلام.
وأمّا قوله: {بإذنه} فإنّه يعني جلّ ثناؤه بعلمه بهم لما هداهم له.
وقد بيّنّا معنى الإذن إذ كان بمعنى العلم في غير الموضع بما أغنى عن إعادته هاهنا.
وأمّا قوله: {واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} فإنّه يعني به: واللّه يسدّد من يشاء من خلقه ويرشده إلى الطّريق القويم على الحقّ الّذي لا إعوجاج فيه، كما هدى الّذين آمنوا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، لما اختلف الّذين أوتوا الكتاب فيه بغيًا بينهم، فسدّدهم لإصابة الحقّ، والصّواب فيه.
[جامع البيان: 3/633]
وفي هذه الآية البيان الواضح على صحّة ما قاله أهل الحقّ من أنّ كلّ نعمةٍ على العباد في دينهم أو دنياهم، فمن اللّه عزّ وجلّ.
فإن قال لنا قائلٌ: وما معنى قوله: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه} أهداهم للحقّ أم هداهم للاختلاف؟ فإن كان هداهم للاختلاف فإنّما أضلّهم، وإن كان هداهم للحقّ فيكفّ قيل: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه}؟
قيل: إنّ ذلك على غير الوجه الّذي ذهبت إليه، وإنّما معنى ذلك: فهدى اللّه الّذين آمنوا للحقّ مما اختلف فيه من كتاب اللّه الّذين أوتوه، فكفر بتبديله بعضهم، وثبت على الحقّ والصّواب فيه بعضهم، وهم أهل التّوراة الّذين بدّلوها، فهدى اللّه للحقّ ممّا بدّلوا وحرّفوا الّذين آمنوا من أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال أبو جعفرٍ: فإن أشكل ما قلنا على ذي غفلةٍ، فقال وكيف يجوز أن يكون ذلك كما قلت، ومن إنّما هي في كتاب اللّه في الحقّ واللاّم في قوله: {لما اختلفوا فيه} وأنت تحوّل اللاّم في الحقّ، ومن في الاختلاف في التّأويل الّذي تتأوّله فتجعله مقلوبًا؟
قيل: ذلك في كلام العرب موجودٌ مستفيضٌ، واللّه تبارك وتعالى إنّما خاطبهم بمنطقهم، فمن ذلك قول الشّاعر:
كانت فريضة ما تقول كما = كان الزّناء فريضة الرّجم
[جامع البيان: 3/634]
وإنّما الرّجم فريضة الزّنا. وكما قال الآخر:
إنّ سراجًا لكريمٌ مفخره = تحلى به العين إذا ما تجهره
وإنّما سراجٌ الّذي يحلى بالعين، لا العين بالسراجٍ.
وقد قال بعضهم: إنّ معنى قوله {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ} أنّ أهل الكتب الأول اختلفوا، فكفر بعضهم بكتاب بعضٍ، وهي كلّ: من عند اللّه، فهدى اللّه أهل الإيمان بمحمّدٍ للتّصديق بجميعها، وذلك قولٌ غير أنّ الأوّل أصحّ القولين، لأنّ اللّه إنّما أخبر باختلافهم في كتابٍ واحدٍ). [جامع البيان: 3/635]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (كان النّاس أمّةً واحدةً فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلّا الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغيًا بينهم فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ (213)
قوله تعالى: كان النّاس
- حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الهرويّ، ثنا أبو داود الحفريّ، عن سفيان، عن ابن جريجٍ عن مجاهدٍ: كان النّاس أمّةً واحدةً قال: آدم. وروي عن الثّوريّ، مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/376]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: أمّةً واحدةً
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ، في قول اللّه تعالى: كان النّاس أمّةً واحدةً قال: كانوا أمّةً واحدةً حيث عرضوا على آدم، ففطرهم اللّه يومئذٍ على الإسلام وأقرّوا له بالعبوديّة، وكانوا أمّةً واحدةً مسلمين كلّهم، ثمّ اختلفوا من بعد آدم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا شيبان بن فرّوخ، ثنا همّامٌ، ثنا قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: كان النّاس أمّةً واحدةً قال: كانوا كفّارًا فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين). [تفسير القرآن العظيم: 1/376]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين
- حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم أبو جعفرٍ، عن الرّبيع عن أبي العالية عن أبيّ بن كعبٍ أنّه كان يقرؤها: كان النّاس أمّةً واحدةً فاختلفوا فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين وإنّ اللّه إنّما بعث الرّسل وأنزل الكتاب بعد الاختلاف.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ، عن قتادة:
فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين فكان أوّل نبيٍّ بعث نوحٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا الحسين بن الحسن ثنا إبراهيم بن عبد اللّه أنبأ حجّاجٌ عن ابن جريجٍ قال: كان بين آدم ونوحٍ، عشرة أنبياء فبعث اللّه النّبيّين، ونشر من آدم النّاس فبعث فيهم النّبيّين مبشّرين ومنذرين.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ الحسن بن عمرٍو بيّاعٌ السّابريّ، ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين يقول: كانوا على شريعةٍ من الحقّ كلّهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/376]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى وأنزل معهم الكتاب بالحقّ
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية عن أبيّ بن كعبٍ في قوله وأنزل معهم الكتاب بالحقّ قال: أنزل الكتاب عند الاختلاف). [تفسير القرآن العظيم: 1/376]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه
- حدثنا محمد بن نحيى، أنبأ الحسن بن عمرٍو بيّاعٌ السّابريّ، ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه قال: ذكر لنا أنّه كان بين آدم ونوحٍ عشرة قرونٍ، كلّهم على الهدى، وعلى شريعةٍ من الحقّ، ثمّ اختلفوا بعد ذلك فبعث اللّه نوحًا. وكان أوّل رسولٍ أرسله اللّه إلى أهل الأرض، وبعث عند الاختلاف من النّاس وترك الحقّ، فبعث اللّه رسله وأنزل كتابه يحتجّ به على خلقه). [تفسير القرآن العظيم: 1/377]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله وما اختلف فيه إلّا الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن أبي العالية عن أبيّ بن كعبٍ، قوله: وما اختلف فيه إلا الّذين أوتوه يعني بني إسرائيل، أوتوا الكتاب والعلم، من بعد ما جاءتهم البيّنات). [تفسير القرآن العظيم: 1/377]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: بغيًا بينهم
- وبه عن أبيّ بن كعبٍ، في قوله: بغيًا بينهم يقول: بغيًا على الدّنيا وطلب ملكها وزخرفها وزينتها، أيّهم يكون له الملك والمهابة في النّاس فبغى بعضهم على بعضٍ، وضرب بعضهم رقاب بعضٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/377]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى فهدى اللّه الّذين آمنوا
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة: فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: نحن الآخرون الأوّلون يوم القيامة، نحن أوّل النّاس دخولا الجنّة، بيد أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتينا الكتاب من بعدهم فهدانا اللّه لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه، فهذا اليوم الّذي هدانا اللّه له، والنّاس لنا تبعٌ فيه، غدًا لليهود، وبعد غدٍ للنصارى.
[تفسير القرآن العظيم: 2/377]
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه يقول: فهداهم اللّه عند الاختلاف، أنّهم أقاموا على ما جاءت به الرّسل قبل الاختلاف. أقاموا على الإخلاص للّه وحده وعبادته لا شريك له وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة، وأقاموا على الأمر الأوّل الّذي كان قبل الاختلاف، واعتزلوا الاختلاف، فكانوا شهداء على النّاس يوم القيامة. كانوا شهداء على قوم نوحٍ وقوم هودٍ وقوم صالحٍ، وقوم شعيبٍ، وآل فرعون، أنّ رسلهم قد بلّغتهم وأنّهم كذّبوا رسلهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/378]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهب، أخبرني عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم، عن أبيه، في قول اللّه: فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه فاختلفوا في يوم الجمعة، فاتّخذ اليهود يوم السّبت والنّصارى يوم الأحد، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ ليوم الجمعة واختلفوا في القبلة، فاستقبلت النّصارى الشّرق واليهود بيت المقدس، وهدى اللّه أمّة محمّدٍ للقبلة واختلفوا في الصّلاة، فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع ومنهم من يصلّي وهو يتكلّم، ومنهم من يصلّي وهو يمشي، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ للحقّ من ذلك، واختلفوا في الصّيام فمنهم من يصوم النّهار، ومنهم من يصوم من بعض الطّعام، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ للحقّ من ذلك، واختلفوا في إبراهيم، فقالت اليهود: كان يهوديًّا، وقالت النّصارى: كان نصرانيًّا، وجعله اللّه حنيفًا مسلمًا، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ، للحقّ من ذلك. واختلفوا في عيسى، فكذّبت به اليهود وقالوا لأمّه بهتانًا عظيمًا، وجعلته النّصارى إلهًا وولدًا، وجعله اللّه روحه وكلمته، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ للحقّ من ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/378]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قول اللّه تعالى واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ يقول: يهديهم للخروج من الشّبهات والضّلالات والفتن). [تفسير القرآن العظيم: 1/378]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد كان الناس أمة واحدة قال يعني بالناس آدم). [تفسير مجاهد: 104]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {كان النّاس أمّةً واحدةً} [البقرة: 213].
- عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {كان النّاس أمّةً واحدةً} [البقرة: 213] قال: على الإسلام كلّهم.
وقال الكلبيّ: يعني على الكفر كلّهم.
رواه أبو يعلى والطّبرانيّ باختصارٍ، ورجال أبي يعلى رجال الصّحيح.
- وعن ابن عبّاسٍ قال: كان بين آدم ونوحٍ عشرة قرونٍ كلّهم على شريعةٍ من الحقّ، قال: فلمّا بعث اللّه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأنزل كتابه، قال:
[مجمع الزوائد: 6/318]
{كان النّاس أمّةً واحدةً} [البقرة: 213].
رواه البزّار، وفيه عبد الصّمد بن النّعمان، وثّقه ابن معينٍ، وقال غيره: ليس بالقويّ). [مجمع الزوائد: 6/319]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا محمّد بن عبد الرّحيم، ثنا عبد الصّمد بن النّعمان، ثنا همّامٌ، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كان بين آدم ونوحٍ عشرة قرونٍ، كلّهم على شريعةٍ من الحقّ، قال: فلمّا بعث اللّه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأنزل كتابه قال: فكان النّاس أمّةً واحدةً). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/41]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال أبو يعلى الموصليّ: وثنا شيبان، ثنا همّامٌ، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ "في قوله تعالى: (كان النّاس أمّةً واحدة) قال: على الإسلام كلّهم".
وقال الكلبيّ: "على الكفر كلّهم".
هذا إسنادٌ رواته ثقاتٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/181]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا شيبان، ثنا همّامٌ، (عن) قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما (قال): كان النّاس أمّةً واحدةً، قال: على الإسلام كلّهم، وقال الكلبيّ: على الكفر كلّهم). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/514]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال {كان الناس أمة واحدة} قال: على الإسلام كلهم.
وأخرج البزار، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين قال: وكذلك في قراءة عبد الله (كان الناس أمة واحدة فاختلفوا)
[الدر المنثور: 2/496]
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال: كانوا أمة واحدة حيث عرضوا على آدم ففطرهم الله على الإسلام وأقروا له بالعبودية فكانوا أمة واحدة مسلمين ثم اختلفوا من بعد آدم.
وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {كان الناس أمة واحدة} قال: آدم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي أنه كان يقرؤها (كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين) وإن الله إنما بعث الرسل وأنزل الكتاب بعد الاختلاف {وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه} يعني بني اسرائيل أوتوا الكتاب والعلم {بغيا بينهم} يقول: بغيا على الدنيا وطلب ملكها وزخرفها أيهم يكون له الملك والمهابة في الناس فبغى بعضهم على بعض فضرب بعضهم رقاب بعض {فهدى الله الذين آمنوا} يقول: فهداهم الله عند الاختلاف أنهم أقاموا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف أقاموا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة واعتزلوا الاختلاف فكانوا شهداء على الناس يوم القيامة على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وآل فرعون وأن رسلهم بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم
[الدر المنثور: 2/497]
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {كان الناس أمة واحدة} قال: كفارا.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه} قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحن الأولون والآخرون الأولون يوم القيامة وأول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله فالناس لنا فيه تبع فغدا لليهود وبعد غد للنصارى هو في الصحيح بدون الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: كان بين آدم ونوح عشرة أنبياء ونشر من آدم الناس فبعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: ذكر لنا أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الهدى وعلى شريعة من الحق ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث الله نوحا وكان أول رسول أرسله الله إلى الأرض وبعث عند الاختلاف من الناس وترك الحق فبعث الله
[الدر المنثور: 2/498]
رسله وأنزل كتابه يحتج به على خلقه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه} فاختلفوا في يوم الجمعة فأخذ اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد فهدى الله أمة محمد بيوم الجمعة واختلفوا في القبلة فاستقبلت النصارى المشرق واليهود بيت المقدس وهدى الله أمة محمد للقبلة واختلفوا في الصلاة فمنهم من يركع ولا يسجد ومنهم من يسجد ولا يركع ومنهم من يصلي وهو يتكلم ومنهم من يصلي وهو يمشي فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك واختلفوا في الصيام فمنهم من يصوم النهار ومنهم من يصوم عن بعض الطعام فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك، واختلفوا في إبراهيم فقالت اليهود: كان يهوديا وقالت النصارى: كان نصرانيا، وجعله الله حنيفا مسلما فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك، واختلفوا في عيسى فكذبت به اليهود وقالوا لأمه بهتانا عظيما وجعلته النصارى إلها وولدا وجعله الله روحه وكلمته فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن السدي قال في قراءة ابن مسعود: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه} يقول: اختلفوا عن الإسلام.
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال: في قراءة أبي بن كعب (فهدى الله
[الدر المنثور: 2/499]
الذين آمنوا لما اختلفوا من الحق فيه بإذنه ليكونوا شهداء على الناس يوم القيامة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) فكان أبو العالية يقول: في هذه الآية يهديهم للمخرج من الشبهات والضلالات والفتن). [الدر المنثور: 2/500]

تفسير قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء قال نزلت في يوم الأحزاب أصاب النبي وأصحابه يومئذ بلاء وحصر فكانوا كما قال الله عز وجل وبلغت القلوب الحناجر). [تفسير عبد الرزاق: 1/83]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن عبيد بن عميرٍ في قول الله: {مسّتهم البأساء والضّرّاء} قال: البأساء: البؤس، والضّرّاء: الضّرّ، ثمّ قال: السّرّاء: الرّخاء، والضّرّاء: الشّدّة). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 311]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولـمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء} [البقرة: 214] إلى {قريبٌ} [البقرة: 186]

[صحيح البخاري: 6/28]
- حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشامٌ، عن ابن جريجٍ، قال: سمعت ابن أبي مليكة، يقول: قال ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: {حتّى إذا استيأس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا} [يوسف: 110] خفيفةً، ذهب بها هناك، وتلا: {حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ} [البقرة: 214] . فلقيت عروة بن الزّبير فذكرت له ذلك،
- فقال:
[صحيح البخاري: 6/28]
قالت عائشة: «معاذ اللّه واللّه ما وعد اللّه رسوله من شيءٍ قطّ إلّا علم أنّه كائنٌ قبل أن يموت، ولكن لم يزل البلاء بالرّسل، حتّى خافوا أن يكون من معهم يكذّبونهم» فكانت تقرؤها: (وظنّوا أنّهم قد كذّبوا) مثقّلةً). [صحيح البخاري: 6/29]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم الآية)
ذكر فيه حديث بن أبي مليكة عن بن عبّاسٍ وحديثه عن عروة عن عائشة في قوله حتّى إذا استيأس الرّسل وسيأتي شرحه في تفسير سورة يوسف إن شاء اللّه تعالى قوله باب نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّي شئتم اختلف في معنى أنّى فقيل كيف وقيل حيث وقيل متى وبحسب هذا الاختلاف جاء الاختلاف في تأويل الآية قوله حدّثني إسحاق هو بن راهويه
- قوله فأخذت عليه يومًا أي أمسكت المصحف وهو يقرأ عن ظهر قلبٍ وجاء ذلك صريحًا في رواية عبيد اللّه بن عمر عن نافعٍ قال قال لي بن عمر أمسك عليّ المصحف يا نافع فقرأ أخرجه الدّارقطنيّ في غرائب مالكٍ قوله حتّى انتهى إلى مكانٍ قال تدري فيما أنزلت قلت لا قال أنزلت في كذا وكذا ثمّ مضى هكذا أورده مبهمًا لمكان الآية والتّفسير وسأذكر ما فيه بعد قوله وعن عبد الصّمد هو معطوفٌ على قوله أخبرنا النّضر بن شميلٍ وهو عند المصنّف أيضًا عن إسحاق بن راهويه عن عبد الصّمد وهو بن عبد الوارث بن سعيدٍ وقد أخرج أبو نعيمٍ في المستخرج هذا الحديث من طريق إسحاق بن راهويه عن النّضر بن شميلٍ بسنده وعن عبد الصّمد بسنده قوله يأتيها في هكذا وقع في جميع النّسخ لم يذكر ما بعد الظّرف وهو المجرور ووقع في الجمع بين الصّحيحين للحميديّ يأتيها في الفرج وهو من عنده بحسب ما فهمه ثمّ وقفت على سلفه فيه وهو البرقانيّ فرأيت في نسخة الصّغانيّ زاد البرقانيّ يعني الفرج وليس مطابقا لما في نفس الرّواية عن بن عمر لما سأذكره وقد قال أبو بكر بن العربيّ في سراج المريدين أورد البخاريّ هذا الحديث في التّفسير فقال يأتيها في وترك بياضًا والمسألة مشهورةٌ صنّف فيها محمّد بن سحنون جزءا وصنف فيها محمّد بن شعبان كتابا وبين أن حديث بن عمر في
[فتح الباري: 8/189]
إتيان المرأة في دبرها قوله رواه محمّد بن يحيى بن سعيدٍ أي القطّان عن أبيه عن عبيد اللّه عن نافعٍ عن بن عمر هكذا أعاد الضّمير على الّذي قبله والّذي قبله قد اختصره كما ترى فأمّا الرّواية الأولى وهي رواية بن عون فقد أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده وفي تفسيره بالإسناد المذكور وقال بدل قوله حتّى انتهى إلى مكانٍ حتّى انتهى إلى قوله نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّي شئتم فقال أتدرون فيما أنزلت هذه الآية قلت لا قال نزلت في إتيان النّساء في أدبارهن وهكذا أورده بن جرير من طريق إسماعيل بن علية عن بن عونٍ مثله ومن طريق إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي عن بن عون نحوه وأخرجه أبو عبيدة في فضائل القرآن عن معاذٍ عن بن عونٍ فأبهمه فقال في كذا وكذا وأمّا رواية عبد الصّمد فأخرجها بن جريرٍ في التّفسير عن أبي قلابة الرّقاشيّ عن عبد الصّمد بن عبد الوارث حدّثني أبي فذكره بلفظ يأتيها في الدّبر وهو يؤيّد قول بن العربيّ ويردّ قول الحميديّ وهذا الّذي استعمله البخاريّ نوعٌ من أنواع البديع يسمّى الاكتفاء ولا بدّ له من نكتةٍ يحسن بسببها استعماله وأمّا رواية محمّد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان فوصلها الطّبرانيّ في الأوسط من طريق أبي بكرٍ الأعين عن محمّد بن يحيى المذكور بالسند المذكور إلى بن عمر قال إنّما نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نساؤكم حرثٌ لكم رخصةٌ في إتيان الدّبر قال الطّبرانيّ لم يروه عن عبد اللّه بن عمر إلّا يحيى بن سعيدٍ تفرّد به ابنه محمّدٌ كذا قال ولم يتفرّد به يحيى بن سعيدٍ فقد رواه عبد العزيز الدّراورديّ عن عبيد اللّه بن عمر أيضًا كما سأذكره بعد وقد روى هذا الحديث عن نافعٍ أيضا جماعة غير من ذكرنا ورواياتهم بذلك ثابتة عند بن مردويه في تفسيره وفي فوائد الأصبهانيّين لأبي الشّيخ وتاريخ نيسابور للحاكم وغرائب مالكٍ للدّارقطنيّ وغيرها وقد عاب الإسماعيليّ صنيع البخاريّ فقال جميع ما أخرج عن بن عمر مبهمٌ لا فائدة فيه وقد روّيناه عن عبد العزيز يعني الدّراورديّ عن مالكٍ وعبيد الله بن عمر وبن أبي ذئبٍ ثلاثتهم عن نافعٍ بالتّفسير وعن مالكٍ من عدّة أوجهٍ اه كلامه ورواية الدّراورديّ المذكورة قد أخرجها الدّارقطنيّ في غرائب مالكٍ من طريقه عن الثّلاثة عن نافعٍ نحو رواية بن عونٍ عنه ولفظه نزلت في رجلٍ من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم النّاس ذلك فنزلت قال فقلت له من دبرها في قبلها فقال لا إلّا في دبرها وتابع نافعًا على ذلك زيد بن أسلم عن بن عمر وروايته عند النّسائيّ بإسنادٍ صحيحٍ وتكلّم الأزديّ في بعض رواته ورد عليه بن عبد البر فأصاب قال ورواية بن عمر لهذا المعنى صحيحةٌ مشهورةٌ من رواية نافعٍ عنه بغير نكيرٍ أن يرويها عنه زيد بن أسلم قلت وقد رواه عن عبد اللّه بن عمر أيضًا ابنه عبد اللّه أخرجه النّسائيّ أيضًا وسعيد بن يسارٍ وسالم بن عبد اللّه بن عمر عن أبيه مثل ما قال نافعٌ وروايتهما عنه عند النّسائيّ وبن جريرٍ ولفظه عن عبد الرّحمن بن القاسم قلت لمالكٍ إنّ ناسًا يروون عن سالمٍ كذب العبد على أبي فقال مالكٌ أشهد على زيد بن رومان أنّه أخبرني عن سالم بن عبد اللّه بن عمر عن أبيه مثل ما قال نافعٌ فقلت له إنّ الحارث بن يعقوب يروي عن سعيد بن يسار عن بن عمر أنّه قال أفٍّ أو يقول ذلك مسلمٌ فقال مالكٌ أشهد على ربيعة لأخبرني عن سعيد بن يسار عن بن عمر مثل ما قال نافعٌ وأخرجه الدّارقطنيّ من طريق عبد الرّحمن بن القاسم عن مالكٍ وقال هذا محفوظٌ عن مالكٍ صحيحٌ اهـ وروى الخطيب في الرّواة عن مالكٍ من طريق إسرائيل بن روحٍ قال سألت مالكًا عن ذلك فقال ما أنتم قوم عربٍ هل يكون الحرث إلّا موضع الزّرع وعلى هذه القصّة اعتمد المتأخّرون من المالكيّة فلعلّ مالكًا رجع عن قوله الأوّل أو كان يرى أنّ العمل على خلاف حديث بن
[فتح الباري: 8/190]
عمر فلم يعمل به وإن كانت الرّواية فيه صحيحة على قاعدته ولم ينفرد بن عمر بسبب هذا النّزول فقد أخرج أبو يعلى وبن مردويه وبن جريرٍ والطّحاويّ من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسارٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ أنّ رجلًا أصاب امرأته في دبرها فأنكر النّاس ذلك عليه وقالوا نعيّرها فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآية وعلّقه النّسائيّ عن هشام بن سعيدٍ عن زيدٍ وهذا السّبب في نزول هذه الآية مشهورٌ وكأنّ حديث أبي سعيد لم يبلغ بن عبّاس وبلغه حديث بن عمر فوهّمه فيه فروى أبو داود من طريق مجاهد عن بن عبّاس قال أن بن عمر وهم واللّه يغفر له إنّما كان هذا الحيّ من الأنصار وهم أهل وثنٍ مع هذا الحيّ من يهود وهم أهل كتابٍ فكانوا يأخذون بكثيرٍ من فعلهم وكان أهل الكتاب لا يأتون النّساء إلّا على حرفٍ وذلك أستر ما تكون المرأة فأخذ ذلك الأنصار عنهم وكان هذا الحيّ من قريشٍ يتلذّذون بنسائهم مقبلاتٍ ومدبراتٍ ومستلقياتٍ فتزوّج رجلٌ من المهاجرين امرأةً من الأنصار فذهب يفعل فيها ذلك فامتنعت فسرى أمرهما حتّى بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه تعالى نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم مقبلاتٍ ومدبراتٍ ومستلقياتٍ في الفرج أخرجه أحمد والتّرمذيّ من وجه آخر صحيح عن بن عبّاسٍ قال جاء عمر فقال يا رسول اللّه هلكت حوّلت رحلي البارحة فأنزلت هذه الآية نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم أقبل وأدبر واتّق الدّبر والحيضة وهذا الّذي حمل عليه الآية موافقٌ لحديث جابرٍ المذكور في الباب في سبب نزول الآية كما سأذكره عند الكلام عليه وروى الرّبيع في الأمّ عن الشّافعيّ قال احتملت الآية معنيين أحدهما أن تؤتى المرأة حيث شاء زوجها لأنّ أنّى بمعنى أين شئتم واحتملت أن يراد بالحرث موضع النّبات والموضع الّذي يراد به الولد هو الفرج دون ما سواه قال فاختلف أصحابنا في ذلك وأحسب أنّ كلًّا من الفريقين تأوّل ما وصفت من احتمال الآية قال فطلبنا الدّلالة فوجدنا حديثين أحدهما ثابتٌ وهو حديث خزيمة بن ثابتٍ في التّحريم فقوّى عنده التّحريم وروى الحاكم في مناقب الشّافعي من طريق بن عبد الحكم أنّه حكى عن الشّافعيّ مناظرةً جرت بينه وبين محمّد الحسن في ذلك وأن بن الحسن احتجّ عليه بأنّ الحرث إنّما يكون في الفرج فقال له فيكون ما سوى الفرج محرّمًا فالتزمه فقال أرأيت لو وطئها بين سافيها أو في أعكانها أفي ذلك حرثٌ قال لا قال أفيحرم قال لا قال فكيف تحتجّ بما لا تقول به قال الحاكم لعلّ الشّافعيّ كان يقول ذلك في القديم وأمّا في الجديد فصرّح بالتّحريم اه ويحتمل أن يكون ألزم محمّدًا بطريق المناظرة وإن كان لا يقول بذلك وإنّما انتصر لأصحابه المدنيّين والحجّة عنده في التّحريم غير المسلك الّذي سلكه محمّدٌ كما يشير إليه كلامه في الأمّ وقال المازريّ اختلف النّاس في هذه المسألة وتعلّق من قال بالحلّ بهذه الآية وانفصل عنها من قال يحرم بأنّها نزلت بالسّبب الوارد في حديث جابرٍ في الرّدّ على اليهود يعني كما في حديث الباب الآتي قال والعموم إذا خرج على سببٍ قصر عليه عند بعض الأصوليّين وعند الأكثر العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب وهذا يقتضي أن تكون الآية حجّةً في الجواز لكن وردت أحاديث كثيرةٌ بالمنع فتكون مخصّصةً لعموم الآية وفي تخصيص عموم القرآن ببعض خبر الآحاد خلافٌ اه وذهب جماعةٌ من أئمّة الحديث كالبخاريّ والذّهليّ والبزّار والنّسائيّ وأبي عليّ النّيسابوريّ إلى أنّه لا يثبت فيه شيءٌ قلت لكن طرقها كثيرةٌ فمجموعها صالحٌ للاحتجاج به ويؤيّد القول بالتّحريم أنّا لو قدّمنا أحاديث الإباحة للزم أنّه أبيح بعد أن حرم والأصل عدمه فمن الأحاديث الصّالحة الإسناد حديث خزيمة بن ثابتٍ أخرجه أحمد والنّسائيّ وبن ماجة
[فتح الباري: 8/191]
وصححه بن حبّان وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد والتّرمذيّ وصححه بن حبان أيضا وحديث بن عبّاس وقد تقدّمت الإشارة إليه وأخرجه التّرمذيّ من وجهٍ آخر بلفظ لا ينظر اللّه إلى رجلٍ أتى رجلًا أو امرأة في الدبر وصححه بن حبّان أيضًا وإذا كان ذلك صلح أن يخصّص عموم الآية ويحمل على الإتيان في غير هذا المحلّ بناءً على أنّ معنى أنّى حيث وهو المتبادر إلى السّياق ويغني ذلك عن حملها علىمعنى آخر غير المتبادر واللّه أعلم
- قوله حدّثنا سفيان هو الثّوريّ قوله كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت هذا السّياق قد يوهم أنّه مطابقٌ لحديث بن عمر وليس كذلك فقد أخرجه الإسماعيليّ من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثّوريّ بلفظ باركةً مدبرةً في فرجها من ورائها وكذا أخرجه مسلمٌ من طريق سفيان بن عيينة عن بن المنكدر بلفظ إذا أتيت امرأةً من دبرها في قبلها ومن طريق أبي حازمٍ عن بن المنكدر بلفظ إذا أتيت المرأة من دبرها فحملت وقوله فحملت يدلّ على أنّ مراده أنّ الإتيان في الفرج لا في الدّبر وهذا كله يؤيّد تأويل بن عبّاس الّذي رد به على بن عمر وقد أكذب اللّه اليهود في زعمهم وأباح للرّجال أن يتمتّعوا بنسائهم كيف شاءوا وإذا تعارض المجمل والمفسّر قدّم المفسّر وحديث جابرٍ مفسّرٌ فهو أولى أن يعمل به من حديث بن عمر واللّه أعلم وأخرج مسلمٌ أيضًا من حديث جابرٍ زيادةً في طريق الزّهريّ عن بن المنكدر بلفظ إن شاء محبيةً وإن شاء غير محبيةٍ غير أنّ ذلك في صمامٍ واحدٍ وهذه الزّيادة يشبه أن تكون من تفسير الزّهريّ لخلوّها من رواية غيره من أصحاب بن المنكدر مع كثرتهم وقوله محبيةً بميمٍ ثمّ موحّدةٍ أي باركةً وقوله صمامٍ بكسر المهملة والتّخفيف هو المنفذ). [فتح الباري: 8/192]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (بابٌ: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولما يأتيكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّراء} إلى {وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إنّ نصر الله قريبٌ} (البقرة: 214)
أي: هذا باب ذكر فيه (أم حسبتم) إلى آخره ذكر عبد الرّزّاق في (تفسيره): عن قتادة: نزلت هذه الآية في يوم الأحزاب أصاب النّبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ وأصحابه بلاء وحصر، قاله القرطبيّ: وهو قول أكثر المفسّرين، قال وقيل: نزلت في يوم أحد. وقيل: نزلت تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين وآثروا رضا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. قوله: (أم حسبتم)، قد علم في النّحو أن: أم عليّ نوعين متّصلة وهي الّتي تتقدمها همزة التّسوية نحو: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا} (إبراهيم: 121) وسميت متّصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر، ومنقطعة وهي الّتي لا يفارقها معنى الإضراب، وزعم ابن الشجري عن جميع البصريين أنّها أبدا بمعنى: بل، وهي مسبوقة بالخبر المحض. نحو: {تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه} (السّجدة: 2) ومسبوقة بهمزة لغير الاستفهام. نحو: {ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها} (الأعراف: 195) إذ الهمزة فيها للإنكار ثمّ إن: أم هذه قد اختلفوا فيها، فقال الزّجاج: معناها بل حسبتم وقال الزّمخشريّ: منقطعة ومعنى الهمزة فيها للتقرير، وفي (تفسير الجوزيّ) أم هنا للخروج من حديث إلى حديث، وفي (تفسير ابن أبي السنان) أم، هذه متّصلة بما قبلها لأن الاستفهام لا يكون في ابتداء الكلام فلا يقال: أم عند خبر، بمعنى: عندك،
[عمدة القاري: 18/114]
وقيل: هي معطوفة على استفهام محذوف مقدم أي: أعلمتم أن الجنّة حفت بالمكاره أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة بغير مكروه. قوله: (ولما يأتكم)، كلمة لما، لنفي: لم يفعل، وكلمة لم لنفي فعل. قوله: (مثل الّذين خلوا)، أي: صفة الّذين مضوا من قبلكم من النّبيين والمؤمنين، وفيه إضمار أي: مثل محنة الّذين. أو مصيبة الّذين مضوا. قوله: (مستهم البأساء والضرآء)، أي: الأمراض والأسقام والآلام والمصائب والنوائب، وقال ابن عبّاس وابن مسعود وأبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير ومرّة الهمداني والحسن وقتادة والضّحّاك والربيع والسّديّ ومقاتل بن حيّان، البأساء الفقر، وقال ابن عبّاس: الضراء السقم. قوله: (وزلزلوا)، أي: أزعجوا إزعاجا شديدا شبيها بالزلزلة بما أصابهم من الأهوال والأفزاع. قوله: (حتّى يقول الرّسول) يعني: إلى الغاية الّتي يقول الرّسول ومن معه فيها: متى نصر الله يعني: بلغ منهم الجهد إلى أن استبطؤا النّصر. وقالوا: متى ينزل نصر الله؟ قال مقاتل: الرّسول هو أليسع، واسمه: شعيا والّذين آمنوا حزقيا الملك حين حضر القتال ومن معه من المؤمنين وأن ميشا بن حزقيا قتل اليسع، عليه الصّلاة والسّلام. وقال الكلبيّ: هذا في كل رسول بعث إلى أمته. وعن الضّحّاك: يعني محمّدًا، عليه الصّلاة والسّلام. وقال القرطبيّ: وعليه يدل نزول الآية الكريمة، وأكثر المتأولين على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرّسول والمؤمنين، أي: بلغ بهم الجهد حتّى استبطؤ النّصر فقال الله، عز وجل: (ألا إن نصر الله قريب) ويكون ذلك من قول الرّسول على طلب استعجال النّصر لا على شكّ وارتياب، وقالت طائفة: في الكلام تقديم وتأخير، والتّقدير: يقول الّذين آمنوا متى نصر الله؟ فيقول الرّسول: ألا إن نصر الله قريب. فقدم الرّسول في الرّتبة لمكانته ولم يقدم المؤمنين. لأنّه المقدم في الزّمان، ويقول: بالرّفع والنّصب، فقراءة القرّاء بالنّصب إلاّ مجاهدًا، قاله الفراء: وبعض أهل المدينة رفعوه. وقال الزّمخشريّ النصب على إضمار أن، والرّفع على أنه في معنى الحال كقولك: شربت الإبل حتّى يجيء البعير حتّى يجر بطته إلّا أنّها حال ماضية محكية. قوله: (ألا إن نصر الله قريب)، أي: قيل لهم: أن نصر الله قريب، إجابة لهم إلى طلبهم.
- حدّثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشامٌ عن ابن جريجٍ قال سمعت ابن أبي مليكة يقول قال ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما حتّى إذا استيأس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا خفيفة ذهب بها هناك وتلا {حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر الله قريبٌ} (البقرة: 141) فلقيت عروة ابن الزّبير فذكرت له ذلك فقال قالت عائشة معاذ الله والله ما وعد الله رسوله من شيءٍ قطّ إلاّ علم أنّه كائنٌ قبل أن يموت ولاكن لم يزل البلاء بالرّسل حتّى خافوا أن يكون من معهم يكذّبونهم فكانت تقّرؤها وظنّوا أنّهم قد كذّبوا مثقّلةً.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة وإبراهيم بن موسى يزيد الرّازيّ الفراء، يعرف بالصغير، وهشام هو ابن حسان يروي عن عبد الملك ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة والحديث أخرجه النّسائيّ أيضا في التّفسير عن قتيبة.
قوله: (قال ابن عبّاس: حتّى إذا استيأس الرّسل) أي: من النّصر (وظنوا أنهم قد كذبوا) أي: كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنّهم ينصرون. قوله: (خفيفة) أي: خفيفة الذّال في قوله: قد كذبوا. قوله: (ذهب بها) أي: ذهب ابن عبّاس بهذه الآية أي: قوله: (حتّى إذا استيأس الرّسل) الآية الّتي في سورة يوسف لا الآية الّتي في البقرة، يعني: فهم من هذه الآية ما فهم من تلك الآية لكون الاستفهام في متى نصر الله للاستبعاد والاستبطاء فهما متناستان في مجيء النّصر بعد اليأس والاستيعادة. قوله: (فلقيت عروة بن الزبير) القائل بهذا هو ابن أبي مليكة الرّاوي.
قوله: (فقال) أي: عروة بن الزبير (قالت عائشة رضي الله تعالى عنها) قوله: (قبل أن يموت) ظرف للعلم لا للكون. قيل: لم أنكرت عائشة على ابن عبّاس بقولها: معاذ الله إلى آخره مع أن قراءة التّخفيف تحتمل معنى ما قالت عائشة بأن يقال خافوا أن يكون من معهم يكذبونهم؟ وأجيب بأن الإنكار من جهة أن مراده أن الرّسل ظنّوا أنهم مكذبون من عند الله لا من عند أنفسهم بقرينة الاستشهاد بالآية الّتي في البقرة. فقيل: لو كان كما قالت عائشة لقيل: وتيقنوا أنهم قد كذبوا، لأن تكذيب القوم لهم كان متيقنا وأجيب: بأن تكذيب أتباعهم
[عمدة القاري: 18/115]
من المؤمنين كان مظنونا والمتيقن هو تكذيب الّذين لم يؤمنوا أصلا فإن قيل: فما وجه كلام ابن عبّاس؟ قيل: وجهه ما ذكره الخطابيّ: بأن يقال لا شكّ أن مذهبه أنه لم يجز على الرّسل أن يكذبوا بالوحي الّذي يأتيهم من قبل الله لكن يحتمل أن يقال: إنّهم عند تطاول البلاء وإبطاء نجز الوعد توهموا أن الّذي جاءهم من الوحي كان غلطا منهم. فالكذب متأول بالغلط. كقولهم: كذبتك نفسك. وقال الزّمخشريّ: وعن ابن عبّاس: وظنوا حين ضعفوا أو غلبوا أنهم قد خلفوا ما وعدهم الله من النّصر، وقال: وكانوا بشرا وتلا قوله: {وزلزلوا حتّى يقول الرّسول} (البقرة: 214) فإن صحّ هذا فقد أراد بالظّنّ ما يهجس في القلب من شبه الوسوسة. وحديث النّفس على ما عليه البشرية وأما الظّن الّذي يترجّح أحد الجانبين على الآخر فيه فغير جائز على آحاد الأمة فكيف بالرسل؟ قوله: (تقرؤها) أي: فكانت عائشة رضي الله عنها. تقرأ قوله وكذبوا، مثقلة أي: بالتّشديد، وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر، وقراءة عاصم وحمزة والكسائيّ بالتّخفيف). [عمدة القاري: 18/116]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء} -إلى- {قريبٌ} [البقرة: 214]
({أم حسبتم}) وفي نسخة: باب أم حسبتم ({أن تدخلوا الجنة}) قبل أن تبتلوا قيل أم هي المنقطعة فتقدر ببل والهمزة قيل لإضراب انتقال من أخبار إلى أخبار والهمزة للتقرير والتقدير بل أحسبتم وقيل لمجرد الإضراب من غير تقدير والمعنى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة قبل أن تبتلوا وتختبروا وتمتحنوا كما فعل بالذين من قبلكم من الأمم ولذا قال: ({ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء}) وهي الأمراض والأسقام والآلام والمصائب والنوائب. وقال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما البأساء: الفقر، وقال ابن عباس: والضراء السقم والواو في ولما للحال والجملة بعدها نصب عليها ولما حرف جزم معناها النفي كلم وفيها توقع ولذا جعل مقابل قد (إلى {قريب}) [البقرة: 214] وفي رواية أبي ذر بعد قوله: {من قبلكم} الآية وحذف ما عدا ذلك.
وعند ابن أبي حاتم في تفسيره أنها نزلت يوم الأحزاب حين أصاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بلاء وحصر، وقيل في يوم أحد، وقيل: نزلت تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين.
- حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشامٌ عن ابن جريجٍ، قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- {حتّى إذا استيأس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا} [يوسف: 110] خفيفةً ذهب بها هناك وتلا: {حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ} [البقرة: 214]. فلقيت عروة بن الزّبير فذكرت له ذلك.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (إبراهيم بن موسى) بن يزيد الرازي الفراء الصغير قال: ({أخبرنا هشام}) هو ابن حسان (عن ابن جريج) عبد الملك أنه (قال: سمعت ابن أبي مليكة) عبد الله (يقول: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-)
[إرشاد الساري: 7/32]
في قوله تعالى: ({حتى إذا استيأس الرسل}) ليس في الكلام شيء حتى يكون غاية له فقدروه {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا}
[النحل: 43] فتراخى نصرهم حتى وقيل غير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام ({وظنوا أنهم قد كذبوا}) [يوسف: 110] (خفيفة) ذالها المعجمة وهي قراءة الكوفيين على معنى أنه أعاد الضمير من ظنوا وكذبوا على الرسل أي هم ظنوا أن أنفسهم كذبتم ما حدثتهم به من النصرة كما يقال: صدق رجاؤه وكذب رجاؤه أو أعاد الضميرين على الكفار أي: وظن الكفار أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به من النصر أو غير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام.
قال ابن أبي مليكة: (ذهب بها) أي بهذه الآية ابن عباس (هناك) بغير لام في اليونينية أي فهم منها ما فهمه من آية البقرة من الاستبعاد والاستبطاء (وتلا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه) لتناهي الشدة واستطالة المدة بحيث تقطعت حبال الصبر ({متى نصر الله}) استبطاء لتأخره فقيل لهم: ({ألا إن نصر الله قريب}) [البقرة: 214] إسعافًا لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر، وهذه الآية كآية سورة يوسف في مجيء النصر بعد اليأس والاستبعاد وفي ذلك إشارة إلى أن الوصول إلى الله تعالى والفوز بالكرامة عنده برفض اللذات ومكابدة الشدائد والرياضات. قال ابن أبي مليكة: (فلقيت عروة بن الزبير فذكرت له ذلك) المذكور من تخفيف ذال كذبوا.
- فقال: قالت عائشة: معاذ اللّه، واللّه ما وعد اللّه رسوله من شيءٍ قطّ إلاّ علم أنّه كائنٌ قبل أن يموت، ولكن لم يزل البلاء بالرّسل حتّى خافوا أن يكون من معهم يكذّبونهم، فكانت تقرؤها {وظنّوا أنّهم قد كذّبوا} مثقّلةً.
(فقال: قالت عائشة): منكرة على ابن عباس (معاذ الله والله ما وعد الله رسوله من شيء قط إلا علم أنه كائن قبل أن يموت) ظرف للعلم لا للكون (ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون من معهم) من المؤمنين (يكذبونهم) وإنكار عائشة على ابن عباس رضي الله تعالى عنهم إنما هو من جهة أن مراده أن الرسل ظنوا أنهم مكذبون من عند الله لا من عند أنفسهم بقرينة الاستشهاد بآية البقرة، ولا يقال لو كان كما قالت عائشة لقيل وتيقنوا أنهم قد كذبوا لأن تكذيب القوم لهم كان متحققًا لأن تكذيب أتباعهم من المؤمنين كان مظنونًا والمتيقن هو تكذيب من لم يؤمن أصلًا. قاله الكرماني، ويأتي زيادة لذلك في آخر سورة يوسف عليه الصلاة والسلام إن شاء الله تعالى (فكانت تقرؤها {وظنوا أنهم قد كذبوا}، مثقلة) وهي قراءة الباقين غير الكوفيين على معنى: وظن الرسل أن قومهم قد كذبوهم فيما وعدوهم به من العذاب والنصرة عليهم فأعاد الضميرين على الرسل). [إرشاد الساري: 7/33]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ}.
أمّا قوله: {أم حسبتم} فإنّه استفهم بـ أم في ابتداءٍ لم يتقدّمه حرف استفهامٍ لسبوق كلامٍ هو به متّصلٌ، ولو لم يكن قبله كلامٌ يكون به متّصلاً، وكان ابتداءً لم يكن إلاّ بحرفٍ من حروف الاستفهام؛ لأنّ قائلاً لو كان قال مبتدئًا كلامًا لآخر: أم عندك أخوك؟ لكان قائلاً ما لا معنى له؛ ولكن لو قال: أنت رجلٌ مدلٌّ بقوّتك أم عندك أخوك ينصرك؟ كان مصيبًا.
[جامع البيان: 3/635]
وقد بيّنّا بعض هذا المعنى فيما مضى من كتابنا هذا بما فيه الكفاية عن إعادته.
فمعنى الكلام: أم حسبتم أنّكم أيّها المؤمنون باللّه ورسله تدخلون الجنّة، ولم يصبكم مثل ما أصاب من قبلكم من أتباع الأنبياء والرّسل من الشّدائد والمحن والاختبار، فتبتلوا بما ابتلوا واختبروا به من البأساء وهو شدّة الحاجة، والفاقة، والضّرّاء، وهي العلل، والأوصاب؛ ولم تزلزلوا زلزالهم، يعني: ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف، والرّعب شدّةٌ وجهدٌ حتّى يستبطئ القوم نصر اللّه إيّاهم، فيقولون: متى اللّه ناصرنا. ثمّ أخبرهم اللّه أنّ نصره منهم قريبٌ، وأنّه معليهم على عدوّهم، ومظهرهم عليه، فنجز لهم ما وعدهم، وأعلى كلمتهم، وأطفأ نار حرب الّذين كفروا.
وهذه الآية فيما يزعم أهل التّأويل نزلت يوم الخندق، حين لقي المؤمنون ما لقوا من شدّة الجهد، من خوف الأحزاب، وشدّة أذى البرد، وضيق العيش الّذي كانوا فيه يومئذٍ، يقول اللّه جلّ وعزّ للمؤمنين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها} إلى قوله: {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون باللّه الظّنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدًا}.
[جامع البيان: 3/636]
ذكر من قال نزلت هذه الآية يوم الخندق.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أم حسبتم أن تدخلوا، الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا} قال: أصابهم هذا يوم الأحزاب حتى قال قائلهم: {ما وعدنا اللّه ورسوله إلاّ غرورًا}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله {ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا} قال: نزلت في يوم الأحزاب، أصاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه بلاءٌ وحصر، فكانوا كما قال اللّه جلّ وعزّ: {وبلغت القلوب الحناجر}.
وأمّا قوله: {ولمّا يأتكم} فإنّ عامّة أهل العربيّة يتأوّلونه بمعنى: ولم يأتكم، ويزعمون أنّ ما صلةٌ وحشوٌ.
وقد بيّنت القول في ما الّتي يسمّيها أهل العربيّة صلة ما حكمها في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته..
وأمّا معنى قوله: {مثل الّذين خلوا من قبلكم} فإنّه يعني: شبه الّذين خلوا فمضوا قبلكم.
[جامع البيان: 3/637]
وقد دلّلت في غير هذا الموضع على أنّ المثل الشّبه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة} إلى قوله: {ألا إنّ نصر الله قريبٌ} قال: يقول: أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا تتبتلوا، يقول: {ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم} يقول: سنن الذين من قبلكم {مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن عبد الملك بن جريجٍ، قال: قوله: {حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا} قال: هو خيرهم وأعلمهم باللّه.
وفي قوله: {حتّى يقول الرّسول} وجهان من القراءة: الرّفع، والنّصب. ومن رفع فإنّه يقول: لمّا كان يحسن في موضعه فعل بطل عمل حتّى فيها؛ لأنّ حتّى غير عاملةٍ في فعل، وإنّما تعمل في يفعل، وإذا تقدّمها فعل وكان الّذي بعدها يفعل، وهو ممّا قد فعل وفرغ منه، وكان ما قبلها من الفعل غير متطاولٍ، فالفصيح من كلام العرب حينئذٍ الرّفع في يفعل وإبطال عمل حتّى عنه،
[جامع البيان: 3/638]
وذلك كقول القائل: قمت إلى فلانٍ حتّى أضربه، فالرّفع هو الكلام الصّحيح في أضربه، إذا أراد: قمت إليه حتّى ضربته، إذا كان الضّرب قد كان وفرغ منه، وكان القيام غير متطاول المدّة. فأمّا إذا كان ما قبل حتّى من الفعل على لفظ فعل متطاول المدّة، وما بعدها من الفعل على لفظٍ غير منقضٍ، فالصّحيح من الكلام نصب يفعل وإعمال حتّى وذلك نحو قول القائل: ما زال فلانٌ يطلبك حتّى يكلّمك، وجعل ينظر إليك حتّى يثبتك؛ فالصّحيح من الكلام الّذي لا يصحّ غيره النّصب بـ حتّى كما قال الشّاعر:
مطوت بهم حتّى تكلّ مطيّهم = وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان
فنصب تكلّ والفعل الّذي بعد حتّى ماضٍ، لأنّ الّذي قبلها من المطو متطاولٌ.
والصّحيح من القراءة إذا كان ذلك كذلك وزلزلوا حتّى يقول الرّسول، بنصب يقول، إذ كانت الزّلزلة فعلاً متطاولاً، مثل المطو بالإبل. وإنّما الزّلزلة في هذا الموضع: الخوف من العدوّ، لا زلزلة الأرض، فلذلك كانت متطاولةً وكان النّصب في يقول وإن كان بمعنى فعل أفصح وأصحّ من الرّفع فيه). [جامع البيان: 3/639]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ (214)
قوله: أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عبد الرّحمن بن أبي الغمر، ثنا مفضل ابن فضالة المصريّ، قال: سألت أبا صخرٍ، عن قول اللّه أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة الآية. قال: إنّ اللّه تبارك اسمه قال للنّاس أفحسبتم أن يدخل الجنّة كلّ من قال إنّي مؤمنٌ ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم يقول: أفحسبتم أن تدخلوا الجنّة حتّى يصيبكم مثل ما أصيب به الّذين من قبلكم البلايا، حتّى أختبر فيه أمركم، وأنظر فيه إلى صدقكم وطاعتكم في البلاء). [تفسير القرآن العظيم: 1/379]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولمّا يأتكم
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عبد الرّحمن بن أبي الغمر، ثنا مفضّلٌ قال:
سألت أبا صخرٍ، عن قوله: ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم يقول: ولم أضربكم ببلايا كما بلوت الّذين من قبلكم، بلوتهم بالبأساء والضّرّاء وزلزلوا.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ ولمّا يأتكم يقول: ولمّا تبتلوا). [تفسير القرآن العظيم: 1/379]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: مثل الّذين خلوا من قبلكم
وبه عن الرّبيع بن أنسٍ ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم يقول: سنن الّذين خلوا من قبلكم). [تفسير القرآن العظيم: 1/379]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: مسّتهم
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: أخبر اللّه سبحانه المؤمنين، أنّ الدّنيا دار بلاءٍ، وأنّه مبتليهم فيها، وأخبرهم أنّه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته، لتطيب أنفسهم فقال:
مسّتهم البأساء والضّرّاء.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله مسّتهم البأساء قال: أصابهم هذا يوم الأحزاب.
[تفسير القرآن العظيم: 2/379]
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عبد الرّحمن بن أبي الغمر، ثنا مفضّلٌ قال:
سألت أبا صخرٍ، عن قوله: ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء يقول: بلوتهم بالبأساء). [تفسير القرآن العظيم: 1/380]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: البأساء
- حدّثنا أبو سعيد بن نحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ، عن مرّة عن عبد اللّه بن مسعودٍ في قوله: البأساء قال:
البأساء: الفقر. وروي عن ابن عبّاسٍ وأبي العالية والحسن، في أحد قوليه ومرّة الهمدانيّ وسعيد بن جبيرٍ ومجاهدٍ والضّحّاك وقتادة والربيع بن أنس والسدي ومقاتل ابن حيّان، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/380]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: والضّرّاء
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: مسّتهم البأساء والضّرّاء فالضّرّاء: السّقم). [تفسير القرآن العظيم: 1/380]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وزلزلوا
وبه عن ابن عبّاسٍ: وزلزلوا بالفتن وأذى النّاس إيّاهم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السدي: مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا قال: أصابهم هذا يوم الأحزاب حتّى قال قائلهم: ما وعدنا اللّه ورسوله إلا غرورًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/380]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريب
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن، عن قتادة، قوله: حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه قال: خيرهم وأصبرهم وأعلمهم باللّه: متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ قال: هذا البلاء الشّديد والنّقص ابتلى اللّه الأنبياء والمؤمنين قبلكم، ليعلم أهل طاعته من أهل معصيته). [تفسير القرآن العظيم: 1/380]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزاوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب.
أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {أم حسبتم} الآية، قال: نزلت في يوم الأحزاب أصاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم يومئذ وأصحابه بلاء وحصر.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن المنذر عن ابن عباس قال: أخبر الله المؤمن أن الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها وأخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته اتطيب أنفسهم فقال {مستهم البأساء والضراء} فالبأساء الفتن والضراء السقم {وزلزلوا} بالفتن وأذى الناس إياهم.
وأخرج أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي عن خباب بن الأرت قال قلنا يا رسول الله ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا فقال: إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا
[الدر المنثور: 2/500]
يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه ثم قال: والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {ولما يأتكم مثل الذين خلوا} قال: أصابهم هذا يوم الأحزاب حتى قال قائلهم (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) (الأحزاب الآية 12).
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {مثل الذين خلوا} يقول: سنن الذين خلوا من قبلكم {مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول} خيرهم وأصبرهم وأعلمهم بالله {متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} فهذا هو البلاء والنغص الشديد ابتلى الله به الأنبياء والمؤمنين قبلكم ليعلم أهل طاعته من أهل معصيته.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليجرب أحدكم بالبلاء وهو أعلم به كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار
[الدر المنثور: 2/501]
فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز فذلك الذي نجاه الله من السيئات ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذي افتتن). [الدر المنثور: 2/502]

تفسير قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني ابن لهيعة عن أبي قبيلٍ عن رجلٍ [عن عبد] الله بن عمرو بن العاص قال: {يسألونك ماذا [ينفقون قل] العفو}، قال عبد اللّه: العفو فضل المال). [الجامع في علوم القرآن: 2/145]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل وما تفعلوا من خيرٍ فإنّ اللّه به عليمٌ}.
[جامع البيان: 3/639]
يعني بذلك جلّ ثناؤه: يسألك أصحابك يا محمّد، أيّ شيءٍ ينفقون من أموالهم فيتصدّقون به، وعلى من ينفقونه وفيما ينفقونه، ويتصدّقون به؟ فقل لهم: ما أنفقتم من أموالكم وتصدّقتم به فأنفقوه، وتصدّقوا به واجعلوه لآبائكم، وأمّهاتكم، وأقربيكم، ولليتامى منكم، والمساكين، وابن السّبيل، فإنّكم ما تأتوا من خيرٍ وتصنعوه إليهم فإنّ اللّه به عليمٌ، وهو محصيه لكم حتّى يوفّيكم أجوركم عليه يوم القيامة، ويثيبكم على ما أطعتموه بإحسابكم فى نفقتكم عليه.
والخير الّذي قال جلّ ثناؤه في قوله: {قل ما أنفقتم من خيرٍ} هو المال الّذي سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أصحابه عن النّفقة منه، فأجابهم اللّه عنه بما أجابهم به في هذه الآية.
وفي قوله: {ماذا} وجهان من الإعراب: أحدهما أن يكون ماذا بمعنى أيّ شيءٍ، فيكون نصبًا بقوله: ينفقون، فيكون معنى الكلام حينئذٍ: يسألونك أيّ شيءٍ ينفقون، ولا ينصب بـ يسألونك.
والآخر منهما الرّفع. وللرفع في ذلك وجهان: أحدهما أن يكون ذا الّذي مع ما بمعنى الّذي، فيرفع ما بـ ذا وذا بـ ما، وينفقون من صلة ذا، فإنّ العرب قد تصل ذا. وهذا كما قال الشّاعر:
عدس ما لعبّادٍ عليك إمارةٌ = أمنت وهذا تحملين طليق
[جامع البيان: 3/640]
فـ تحملين من صلة هذا، فيكون تأويل الكلام حينئذٍ: يسألونك ما الّذي ينفقون.
والآخر من وجهي الرّفع أن تكون ماذا بمعنى أيّ شيءٍ، فيرفع ماذا وإن كان قوله: {ينفقون} واقعًا عليه، إذ كان العامل فيه وهو ينفقون لا يصلح تقديمه قبله، وذلك أنّ الاستفهام لا يجوز تقديم الفعل فيه قبل حرف الاستفهام، كما قال الشّاعر:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول = أنحبٌ فيقضى أم ضلالٌ وباطل
وكما قال الآخر:
وقالوا تعرّفها المنازل من منًى = وما كلّ من يغشى منًى أنا عارف
فرفع كلّ ولم ينصبه بعارفٍ. إذ كان معنى قوله: وما كان من يغشى منًى أنا عارف جحود معرفة من يغشى منّي، فصار في معنى ما أحدٌ.
وهذه الآية نزلت فيما ذكر قبل أن يفرض اللّه زكاة فى الأموال.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ،
[جامع البيان: 3/641]
قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين} قال: يوم نزلت هذه الآية لم تكن زكاةٌ، وهي النّفقة ينفقها الرّجل على أهله والصّدقة يتصدّق بها فنسختها الزّكاة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: سأل المؤمنون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أين يضعون أموالهم؟ فنزلت: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل} فذلك النّفقة في التّطوّع، والزّكاة سوى ذلك كلّه.
قال: وقال مجاهدٌ: سألوا فأفتاهم في ذلك {ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين} وما ذكر معهما.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثني عيسى، قال: سمعت ابن أبي نجيحٍ، في قول اللّه: {يسألونك ماذا ينفقون} قال: سألوه فأفتاهم في ذلك فللوالدين، والأقربين وما ذكر معهما.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: وسألته عن قوله: {قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين} قال: هذا من النّوافل، قال: يقول: هم أحقّ بفضلك من غيرهم.
[جامع البيان: 3/642]
وهذا الّذي قاله السّدّيّ من أنّه لم يكن يوم نزلت هذه الآية زكاةٌ، وإنّما كانت نفقةً ينفقها الرّجل على أهله، وصدقةٌ يتصدّق بها، ثمّ نسختها الزّكاة، قول ممكنٌ أن يكون، كما قال: وممكنٌ غيره. ولا دلالة في الآية على صحّة ما قال؛ لأنّه ممكنٌ أن يكون قوله: {قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين} الآية، حثًّا من اللّه جلّ ثناؤه على الإنفاق على من كانت نفقته غير واجبةٍ من الآباء، والأمّهات، والأقرباء، ومن سمّي معهم في هذه الآية، وتعريفًا من اللّه عباده مواضع الفضل الّتي تصرف فيها النّفقات، كما قال في الآية الأخرى: {وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة} وهذا القول الّذي قلناه هو قول ابن جريجٍ الّذي حكيناه.
وقد بيّنّا معنى المسكنة، ومعنى ابن السّبيل فيما مضى، فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا). [جامع البيان: 3/643]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل وما تفعلوا من خيرٍ فإنّ اللّه به عليمٌ (215)
قوله تعالى: يسألونك ماذا ينفقون
- ذكر عن سلمة بن أفضل، حدّثني ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: أنّ نفرًا من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، حين أمروا بالنّفقة في سبيل اللّه، أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: يا نبيّ اللّه: إنّا لا ندري ما هذه النّفقة الّتي أمرتنا بها في أموالنا، فما ننفق منها؟ فأنزل اللّه في ذلك:
ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو وكان قبل ذلك ينفق ماله حتّى ما يجد ما يتصدّق به، ولا ما يأكل حتّى يتصدّق عليه.
- قرأت على محمّد بن الفضل، حدّثني محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيان، قوله: يسألونك ماذا ينفقون وهي: النّفقة في التّطوّع.
قوله تعالى: قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قوله: يسألونك ماذا ينفقون قال: سألوا ما لهم في ذلك؟ قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين وما ذكر معهما.
- حدّثنا أبي، ثنا سلمة بن داود العرضيّ وصالح بن عبيد اللّه قالا: ثنا أبو المليح، عن ميمون بن مهران، قرأ هذه الآية يسئلونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل ثمّ قال: هذه مواضع النّفقة ما ذكر فيها طبلٌ ولا مزمارٌ ولا تصاوير الخشب ولا كسوة الحيطان.
وروي عن مقاتل ابن حيّان، أنّه قال: هذه مواضع نفقة أموالكم.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين قال: يوم نزلت هذه الآية، لم تكن زكاة هي النّفقة، نفقة الرّجل على أهله، والصّدقة يصدق بها، فنسختها الزكاة). [تفسير القرآن العظيم: 1/381]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وما تفعلوا من خير
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 1/381]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فإنّ اللّه به عليمٌ
- حدّثنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان، عن قتادة، قوله: فإنّ اللّه به عليمٌ قال: محفوظٌ ذلك عند اللّه، عالمٌ به شاكرٌ له وأنّه لا شيء أشكر من اللّه ولا أجزأ بخيرٍ من اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/381]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين، وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {يسألونك ماذا ينفقون} الآية، قال: يوم نزلت هذه الآية لم يكن زكاة وهي النفقة ينفقها الرجل على أهله والصدقة يتصدق بها فنسختها الزكاة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج قال: سأل المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يضعون أموالهم فنزلت {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير} الآية، فذلك النفقة في التطوع والزكاة سوى ذلك كله.
وأخرج ابن المنذر عن ابن حبان قال أن عمرو بن الجموح سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها فنزلت {يسألونك ماذا ينفقون} الآية، فهذا مواضع نفقة أموالكم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذرعن قتادة قال همتهم النفقة فسألوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {ما أنفقتم من خير} الآية
[الدر المنثور: 2/502]
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {يسألونك ماذا ينفقون} قال: سألوه ما لهم في ذلك {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين} الآية، قال: ههنا يا
ابن آدم فضع كدحك وسعيك ولا تنفح بها وذاك وتدع ذوي قرابتك وذوي رحمك.
وأخرج الدارمي والبزار، وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس قال: ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض كلهن في القرآن منهن (يسألونك عن الخمر والميسر) (البقرة الآية 219) و(يسألونك عن الشهر الحرام) (البقرة الآية 217) و(يسألونك عن اليتامى) (البقرة الآية 220) و(يسألونك عن المحيض) (البقرة الآية 222) و(يسألونك عن الأنفال) (الأنفال الآية 1) و{يسألونك ماذا ينفقون} ما كانوا يسألونك إلا عما كان ينفعهم). [الدر المنثور: 2/503]


رد مع اقتباس